في عام 2010، أجريت آخر انتخابات برلمانية مزوّرة، وصفها
جلال أمين بأنها تمثل عملًا فجًا عديم النظير في غلظته في تاريخ الانتخابات
المصرية. أصابت المصريين بحالة الكف عن الممارسة السياسية وليس مجرد اللا مبالاة،
ثم يُدْعَى الناخبون خلال الفترة من مارس2011 حتى مايو 2014، إلى سبع فعاليات
متوالية. وهم مدعوون الآن إلى المشاركة في انتخاب برلمان ما بعد الثورتين. وهذا
المقال محاولة لفهم سلوك المشاركة في هذه الفاعليات، وهل من الممكن أن يحدث تغيير
في هذا السلوك في الانتخابات القادمة.
أولاً: تطور المشاركة في الانتخابات 2011-2014
·
الاستفتاء على الإعلان الدستوري2011
منذ البداية، انجرّت الثورة المصرية، إلى المسار الخاطئ
فبدلا من البدء بكتابة الدستور، سعت قوى الإسلام السياسي إلى الهيمنة، عبر إجراء
انتخابات برلمانية ثم رئاسية، وفق إعلان دستوري مُريب، ثم كتابة دستور، يستند إلى
هذه الهيمنة ويكرسها. في هذه الأجواء غير الديمقراطية، أجري الاستفتاء على الإعلان
الدستوري، وشارك فيه 18,5 مليون مواطن، بنسبة 41,2%، وانتهت المعركة، بموافقة 77%
على الإعلان، ورفض 22%. هذه النسبة كانت منذرة بأن شيئا ما يسير في الاتجاه
الخاطئ، غير أن تيارات الإسلام السياسي لم تلتفت لهذه النتيجة، ومضت في طريق
صعودها السياسي، دون أن تعي بأنها تنزلق إلى المنحدر. ولحشد المصريين استخدمت هذه
القوى، منابر المساجد، وروجت المسألة السياسية، بوصفها مسألة دينية بامتياز، إلى
حد وصف الاستفتاء بأنه "غزوة الصناديق" . لا شك أن خوفا قد استبد بقطاع
كبير من المصريين جراء هذه الممارسات الإقصائية الرجعية، وخاصة الأقباط، والقوى
الشبابية التي باتت تشعر بأن ثورتهم قد سرقت، بتبدل النظام من تسلطي إلى ثيوقراطي.
·
المشاركة في انتخابات مجلسي الشعب
والشورى2011-2012
غالبية المصريين لم ينشغلوا كثيرًا بالأهداف السياسية
المعلنة للثورة المصرية، (تحقيق الديمقراطية، ضمان الحريات السياسية...إلخ) ولكنهم
كانوا أكثر اهتماما بالأهداف الاقتصادية والعدالة الاجتماعية المرجوة من قيام
الثورة، يرغبون فينظام جديد يقضي على الفساد والمحسوبية، وقادر على توفير فرص
العمل، ورفع الأجور، وتحسين الخدمات الزراعية للفلاحين، وخفض تكاليف الخدمات
التعليمية والصحية ومستلزمات المعيشة للناس.
الفقراء في هذه اللحظة التاريخية، مشدودون بقوة لا
شعورية نحو ضمان أمنهم الوجودي، وفي هذا السياق تبدو الحاجات الأساسية للإنسان
(المأكل، المشرب، المأوى، المشفى، المدرسة)، هي الأكثر إلحاحا. وهذا ما لعبت على
أوتاره قوى الاسلام السياسي، حين حلت انتخابات مجلس الشعب - الخطوة الثانية في
مسار الانتقال الديمقراطي الأعوج- وأنفق المال السياسي، لابتزاز الأصوات وخديعة
الناخبين، مدعومة بشبكة خدمات اجتماعية كبيرة، محتكرة الشعار الذي لم يختبر
(الإسلام هو الحل). خرج المصريون للتصويت لتلك القوى على أمل أن تحقق لهم ما
يحلمون به من عدالة اجتماعية، ومستوى معيشة لائق، وحياة اجتماعية عادلة.
