المركز العربي للبحوث والدراسات : التكوين والاختصاصات: القضاء المصري في الدستور الجديد (طباعة)
التكوين والاختصاصات: القضاء المصري في الدستور الجديد
آخر تحديث: الثلاثاء 17/05/2016 11:35 ص المستشار عصمت العيادي الرئيس بمحاكم الاستئناف
التكوين والاختصاصات:
تعد مصر من أقدم الحضارات التي عرفت نظامًا متميزا للقضاء حريٌّ بنا أن نفاخر به، إذ اتسم بالعديد من السمات التي تدعو إليها المواثيق الدولية الحديثة ومنها: الأخذ بمبدأ تقريب المحاكم لجهات إقامة المواطنين، فكل إقليم توجد به محكمة محلية يلجأ إليها المواطن مطالبًا بحقه. والأخذ بمبدأ التقاضي على درجات، وليس درجة واحدة فإذا كانت توجد محكمة محليه بكل إقليم، فإن العاصمة توجد بها محكمة استئناف يرأسها أعلى موظف في الدولة "الوزير" وهو مستودع ثقة الملك الإله، وإن كان الملك هو  القاضي الأعلى في البلاد.
أنه لا توجد حصانة لأي من موظفي الدولة قبل القضاء. أن مصر عرفت تنوع جهات القضاء منذ فجر التاريخ. أن مصر عرفت  مبدأ استقلال القضاء، وكان الملك يعين القضاة، لكنه كان شديد الحرص على أن يكونوا مستقلين في أدائهم لعملهم، وكان للقضاء إله يسمى ماعت. ونقول إن القضاء في مصر يشمل حاليا القضاء العادي والإداري والدستوري والهيئات القضائية ذات الاختصاص القضائي غير المسماه بالدستور والقضاء العسكري .

إن القضاء في مصر يشمل حاليا القضاء العادي والإداري والدستوري والهيئات القضائية ذات الاختصاص القضائي غير المسماه بالدستور والقضاء العسكري
القسم الأول: الجهات القضائية
أولًا: القضاء العادي    
ويسمى أيضًا بالقضاء المدني وتنظم شئونه المواد من 184/189 من التعديل الدستوري عام 2014 والقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل بشأن السلطة القضائية، ويختص وفقًا للمادة 188 من الدستور بالفصل في كل المنازعات الجرائم عدا ما تختص به جهة قضائية أخرى ووفقًا للمادة 15 من قانون السلطة القضائية فإن ولاية القضاء العادي تمتد لتشمل كل المنازعات والجرائم فيما عدا المنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة، وكذلك ما أستثني بنص خاص ومنها على سبيل المثال ما يسمى بأعمال السيادة وهي مجموعة الأعمال التي تتسم بالصفة السياسية – سواء تعلقت بالداخل أو الخارج – وتصدر من الحكومة بصفتها سلطة حكم وليس مجرد سلطة إدارية.
والقضاء العادي يتكون من شعبتين:
1- شعبة النيابة العامة: وهي جزء لا يتجزأ من القضاء، تتولي التحقيق وتحريك ومباشرة الدعوي الجنائية عدا ما يستثنيه القانون، ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى "م189 / 1 من الدستور والمواد من 21 حتى 27 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972".
2- شعبة المحاكم:
أ- الولاية القضائية للمحاكم:
تتحدد ولاية المحاكم العادية بالمادة 188 من الدستور والتي تنص على أنه "يختص  القضاء بالفصل في كال المنازعات والجرائم، عدا ما تختص به جهة قضائية أخرى...."، وتنص المادة 15 من قانون السلطة القضائية على أنه "فيما عدا المنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة تختص المحاكم بالفصل  في كل المنازعات والجرائم إلا ما أستثني بنص خاص....."، وتنص المادة "17" من ذات القانون على أنه " ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في أعمال السيادة، ولها دون أن تؤول الأمر الإداري أو توقف تنفيذه أن تفصل:
1- في المنازعات المدنية والتجارية التي تقع بين الأفراد والحكومة أو الهيئات العامة بشأن عقار أو منقول عدا الحالات التي ينص فيها القانون على غير ذلك.
