المركز العربي للبحوث والدراسات : الدولة التنموية: رؤى نقدية للمشكلات وسياسات بديلة (2) (طباعة)
الدولة التنموية: رؤى نقدية للمشكلات وسياسات بديلة (2)
آخر تحديث: الأربعاء 27/04/2016 11:30 ص د. يسري العزباوي
الدولة التنموية:
تناولنا في الحلقة الماضية من عرض المشروع البحثي الذي يقوم به المركز العربي للبحوث والدراسات عن "الدولة التنموية رؤى نقدية وسياسات بديلة" الأفكار الرئيسة لمفهوم الدولة التنموية، ودورها في عملية إعادة البناء، خاصة في الدول التي تشهد عملية تحول ديمقراطي، سواء أكان بعد ثورات شعبية أم بعد التحول من حكم سلطوي إلى نظام تعددي.
وعلى الرغم من أن البعد الاقتصادي يحتل الأولوية القصوى للدولة التنموية، لكن تظل الأبعاد السياسية والاجتماعية محل اهتمام من النخبة السياسية الجديدة التي تقود المجتمع في مثل هذه المراحل، وذلك من أجل أحداث لحمة وإجماع وطنيين حول مجالات التنمية التي تقدم عليها الدولة من ناحية، وإشراك القوى الحية في المجتمع ليس فقط في تحديد أولويات القضايا الملحة ولكن أيضًا التخطيط والإشراف عليها من خلال تقييم دوري لها على الأقل، حيث تعمل القوى المجتمعية في تناغم وتجانس من ناحية ثانية.
المؤكد، أن الدولة المصرية، التي لم تخرج حتى الآن من عنق الزجاجة، ليست بمنأى عن التهديدات والمخاطر التي واجهتها بعد ثورتي 25 و 30 يونيو، حيث تعمل بعض الدول الخارجية جاهدة على محاصرتها اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا. وهو ما يتطلب التكاتف مرة أخرى بين القوى السياسية التي ساندت ودعمت ثورة 30 يونيو من أجل وحدة الصف، ومنع محاولات إحداث شرخ في العلاقات بين هذه القوى والتي أجمعت على هدف واحد، يتلخص في التخلص من جماعات الإسلام السياسي التي تستخدم الدين بهدف الوصول إلى السلطة من ناحية، وإعادة بناء الدولة المصرية الحديثة من ناحية ثانية.
منذ ثورة 25 يناير، مرورًا بثورة 30 يونيو، لم تستطع الدولة المصرية فك شفرات الأزمات والإشكاليات السياسية التي تواجهها حتى الآن
الممارسة السياسية: الواقع والمتطلبات
منذ ثورة 25 يناير، مرورًا بثورة 30 يونيو، لم تستطع الدولة المصرية فك شفرات الأزمات والإشكاليات السياسية التي تواجهها حتى الآن، وذلك لأسباب عديدة، منها ما هو متعلق بالنظم السياسية المتعاقبة، ومنها ما هو مرتبط بطبيعة هذه الإشكاليات التي تحتاج ليس فقط إلى وقت ولكن إلى موارد مالية ضخمة في ظل أزمات اقتصادية متتالية يعاني منها الاقتصاد، وفي ظل افتقاد رؤية وسياسات محددة المعالم لمواجهتها، فضلاً عن الإرهاب الذي يضرب بجذوره في المنطقة برمتها بل العالم أجمع، ويضاف إلى ذلك حجم وسقف التوقعات لدى المواطنين في مختلف المجالات، واختزال العدالة الاجتماعية في الحصول على بعض زيادة رواتب أو دعم عيني أو نقدي من الدولة.
ومما زاد الأمور تعقيدًا، هو انقسام النخبة وعدم امتلاكها لرؤية موحدة للمشكلات المجتمعية أو السياسية، بل العكس هو ما حدث، حيث سعت النخبة إلى تحقيق مصالحها الذاتية على حساب المصلحة العليا للبلاد، وأدت إلى مزيد من الانشقاق والصراع السياسي والاجتماعي والثقافي، وهو ما انعكس بالضرورة على أداء مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية التي افتقدت القدرة على مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، ولم تستطع تقديم سياسات بديلة عما هو قائم، فضلاً عن فشلها في استيعاب الشباب وتوجيه قدراته بما يحقق النفع والصالح العام للدولة والمجتمع.
