المركز العربي للبحوث والدراسات : رؤية ذاتية: قراءة متأنية في قانون الإعلام الموحد (طباعة)
رؤية ذاتية: قراءة متأنية في قانون الإعلام الموحد
آخر تحديث: الأحد 20/03/2016 11:25 ص محمد يوسف
رؤية ذاتية: قراءة
لا حديث في أروقة جميع العاملين بالحقل الإعلامي سوى عن عملية "تصقيع" القانون الموحد لتنظيم الإعلام والصحافة .. حيث مر أكثر من عامين على تقديم مشروع القانون عن طريق اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية التي ساهم فيها عدد من الخبراء ورموز العمل الصحفي والإعلاميين ووفد من نقابة الصحفيين.
ومن هنا جاء مشروع القانون الذي يضم 9 أبواب، أولها عن حرية الصحافة وواجبات الصحفيين والإعلاميين، والثاني عن إصدار الصحف وملكيتها، بينما شمل الثالث سبل تأسيس وسائل الإعلام وملكيتها، فالرابع عن المؤسسات الصحفية القومية، ويأتي الخامس عن وسائل الإعلام العامة، ثم ينفرد الباب السادس بالمجلس الأعلى للإعلام، والباب السابع للهيئة الوطنية للصحافة، والباب الثامن للهيئة الوطنية للإعلام، وأخيرًا الباب التاسع للعقوبات.

تجمع أغلب وجهات النظر حول هذا القانون أننا أمام حقيقة خطيرة مفادها أن هذا القانون ولد وترعرع من رحم الحكومة بإشراف رئيس الحكومة وبإخراج وزير التخطيط
أولا: الجدل حول مشاركة الحكومة فى وضع القانون
ومنذ ذلك الحين لم تتوقف تفنيدات خبراء الإعلام حول التأثيرات الناجمة عن إقرار هذا القانون، إذا ما كتب له الخروج إلى النور، مما يثير عدة تساؤلات من بينها هل يجوز في عصر حرية الإعلام أن تتدخل الحكومة في تشريع قانون لتنظيم الإعلام والصحافة، وأن يوكل رئيس الحكومة آنذاك، المهندس إبراهيم محلب، وزير التخطيط د. أشرف العربي برئاسة لجنة حكومية لوضع الخطوط العريضة للقانون ومناقشة "اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية" فيما توصلت إليه على مدار عدة جلسات مطولة لكي تأخذ بمقترحات اللجنة الحكومية عند الصياغة النهائية للقانون؟.
وتكاد تجمع أغلب وجهات النظر حول هذا القانون أننا أمام حقيقة خطيرة مفادها أن هذا القانون ولد وترعرع من رحم الحكومة بإشراف رئيس الحكومة وبإخراج وزير التخطيط، رغم أن هذا القانون ليس قانونًا للخدمة المدنية لإصلاح الجهاز الإداري للدولة، أو قانونًا للضرائب العقارية أو قانونًا لضريبة القيمة المضافة، وغيرها من القوانين المتعلقة بالحكومة والسلطة التنفيذية ومن حقها صياغتها ورفعها لمجلس النواب لمناقشتها وتعديلها وإقرارها وفقًا لسلطاته التشريعية المخولة له الأمر الذي يثير عدة مخاوف من الهدف من صدوره والنتائج المترتبة عليه.
فبحسب ما يرى الخبراء فإن الإعلام المفترض أنه "السلطة الرابعة"، والتي تمارس دورًا كبيرًا في الرقابة على السلطة التنفيذية الممثلة في رئيس الدولة والحكومة، فكيف إذن للحكومة أن تشارك بل وتهيمن على عملية سن تشريع للإعلام. أعتقد أن تضاربًا للمصالح هنا واضح تمامًا ولا لبس فيه بدرجة الوضوح نفسها للحرية التي منحها الدستور للإعلام لتأتي الحكومة بمحاولات لنسخ ومسخ هذه الحرية بقانون لتنظيم الإعلام يخرج من رحمها؛ فالحكومات لا تقوم بتنظيم الإعلام، وإلا لصار إعلامَ سلطة أو إعلامًا موجهًا.

