المركز العربي للبحوث والدراسات : ديمقراطية على المحك: قراءة تحليلية فى نتائج الانتخابات الإيرانية (طباعة)
ديمقراطية على المحك: قراءة تحليلية فى نتائج الانتخابات الإيرانية
آخر تحديث: الثلاثاء 08/03/2016 11:32 ص د. إبراهيم نوار
ديمقراطية على المحك:
انتهت الانتخابات الإيرانية، نعم لكن الصراع الداخلي في إيران اشتعلت حدته، بين تيارين، أحدهما كان قد أحكم سيطرته على السلطات في البلاد خلال السنوات الثماني الماضية على الأقل، وأفقدته نتائج الانتخابات، خصوصا في العاصمة طهران، جزءا كبيرا من هيبته. نتائج الانتخابات في نظر البعض، هي برهان أكيد على فشل ذلك التيار الذي يعلي مبدأ "المواجهة مع العالم" في خدمة إيران شعبا ودولة وثورة. التيار المتشدد إذن فقد هيبته وفقد سلطته داخل مجلس الشورى.
التيار الثاني هو ذلك الذي يسعى بوضوح إلى "الاشتباك الإيجابي مع العالم" وتحقيق التنمية للدولة الإيرانية مع المحافظة على روح الثورة في البناء الداخلي، وعلى روح التعامل العقلاني مع العالم. وقد جاءت نتائج الانتخابات، خصوصا في العاصمة طهران لكي تمنح تيار "إيران الدولة" ثقة كبيرة وتفويضا قويا للمضي قدما في سياسات التنمية، والانفتاح على العالم، وإقامة علاقات تعاون متوازنة مع الأمم الأخرى. الانتخابات الأخطر في تاريخ إيران حتى الآن انتهت، لكن السياسة لم تنته.
وأمام إيران جدول طويل من التحديات والمسائل الشائكة التي يختلف عليها الفرقاء السياسيون. ومن أهم المسائل والقضايا التي سيدور حولها الصراع في الأسابيع القليلة المقبلة، انتخاب رئاسات البرلمان ومجلس الخبراء، وإعادة النظر في صلاحيات مجلس صيانة الدستور، والاستعداد للانتخابات الرئاسية المقبلة (2017)، ثم موضوع خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي الذي ستجري المناورات بشأنه من وراء الكواليس. فإذا ما انعقد مجلس الشورى فإن المتشددين من رجال الدين سيحاولون بكل الطرق عرقلة سياسات الحكومة في الانفتاح على الغرب، تحت شعارات حماية الاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي، وحماية الثورة من الإجهاض وحماية البلاد من تغلغل النفوذ الأمريكي على وجه الخصوص. الأخطر والسيناريو الأسوأ أن تصل الخلافات إلى حد الصدام المباشر بين رجال المرشد الأعلى علي خامنئي وبين آية اللـه أكبر هاشمي رفسنجاني الأب الروحي للتيار الإصلاحي ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام.    

أظهرت ردود الفعل الأولى على نتائج الانتخابات ضيق صدر المتشددين أنصار تيار "إيران الثورة" وسعيهم إلى ربط تلك النتائج بـ "مؤامرة خارجية"
أولا: التحذير من مؤامرة خارجية
وقد أظهرت ردود الفعل الأولى على نتائج الانتخابات ضيق صدر المتشددين أنصار تيار "إيران الثورة" وسعيهم إلى ربط تلك النتائج بـ "مؤامرة خارجية"، مع محاولة التماس كل السبل إلى تقديم الأدلة على هذه المؤامرة، سواء بتوجيه الاتهام إلى بريطانيا (آية اللـه محمد صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية): بالإشارة إلى ما سُمّي "القائمة الانتخابية السلبية" أو القائمة البريطانية (British List) التي صدرت في أحد تقارير القسم الفارسي في هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، والتي ضمت ثلاثة من رجال الدين المتشددين.
والحقيقة في ذلك الأمر أن أحد محرري القسم الفارسي استند في كتابة تعليق له على صفحة الأونلاين الخاصة بالقسم على احد شعارات حملة رفسنجاني الذي كان يدعو لعدم انتخاب خمسة من رجال الدين المتشددين، حملة  "لا ..لهؤلاء الخمسة": وهم آية الله أحمد جنتي، رئيس مجلس صيانة الدستور- مصباح يزدي، الأب الروحي لقائمة رجال الدين المتشددين - محمد يزدي، رئيس مجلس الخبراء- أحمد خاتمي، إمام صلاة الجمعة في طهران- أحمد علم الهدى إمام صلاة الجمعة في مشهد ".