وفي هذا الإطار يتناول فصل الممارسة السياسية ثلاث نقاط رئيسة، هي: المحور الأول: تشخيص الواقع السياسي، وتحديد القضايا التي ما زالت تمثل إشكاليات رئيسة يحاول النظام فك شفراتها ووضع حلول وسيناريوهات من أجل تحقيق أهداف مطالب ثورتي 25 يناير و 30 يونيو، ومن هذه القضايا تلك المتعلقة بقضية احتواء الشباب المسيّس، وعدالة قضية التنمية، وسياسات مكافحة الإرهاب، وإعادة تنظيم الإعلام المصري، وتحديد ملامح وشكل النظام السياسي، ومحاربة الفساد السياسي والاقتصادي، وتجسير الفجوة في العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، ومعالجة مأزق الأحزاب السياسية، وجهاز إداري للدولة غير كفء.    
أما المحور الثاني، فهو متعلق بالسياسات المقترحة للتحديات التي تواجه الدولة المصرية، بهدف الوصول إلى الحد الأدنى من تقليص أو الحد من مخاطر هذه التحديات، وهي:  تفكك وتشرذم النخبة الثقافية والتشريعية، والهجوم المستمر على البرلمان، والأوضاع الاجتماعية، والإجماع القومي في تدعيم وترسيخ الديمقراطية، قلة القدرات الاقتصادية وعبء الديون الخارجية والداخلية، وأخيرًا، إيجاد سياسات واقعية للتعامل مع قضايا الشباب. ويتناول المحور الثالث الأجندة التشريعية المقترحة، بناء على الخبرة الدولية في إطار عمليات الانتقال الديمقراطي يمكننا تحديد عدد من القضايا التي من المهم تفعيل دور مجلس النواب الحالي فيها، وهي متعلقة بتعزيز عملية الديمقراطية، وإعادة بناء نظام اقتصادي ديمقراطي في مصر، ومنها: تحقيق العدالة الانتقالية، ومحاربة الفساد، وتحقيق النزاهة والشفافية، وتفعيل دور الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتفعيل قدرات ومقترحات المواطنين برلمانيًّا، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز دور الشباب تشريعيًّا. فضلاً عن سرعة إنشاء الهيئة الوطنية للانتخابات، خاصة أن هناك مجموعة من المبادئ الحاكمة لأي تشريع يخص إنشاء الهيئة، ومنها أن تتمتع الهيئة بالاستقلالية والحصانة الكاملة، كما ورد في نص المادة 208 من الدستور، وأن تختص الهيئة بإدارة العملية الانتخابية من الألف إلى الياء بدءًا من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، واقتراح تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والإنفاق الانتخابي، والإعلان عنه، والرقابة عليها، وتيسير إجراءات تصويت المصريين المقيمين في الخارج، وغير ذلك من الإجراءات حتى إعلان النتيجة.
أن معدل الهجرة في ازدياد، حيث ارتفع عدد المهاجرين من 2.3 مليون عام 2000 إلى 3.5 مليون مهاجر عام 2013
البعد الاجتماعي .. الواقع وسُبل المواجهة
في هذا الجزء من الدراسة يقدم الكاتب تحليلا اجتماعيًّا لأهم المشكلات الاجتماعية التي تواجه مصر. في القسم الأول منها تمهيدًا نظريًّا للبعد الاجتماعي للمشكلات الحديثة، وانتهى المؤلف إلى تعريف المشكلة الاجتماعية بأنها: عائق أو قيد بنيوي يجسد أزمة حضارية، أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية، يحول دون اندماج جماعة من الناس في المجتمع اندماجًا طبيعيًّا، أو يحرمهم من التمتع بحياة اجتماعية سوية، تنشأ من عدم قدرة النظام السياسي أو انصرافه عن تلبية الاحتياجات الأساسية والمتنوعة لكل أفراد المجتمع.  
وفي القسم الثاني، قدم الباحث المتميز د. أحمد بدوي تحليلا اجتماعيًّا ومقترحات لحل ست مشكلات لها انتشار واسع على المستوى الوطني، وقد رتبها تنازليًّا من مكافحة الفساد، والنمو السكاني، والفقر، والبطالة، والأمية، ثم الإدمان.
