المركز العربي للبحوث والدراسات : الوضع الحرج: مؤشرات فشل التعامل مع الملف الاقتصادي بعد ثورة يناير (طباعة)
الوضع الحرج: مؤشرات فشل التعامل مع الملف الاقتصادي بعد ثورة يناير
آخر تحديث: الأربعاء 09/03/2016 11:36 ص أ.د. شريف درويش اللبان د. دعاء عادل محمود
الوضع الحرج:  مؤشرات
اعتقد البعض أن المعاناة الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي رسمت المشهد المصري لسنوات طوال- والتي دفعت فئات الشعب إلى الثورة وساحات التغيير- ستختفي بمجرد سقوط نظام مبارك، وعلى العكس فقد تزايدت حدَّتها خلال الفترة الانتقالية، حيث بدأ التفاؤل الواضح الذي ساد مصر في أعقاب الثورة بعد الإطاحة بمبارك في التلاشي بعد فترة قصيرة،  فقد تراجعت مؤشرات أداء الاقتصاد المصري بدرجة كبيرة بعد ثورة 25 يناير، متأثرة بضعف الإنتاج، وتزايدت حالات الانفلات الأمني، والأحوال المعيشية والاجتماعية لم يطرأ عليها التحسن المأمول على الواقع الاقتصادي والاجتماعي بل العكس هو ما تحقق، حيث ارتفعت الأسعار بشكل واضح خلال الأشهر الأولى من الثورة، وهو أمر بدهي بسبب تراجع الإنتاج، والأمر ذاته ينطبق على معدل البطالة فقد ارتفعت بشكل ملحوظ بل اضطرت بعض الشركات والمصانع لتسريح العمال بسبب تدهور قدراتها الإنتاجية.  
وأصبح البلد يكافح مع جمود سياسي وركود اقتصادي، ولم تكن المسكِّنات الاقتصادية كافية لتعزيز الاستقرار الدائم في البلاد، فالاستقرار يتوقف على ما يمكن أن يوفره الاقتصاد المصري من فرص العمل وأجور مناسبة وخدمات جيدة مما يتيح فرص للمواطنين العاديين لجعل الحياة أفضل.  
أدَّت تداعيات الثورة المصرية خاصة حالة الانفلات الأمني إلى اضطراب شديد للأنشطة الاقتصادية، وإغلاق البنوك والبورصة، وانخفاض قيمة العملة، وتوقُّف الاستثمار الأجنبي المباشر بعد الثورة، وبلغت تكلفة تداعيات الثورة على الاقتصاد المصري نحو 4,27 مليار دولار كذلك تراجع احتياطي النقد الأجنبي، وزاد العجز بميزان المدفوعات، وانكمشت تعاملات البورصة، وإن رأى بعض الخبراء الاقتصاديين في بداية المرحلة الانتقالية أن الصورة السلبية للاقتصاد المصري والتي أدَّت إلى هروب المستثمرين العرب والأجانب، يمكن تغييرها وتحتاج فقط إلى استكمال بنية النظام السياسي والتفاعل مع الشارع وتحقيق العدالة الاجتماعية.  
إلا أنه على أرض الواقع أدت حالة عدم الاستقرار التي أعقبت الثورة العديد من الصدمات الاقتصادية السلبية فقد أثرت على قطاع السياحة بسبب انعدام الأمن الداخلي الذي  أثر أيضًا على تصنيع العديد من الأنشطة والخدمات وأوقفت المزيد من الاستثمارات.
كما أثارت الثورة موجة من المطالب الاجتماعية متعلقة بتدني الأجور والمعاشات وتوفير فرص عمل، بِيدَ أن مواجهة الضغوط الاجتماعية والسياسية تتجاوز مجرد تحسن سريع في مستويات المعيشة في البلاد خاصة في ظل معدل الفساد لنظام مبارك الذي  يؤكده ترتيب مصر ال98 على مؤشر الشفافية الدولية لعام 2010 الخاص بمعدل مكافحة الفساد والذي أثار ردَّ فعلٍ شعبيًا عنيفًا ضد الخصخصة وضد تحرير الاقتصاد.  