وفي نهاية الانتخابات خسر محمد تقي مصباح يزدي (الأب الروحي للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ومعلمه) ومحمد يزدي رئيس مجلس الخبراء، في حين فاز آية اللـه جنتي بفارق ضئيل جدا وجاء في المركز الأخير بين ممثلي طهران في مجلس خبراء القيادة. وكانت سطور قليلة في تقرير البي بي سي المشار إليه قد ذكرت أن ثلاثة من رجال الدين المتشددين المترشحين لعضوية مجلس الخبراء يواجهون خطر فقدان مقاعدهم.
وقد شن رجال الدين المتشددون حملة قاسية على البي بي سي وعلى الإصلاحيين والمعتدلين، وقال محسني أجئي النائب الأول لرئيس السلطة القضائية: "شعبنا سيرد في انتخابات 26 فبراير على التدخل البريطاني". وطالب الحكومة بضرورة "الرد على هذا التدخل الأهوج". لكن الرد الذي أعلنه الإيرانيون في صناديق التصويت جاء لمصلحة المعتدلين والإصلاحيين.
وتساءل أجئي: ما هي المصلحة المشتركة بين بريطانيا ومن تدعمهم؟ و ما التضاد بينها وبين من تدعو إلى عدم التصويت لهم؟ وأجاب أن الذين يوفرون مصالح بريطانيا يحظون باهتمامها، وعندما يكون شخص ما على صلة وراء الكواليس ببريطانيا فمن المؤكد سيحصل على دعمها وستدعم أيضا قائمته الانتخابية، لكن عندما تتعارض مصلحة بريطانيا معهم فلا تدعمهم بل وتدعو إلى عدم التصويت لهم.
أما المؤامرة الأخرى التي روج لها المتشددون في محاولتهم تشويه صورة الإصلاحيين والمعتدلين فكانت توجيه الاتهام إلى المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) التي قدمت حسب زعم القائد الأسبق للحرس الثوري الإيراني اللواء محسن رضائي، الأمين العام الحالي لمجلس تشخيص مصلحة النظام، العون للإصلاحيين بالبرمجيات وإمكانات السايبر المعلوماتية خصوصا في طهران. وطبقا لرضائي (وكالة أنباء فارس – أول مارس) فإن "العدو مارس ضدنا حربا ناعمة خلال الانتخابات الأخيرة" وأن "تغلغل العدو في إيران هو أمر جاد وسنكشف عنه بالوثائق قريبا". وقال رضائي في مؤتمر حاشد في جامعة طهران (أول مارس 2016) إن أحد الرؤساء السابقين للمخابرات المركزية الأمريكية قام بزيارة إيران من اجل وضع ترتيبات لاختراقها والتغلغل فيها. وقال إن هذا المسئول هو من كان قد نظم عملية التغلغل الأمريكي في روسيا وهو الآن يقوم بالدور نفسه في كوبا.
ومن الواضح أن التلويح بوجود "مؤامرة خارجية" ضد المتشددين لمصلحة الإصلاحيين والمعتدلين، قد جاء ببعض النتائج السلبية ضد معسكر "أنصار الدولة" في الأرياف وفي المناطق الأقل نموا في إيران. بينما لم تترك حملة التلويح بوجود مؤامرة خارجية ظلا لأثر سلبي ضد المعتدلين والإصلاحيين "أنصار معسكر الدولة" في العاصمة طهران وفي معظم المدن الكبرى. وكان هاشمي رفسنجاني قد رد بسخرية على الأقاويل بوجود مؤامرة خارجية، بينما انزلق محمد رضا عارف في طهران إلى الدفاع عن دور البي بي سي أثناء ثورة الخميني، وراح في واحد من خطبه الانتخابية يذكر الناخبين بعدد من المواقف المستقلة التي أعلنتها البي بي سي في مصلحة الشعب الإيراني.
ثانيًا: أسلحة القوى المتنافسة في الجولة الأولى
السلاح الأول ، كان أهم وأخطر هذه الأسلحة يتمثل في مقصلة "مجلس صيانة الدستور"، حيث تم شطب ما يقرب من نصف عدد المرشحين لمجلس الشورى وما يقرب من 80% من المرشحين لجمعية خبراء القيادة. الأخطر أن المقصلة طالت رموز وقيادات الإصلاحيين والمعتدلين بنسبة تزيد على 90% من المرشحين تقريبا، مما جعل معسكر "إيران الدولة" في  نهاية الأمر يعتمد على مرشحيه من الصفين الثاني والثالث.  