(1) مشكلة الفساد: حيث استعرض آثارها الاجتماعية الخطيرة للفساد، ومشكلات الوصول لمؤشرات كمية دقيقة لحجم الفساد بأنواعه في مصر، ثم تم عرض التقارير التي تثبت تدني موقع  مصر على خريطة المؤشرات الدولية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
(2) مشكلة النمو السكاني: حيث تم استعرض الجوانب المتعددة لمشكلة النمو السكاني ( 2,55% سنويًّا)، والتي لو استمرت على ذلك فإن سكان مصر سيبلغون 100 مليون نسمة في عام 2020، وأوضحنا أن التغلب على مشكلة النمو السكاني في مصر يستلزم العمل على ثلاثة مسارات: (أ) إصدار قانون السكان: تحقيقًا لنص المادة 41 من الدستور التي تلزم الدولة بتنفيذ برنامج سكاني، يستهدف تغيير المفاهيم التقليدية، والتحفيز الإيجابي للأسر التي تطبق هذه البرامج. (ب) تحسين الخصائص الثقافية الديموجرافية. (ج) إعادة التوزيع العام للسكان: حيث تتركز الغالبية العظمى من السكان في الدلتا والوادي، وتحتاج مصر مشاريع إستراتيجية في هذا الصدد، على غرار مشروع الريف المصري الجديد الذي تنفذه مصر الآن.
(3)  مشكلة الفقر: تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 56,3% من السكان يعيشون حياة لائقة، وبقية السكان يعيشون في الفقر بمستوياته الثلاثة، كما أن هناك مشكلة في التوزيع الجغرافي للفقر في مصر، فالريف أكثر فقرًا من الحضر، وعدد الفقراء يزداد كلما اتجهنا جنوبًا، ويتعين على البرلمان والحكومة، العمل على أربعة محاور للتغلب على مشكلة الفقر، كالتالي: (أ) التأكد من أن السياسة المالية تقوم: بحماية بنود الإنفاق العام التي تُعْنَى بالفقراء. (ب) الاستفادة من التجارب التنموية العالمية، وعلى رأسها التجربة البرازيلية في تعزيز شبكات الضمان الاجتماعي. (ج) سن التشريعات اللازمة لاستكمال منظومة الإصلاح الضريبي في مصر، لتوفير الموارد اللازمة للصرف على البرامج الاجتماعية. (د) مراقبة أداء الحكومة لضمان تطبيقها لمواد الدستور فيما يتعلق بنسبة الصرف على بنود الصحة والتعليم وإسكان محدودي الدخل، ومكافحة الفقر.
(4) مشكلة البطالة: تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن معدل البطالة في مصر يقترب من نسبة 14% من قوة العمل في مصر، غالبيتهم من الشباب المتعلم، ويرتبط بالمشكلة الخلل في توزيع القطاعات الاقتصادية في مصر (الزراعة، والصناعة، والخدمات). ونذهب إلى أن الحد من البطالة، يستلزم العمل في ستة مسارات: (أ) الاستمرار في تنفيذ برامج وسياسات مكافحة الفساد. (ب) البحث عن حلول مبتكرة للبطالة، منها التفكير في رعاية الدولة لبرنامج تسكين العمالة في مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص، بدوام نصف الوقت / نصف الأجر.(ج) حسم المشكلات البيروقراطية المزمنة المتعلقة بالاستثمار الخارجي.(د) تبني برامج طموحة لتأهيل وتدريب الشباب لسد العجز في العمالة النوعية في مصر. (هـ) إعادة النظر في برامج دعم المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، بالاستفادة من التجربة الصينية. (و) علاج الخلل في القطاعات الاقتصادية، بالاستفادة من التجربة الماليزية، مع تفعيل دور المؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة، وإدارتها بروح مؤسسات القطاع الخاص.
(5) الأمية: تشير آخر إحصاءات منظمة اليونسكو، أن موريتانيا واليمن والمغرب ومصر، على التوالي، تعد من أضعف البلدان العربية مُعَالجةً لمشكلة الأمية، وقد استنتجنا بناء على المتاح من الإحصاءات الرسمية، أن عدد الأميين في مصر، سوف يقترب من 19 مليون نسمة، مع الالتفات إلى أن أزمة الأمية لا يمكن اختزالها فقط في الذين يجهلون القراءة والكتابة بشكل مطلق، وأن هناك ضرورة لإعادة تعريف الأمية في مصر، تراعي الحاجة الملحة لتنمية المهارات المعرفية لدى المواطنين في عصر العولمة.