لذلك فقد ارتفع عدد المشاركين إلى 27 مليون ناخب، بنسبة
مشاركة بلغت 54% ، بزيادة 9 ملايين ناخب عن الاستفتاء. وبدا أن الجميع يتقبل نظام
الحكم الجديد، وينتظر أن تكون ممارسة الإسلام السياسي على قدر الثقة الممنوحة له.
غير أن المصريين شعروا من أول جلسة للمجلس الجديد بخيبة أمل كبيرة، وشاهدوا على
شاشات التلفاز، ممارسات سياسية متواضعة، تتسم بقدر كبير من الرعونة. الأمر الذي
انعكس مباشرة على المشاركة في انتخابات مجلس الشورى، التي أجريت في أعقاب تشكيل
مجلس الشعب. لم يخرج المصريون لهذه الانتخابات، لسببين، الأول اعتقادهم الصحيح،
بأنه مجلس عديم الجدوى، وثانيا الإحباط الذي ساد الشارع المصري، بعد انعقاد
الجلسات الأولى لمجلس الشعب، لذلك فقد تغيب عن انتخابات الشورى 87% ممن لهم حق
التصويت.
·
المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأولى
لم يفقد المصريون الأمل، بعد أن جرى حل مجلس الشعب بحكم
قضائي، ويبدو كذلك أن الانتخابات الرئاسية، مثلت فرصة جديدة بالنسبة لجميع القوى
السياسية، بما فيها المنتمية للنظام القديم، فتقدم للترشح عددا من رموز من التيار
الليبرالي، واليساري، والإسلامي الإخواني
والسلفي، فضلا عن أحمد شفيق الذي اعتبر ممثلا للنظام القديم. ما جعل
التنافس يشتد، فعادت نسبة المشاركة للارتفاع مرة أخرى، لتصل في جولة الإعادة إلى
نحو 52%. ورفض أكثر من نصف المصريين بقليل، إعادة انتاج النظام القديم ممثلا في
أحمد شفيق، ونجح مرشح الإخوان بأصوات المؤيدين له والمضطرين للتصويت لصالحه. غير
أن هذه النتيجة، كانت منذرة مرة أخرى، فقد تبلور لأول مرة موقف المصريين من حكم
الإخوان المسلمين وحلفائهم، وبدا واضحًا
أن نصف المصريين على الأقل لا يثقون في هذا الحكم.
·
الاستفتاء على الدستورين 2012، 2014:
دون الخوض في التفاصيل، فإن المشاركة في الاستفتاء على
دستور 2012، عادت للانخفاض مرة أخرى، وشارك فيها 17 مليون مواطن، بنسبة 33% غير أن
المشاركة اتسمت بالإيجابية، على معنى أن عددا كبيرا من المصريين (6ملايين مواطن)
خرج لرفض الدستور، والطريقة التي كتب بها، وربما تكون هذه الكتلة الرافضة، هي
النواة الصلبة التي بنيت عليها ثورة 30 يونيه.
وعلى العكس، شارك في الاستفتاء على دستور 2014، أكثر من
20 مليون مواطن، بنسبة 38% وحاز القبول
بنسبة فاقت 98% بقليل. لكن على الجملة فإننا أمام وعي سياسي منخفض، فالدستور هو
أساس استقرار أي دولة، وهو بالتأكيد أهم من أية فاعليات سياسية أخرى، ومع ذلك فقد
تدنت المشاركة بصفة عامة في كلتا المناسبتين.
·
المشاركة في الانتخابات الرئاسية الثانية
ارتفعت المشاركة
من جديد في هذه الانتخابات، إلى أكثر من 47% بحضور 25,2 مليون ناخب، وحصل فيها
رئيس الجمهورية السيد عبد الفتاح السيسي على ما يقرب من 97% من جملة الأصوات
الصحيحة. والرسم البياني التالي يصور منحنى المشاركة في الفاعليات المذكورة. ويتضح
منه أن متوسط المشاركة في الفاعليات السبع السابقة على انتخابات برلمان ما بعد
الثورتين. قد تدنى إلى 34,7%، لكن إذا
طرحنا انتخابات الشورى من الحساب، فإن المتوسط سوف يرتفع إلى 44%.