2- في كل المسائل الأخرى التي يخولها القانون حق النظر فيها.
ب- طبقات المحاكم واختصاصاتها:
وفقًا لنص المادة الأولى من قانون السلطة القانونية فتتكون المحاكم من:
1- محكمة النقض وهي محكمة واحدة بجمهورية مصر العربية مقرها مدينة القاهرة، وتختص بنظر الطعون في الأحكام الجنائية الصادرة من محاكم الجنايات والجنح المستأنفة، وفي الأحكام المدنية الصادرة من محاكم الاستئناف العالي أو المحاكم الابتدائية بهيئة استئنافية أو المحاكم الاقتصادية في الأحوال المقررة قانونًا.
2- محاكم الاستئناف العالي: وهي ثماني محاكم على مستوى الجمهورية توجد بالقاهرة والإسكندرية وطنطا والمنصورة والإسماعيلية وبني سويف وأسيوط وقنا، وتختص كل منها بنظر قضايا الجنايات، واستئناف الأحكام المدنية بسائر أنواعها الصادرة من المحاكم الابتدائية الواقعة بدائرة اختصاصها المحلي وفقًا للتنظيم القانوني.
3- المحاكم الابتدائية: وهي توجد بعاصمة كل محافظة وتختص بنظر الدعاوى المدنية الابتدائية بسائر أنواعها المختصة بها قيميا ونوعيًا، وكذلك تعمل كمحكمة استئناف بالنسبة للأحكام المدنية والجنائية الصادرة  من المحكمة الجزئية في الأحوال المحددة قانونًا.
4- المحاكم الجزئية: وهي توجد بكل مركز أو قسم إداري وتختص بنظر الدعاوى المدنية بسائر أنواعها المختصة بها قيميًا ونوعيًا، وقضايا المخالفات والجنح الجنائية التي تقع بدائرة اختصاصها عدا ما يستثنيه القانون مثل قضايا جنح النشر الصحفي فتختص بنظرها محاكم الجنايات.
جـ- المحاكم الاقتصادية
أنشئت بالقانون رقم 120  لسنة 2008 لتختص بنظر القضايا ذات الطابع الاقتصادي المتعلقة بالاستثمار سواء الجنائية أو المدنية، ابتغاء تحقيق فكرة تخصص القضاء بالنسبة لقضايا التنمية الاقتصادية، وولايتها جزء من ولاية القضاء العادي ومن حيث ترتيب المحاكم وطبقاتها فهي وفقًا للمادة "1" من قانونها "تنشأ بدائرة اختصاص كل محكمه استئناف محكمه تسمى المحكمة الاقتصادية.....، ويكون قضاتها من بين قضاة المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف...، وتشكل من دوائر ابتدائية ودوائر استئنافية، ويحدد القانون في المادة الرابعة منه نوعية الجرائم التي تختص بها المحكمة الاقتصادية "الجنح - الجنايات"، وتبين المادة السادسة وما بعدها – المنازعات التي تختص بها المحاكم الاقتصادية سواء ابتدائيًا أو استئنافيًا وكيفية نظرها ثم  الطعن عليها بالنقض.
محاكم الاستئناف العالي: وهي ثماني محاكم على مستوى الجمهورية توجد بالقاهرة والإسكندرية وطنطا والمنصورة والإسماعيلية وبني سويف وأسيوط وقنا
ثانيا:- قضاء مجلس الدولة
ويطلق عليه أيضا القضاء الإداري ويحكم نظامه القانون رقم 47 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984ووفقا النص المادة 190 من الدستور المصري المعدل عام 2014 فإن "مجلس الدولة  جهة قضائية مستقلة، يختص دون غير بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجمع أحكامه، كما يختص بالفصل في الدعاوي والطعون التأديبية، ويتولي وحده الإفتاء في المسائل القانونية للجهات التي يحددها القانون، ومراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية، ومراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة أو إحدى الهيئات العامة طرفًا فيها، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى"، ونصت المادة الأولي من القانون رقم 47 لسنة 1972 على أن "مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ......"  .