أما السلاح الثاني الذي استخدمه المتشددون فهو الترويج لوجود مؤامرة أجنبية في الانتخابات لمساندة الإصلاحيين والمعتدلين. وقد أثمرت الاتهامات بوجود مؤامرة خارجية بريطانية وأمريكية إلى حد ما في المناطق الريفية والمدن البعيدة في مصلحة رجال الدين المتشددين، لكنها فشلت بشكل عام في تغيير المزاج العام للناخبين الإيرانيين في عموم البلاد.
السلاح الثالث كان وحدة قائمة ائتلاف رجال الدين المحافظين (المتشددين) بقيادة غلام علي حداد عادل (رئيس مجلس الشورى الأسبق) (خسر مقعده في مجلس الخبراء في الانتخابات) وهو من أكثر المقربين إلى المرشد الأعلى علي خامنئي وإحدى بناته متزوجة من أحد أبناء المرشد. وقد ضمنت هذه القائمة المتحدة عدم تفتيت أصوات الكتلة المؤيدة لتيار "إيران الثورة"، على غرار ما حدث في الانتخابات السابقة.
أما على الجانب الآخر فقد توزع الإصلاحيون والمعتدلون بين كتلتين: كتلة "الأمل" بقيادة محمد رضا عارف وكتلة "صوت الأمة" بقيادة علي مطهري، مع وجود تنسيق قوي بين الكتلتين. وقد تركز مجهود الإصلاحيين والمعتدلين في طهران وضواحيها على وجه الخصوص. ومع ذلك فإن هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي (المقيد إعلاميا) قاما بجولات طويلة في هذه الانتخابات دعما لممرشحي كتلة "الأمل" في مجلس النواب والكتل المرتبطة بها في انتخابات مجلس الخبراء.
وكان أهم الأسلحة التي استخدمها الإصلاحيون والمعتدلون هو استخدام الإنترنت والحملات الإلكترونية ببراعة، بواسطة مجموعات الشباب المتحمسين الذي أسهموا في تسخين المعركة الانتخابية وساعدوا على حشد الناخبين.

رضائي : إن العدو مارس ضدنا حربا ناعمة خلال الانتخابات الأخيرة" وأن "تغلغل العدو في إيران هو أمر جاد وسنكشف عنه بالوثائق قريبا
ثالثا: صفقات وانسحابات
خاض الانتخابات التشريعية فعلا 4844 مرشحا من مجموع المرشحين الذين كانوا قد تأهلوا ( بلغ عددهم 5550 مرشحا بعد انتهاء النظر في الطعون وإصدار القرارات بشأنها)، وذلك لشغل 285 مقعدا إضافة إلى 5 مقاعد للأقليات الدينية في إيران (اليهود، الزرادشت، المسيحيون الكلدانيون والآشوريون والأرمن). ويلاحظ أن الأيام الأخيرة السابقة للانتخابات شهدت حملة كثيفة من  المساومات في عدد كبير من الدوائر الريفية والبعيدة، انتهت إلى إقناع 1489 مرشحا بالانسحاب لمصلحة مرشحين آخرين. ومع إننا لا نملك تفصيلا دقيقا لهذه الانسحابات التي تعادل نحو 27% من عدد المرشحين في القوائم النهائية، إلا أننا نرجح أن نسبة من هذه الانسحابات أو التنازلات تمت لمصلحة مرشحين تقليديين أو متشددين بغرض زيادة فرصهم في النجاح. وقد استخدم رجال الدين المتشددون هذا التكتيك في الانتخابات السابقة. وتمثل الصفقات الانتخابية من هذا النوع إحدى المهارات التي يبرع فيها رجال الدين. ومن المرجح أن يلجأ المرشحون المحافظون المتشددون إلى عقد صفقات من هذا النوع في الانتخابات التكميلية أو جولة الإعادة التي ستُجرَى بعد شهر تقريبا.  
أما بالنسبة لمجلس االخبراء فقد تقدم للانتخابات 166 مرشحا للتنافس على  88 مقعدا المخصصة بنسبة عدد السكان لمحافظات إيران الـ 31 . وقالت اللجنة المركزية المشرفة على الانتخابات أن عدد الناخبين يبلغ 54 مليونا و 915 ألف ناخب من أصل 79 مليون نسمة منهم 8 ملايين و475 ألف ناخب في محافظة طهران وحدها. وليست هناك خريطة دقيقة لمجلس الخبراء في نهاية الجولة الأولى باستثناء اكتساح رجال الدين المعتدلين لقائمة طهران وحصولهم على 15 مقعدا من أصل 16 في حين حصل المتشددون على المقعد الأخير (آية اللـه أحمد جنتي).