وبعد أن أثبتت التجربة فشل جهود مكافحة الأمية في مصر، فقد آن الأوان لتغيير السياسات التقليدية الخاصة بمكافحة هذه المشكلة، ونقترح ما يلي:  (أ) إلغاء الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، حيث إن هذه الهيئة تمثل عبئًا على الدولة، تستنزف الموارد دون تحقيق أهداف ملفتة في مجال محو الأمية، والمقترح إعادة ضمها إلى وزارة التربية والتعليم، وعودة نظام التعليم الليلي، استغلالا للبنية الأساسية لوزارة التربية والتعليم. (ب) رفع جودة التعليم الابتدائي في مصر، وهذا المقترح رغم تكاليفه المرتفعة، إلا أنه يؤدي إلى تجميد نسبة الأمية على المدى القصير، وانخفاضها على المدى المتوسط والبعيد تدريجيًّا. (ج) إلزام المنظمات الأهلية في مصر، وعددها حوالي 44 ألف جمعية، بشراكة جادة مع الدولة في ميدان مكافحة الأمية. (د) تركيز الجهود على مكافحة الأمية للسكان أقل من 15 عامًا، وفي هذا الصدد، يمكن الاستفادة من التجربة الرائدة للجمعية المصرية للتنمية الحضارية، أسسها الدكتور إبراهيم أبو العيش، وقد تبنت الجمعية مشروعًا لمكافحة الأمية بمنطقة بلبيس محافظة الشرقية، وحققت التجربة نتائج متميزة بشهادة المنظمات الدولية.
(6) مشكلة الإدمان: لقد تحول الإدمان إلى مشكلة اجتماعية خطيرة، بعد أن فاق أربعة أضعاف المعدل العالمي، حتى أصبحت سوق المواد المخدرة والمهلوسة في مصر من أكبر أسواق الشرق الأوسط، بسبب انتشار التعاطي بين كل طبقات المجتمع، أغنياء وفقراء، في الريف والحضر، وبين كل الفئات العمرية.
لا شك أن التغلب على المشكلات السابق ذكرها، له مردود إيجابي على خفض معدلات المُقْدمين على الإدمان في مصر، وتبقى الخطط والبرامج اللازمة للوصول بالمعدل إلى المستوى العالمي (5% من جملة السكان)، وهو ما يستلزم: (أ) تضافر جهود المؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية، بجانب المؤسسة الأمنية والقضائية. (ب) فضلا عن جهود الدولة في مراجعة التشريعات الضرورية لمواجهة جريمة الاتجار بالمخدرات، وسن قوانين أكثر صرامة من القوانين الحالية. (ج) رهن الالتحاق بالوظائف الجديدة، أو الترقي في دولاب العمل، بالتحاليل الطبية المثبتة لعدم التعاطي. (د) بسط مظلة صحية شاملة وجاذبة، لمعالجة المواطنين المصابين بالداء ومساعدتهم على التخلص من الإدمان، مع ضرورة أن تكون تكاليف العلاج مدعومة من الدولة، ومناسبة اقتصاديًّا لكل الفئات.
أن موريتانيا واليمن والمغرب ومصر، على التوالي، تعد من أضعف البلدان العربية مُعَالجةً لمشكلة الأمية
تفعيل دور الشباب في ظل غياب المفهوم
بداية، هناك غياب ملحوظ لوجود تعريف دقيق لمفهوم الشباب، والواقع إن إشكالية مفهوم الشباب هي إشكالية واضحة في البحوث الاجتماعية بشكل عام. وإنما يرجع هذا بالأساس إلى تباين الأطر المرجعية النظرية، والمعايير التي يعتمد عليها الباحثون في تحديد بداية ونهاية مرحلة الشباب. كذلك تختلف السياقات الاجتماعية والاقتصادية التي تدرس فيها الظواهر المتصلة، فضلاً عن اختلاف الطابع الحضاري العام للباحثين الذين يحددون الإطار العمري.
إن قراءة وضع الشباب الراهن، لا يمكن فهمها دون فهم المؤشرات المؤسسة لحضور الشباب في السياق الاجتماعي العام. وهي مؤشرات عديدة، تبدأ بالمؤشر الديموجرافي، الذي يحدد حجم الشباب سكانياً بالنسبة إلى بقية سكان المجتمع، فمؤشر العمل، الذي يوضح نسبة الشباب في قوة العمل، ثم المؤشر التعليمي، وأخيرًا الهجرة. هذه المؤشرات هي التي تكشف لنا عن مدى ثقل الوزن النسبي للشباب باعتبارهم فئة اجتماعية ضمن غيرها من الفئات.