وقد أجرى المعهد الدولي الجمهوري الأمريكي استطلاعا للرأي عن الأوضاع الاقتصادية في مصر بعد الثورة في الفترة  ما بين 14 و27 أبريل 2011 ومن نتائج هذا الاستطلاع:  
    81% من المصريين يجدون الوضع الاقتصادي سيئ.
    80% يتوقعون تحسنا كبيرًا في وضعهم الاقتصادي في العام القادم.
    51% يدَّعون عدم قدرتهم على إطعام أنفسهم وعائلتهم.
    63% حددوا أن البطالة هي أكبر مشكلة تواجه مصر بصورة عامة.
    حازت مشكلة الأجور والمرتبات على 23% فقط من المبحوثين كأكبر مشكلة تواجه مصر.
    64% أقروا أنهم ساندوا الثورة بسبب تدهور مستوى المعيشة وندرة فرص العمل بينما قرر 19% أنهم ساندوا الثورة لإرساء دعائم الديمقراطية.
يكشف هذا الاستطلاع عن أن أغلبية المصريين معنيون بالدرجة الأولى بنظام اقتصادي قادر على توفير فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة للأغلبية الكادحة.
اعتقد البعض أن الصورة السلبية للاقتصاد التي أدَّت إلى هروب المستثمرين العرب والأجانب، يمكن تغييرها وتحتاج فقط إلى استكمال بنية النظام السياسي والتفاعل مع الشارع وتحقيق العدالة الاج
أولًا: التحديات الاقتصادية للثورة
للثورات عبر التاريخ كُلفة اقتصادية لا مناص منها، وقد اتسمت الفترة الانتقالية بانفجار  المطالب الفئوية مع استمرار السياسات الاقتصادية لنظام مبارك دون إيجاد أي حلول جذرية أو مؤقتة، وكان هناك تجاهل متعمد لتحقيق مطالب الثورة خاصة مطالب العدالة الاجتماعية.
وقد أدَّت الثورة وتوقُّف الإنتاج إلى مجموعة من النتائج السلبية كان أهمها:
    تراجع النمو الاقتصادي.
    تراجع وتذبذب الإنتاج المحلي.
    تراجع الدخل من العملة الأجنبية بسبب تراجع السياحة وتحويلات المهاجرين.
    زيادة عجز الموازنة بسبب تراجع الإيرادات وزيادة الإنفاق الاجتماعي.
    تراجع الاستثمارات الأجنبية في انتظار الاستقرار.
    زيادة معدلات البطالة، وهي نتيجة منطقية لما سبق ذكره.
وقد كانت هناك مجموعة من التحديات التي رافقت المرحلة الانتقالية والتي فشل المجلس العسكري كما فشل "مرسي" بعده أن يحقق أي نجاح يُذكَر في أي من هذه التحديات وكان أهمها:
1-    تحدي الإضرابات العمالية
بعد وقت قصير من خلع الرئيس الأسبق مبارك شهدت مصر ارتفاع "الاحتجاجات الفئوية" كما أسمتها السلطة ووسائل الإعلام وهي تسمية لها مدلول سلبي، وقد تم استخدام هذا المصطلح لوصف أي مظاهرة أو إضراب أو اعتصام وقد تباينت وجهات النظر في تقييم الإضرابات والاعتصامات التي عمَّت مصر بعد الثورة  فكانت هناك وجهتا نظر.
وجهة النظر الأولى: رأت أنه من الطبيعي أن يستعجل الناس قطف ثمار نضالهم وأن يستشعروا أنهم صنعوا إنجازًا يمكن أن يلمسوه في واقع حياتهم، ومن الطبيعي أيضًا أن يتخوفوا من أن يتم تجاهل مطالبهم القديمة في زحام إعادة ترتيب وصياغة أولويات الدولة، وإذا كان البعض يعيب على الإضرابات أثرها السلبي على الاقتصاد وتعطيل العملية الإنتاجية إلا أنها من زاوية أخرى تُعتبَر ضامنا لمسار الثورة، وضرورة لتطهير المؤسسات من الفاسدين، فالضغوط الشعبية والعمالية على الحكومات والسلطة الانتقالية مهمة بل مطلوبة خصوصًا في ظل غياب مؤسسات منتخبة من الشعب تقوم بدور الرقابة وتسهر على أهداف الثورة.