رابعًا: التصويت في الأرياف فاق المدن
بدأت الانتخابات في الثامنة صباحا (الجمعة 26 فبراير) وكان من المفترض أن تنتهي في السادسة مساء، لكن تم تمديدها 5 مرات حتى منتصف الليل بسبب الإقبال الشديد على التصويت. وقال وزير الداخلية، عبد الرضا رحماني فضلي وزير الداخلية (29 فبراير) إن نسبة التصويت في عموم البلاد بلغت 62%، بينما انخفضت في طهران إلى 50%.  وأوضح وزير الداخلية أن مجلس صيانة الدستور "سيدرس النتائج النهائية ثم يصادق عليها" وهو ما يعني أن النتائج لا تعلن مباشرة من لجنة الانتخابات ولكنها تذهب أولا إلى مجلس صيانة الدستور، حيث تخضع للتدقيق مرة أخرى ثم يتم إعلانها رسميا بعد ذلك، بعد الانتهاء من تدقيق نتائج الانتخابات التكميلية.
ومن ذلك يلاحظ أن نسبة التصويت في الأرياف فاقت كثيرا نسبة التصويت في المدن، وأن نسبة التصويت في طهران تقل عن المتوسط الوطني بنسبة 12% ومع ذلك فقد أنزل ناخبو طهران هزيمة قاسية برجال الدين المتشددين، ومنحوا ثقتهم بقوة لتيار "إيران الدولة" متمثلا في قائمة "الأمل" وللقوائم المعتدلة في مجلس الخبراء.

خامسًا: النتائج النهائية للجولة الأولى
طبقا لما أعلنه محمد حسين مقيمي رئيس لجنة الانتخابات الإيرانية في مؤتمر صحفي (الأربعاء 2 مارس) فإن عدد الذين شاركوا في الانتخابات بلغ 34 مليون ناخب من أصل 54.9 مليون بنسبة 62% من عدد الناخبين.
وقال مقيمي إن 221 مرشحا فازوا بعضوية مجلس الشورى يمثلون 151 دائرة في حين ستجرَى انتخابات إعادة بين 138 مرشحا  في 56 دائرة انتخابية يتنافسون على 69 مقعدا. ومن الواضح من تقارير متابعة الانتخابات أن عدد الشكاوى المقدمة بشأن انتهاكات خلال العملية الانتخابية كان محدودا بشكل عام بالنسبة لانتخابات الشورى، وشكوى واحدة فقط في انتخابات مجلس الخبراء وذلك طبقا لما ذكره مقيمي. وستجري الانتخابات التكميلية في النصف الثاني من من الشهر الأول من السنة الإيرانية (يبدأ 21 مارس) (يبلغ عدد الدوائر 207 دوائر انتخابية- 52 ألف لجنة انتخابية تغطي 31 محافظة في إيران).
في انتخابات مارس عام 2012 فاز ائتلاف المحافظين بقيادة علي لاريجاني (الجبهة الأصولية المتحدة) بأغلبية 182 مقعدا، ليكون أكبر كتلة سياسية في البرلمان، وتم انتخاب علي ريجاني رئيسا. وطبقا للتقديرات المتاحة حاليا فإن نتائج المرحلة الأولى تظهر فوزا حاسما للإصلاحيين والمحافظين المعتدلين في مجلس الشورى. وقد فاز الإصلاحيون "قائمة الأمل" بما يقدر بنحو 85 مقعدا، في حين فاز ما يقرب من 73 نائبا من قائمة "صوت الأمة" والمحافظين المعتدلين (الذين لم يعارضوا الاتفاق النووي وصوتوا له في المجلس العام الماضي) بمجموع 158 مقعدا من المقاعد الـ 221 التي تم حسمها من الجولة الأولى، بنسبة 71.5% من مجموع المقاعد التي تم حسمها في الجولة الأولى وبنسبة 54.5% من مجموع مقاعد مجلس الشورى الإسلامي. بينما فاز التيار المتشدد بـ 63 مقعدا وهي خسارة فادحة للتيار المتطرف في إيران. وبذلك فإن عدد النواب الفائزين من كتلتي الأمل (محمد رضا عارف) وصوت الأمة (علي مطهري) إضافة إلى النواب المنتمين إلى رجال الدين المحافظين المعتدلين يفوق عدد نواب التيار المتشدد بفارق كبير يبلغ في نهاية الجولة الأولى 95 صوتا. وهذا يعني أن توازن القوى في البرلمان المقبل قد تحدد لمصلحة المعتدلين والإصلاحيين حتى لو فاز المتشددون بكل مقاعد الانتخابات التكميلية!  