يواجه قانون الإعلام الموحد العديد من الإشكاليات خصوصاً في ضوء مستجدات تقنيات الاتصالات الحديثة التي أتاحت حرية غير محدودة في عملية تداول المعلومات
ثانيًا: تحديات وسلبيات القانون
من الأهمية الإشارة إلى بعض المصطلحات "المطاطية" الوردة في هذا المشروع، مثل "ميثاق الشرف الصحفي" في القانون المقترح أكثر من مرة، دون توضيح آلية وضع هذا الميثاق، ومن الذي سيقوم على صياغته، هل هي جهة معينة كالمجلس الأعلى للإعلام أم نقابة الإعلاميين التي لم تتشكل بعد أم الصحفيين والإعلاميين في المؤسسات الصحفية والإعلامية المختلفة، الأمر الذي يضعنا أمام مخاوف جديدة من المغالاة في التطبيق عبر الاستخدام الجائر لهذا المصطلح على نحو يضع آلاف الإعلاميين تحت سطوة المفاهيم الواسعة غير المحددة.
كما يواجه مشروع القانون تحدياً آخر يتعلق بما يمكن وصفه بغياب كل ما يتعلق بوسائل الإعلام الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي والمدونات وصحافة المواطن؛ فمن الواضح أن اللجنة التي وضعت هذا القانون لم يكن بها متخصصون في الإعلام الجديد، وأن أول وآخر ما عرفه في الإعلان الجديد هو الصحافة الإلكترونية، ولم تصل إلى أسماعهم الأشكال الأخرى المتعددة من هذا الإعلام، والتي يُطلق عليها إجمالاً "صحافة المواطن" أو "صحافة الشبكات"، مع ما لهذا النوع من الإعلام من تأثير على المستخدمين، وخاصةً من ينتمون لفئة الشباب منهم.

تشهد أوضاع الصحفيين المالية تدنياً خطيراً في ضوء التحديات الاقتصادية الخطيرة من ارتفاع تكاليف إنتاج الصحف الورقية
وبالتسليم بالحالة الراهنة التي تؤشر على أن الساحة الإعلامية شهدت في الآونة الأخيرة انتشار وتوسع للصحف الحزبية والقومية والتليفزيونات الخاصة وأصبح هناك تغير وتعددية في الرأي والانتقال من إعلام الصوت الواحد إلي الإعلام التعددي.
وكل هذا كان في حاجة إلى تنظيم وضوابط تراعي ميثاق الشرف الإعلامي ولذلك يعد مشروع القانون الجديد لتنظيم الصحافة والإعلام ترجمة أمينة للمواد الدستورية التي تضمن حرية استقلال الصحافة والإعلام، والمسئولية الوطنية، والمحاسبة الذاتية، كما يتضمن قواعد شفافة ومعايير واضحة في اختيار وتعيين رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير، بالإضافة الي تحديد واضح لشروط الحصول على ترخيص قناة تليفزيونية أو إذاعية وشروط الأخطار لإصدار صحيفة أو مجلة.
ويواجه قانون الإعلام الموحد العديد من الإشكاليات خصوصاً في ضوء مستجدات تقنيات الاتصالات الحديثة التي أتاحت حرية غير محدودة في عملية تداول المعلومات لعل في مقدمتها ما تعالت الأصوات التي تنادي بإعادة مناقشة قانون ازدراء الأديان، على رأس الأجندة التشريعية لبعض الصحفيين الفائزين بعضوية مجلس النواب.  