أ- اختصاصات مجلس الدولة
تنص المادة  العاشرة من قانون مجلس الدولة على أنه يختص بنظر:
1- طعون الموظفين العموميين – أو ورثتهم – بشأن منازعاتهم مع جهة الإدارة عن جميع المسائل المتعلقة بالوظيفة العامة مثل الأجر بسائر عناصره، المعاشات، والترقيات والتنقلات والجزاءات وغيرها.
2- طعون الأفراد والهيئات بإلغاء القرارات الإدارية أيا كان نوعها ما لم يستثنها  القانون.
3- الطعون على العقود الإدارية.
سواء تعلق الأمر بالقرارات الإيجابية أو السلبية الصريحة أو الضمنية، وسواء تعلق الأمر بطلب تعديل القرار أو إلغائه وسواء كان ذلك مشمولًا بالتعويض من عدمه.
ويخرج عن هذه الاختصاصات الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة وذلك عملًا بنص المادة 11 من قانون مجلس الدولة، وذلك وفقًا للمفهوم السالف بيانه لدي الحديث عن اختصاصات القضاء العادي بالقسم السابق.
ب- تكوين مجلس الدولة
وفقًا النص المادة الثانية من قانون مجلس الدولة  فإنه يتكون من:
1- القسم القضائي.
2- قسم الفتوى.
3- قسم التشريع.
1- القسم القضائي
 وفقًا للمادة الثالثة من قانون إنشاء المجلس فإنه يتكون من قسمين أحدهما المحاكم والآخر هيئة المفوضين، ومحاكم مجلس الدولة هي:
أ- المحكمة الإدارية العليا.
ب- محكمه القضاء الإداري.
ج- المحاكم الإدارية.
د- المحاكم التأديبية.
ه- هيئة مفوضي الدولة.
اختصاصات المحاكم الإدارية :                
أ - المحكمة الإدارية العليا:
وهي تعتبر المحكمة العليا لقضاء مجلس الدولة وتختص بنظر الطعون في  الأحكام الصادرة من محكمه القضاء الإداري أو المحاكم التأديبية في الحالات وبالأوضاع الواردة بالمادة 23 من  القانون المذكور.
ب- أما محكمة  القضاء الإداري فهي تختص وفقا للمادة 13 ".... بالفصل في المسائل المنصوص عليها في المادة "10" عدا ما  تختص به  المحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية، كما تختص  بالفصل في الطعون التي ترفع إليها  عن الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية......".
ج- أما المحاكم الإدارية فهي وفقًا للمادة "14" من القانون تختص:
1- بالفصل في طلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البنود ثالثًا ورابعًا من المادة "10" متى كانت متعلقة بالموظفين العموميين المستوى الثاني والمستوى الثالث ومن يعادلهم، وفي طبقات التعويض المترتبة على هذه القرارات.
2- وبالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لمن ذكروا في البند السابق أو لورثتهم.
3- بالفصل في المنازعات الواردة في البند الحادي عشر من المادة "10" متى كانت قيمة المنازعة لا تجاوز خمسمائة جنيه.
د- المحاكم التأديبية:
وهي تختص بتأديب الموظفين العموميين وغيرهم من المذكورين بالمادة 15 وهي على مستويين وفقا للدرجة الوظيفية للعامل.
هـ- هيئة المفوضين:
تتولى هيئة مفوضي الدولة تحضير الدعوي وتهيئتها  للمرافعة والطعن على الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية والتأديبية ومحكمة القضاء الإداري.
2- قسم الفتوى:
وهو يتكون من مجموعة من الإدارات المختصة بإبداء الرأي القانوني للجهات العامة مثل رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والوزارات وغيرها، أو ندب بعض قضاة المجلس كمفوضين للمجلس في الجهات السابقة للاستعانة بهم في دراسة الشئون القانونية، فضلًا عن اختصاص الإدارة بدراسة العقود وقرارات التحكيم إذا زادت قيمتها عن خمسة آلاف جنية.