وبناء على ذلك فإن نتائج الجولة الثانية لن تقرر مصير مجلس الشورى، حيث إن نتائج الجولة الأولى قد منحت الإصلاحيين والمعتدلين فوزا بائنا وتفوقا صريحا على خريطة توزيع القوة التصويتية داخل المجلس بين التيارين الرئيسيين، تيار أنصار الدولة وتيار أنصار الثورة.
خاض الانتخابات التشريعية فعلا 4844 مرشحا من مجموع المرشحين الذين كانوا قد تأهلوا ( بلغ عددهم 5550 مرشحا بعد انتهاء النظر في الطعون وإصدار القرارات بشأنها)
 سادسًا: تباين اتجاهات الخطاب السياسي
أظهرت البيانات التي صدرت تعليقا على نتائج الانتخابات من الشخصيات والمؤسسات والكتل السياسية المختلفة تباينا واضحا في الخطاب السياسي بين المعتدلين أنصار تيار الدولة والمتشددين أنصار تيار الثورة، وهو مؤشر يعكس درجة عالية من درجات الاحتقان السياسي، ليس فقط بسبب نتائج الانتخابات ولكنه ربما يعكس بصورة أقوى حنق المتشددين على المعتدلين بسبب سقوط عدد من رموز التيار المتشدد خصوصا في مجلس الخبراء. ومع ذلك فقد أظهر الخطاب السياسي للطرفين عددا من القواسم المشتركة أهمها الحرص على تأكيد الولاء للجمهورية الإسلامية ولقائد الثورة والدعوة إلى أن يقوم النواب المنتخبون بخدمة الشعب وتحقيق مصالحه.
1-     المرشد الأعلى
لم يصدر عن المرشد الأعلى سوى ما يؤكد على أهمية المشاركة الشعبية في الانتخابات، وإعلاء قيمة هذه المشاركة، ودعوة النواب إلى العمل على تحقيق مصالح البلاد. لكن اللقاءات التي عقدها علي خامنئي مع وفود شعبية خلال الحملة الانتخابية أظهرت قدرا كبيرا من توجهات المرشد بشأن الانتخابات. ومن أهم هذه اللقاءات ذلك الذي استقبل فيه المرشد الأعلى وفدا من أهالي نجف أباد (محافظة أصفهان)  في24 فبراير. وفي هذا اللقاء حذر علي خامنئي من "الحيل التی يستخدمها الأعداء فی الانتخابات الإيرانية ويستخدمها فی الانتخابات الحالية وهی إيجاد قطبين وهميين فيها کزعمه بوجود برلمان مؤيد للحکومة وآخر معارض لها"، وشدد علی أن الشعب الإيراني  يدعو إلى برلمان شجاع ومتدين يتحمل جميع مسؤولياته دون أن يخشی أمريکا.
وطبقا للبيان الرسمي الصادر عن اللقاء فإن المرشد الأعلى وقائد الثورة الإسلامية أكد على أن "الشعب الإيراني  يری برلمانا يعرف ما هو علاج لآلام فی المجتمع، وبرلمانا يولي أهمية لکرامة واستقلال البلاد ولا يستسلم أمام أطماع القوی التی أبعدت عن إيران وتريد العودة إليها، وبرلمانا يلزم الحكومة بالعمل باقتصاد محلي منتج." وفي هذا البيان ما يؤكد على أن فكر المرشد الأعلى في إيران لمرحلة ما بعد الانتخابات ينحاز أكثر ما يكون إلى "تيار المواجهة" بناء على تحذيره من "أطماع القوى الكبرى التي أبعدت عن إيران وتريد العودة إليها". ومع ذلك فإن خامنئي لم يقطع الحبال مع "تيار التعامل" أو الاشتباك الإيجابي مع العالم، في إطار ما يؤكد عليه أصحاب هذا التيار وعلى رأسهم هاشمي رفسنجاني من أن "التعاون مع العالم هو هدفنا الأول والأخير" طبقا لتأكيدات رفسنجاني نفسه في أكثر من مناسبة على أساس الاستقلال والاحترام المتبادلين. ويجب أن نذكر هنا أن تجربة المرشد في تأييد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي فشل فشلا ذريعا في إدارة الاقتصاد تجعله أشد حذرا في تأييد المتشددين والهجوم على المعتدلين.