حيث يرى الكثيرون أن مسألة إعادة النظر في قانون ازدراء الأديان ليس من قبيل الرفاهية أو الوجاهة الفكرية خصوصاً بعد حالة الانزعاج التي سادت في أوساط الإعلاميين على إثر حبس المفكر إسلام البحيري والكاتبة فاطمة ناعوت بالإضافة إلى إعادة النظر في كل القوانين السابقة التي لا تتفق مع الدستور.
كما تقفز على السطح قضية أخرى تتعلق بشكل أساسي بضرورة علاج القصور المترتب على إهمال صناعة السينما والميزانية المخصصة للثقافة، وتجميد بناء دور العرض وكلها أمور أدت إلى معاناة الثقافة من فراغ روحي رهيب وهو ما أدى في النهاية إلى تراجع الإنتاج السينمائي إلى أدنى معدلاته واحتكار بعض الدخلاء على صناعة الإعلام لفرض نوعية معينة من الأفلام يرى كثيرون أنها بمثابة تهديد للحالة الإعلامية في مصر برمتها.
وليس بعيداً عن كل ما سبق ينتظر آلاف الصحفيين من قانون الإعلام الموحد مناقشة المشكلات الخاصة بالمؤسسات الصحفية ووضع مدونة سلوك للإعلاميين .. حيث تشهد أوضاع الصحفيين المالية تدنياً خطيراً في ضوء التحديات الاقتصادية الخطيرة من ارتفاع تكاليف انتاج الصحف الورقية. الأمر الذي يدفع كثيراً من الصحف لتأخير صرف رواتب الصحفيين والاستغناء عن كثير من العاملين بها وتخفيض الأجور واتجاه كثير من الإصدارات المطبوعة إلى المواقع الإليكترونية مما يترتب عليه مزيداً من المعاناة.

ينص مشروع القانون على أن يكون القائمون على المواقع الإلكترونية صحفيين من أعضاء النقابة ، مما يعنى التضييق على الصحفيين الشباب ، وأن تظل المواقع الإلكترونية متطفلة على الصحف
ويراهن الكثير من الصحفيين الذين نجحوا في دخول البرلمان سيكونون على قدر من المسئولية في الدفاع عن حرية التعبير والصحافة والإعلام التي تمس الشعب المصري كله، وليس الصحفيين فقط، متمنياً أنه يتمنى مناقشة قانون الصحافة والإعلام الموحد الذي أعدته النقابة، وأن يتم احترام إرادة الصحفيين ولا يتم الالتفاف عليها.
بعد رفع القانون الموحد للصحافة والإعلام لمجلس الوزراء ، ثارت اعتراضات داخل الجماعة الصحفية، على عدد من النقاط، أبرزها "الفصل التعسفي ، الكادر ، تشكيل الهيئة الوطنية" . ويرى الكثيرون أن مشروع القانون لا يوفر حماية للصحفيين حال إغلاق جرائدهم كما حدث مؤخرا مع جريدة التحرير، مؤكدا أنه كان ينبغي على القائمين على القانون وضع نص صريح ضمن شروط ترخيص الجريدة الجديدة، يلزم المالك بوضع مبلغ مالي يبلغ 20% من رأس مال الجريدة لحساب أجور الصحفيين في حالة غلق الجريدة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن المادة 14 في قانون الإعلام الموحد والتي تحدد مدة تدخل النقابة في إنهاء الأزمات الناشئة بين الصحفي المهدد بالفصل ومؤسسته بـ 4 أشهر أباحت الفصل في حال فشل التفاوض ، وهو النص الذى ينظر إليه الكثيرون على أنه إهدار لضمانات حماية الصحفي كما أنه يمثل ردة تشريعية وبالتالي نصبح أمام واقع خطير مفاده أنه لا يوجد نص صريح يحظر الفصل التعسفي للصحفيين.