3- قسم التشريع:
يختص بمراجعة صياغة أي قانون أو قرار من رئيس الجمهورية ذي صفة تشريعية أو لائحية تستصدره أية وزارة أو مصلحة.
الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع: وقد نظمت تشكيلها المادة 65 من  القانون، وحددت اختصاصاتها المادة 66 والتي من أخطرها إبداء الرأي في المسائل الدولية والدستورية والتشريعية وغيرها من المسائل القانونية التي تحال إليها بسبب أهميتها من رئيس الجمهورية أو من رئيس الهيئة  التشريعية أو من رئيس مجلس الوزراء أو من أحد الوزراء أو من رئيس مجلس الدولة.
أن المحكمة الدستورية العليا والقضاء المصري عمومًا قد تعرض لهجمة شرسة ومحنة شديدة في الربع الأخير في عام 2012 في عهد حكم الإخوان نتيجة رفض القضاء الحكم بهوى الإخوان
ثالثًا:  القضاء الدستوري المصري
"المحكمة الدستورية العليا"
وهيئة  قضائية قائمة بذاتها مقرها مدينة القاهرة. واختصاصات المحكمة الدستورية العليا. ويتفق الفقه والقضاء على أن الدور الدستوري للمحكمة الدستورية العليا هو الغالب في طبيعة عملها عن دورها كمحكمة موضوع، وعمومًا فإن المادة 175 من دستور عام 1971 قد حددت اختصاصات المحكمة علي أنها:
1- تتولى المحكمة الدستورية  العليا دون غيرها الرقابة على دستورية القوانين واللوائح.
2- تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير النصوص التشريعية.
3- يعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة.
وإذ صدر القانون رقم 48  لسنه 1979 بشأن المحكمة الدستورية العليا، فإنه قد ناط بها أيضًا:
1- الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات  القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي سواء كان هذا التنازع إيجابيًا بتمسك أكثر من جهة بنظر النزاع، أم سلبيا يحدد أكثر من جهة قضائية اختصاصها بنظر النزاع.
2- الفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادرين من جهتين مختلفتين من جهات القضاء.
3- منازعات التنفيذ الوقتية بشأن الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا.
4- المنازعات الخاصة بشئون أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وفيها تعمل باعتبارها محكمة موضوع.
بيد أن المحكمة الدستورية العليا والقضاء المصري عمومًا قد تعرض لهجمة شرسة ومحنة شديدة في الربع الأخير في عام 2012 في عهد حكم الإخوان نتيجة رفض القضاء الحكم بهوى الإخوان.
ولكن هذه الحقبة سرعان ما انقشعت بقيام ثورة يونيو عام 2013 وصدور التعديل الدستوري عام 2014، فأعاد تنظيم السلطة القضائية – على وجه العموم – بما يتفق والثوابت الدستورية والقانونية وعلي نحو يكفل لكل جهاتها الاستقلال والحرية على النحو الذي يحقق غايات المشرع الدستوري، فتحدث في المواد "191 / 195" عن المحكمة الدستورية العليا، وأناط بها ذات الاختصاصات التي تحدثنا عنها سلفًا، وأضاف في المادة "192" عبارة "ويعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة، وينظم الإجراءات التي تتبع أمامها".

القسم الثاني: الهيئات القضائية المسماة بالدستور
أولًا:  النيابة الإدارية
النيابة الإدارية جهة قضائية أنشئت بالقانون رقم 480 لسنه 1954 ، وحدد القانون رقم 117 لسنه 1958 اختصاصاتها في المادة الثالثة بأنها:
1-    إجراء الرقابة والتحريات اللازمة للكشف عن المخالفات المالية والإدارية.
2-    فحص الشكاوي التي تحال إليها من الرؤساء المختصين أو من أي جهة رسمية عن مخالفة القانون أو الإهمال في أداء واجبات الوظيفية.
3- إجراء التحقيق في المخالفات الإدارية والمالية  التي يكشف عنها إجراء الرقابة وفيما يحال إليها من الجهات الإدارية المختصة، وفيما تتلقاه من شكاوى الأفراد والهيئات التي يثبت الفحص جديتها.