2- مجلس صيانة الدستور
أصدر مجلس صيانة الدستور بيانا بعد نهاية الانتخابات، تصدرته تهنئة قائد الثورة، ثم الشعب الإيراني بالملحمة الانتخابية في 26 فبراير. وقال البيان إن الإقبال الشعبي على المشاركة في هذه الانتخابات "يدل على ولائه وثقته الكبيرة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الميادين المختلفة والتزامه بمبادئ الثورة الإسلامية وإصراره على مواصلة نهج الإمام الخميني".

3- علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى
 مع بدء ظهور نتائج الجولة الأولى من الانتخابات أصدر رئيس مجلس الشورى بيانا (28 فبراير) قال فيه إن "تداول السلطة ظاهرة مباركة ورصيد وطني للبلاد" في أول إشارة من مسئول إيراني إلى احتمال تغير ميزان القوى في مجلس الشورى الجديد لمصلحة المعتدلين والإصلاحيين. وأكد علي لاريحاني في بيانه إنه "يجب احترام اختيار الشعب وفقا لما يحدده على أساس ظروف البلاد وما هي القوى اللازمة لهذه المرحلة". ودعا رئيس مجلس الشورى الإعلام إلى "حماية نتائج الانتخابات كرصيد للعمل في المستقبل وسند للوحدة الوطنية". وهذه الرسالة الخاصة إلى الإعلام جاءت بمثابة دعوة إلى التعقل والبعد عن الإثارة والتهييج من جانب أجهزة الإعلام الإيرانية التابعة للمرشد الأعلى والتي تدين بالولاء له.
وفي الوقت نفسه فإن علي لاريجاني سعى لأن يعادل كفة الميزان بتوجيه نداء إلى الطرف الآخر، فشدد في بيانه على أن "اتباع الولي الفقيه يعد من إنجازات الثورة الإسلامية"، واعتبر أن الأفكار الإسلامية الثورية قد ترسخت في البلاد، كما أن العديد من القضايا الباعثة على القلق "قد سويت بفضل وجود الولي الفقيه وأيضا نتيجة وحدة الشعب الإيراني".
وبشأن انتخابات مجلسي خبراء القيادة والشورى الإسلامي، اعتبر الدكتور لاريجاني أن كافة التوجهات مطروحة في الانتخابات القادمة لتكون لديها مشاركة في مصير البلاد. وأشار في الوقت نفسه إلى التحذيرات التي أطلقها المرشد الأعلى حول مساعي الأجانب لبث الفرقة في البلاد وقال "علينا دوما الاهتمام بتحذيرات قائد الثورة الإسلامية، وأن نتخذ الإجراءات اللازمة في هذا المجال".

4- هاشمي رفسنجاني
 حذر آية اللـه أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في بيان أصدره في أول مارس يشكر فيه الناخبين على ثقتهم باختيارهم له بأغلبية كاسحة لعضوية مجلس الخبراء، من المساعي التي يبذلها "أعداء إيران وأعداء التشيع من أجل إثارة الخلافات والإخلال بالأمن داعيا إلى ضرورة المحافظة على أمن واستقرار البلاد التي تحققت بفضل تحمل الشعب مسؤولياته". وأكد رفسنجاني أن "استقرار البلاد واستتباب أمنها لا يستمران إلا بالوحدة والانسجام ودعم مشاريع الحكومة واتباع قائد الثورة وخدمة الشعب بإخلاص." وأشار إلى أهمية الدور الذي لعبه الشباب في تكوين المجاميع الداعمة للحملة الانتخابية واستخدام شبكة الإنترنت.
إن أخطر ما ورد في رسالة الشكر التي وجهها رفسنجاني إلى الناخبين هو ما يتعلق بالدعوة إلى "الوحدة والانسجام (1) ودعم مشاريع الحكومة (2) واتباع قائد الثورة (3) وخدمة الشعب يإخلاص (4)". ويبدو أن تلك من وجهة نظر رفسنجاني هي الركائز الأربع الكفيلة بتحقيق "استقرار البلاد واستتباب أمنها". فهل علم رفسنجاني أو استنتج أن استقرار إيران واستتباب أمنها أصبحا في خطر بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات؟ إن رفسنجاني في رسالته لا يحذر من خطر خارجي وإنما يحذر من أخطار داخلية ويدعو مواطنيه إلى التحوط ضد هذه المخاطر بحيل داخلية من جنس المخاطر نفسها.  

5- آية اللـه صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية
من المعروف عنه أنه واحد من حلقة المقربين إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. وسوف نلاحظ في بيانه التشديد على أهمية مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي هي حسب تعبيره "تشعر بالخطر من وحدة إيران واقتدارها". وقد صرح رئيس السلطة القضائية الإيرانية خلال الحملة الانتخابية بأن "أمريكا تيقنت أن الشعب الإيراني موجود في الساحة من خلال التزامه بإرشادات القيادة، مضيفا إن أمريكا تشعر بالخطر من وحدة إيران واقتدارها."
