وقد رفضت مصر اقتراح الدول الثلاث بإنشاء إدارة تحت
الإشراف الدولى لتأمين العمل فى القناة بصفة دائمة، واعتبرته «استعمار مشترك» يهدف
الى التدخل فى الشئون الداخلية لمصر!
وبدأت المعركة من جانب الغرب ضد مصر بطريقة مكشوفة،
فقامت دول التصريح الثلاثى بتجميد الأموال المصرية فى بنوكها، كما أعلنت كل من
بريطانيا وفرنسا تعبئة الاحتياطى العسكرى، وقامتا فعلا بتحريك قواتهما وأساطيلهما؛
لإرهاب مصر!
وفى واقع الأمر فإن تلك المعركة بين مصر والغرب تعدت كل
الحدود المتعارف عليها سياسيا وقانونيا وإعلاميا واقتصاديا، فقد وجهت الدعوة لعقد
مؤتمر فى لندن تحضره الدول المستفيدة من القناة 17 دولة من أجل العمل على تدويلها،
فى 16 أغسطس 1956. وقد رفض عبد الناصر الرسالة التى نقلها له فى القاهرة منزيس
رئيس وزراء استراليا لأنها تمس السيادة المصرية!
ومن المواقف الرائعة فى التاريخ العربى الحديث؛ أن
الشعوب فى جميع البلاد العربية أضربت يوم إنعقاد مؤتمر لندن تأييدا لمصر.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد من جانب دول الغرب، بل
تصاعدت المؤامرات لإرباك الملاحة فى القناة، وذلك عندما حرضت شركة قناة السويس
المرشدين الأجانب على ترك العمل؛ لتثبت أن مصر غير قادرة على إدارتها! ولكن ذلك لم
يحدث!
ثم بدأ بعد ذلك العدوان الثلاثى على مصر، وقصته معروفة،
فبناء على التآمر فى مدينة سيفر بفرنسا قامت اسرائيل بالهجوم العسكرى على سيناء فى
29 أكتوبر. وفى صباح اليوم التالى تقدم الأسطولان البريطانى والفرنسى لإتخاذ أوضاع
الحصار البحرى على إمتداد المياه الاقليمية لمصر فى البحرين الأبيض والأحمر.
وفى يوم 30 أكتوبر وجهت بريطانيا وفرنسا الى مصر الإنذار
المشهور؛ بالتهديد بإحتلال ثلاث مدن مصرية هى بورسعيد والاسماعيلية والسويس. وقد
رفض عبد الناصر هذا الإنذار المهين واعتبره إعتداء على سيادة مصر وحقوقها.
وفى مجلس الأمن فى 1 نوفمبر استخدمت بريطانيا وفرنسا
لأول مرة حق الفيتو؛ حتى لا تدان اسرائيل بالعدوان!
وفى 31 أكتوبر بدأ هجوم بريطانيا وفرنسا على مصر من
البحر والجو، وأغرقت طائراتهما السفن فى قناة السويس، وبذلك توقفت الملاحة فيها.
وقد هاجم المعتدون بورسعيد فى 5 نوفمبر، وأنزلوا قوات
مظلات، وتم عزل المدينة. وفى 9 نوفمبر - بعد قبول وقف إطلاق النار فى 6 من نفس
الشهر - خطب عبد الناصر فى الشعب المصرى من الجامع الأزهر.. «لقد فرض علينا القتال
ولكن لن يفرض علينا الاستسلام».
إن قصة مقاومة الجيش المصرى للعدوان الاسرائيلى فى
سيناء، والمقاومة الشعبية وحرب الفدائيين ضد الغزو البريطانى الفرنسى فى بورسعيد
هى ملحمة بطولة ينبغى نشر تفاصيلها التى طمست فى السنوات الماضية.
أما الحرب السياسية والإعلامية التى أعقبت تأميم القناة
فى العالم العربى وفى المجتمع الدولى وفى الأمم المتحدة، فقد كسبتها مصر عن جدارة.
إننى أتذكر كل هذه الأحداث والمشاعر الجياشة وقد كنت فى
بداية المرحلة الإعدادية وقتها- بمناسبة شق قناة السويس الجديدة وافتتاحها إن شاء
الله فى 6 أغسطس 2015. فما أجمل أن يوضع هدف صعب التحقيق، ثم ينجز بأيد مصرية
وبأموال الشعب المصرى!
إن ما نحتاجه الآن هو وضع خطة اقتصادية تفصيلية طويلة
الأجل، وأخرى متوسطة الأجل، ثم خطط سنوية؛ وذلك لضمان استخدام مواردنا من القناة
الجديدة وغيرها لمصلحة فقراء هذا البلد ومتوسطى الدخل.
ومن جانب آخر ينبغى أن يكون أمن قناة السويس دائما نصب
عين المسئولين على أعلى مستوى، وألا يُسمح بتراخى أو إهمال. ولا ننسى أن عدونا
الأبدى اسرائيل على الحدود، ومن الطبيعى ألا يتحمل أن يرى أن خيرا يعم بلدنا!