وتختص أيضا وفقا للمادة 4 بمباشرة الدعوي التأديبية أمام المحاكم التأديبية بالنسبة للموظفين المعينين على وظائف دائمة.
واهتم بها التعديل الدستوري عام 2014 فأورد بالمادة 197 أنها هيئة قضائية مستقلة ومنحها اختصاصًا جديدًا هو "يكون لها بالنسبة لهذه المخالفات  السلطات المقررة لجهة الإدارة في توقيع الجزاءات التأديبية، فضلًا عن اختصاصها المستقر بالتحقيق في المخالفات المالية والإدارية، وتحريك ومباشرة الدعاوى والطعون التأديبية، وأضاف النص في فقرته الثانية أنه "يحدد القانون اختصاصاتها الأخرى، ويكون لأعضائها كافة الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية وينظم القانون مساءلتهم التأديبية".
ثانيًا: هيئة قضايا الدولة
وهي هيئة قضائية مستقلة وفقًا لحكم المادة 196 من الدستور المصري المعدل عام 2014، وتضرب بجذورها في أعماق الجهات القانونية للدولة المصرية، إذ إنها أنشأت وفقًا لدكريتو الخديو إسماعيل الصادر يوم 27/ يناير عام 1876 بإنشاء لجنة مستشاري الحكومة للدفاع  عن مصالح الدولة أمام المحاكم المختلطة.
وينظم شئونها حاليا القرار بقانون رقم 75 لسنة 1963 المعدل بالقانون رقم 10 لسنة 1986 المنظم حاليًا لهيئة قضايا الدولة والذي نصت مادته الأولى على أن "هيئة قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة تلحق بوزير العدل"، ووفقًا لنص المادة 6/1 من هذا القانون فإنه "تنوب هذه الهيئة عن الدولة بكل شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدي المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ولدي الجهات الأخرا التي خولها القانون اختصاصًا قضائيًا......" ونصت المادة الثامنة على أنه "لا يجوز إجراء صلح في دعوا تباشرها هيئة قضايا الدولة إلا بعد أخذ رأيها في إجراء الصلح كما يجوز لهذه الهيئة أن تقترح على الجهة المختصة الصلح في دعوى تباشرها وذلك مع عدم الإخلال بأحكام قانون مجلس الدولة"، وظاهر ما نصت عليه المادتان السابقتان أنهما ناطتا بهيئة قضايا الدولة اختصاصين:
1- النيابة القانونية عن سائر الأشخاص الاعتبارية العامة أمام المحاكم العادية والإدارية واللجان القضائية واللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي وجهات التحكيم – سواء في الداخل أو الخارج – للدفاع عن حقوق الدولة المصرية.
2- أن هيئة قضايا الدولة تقوم بدور مهم في إنهاء المنازعات القضائية صلحًا بين الدولة والخصوم الآخرين سواء بمبادرة منها أو بالموافقة على الصلح المقترح من جهة الاختصاص.
وجاء المشرع الدستوري في المادة 196 من التعديل الدستوري الصادر عام 2014 مؤكدًا للواقع القانوني بنصه على أن "قضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة، تنوب عن الدولة فيما يرفع منها أو عليها من دعاوى، وفي اقتراح تسويتها وديًا في أي مرحلة من مراحل التقاضي، والإشراف الفني على إدارات الشئون القانونية بالجهاز الإداري للدولة بالنسبة للدعاوى التي تباشرها وتقوم بصياغة مشروعات العقود التي تحال إليها من الجهات الإدارية وتكون الدولة طرفًا فيها، وذلك كله وفقًا لما ينظمه القانون.
ويحدد القانون اختصاصاتها الأخرى، ويكون لأعضائها كل الضمانات والحقوق والواجبات المقررة لأعضاء السلطة القضائية وينظم القانون مساءلتهم تأديبيًا".
والنص السابق أضاف للهيئة اختصاصين جديدين هما:
1- الإشراف الفني على إدارات الشئون القانونية بالجهاز الإداري للدولة بالنسبة للدعاوى التي تباشرها.