وما يؤيد وجهة النظر هذه أن الوقفات الاحتجاجية والاعتصام والتوقف عن الإنتاج تنبُع جميعها في المقام الأول من الشعور بالظلم وعدم العدالة، إذ توجد قيادات قليلة العدد تحصل على دخول ومزايا مغالى فيها في حين أن الأغلبية التي يقوم عليها العمل والإنتاج لا تنال إلا القليل، ومن ثَمَّ فهناك ضرورة إلى إصلاح الخلل في توزيع الدخول والأجور إلا أن الإصلاح الشامل قد يستغرق وقتًا ومن الصعب الانتظار إلى أن تتم الدراسة الكاملة لهذا الإصلاح، لذا يتعين إصدار قرارات فورية لمعالجة الوضع المتأزم مع تعديل المسار كلما دعَتْ الحاجة وتشتمل المقترحات العاجلة لإعمال العدالة في المجتمع على إجراءين أساسيين هما تقليل التفاوت في الدخول والأجور وتصاعدية الضرائب.  
في حين رأت وجهة النظر الأخرى: أن استمرار الحالة الثورية وتصوُّر البعض أنه بالإمكان تحقيق أي هدف بالنزول إلى الشارع وأن من لا يحصل على حقوقه الآن فلن يحصل عليها أبدًا، وانتشار الإضرابات العشوائية والبعيدة عن أطر صناع الثورة الذين من المفترض أن يقوموا بضبط إيقاعها وشدَّتها وتوجيه تحركاتها بما يخدم الأهداف الإستراتيجية قد يشكل فعلًا عبئًا يضاف إلى الأعباء السياسية الأخرى، وإن كانت معظم المطالب الاجتماعية والاقتصادية مطالب مشروعة وتعبر عن مظالم حقيقية ارتكبها النظام السابق إلا أن توقيت إثارتها ليس مناسبًا، ومن الأفضل تأجيله فالأولوية لبناء الأطر المؤسسية أولا حتى يمكن معالجة تلك المطالب بشكل صحيح وفي مناخ من الحرية والشفافية، وهذا لا يمنع أن تقوم الفئات المختلفة ببلورة مطالبها ومقترحاتها لكن دون ضغط شعبي يعطل مواقع العمل، ودون تصوُّر أن الحكومة الانتقالية قادرة على حل كل المطالب.
وفي جميع الأحوال كان يجب على السلطة الانتقالية التعامل بحكمة مع المطالب المتنامية بعد الثورة، وعدم التعامل معها بطريقة المنع والردع بما يذكِّر بأساليب الأنظمة السابقة، وكان عليها أن تراعي في سلوكها وخطابها:
    أن هذه المطالب هي مطالب مشروعة وملحَّة.
    أن يكون الخطاب الرسمي متفهمًا لها ومطمئنا لأصحابها.
    إنشاء هيئات وطنية ومحلية للاستماع والاقتراب من الناس.
    وضع خطط ورصد موازنات طارئة للتعامل مع القضايا الاجتماعية الأكثر إلحاحًا.
2-    تحدي وقف تهريب الأموال واسترجاعها من الخارج
في ظل غياب الرقابة الحقيقية التي تفرضها مؤسسات منتخبَة، وأجهزة الدولة المالية والأمنية استُبيح المال العام في عهد نظام مبارك فتم الاستيلاء عليه بطرق غير مشروعة ثم تهريبه وتخزينه في دول عدة وبنوك وصناديق استثمارية مجهولة، وبحسب تقرير صادر عن مركز "سلامة النظام المالي العالمي" الأمريكي فإن الجريمة والفساد تُكبِّدان مصر نحو 6 مليارات دولار سنويًا أي أن مصر خسرت نحو 57,2 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 2000 إلى 2008 بسبب الجريمة والفساد، واحتلت مصر بذلك المرتبة الثالثة من بين كل الدول الأفريقية كأكبر دولة مصدرة لرأس المال غير الشرعي.