أولا، الوزن الديموجرافي للشباب، فإنه وفقًا لتقدير عدد السكان فى أوائل 2014 يتضح الآتي: أولا، تزخر مصر بأعداد كبيرة من الشباب Youth Bulge ، وهذا سلاح ذو حدين، فهذه النسبة العالية من أعداد الشباب تشكل فرصا إيجابية حال استثمارها بالسياسات الصحيحة القادرة على إحداث طفرة تنموية، وقد يكون لها مردود سلبي على المستويين الاجتماعي والاقتصادي حال وجود هذه الفئة دون مظلة من الإنصاف ومن ثم إهدار فرصة حقيقية لإحداث نقلة حضارية. ثانيا، هناك تدهور واضح في ظروف سوق العمل خلال الفترة الانتقالية. فعلى الرغم من تناقص معدل بطالة الشباب (الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15-29) من 16.1٪ في عام 2009 إلى 13.3% في عام 2014، لم يترافق هذا الانخفاض مع زيادة في مستويات العمالة، ولكن ارتبط ذلك بزيادة في نسبة الشباب الذين أصبحوا محبطين وتركوا العمل. حيث انخفضت نسبة الشباب المشارك في القوى العاملة قليلاً من 37.9٪ في 2009 إلى 36.6% في عام 2014. بل وانخفضت النسبة بين الشباب من غير الطلاب، حيث لوحظ انخفاض النسبة إلى 49.6٪ عام 2014. هذه المؤشرات دالة على ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، لا سيما أن ذلك طبيعي في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية بعد الثورة.
ثانيا، قضية التعليم: توضح بيانات تعداد 2006 أن قرابة ثلث عدد الأميين في مصر يقعون بين صفوف الشباب في الفئة العمرية (15-35) بنسبة 32.2%. وهو ما يفصح عن تراجع في مردود المشروعات القومية الهادفة لمحو الأمية. وليس بخافٍ أن هذا العدد من الأميين يقلل من فرص الشباب في الحصول على حياة كريمة، وفي الحصول على عمل لائق. ولعل إضافة نسبة المتسربين من التعليم ومن يعرفون القراءة والكتابة، فإن المحصلة هي زيادة النسبة إلى ربع نسبة الشباب. والواقع أن مسألة تعليم الشباب لا تقف فقط عند حدود زيادة نسبة الأميين من الشباب لكنها تتجاوز ذلك عند معاينة قضية التعليم في ارتباطها بمتغيرات أخرى كمحل الإقامة أو النوع. إذ يوجد فجوة في التعليم بين سكان الصعيد وسكان الشمال، وبين الريف والحضر. وهو ما ينطبق أيضًا على النوع، حيث تصل نسبة الإناث اللائي لم يلتحقن بالتعليم 11%، وهي أربعة أمثال نسبة الذكور، بحسب مسح النشء والشباب في الفئة العمرية من 10-29سنة. كما أن الفجوات القائمة على أساس النوع أوسع في فئات الثروة الدنيا، ففي حين لا يلتحق بالتعليم 1% فقط من الإناث في فئة الثروة الأعلى و0.5 % من الذكور الأكثر ثروة، لا يلتحق أكثر من ربع الإناث 27.2 في فئة الثروة الأدنى و7.2% من الذكور الأشد فقرا. كذلك تتجه نسبة كبيرة من شباب الريف إلى عدم الالتحاق بالتعليم. الأمر الذي يتركز في ريف الوجه القبلي، ويزداد الأمر سوءًا في المحافظات الحدودية.   
ثالثًا، الحالة الاجتماعية: تكشف الإحصاءات المتاحة عن أن الشباب المصري الذين هم فوق سن الزواج (18 سنة فأكثر بالنسبة للذكور، و16 سنة فأكثر بالنسبة للإناث وقت إجراء تعداد 2006)، ولم يتزوجوا، بلغ عددهم 12.843 مليون شاب وشابة يشكلون 96.3% من إجمالي غير المتزوجين، أغلبهم من الذكور (57.3%)، وأعلى نسبة بينهم من الأميين، مما يترك أثره في طبيعة العلاقة بين الجنسين، في شكل أنماط من الزواج السري، ما يهدد البناء القيمي والأخلاقي للمجتمع، ويزعزع البنية الأسرية التقليدية.