3-    صياغة مشروعات العقود التي تحال إليها من الجهات الإدارية وتكون الدولة طرفًا فيها، وذلك كله وفقًا لما ينظمه القانون.
أن القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء و
القسم الثالث: الهيئات القضائية ذات الاختصاص القضائي غير المسماة بالدستور
على الرغم من أن المشرع الدستوري المصري لم يتحدث صراحة في التعديل الدستوري الأخير الصادر عام 2014 عن إنشاء هيئات قضائية أخرى جديدة ذات اختصاص قضائي فإننا نرى أنه يمكنه ذلك، وذلك لدعامتين أولاهما عدم وجود نص دستوري يحظر ذلك، وثانيتهما أن ذلك يؤخذ ضمنا من نص المادة 192 من التعديل الدستوري الأخير الذي جعل من ضمن اختصاصات المحكمة الدستورية العليا :
1-    الفصل في تنازع الاختصاص بين جهات القضاء والهيئات ذات الاختصاص القضائي.
2-    الفصل في النزاع الذي يقوم بين بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صدر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها.
ومن ثم فإن الهيئات ذات الاختصاص القضائي القائمة من سلف سيظل وجودها مستمرًا وصحيحًا، ما لم يصدر تشريع بإلغائها أو تعديل صلاحياتها، والمشرع حينما ينشئ هذه الهيئات ذات الاختصاص القضائي، قد يسميها لجانًا أو مجالس أو هيئات، على أنه مما ينبغي ملاحظته أن العديد من اللجان والمجالس والهيئات التي تعتبر هيئات ذات اختصاص قضائي تصدر قرارات قضائية، وأن العديد من اللجان والمجالس والهيئات التي تعتبر "هيئات إدارية" أو "هيئات إدارية ذات اختصاص قضائي" تصدر كلتاهما قرارات إدارية، شأن القرار الإداري الصادر من الجهة الإدارية مباشرة، وذلك أيًا كان تشكيلها أي حتى ولو شارك فيها عنصر قضائي، بل ولو كان هو العنصر الغالب في التشكيل، ويختص القضاء الإداري وحده بالطعن على قرارات هذه اللجان الإدارية سواء بالإلغاء أو بالتعويض أو الوقف أو التأويل، دون أن يكون للقضاء العادي أي اختصاص في هذا الشأن، ومن أمثلة هذه اللجان لجنة القسمة والاعتراضات بوزارة الأوقاف، لكن المشرع قد يمنح القضاء العادي استثناء النظر في هذه الطعون ومثال ذلك الطعن في قرارات هيئات التوفيق والتحكيم في منازعات العمل، أما اللجان القضائية فهي هيئات يمنحها القانون سلطة الفصل في خصومة على أساس قاعدة قانونية تتعلق بمركز قانوني ومثالها اللجان القضائية للإصلاح الزراعي المشكلة بموجب المادة 13 مكررًا من القانون 178 لسنة 1952 ، ولجنة ضباط القوات المسلحة "ق 96 لسنة 1971"، ومجلس تأديب أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي رقم 166 لسنة 1954"، وللتمييز بين اللجنة التي تعتبر هيئة ذات اختصاص قضائي وتصدر قرارات قضائية، ومجرد اللجنة الإدارية أو اللجنة الإدارية ذات الاختصاص القضائي، فإن الأمر يكون واضحًا ولا يحمل لبسًا أو غموضًا إذا أفصح المشرع صراحة عن قصده عند إنشائها بالنص على أنها هيئة إدارية تصدر قرارات إدارية أو أنها هيئة قضائية  تصدر قرارات قضائية، فالأمر يكون محسومًا. فإن لم يفصح المشرع عن رأيه، فإن الفقه والقضاء ذهبوا في طريق التمييز بينهما إلى ثلاثة معايير أولها شكلي مضمونة الاعتداد بتشكيل اللجنة فإن كان تابعًا لسلطة قضائية كان القرار قضائيًا، وإلا كان القرار إداريًا. وثانيها موضوعي والعبرة فيه بموضوع القرار بصرف النظر عن الهيئة التي أصدرته ، فالقرار القضائي يقوم في نظر أصحاب هذا المعيار متى كان موضوعه حسم خصومه بين طرفين على مسألة قانونية، ويحوز قوة الأمر المحكوم فيه، وذهب المعيار الثالث إلى أن العبرة بما تكشف عنه مجموع نصوص القانون الذي أنشأ اللجنة، وما إذا كان المشرع يبغي إنشاء لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي أم يبغي إنشاء هيئة قضائية تصدر قرارات إدارية وهو معيار يراعي أيضًا وجود المعيارين السابقين ولا يغفل وجودهما.