وبعد إسقاط مبارك برز تحدي استرجاع هذه الأموال خاصة التي تم تهريبها أثناء الثورة وما بعدها، فكان يجب حصر هذه الأموال الموزعة في دول كثيرة وفي بنوك وصناديق استثمارية عديدة، وقد طالب الخبراء بضرورة إسراع الحكومات في إثبات أحقية الدولة في تلك الأموال وخوض معارك قضائية محلية ودولية مع الدول المعنية لاسترداد الأصول المالية والعقارية والاستثمارية المختلفة المودَعة فيها، فيمكن من خلال الاتفاقيات الدولية ومنها مبادرة البنك الدولي والأمم المتحدة مبادرة "ستار" Stolen Asset Recovery (StAR) Initiative 2007 التي تسهل على الحكومات في الدول النامية استعادة الأموال المسروقة والتي نقلها زعماء فاسدون إلى دول غنية وهناك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتتضمن هذه الاتفاقية-حسب خبراء- نظاما قانونيًا متكاملًا يضمن إعادة الأموال المهربة بمعرفة المسئولين إذا تمت إدانتهم بأحكام قضائية نهائية داخل الدولة صاحبة الحق في استرداد هذه الأموال أو خارجها، ولكن للأسف لم تكن هناك جدية في ملاحقة الفاسدين واسترداد الأموال فلم يتم استرداد الأموال المنهوبة وانتهت غالبية المحاكمات القضائية للفاسدين بالبراءة.
كان يجب على السلطة الانتقالية التعامل بحكمة مع المطالب المتنامية بعد الثورة، وعدم التعامل معها بطريقة المنع والردع بما يذكِّر بأساليب الأنظمة السابقة
3- تحدي تطهير البلاد والمؤسسات من الفساد
يعتبر الفساد الموروث عن الأنظمة السابقة واحدًا من أهم التحديات التي تختبر قدرة الثورات العربية على تحقيق أهدافها والمتمثلة أساسًا في بناء أنظمة ديمقراطية وشفافة ومنطلقة باتجاه التنمية، وهذا يعني عملا سياسيًا واقتصاديًا متزامنًا، يعيد صياغة المنظومة التشريعية برمتها في ضوء تطلعات الثورة، وبناء منظومة تشريعية متكاملة تحقق النزاهة والشفافية، وتكافح الفساد وتردع الفاسدين والمفسدين عبر تشديد العقوبات وتجريم سلوك الفساد، خاصة أن الفساد يشكل بأنواعه ومستوياته خطرًا على التنمية الاقتصادية، ليس بكونه استحواذًا على المال بغير وجه حق فقط وإنما أيضا باعتباره عائقا أمام كل مساعي الإصلاح والاستثمار الحقيقي للموارد البشرية والطبيعية.

4- تراجع السياحة
أدى افتقاد الأمن والبطء في استعادته بشكل كامل خلال الفترة الانتقالية إلى تراجع كبير في إيرادات السياحة، وكانت السياحة مرشحة لأن تستعيد قدرتها سريعًا بسبب الصورة الإيجابية عن مصر نظرًا لسلمية الثورة لكن عدم الاستقرار السياسي وتجاهل مطالب الثورة والعدالة الاجتماعية أدَّى إلى تصاعد الاحتجاجات والاعتصامات التي تحوَّل الكثير منها إلى عنف مما تسبب في وضع الكثير من علامات الاستفهام لدى السياح الأجانب حول حالة الاستقرار في مصر.

ثانيًا: الإشكاليات الاقتصادية خلال المرحلة الانتقالية
برغم كل مساوئ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها السياسات الاقتصادية في عصر مبارك فإن حكومة الفترة الانتقالية استمرت في إتباع نفس السياسات بكل تفاصيلها، وجسدت هذه الاستمرارية في موازنة عامة للدولة تسببت في استمرار الاحتقانات الاقتصادية- الاجتماعية الموروثة من عهد مبارك، كما جسد عجز أو عدم توفر إرادة لدى السلطة الانتقالية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الحقيقية، وبدلا من محاولة تحقيق أهداف الثورة فقد عمدت السلطة إلى تصدير فزاعات للمصريين وتحميل فشلهم في المجال الاقتصادي وتجاهلهم لتحقيق مطالب العدالة الاجتماعية على الثورة والثوار.