وذكر رئيس السلطة القضائية إن الأمريكان يصورون إيران بأنها متطرفة، إلا أن علينا أن لا نترك الساحة، وأن نعمل بوعي وأن نحدد العدو من الصديق، فالأمريكان تيقنوا أن الشعب الإيراني موجود في الساحة من خلال التزامه بإرشادات قائد الثورة والتدابير الصحيحة، فهم يشعرون بالخطر من هذا الموضوع. وقال: "نحن مدينون بهذه النعمة لوحدة القوات المسلحة وانسجامها واقتدارها ولقائد الثورة المعظم."

6-  روحاني يشكر الشعب ويؤكد التعاون مع البرلمان الجديد
قال حسن روحاني رئيس جمهورية إيران بعد انتهاء الانتخابات التشريعية على صفحته الشخصية "إيران أمه تصنع التاريخ" "لنفتح معا صفحة جديدة نتقدم فيها على أساس الموهبة المحلية والفرص العالمية".
وفي مناسبة زيارته للملتقى الدولي لصناعة السيارات في طهران (أول مارس 2016)  فقد انتهز روحاني الفرصة وألقى كلمة شديدة الأهمية، عرض فيها باختصار ما يمكن أن نصفه بالخطوط العامة لسياسته المقبلة على النحو التالي:
-    الشعب الإيراني شعب مسالم ويدعو إلى الأمن والتعاون مع شعوب العالم.
-    الشعب الإيراني شعب يدعو إلى الاعتدال وليس إلى التطرف، وقد أعلن بصوت عال في الانتخابات الأخيرة بأنه يريد "التعامل" مع العالم وليس "المواجهة". إن مرحلة "المواجهة انتهت"، وإذا كان هناك من يتصور أن إيران لا تزال في مرحلة المواجهة فإنه لم يدرك الرسالة التي وجهها الشعب الإيراني منذ الانتخابات الرئاسية عام 2013.
-    الشعب الإيراني يريد حل مشاكله مع العالم بالمنطق والبراهين وعلى طاولة الحوار، وإن دبلوماسييه أثبتوا إنهم قادرون على التفاوض مع العالم.
-    الشعب الإيراني لن يطأطئ رأسه أمام الضغوط والإملاءات وفي الوقت نفسه فإنه يدعو إلى "التعامل" مع سائر شعوب العالم.
-    البلاد في حاجة إلى التنمية الاقتصادية من أجل توفير فرص العمل للشباب والتحرك الاقتصادي نحو الأمام.  
ومن الواضح أن عناصر هذه الرؤية لا تتفق مع تلك التي تحاول إثارة الخوف والهلع من الولايات المتحدة ومن المؤامرات الغربية، والتي تدعو إلى استمرار المواجهة مع العالم. وأظن إنه على هذه الأرضية سيدور الصراع بين "أنصار الدولة" وبين "أنصار الثورة" في المرحلة المقبلة داخل مجلس الشورى وخارجه، حتى تتمكن إيران من التوصل إلى صيغة تحرم المتشددين من محاولة احتكار منطق الثورة لأنفسهم وتضع حدا لسعيهم إلى الاستمرار في إشعال المعارك الوهمية مع العالم الخارجي.
حسن روحاني : "إيران أمه تصنع التاريخ" "لنفتح معا صفحة جديدة نتقدم فيها على أساس الموهبة المحلية والفرص العالمية"
سابعًا: محاور الصراع في الفترة المقبلة
"التعاون مع العالم هو هدفنا الأول والأخير"، "المواجهة مع العالم هي هدفنا الأول والأخير". بين هذين الشعارين تقريبا سيدور الصراع في الفترة التالية للانتخابات الأخيرة في إيران. الحكومة بقيادة حسن روحاني ومعهما رجال الدين المعتدلين والإصلاحيين سيقفون في جانب "التعاون" بينما المعسكر الآخر المكون من المرشد الأعلى والحرس الثوري والمؤسسات الدينية التقليدية، سيقف في جانب "المواجهة". لكن الأمر لن يكن أبدا بهذه البساطة، فبين الخطين المتصادمين توجد مساحة كبيرة للعمل من أجل مواصلة بناء القوة الإيرانية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا.