إن هناك مجموعة من المواد في قانون العقوبات التي كانت تضع قيودا علي عمل الإعلامي لم تعد مناسب لهذا العصر، وبالتالي من ضمن الأشياء التي أنجزتها اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية هو عمل مشروع قانون بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، كما أن الدستور الحالي يتم فيه استبدال الحبس بالغرامة والغرامة المغلظة في جرائم الرأي وهذا شيء جيد لأن العالم كله الآن يتجه نحو الغاء عقوبة الحبس بالنسبة لجرائم الرأي والنشر.
  أن الجماعة الصحفية تسعى لبناء جبهة مساندة تضم المتعاطفين مع حرية الصحافة الإعلام باعتبارها إحدى الحريات العامة التي يضمنها الدستور للمواطنين ، " قدمنا للحكومة نصوص تضمن حرية الصحافة والإعلام لا مثيل لها في دول مجاورة " ، لضمان مسئولية الصحافة والإعلام. 
كما أن مشروع القانون مع إطلاق حق الأفراد في إنشاء الصحف وعدم إغلاق أو تعطيل وسائل الإعلام، وكذلك عدم مصادرتها، مؤكدًا أن مواد القانون تضمن استقلال الصحف المملوكة الدولة، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية ما عدا التحريض على الإرهاب والتمييز.
ويشدد الخبراء على أن الدستور لا يُجيز تعديل المواد الخاصة بباب الحريات، وأن تفكير الحكومة فى تعديل هذه المواد سيكون محاولة بائسة، مشيرًا إلى أن الجماعة الصحفية ليس لديها مانع فى الدخول فى حوار جاد مع الحكومة بخصوص هذا القانون ، وانطلاقاً من هذا يطالب أعضاء اللجنة الوطنية للإعلام بسرعة تقديم مشروع القانون للبرلمان.
كما ينص مشروع القانون على أن يكون القائمون على المواقع الإلكترونية صحفيين من أعضاء النقابة ، مما يعنى التضييق على الصحفيين الشباب، وأن تظل المواقع الإلكترونية متطفلة على الصحف دون أن يكون لها فريق خاص من الصحفيين الشباب، في الوقت الذى ترفض نقابة الصحفيين قيد المحررين الإلكترونيين في جداولها بحجة أن الصحفي يجب أن ينتمى إلى صحيفة ورقية.
كما ينظر الكثيرون إلى مشروع قانون الإعلام الموحد بوصفه يحتوى على عدد من النقاط التي تعتبر في مضمونها ردة للحريات ، حيث نص الدستور أن يكون إصدار الصحف بالإخطار فقط ، في الوقت الذى جاء مشروع القانون لينص على الالتزام بوجود تراخيص ، كما ضم مشروع القانون شرط 3 ملايين جنيه لإصدار صحيفة يومية ، و1.5 مليون للإصدار الأسبوعي ، بعد أن كان مليون جنيه للصحيفة اليومية و250 ألف للأسبوعية مما يعنى التضييق على إصدار الصحف سواء بوجود التراخيص أو بمضاعفة نسبة الوديعة للصحف.
وإذا ما وضعنا في حساباتنا ما يمكن تسميته بثورة الاتصالات المقصود بها شبكات الإنترنت والتي ربما يجد روادها أنفسهم أمام حالة تفكيك أو مطاردات أمنية خصوصاً أن القانون المنتظر لم يضعها في حساباته من الأساس وبالتالي ربما تقع هذه الشبكات تحت طائلة التجريم.
والمطاردة رغم أهميتها التي تتزايد يوماً بعد يوم الثابت في كل هذه الأطروحات أننا بانتظار قانون إعلام غير محدد الأهداف والمعالم وتتزايد حياله المخاوف يوما بعد يوم .. كما أن الغياب الكبير لنقابة الصحفيين عن صياغة هذا القانون يضع الأسرة الصحفية في مواجهة مخاوف كبيرة على حجم الحريات المتاحة في القانون والضمانات التي تحمي المنتمين للحقل الإعلامي برمته.