لم تقدم الحكومات المتعاقبة بعد الثورة كشفًا للأوضاع الاقتصادية موثقًا بالأرقام يتسم بالشفافية موضِّحًا أسباب الإخفاق وطرق العلاج والخروج من الأزمة
1- الانهيار الاقتصادي وتوقف عجلة الإنتاج
يرى بعض الخبراء في مجال الاقتصاد أن مصطلح الإفلاس وتوقف عجلة الإنتاج جزء من اللعبة السياسية استخدمها مَنْ في النظام حتى يحمِّل المصريين تبعات إخفاقه، وقد تم إطلاق الفزاعة الاقتصادية الخاصة بالانهيار الاقتصادي وتوقف عجلة الإنتاج بمجرد إعلان الرئيس الأسبق مبارك تنحيه، حيث انطلقت تلك الفزاعة عقب ظهور الإضرابات الفئوية ولم تتوقف خلال الفترة الانتقالية، فالحديث عن الإفلاس وتوقف عجلة الإنتاج اتخذته كل الأنظمة التي تسلمت السلطة بعد مبارك «فزاعة» لكسب تعاطف الرأي العام ضد أي حراك سياسي باعتباره النقيض الموضوعي للتنمية الاقتصادية، وبالطبع لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة، فالحراك السياسي الرافض للسلطة الحاكمة كان يعطى رسالة بأن هذا النظام لا يوثق به، وأن الشعب رافض لإدارته للبلاد بما يضعف مصداقية هذا النظام أمام الخارج، لذا حاول النظام الحاكم الدفاع عن شرعيته من خلال تلك الرسائل التي تمثلت في التحذير من الإفلاس وتوقف عجلة الإنتاج.
وقد حرصت كل حكومة جديدة التأكيد على قرب حدوث الانهيار الاقتصادي دون أن يحدد أي من رؤساء تلك الحكومات دوره الذي  يجب أن يفعله لتحسين أحوال الاقتصاد، فلم تقدم الحكومات سواء في فترة المجلس العسكري أو الرئيس مرسي تحليلًا واقعيًا لأسباب الأزمة الاقتصادية وتداعياتها وأسبابها والانتهاء برؤية شاملة عن كيفية الخروج من هذه الأزمة، ورغم أن المسألة الاقتصادية شغلت حيزًا كبيرًا من اهتمام النُّخَب وعبروا عن اقتراحاتهم عبر مختلف وسائل الإعلام، فإنه لم يكن هناك اهتمام حقيقي من الحكومات المتعاقبة مما يطرح مزيدا من علامات الاستفهام.
فعلى أرض الواقع لم تقدم الحكومات المتعاقبة بعد الثورة كشفًا للأوضاع الاقتصادية موثقًا بالأرقام يتسم بالشفافية موضِّحًا أسباب الإخفاق وطرق العلاج والخروج من الأزمة.
وفي الحقيقة إن الثورة لم تكن السبب الأصيل في سوء الحالة الاقتصادية وسبب ذلك أن الثوار لم يتولوا السلطة حتى يمكنهم التأثير سلبًا أو إيجابًا بقراراتهم في الحالة الاقتصادية كما أن الحالة الاقتصادية المصرية في عهد نظام مبارك عانت من مشكلات مزمنة.
ولا يمكن إنكار حدوث اضطرابات في أحوال الاقتصاد المصري بعد الثورة، لكن كان يمكن تداركها لو أخذت الحكومات المتعاقبة على عاتقها الاستعانة بالخبراء وتقديم حلول واقعية.