وربما يحاول فريق العقلاء من كل من الطرفين "تبريد" الصراعات، وتوسيع مساحات الاتفاق والعمل المشترك. لكنني أعتقد إن قضايا مثل الصراع ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ونشر التشيع، واستمرار المواقف المتشددة تجاه الأوضاع في الشرق الأوسط، لن تكون محلا للمساومة من جانب المعسكر المتشدد، خصوصا وأن إيران تجد نفسها مقبلة بسرعة على أن تكون جزءا من تحالف عالمي جديد يضم في قيادته روسيا والصين وإيران نفسها، ومعهم مجموعة من دول آسيا الوسطى. هذا التحالف العالمي سيكون سندا للتيار المتشدد، في حين أن قوة التيار المعتدل ستتوقف على مدى المكاسب التي سيحققها من التقارب مع الغرب بعد إنجاز الاتفاق النووي.
ومن المتوقع أن تظهر بوادر الصراع مبكرا في الأسابيع التالية، ثم على مدار الفترة من الآن وحتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. وتتضمن مواضيع الصراع في الفترة المقبلة ما يلي:
1-    المسائل المباشرة التالية للانتخابات واختيار رئاسات مجلس الشورى ومجلس الخبراء، ثم التصويت على الوزراء (من المرجح أن يقدم روحاني على إجراء تغيير وزاري).
2-    بدء الاستعدادات والمناورات الجانبية استعدادا للانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2017. وسيكون على الرئيس الحالي حسن روحاني أن يتقدم للشعب بإنجازات ملموسة بما يضمن إعادة انتخابه رئيسا لفترة ثانية. وفي المقابل فإن المتشددين ربما يسعون إلى الانتقام لهيبتهم التي سقطت في طهران بعرقلة طريق روحاني إلى فترة رئاسية ثانية.
3-    بدء الاستعدادات للصراع على خلافة خامنئي.
4-    السياسة الاقتصادية بما في ذلك بيع أو طرح أسهم بعض الشركات والمؤسسات المملوكة للدولة ومنها شركة الخطوط الجوية الإيرانية.
5-    السياسة الخارجية والانفتاح على الغرب. وربما سيكون ذلك هو موضوع المزايدة المفضل لدى المتشددين. وهو من الآن الذي يتصدر موضوعات الصراع بين المعسكر. فقد اتهم مهدي كوجاك زاده، (نائب خسر مقعده في الانتخابات الأخيرة) وزير الخارجية ظريف بأنه "خائن". بينما هدد روح الله حسينيان (نائب خسر مقعده) "بدفن المفاوضين الإيرانيين أحياء" مع السداسية الدولية في "خليط خرسانة مسلحة" بسبب تنازلاتهم. أما غلام علي حداد عادل، رئيس البرلمان السابق (في عهد نجاد) والذي كان يقود كتلة المتشددين  في الانتخابات الأخيرة وخسر مقعده في مجلس الخبراء فإنه يحذر بقوة من فتح السوق الإيرانية أمام الشركات الأجنبية. ويرى غلام عادل إن فترة العقوبات الاقتصادية كانت خيرا على إيران لأنها منعت هذه الشركات من التغلغل في البلاد، أما الآن وبعد رفع العقوبات فإن هذه الشركات ستسعى بكل قوتها إلى استعادة ما فقدته والتأثير على البلاد. ويدعو الرئيس الأسبق للبرلمان الإيراني إلى "منع هذه الشركات من دخول السوق الإيرانية وتحويلها إلى سوق للسلع الاستهلاكية الغربية".
6-    إعادة النظر في سلطات مجلس صيانة الدستور. وهو مطلب تردد بقوة خلال الحملة الانتخابية خصوصا بعد شطب أكثر من 90% من مرشحي الإصلاحيين والمعتدلين المتقدمين لانتخابات المجلس.
7-    الإصلاحات الداخلية، خصوصا في تلك المجالات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
لقد انتهت الانتخابات الإيرانية، وسيحاول كل فريق الفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التكميلية بعد شهر، لكن التوازن الدقيق بين المعسكرين المتنافسين في الانتخابات، بسبب وجود المرشد في المعسكر المؤيد للمتشددين على الرغم من خسارتهم الانتخابية، ربما يقلل فرص الإصلاحيين والمعتدلين في استثمار انتصارهم الانتخابي وتحويله إلى انتصار سياسي يعادله خلال فترة قصيرة. ولذلك فإن السياسة لم تنته، وسوف تستمر. وما يزال أمام إيران فترة من الوقت حتى تتمكن من جني ثمار السلام مع العالم، وقد تطول هذه الفترة إذا جاءت إغراءات التحالف مع روسيا والصين أكثر جاذبية من جني ثمار السلام مع الغرب.