    
القسم الرابع :  القضاء العسكري
نصت المادة 204 من التعديل الدستوري الصادر عام 2014 على أن "القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة يختص دون غيره بالفصل في كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن في حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة".
ولا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري، إلا في الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة  أو ما في حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم.
ويحدد القانون تلك الجرائم ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى..........."
وتنص المادة 48 من القانون رقم 27 لسنه1980 بإصدار قانون الخدمة العسكرية والوطنية بأنه " يختص القضاء العسكري دون غيره بنظر الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وجرائم التزوير المرتبطة بها".
ونصت المادة1/2 من القانون رقم 25 لسنة 1966 بإصدار قانون القضاء العسكري بأنه "ويختص القضاء العسكري دون غيره بنظر الجرائم الداخلة  في اختصاصه وفقا لأحكام هذا القانون وغيرها من الجرائم التي يختص بها وفقا لأي قانون آخر وذكرت المواد من المادة 5 من هذا القانون وحتى المادة 8 مكرر 1 منه اختصاصات القضاء العسكري، هذا ويتم تحديد اختصاصات القضاء العسكري وفقا لأي من معايير الوظيفة أو الصفة الشخصية أو المكان أو المصلحة المحمية أو أي معيار آخر يراه المشرع فضلا عن محاكمة العسكريين السابقين في الجرائم التي وقعت منهم حال وجودهم في الخدمة العسكرية بالضوابط الواردة به، فضلا عن الاختصاص بالفصل في الجرائم المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني والثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وهي الجنح والجنايات المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج ومن جهه الداخل والرشوة واختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر.
"رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا "   
صدق الله العظيم
الهوامش:
- أ. د. عبد الكريم نصير، دروس في تاريخ القانون المصري،  جامعة جنوب الوادي، طبعة 2008 ، ص 35 وما بعدها.
- أ.د. محمود السقا، فلسفة وتاريخ النظم الاجتماعية والقانونية،  ص 236 وما بعدها.
- أ.د. رأفت فودة، مصادر المشروعية الإدارية ومنحنياتها، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، 2012 / 2013، من 194 وما بعدها.
- المستشار د. محمد فتحي نجيب، التنظيم القضائي المصري، دراسات في حرية التعبير واستقلال القضاء وضمانات التقاضي، دار الطباعة الحديثة، طبعة عام 1998، ص 137.
- المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 117 لسنة 1958.
- محاضرة السيد/ بيولا كازللي، المستشار الملكي لرئاسة مجلس الوزراء ورئيس لجنة قضايا الحكومة بالجمعية الملكية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع في 29 فبراير عام 1924 منشور بمجلة هيئة قضايا الدولة ـ العدد الثاني ـ السنة 59 ـ إبريل / يونيه عام 2015 ص 3 وما بعدها.
¬ - المستشار محمد نصر الدين كامل،  اختصاص المحكمة الدستورية العليا، طبعة 1989، ص 33  وما بعدها.
-    طعن بالنقض رقم 80 لسنة 51 ق جلسة 9/12/1985 ـ م نقض م – 36 – 1140 منشور بمؤلف تقنين المرافعات للأستاذ / محمد كمال عبد العزيز ، الطبعة الثالثة  عام 1995 ص 683 وما بعدها ، نادي القضاة.