ومقارنة بدول أخرى فإن الاقتصاد المصري عانى من مشكلات محدودة خلال المرحلة الانتقالية، فسلمية الثورة أدت إلى الحفاظ على كل الهياكل الاقتصادية، وما حدث خلال 18 يوم مجرد توقف عن الإنتاج في بعض القطاعات أما التراجع الحقيقي كان في القطاع السياحي، وكان يمكن أن يتم تدارك هذا الأمر لو حرصت السلطة الحاكمة على استعادة الأمن وتحقيق مطالب الثورة حتى يتحقق الاستقرار الفعلي.
إن تدهور الاقتصاد يعود في واقع الأمر إلى سوء إدارة البلاد اقتصاديا وسياسيا وعدم وجود رغبة من قبل السلطة الحاكمة في تبني إصلاح اقتصادي حقيقي ولم تكن عجلة الإنتاج يومًا سببًا في تدهور الاقتصاد المصري مثلما حاولت الأنظمة السابقة أن تصور للجماهير.  
وهناك منطق يرى في الإضرابات والاعتصامات تعبيرًا عن مظالم حقيقية، وهو ما دفع الثائرين إلى الانتفاض من الأصل، فهو قائم على أن عجلة الإنتاج القديمة لا تعمل لصالحهم ويستأثر بثمارها قلة مختارة على حساب الأغلبية، وبالتالي يفرض هذا المنطق مد المعركة من ساحة المعركة السياسية إلى ميدان العمل والإنتاج كي يصبح أكثر عدلًا وديمقراطية وأكثر كفاءة أيضًا، ومن ثَمَّ يُعطِي هذا التصور الذي  يتَّسق مع أهداف الثائرين، الأولوية للسؤال المهم لمَنْ تدور عجلة الإنتاج؟ إن عجلة العمل التي تخدم القلة على حساب أغلبية المنتجين مآلها إلى التعطل والتباطؤ والفشل لأنها غير ديمقراطية وغير عادلة.
أما فزاعة الإفلاس التي طالما صدرتها السلطة للمصريين فإن مصطلح الإفلاس يعنى كثرة الديون التي يصعُب سدادها، ومصر لديها استطاعة لسداد ديونها من خلال مصادر متنوعة للإيرادات والمتحصلات منها «السياحة، وقناة السويس، وتحويلات المصريين بالخارج»، وتلك المنابع تحتاج إلى نظام واعٍ لإدارته، لذلك تأتى مخاطر ضعف الاقتصاد من عدم وجود الإدارة الجيدة والخبرة والرؤية، لذلك فالتحجج بالإضرابات والاعتصامات لبعض فئات الشعب يصبح مبررًا غير واقعي لإفلاس دولة بحجم مصر.
1-    فزاعة البورصة
أُثير الكثير من الجدل خلال الفترة الانتقالية من قِبَل المعنيين بالبورصة ووسائل الإعلام الرسمية والمملوكة لبعض الرأسماليين حول الكوارث التي تسببت فيها الثورة للبورصة، وهو جدل استغل عدم معرفة أو خبرة المواطنين بالبورصة وما يجرى فيها، والحقيقة أن الخسائر في البورصة بسبب توقفها لفترة وانخفاضات أسعار الأسهم بسبب ضعف الأمن وعدم الاستقرار السياسي وبسبب عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد هي خسائر حسابية وليست حقيقية، ما دام الأصل الذي  يتم تداول أسهمه يعمل ويحقق نتائج إيجابية.
أما الحديث عن الاستثمارات الأجنبية التي تتراجع أو تجف منابعها فإن ما يعرقل تدفقها أساسًا هو غياب الأمن بسبب تقصير الجهاز الأمني في حفظه وتقصير الحكومات المتعاقبة بعد الثورة.  
فالغموض حول السياسة الاقتصادية المستقبلية يردع الاستثمارات، لذلك فإن ثمة حاجة مُلحَّة لأن تطور الحكومة ومعها جميع الأحزاب خططها الاقتصادية جذريا. 
*وكيل كلية الإعلام ـ جامعة القاهرة ورئيس وحدة الدراسات الإعلامية بالمركز العربي للبحوث والدراسات
*الأستاذ المساعد بقسم الصحافة والإعلام كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة جازان السعودية