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن 56,3% من السكان يعيشون حياة لائقة، وبقية السكان يعيشون في الفقر بمستوياته الثلاثة
رابعًا، الهجرة للخارج: من الملاحظ أن معدل الهجرة في ازدياد، حيث ارتفع عدد المهاجرين من 2.3 مليون عام 2000 إلى 3.5 مليون مهاجر عام 2013. وبلغ معدل التغير السنوي نحو 3.87%. إذ توجد الغالبية العظمى من المهاجرين في بلدان الخليج العربي وليبيا والأردن، فإن هذه العمالة التي تتركز فيها نسبة عالية من الشباب، تواجِه مشكلتين، أولهما منافسة العمالة الآسيوية الرخيصة وذات الكفاءة، وتدهور أحوال بعض البلدان العربية بسبب الأوضاع الأمنية بالغة السوء في اللحظة الراهنة، كما هي الحال في ليبيا، مما اضطر أعدادا كبيرة منها للعودة مرة أخرى. وثانيهما زيادة النسبة من المهاجرين هجرة غير شرعية، وهي نسبة لا تكشف عنها البيانات الرسمية، لطابعها السائل كجريمة. وفي المجمل يظهر متغير الهجرة مدى إقبال الشباب على الهجرة، الأمر الذي تؤكده دراسات عديدة، حيث تبين ازدياد ميل الشباب للسفر خارج البلاد، لما في ذلك من طموح لتغيير أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وهربًا من الأوضاع الماثلة أمامهم في الحاضر.
وفي هذا الإطار، نبغي التأكيد عليه أن تعبير الشباب والمشاركة يعني في حقيقة الأمر أهمية: أولا، الإيمان بقدرات الشباب وطاقاتهم الكامنة ورغبتهم في العمل والعطاء، والثقة في إمكاناتهم القيادية وممارسة المهام الوطنية بنجاح. ثانيا، امتلاك الشباب للحق والوسائل والقدرات للمساهمة في صنع القرار القرار وإشراكهم في السلطة. ثالثا، وجود الآليات والفرص التي تتيح المشاركة في تنفيذ وتطوير البرامج المتنوعة بما يضمن شراكة حقيقية من الشباب في التنفيذ كأداة وغاية للتنمية المجتمعية. رابعًا، مشاركة الشباب في تقييم ومراجعة البرامج وطرق مشاركتهم بما يضمن مرونة هذه الوسائل للتطورات والمتغيرات المتسارعة في الجسم الشبابي. خامسًا، الاقتناع بوجوب إدماج الشباب في الحياة العامة وعدم تهميشهم واستبعادهم تحت أي ظرف أو ذريعة أو على خلفية الانتماء السياسي أو الفكري أو الخلفيات الثقافية والدينية والطبقية أو غيرها. سادسًا، لا بد أن يشارك الشباب نفسه في دراسة مشكلاته ورصدها والتعرف عليها، وأن تخرج الحلول وإستراتيجيات المواجهة من بين الشرائح والجماعات الشبابية ذاتها، فلا تفرض عليهم الحلول من الخارج. وأخيرًا، أن يحظى التمكين الاقتصادي للشباب بالاهتمام الأكبر في أي برامج شبابية، إذ يتم التركيز على دعم المشروعات الصغيرة في أكبر عدد من المجالات التي يمكن أن يعمل فيها الشباب، وأن تراعى الاحتياجات النوعية للشرائح المختلفة منهم (الأمي – المتعلم) (الذكور- الإناث) (شباب الحضر وشباب الأرياف) وأن تعقد برامج تأهيلية وتدريبية للشباب لإكسابه المهارات المختلفة لبدء واستمرار وتسويق منتجات هذه المشروعات وبالتالي نجاحها.
 وفي النهاية، يمكن الاستفادة من الخبرات الدولية، فيما يتعلق بتعظيم مشاركة الشباب سياسيًّا، في دولة إسبانيا تحديدًا، يشترط الدستور الإسباني إقامة انتخابات حزبية داخلية تُتيح للشباب الوصول إلى لجان القرار ضمن الأحزاب الرئيسية، وفي جنوب إفريقيا تم تأسيس برامج حكومية داخل الوزارات تشرك الشباب، وتؤمن لهم فرص عمل في القطاع العام في مجالات الأشغال العامة والثقافة والاقتصاد، وهو ما يكون له انعكاس ومردود إيجابي على فكرة تمثيل الشباب في البرلمان بشكل خاص، وفي الحياة السياسية بشكل عام.