مما
أثار استنكار بعض المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية التي رأت في هذه المبادرة
خطوة للحد من حرية التعبير في البلاد(26). فقد ذكرت منظمة العفو
الدولية، أن قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الجديد، والمثير للجدل، الذي يجرم
نشر "أخبار غير صحيحة" على شبكة الإنترنت يشكل تهديدًا جديا لحرية
التعبير عن الرأي في قطر.
ووفق
أحكام القانون الجديد ، يجوز للسلطات حظر المواقع الإلكترونية التي ترى فيها
تهديدًا "لسلامة" البلاد، وتعاقب كل من ينشر أو يتبادل محتويات
رقمية "تقوض" من "القيم
الاجتماعية" في قطر أو "النظام
العام فيها" على الرغم من أن القانون يسكت عن تعريف مثل هذه العبارات
والمصطلحات.
وفي معرض تعليقه على الموضوع، قال سعيد
بومدوحة نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية
"يُعد قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الجديد بمثابة انتكاسة لحرية التعبير
عن الرأي في قطر". وأردف بومدوحة قائلًا:
"يتضمن القانون الجديد أحكامًا فضفاضة ومبهمة الصياغة تناقض المعايير الدولية
بشكل صارخ، إذ تنص فعليًا على منح الحكومة صلاحيات واسعة لمعاقبة كل من يقوم بنشر
أو تبادل محتوى رقمي يعتبره المسؤولون ضارًا بقيم قطر الاجتماعية أو مصالحها
الوطنية. وأضاف بومدوحة: "ثمة خطر حقيقي بأن يقوض القانون الجديد التعبير
السلمي والمشروع عن الرأي من خلال تيسير القمع التعسفي للمعارضة السلمية".
ويتناول
القانون مسائل من قبيل سرقة المعلومات وتزويرها وحقوق الملكية، وغير ذلك من
الأفعال التي تُعتبر جرائم في عرف القانون الدولي، ولكنه يشترط أيضًا على مزودي
خدمات الاتصالات القيام بحجب المواقع الإلكترونية، أو تزويد السلطات بأدلة أو
سجلات بناء على طلبها. وتخضع حرية التعبير عن الرأي في قطر للرقابة الصارمة،
وغالبا ما تمارس الصحافة المحلية الرقابة الذاتية على عملها"(27).
وتهتم
السعودية بمواقع التواصل الاجتماعي وما يُنشر عليها، فقد "أدرجت السعودية
رسميًا بعض مواقع التواصل الاجتماعي ضمن الأدوات الرقابية، واعتبار المشاركات
الواردة فيها بلاغات تتطلب التحقق للوصول إلى المخالفين لقواعد النزاهة، في الوقت
الذي ألزمت من خلاله المؤسسات الحكومية بزيادة التفاعل مع ما تطرحه الصحف والبرامج
التليفزيونية من موضوعات يمكن أن تكون دليلا على وقوع انتهاكات للنظام"(28).
كما
قال المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي، إن شبكات
التواصل الاجتماعي التي تشمل "تويتر" و"فيسبوك"
و"يوتيوب" "تخدمنا أمنيًا". وقال التركي "مواقع التواصل
الاجتماعي خدمة عامة يخضع استخدامها في السعودية لنظام مكافحة الجرائم
المعلوماتية، وذلك بتحديد هذه الجرائم وعقوباتها بهدف تحقيق الأمن المعلوماتي من
خلال الاستخدام المشروع لوسائل التقنية الرقمية، وحماية المصالح العامة والأخلاق
والآداب". واعتبر أن شبكات التواصل الاجتماعي
"توفّر للجهات الأمنية وسيلة إضافية لتقييم أدائها في تنفيذ مهامها الأمنية
ما يتيح لها منخلًا لمتابعة ما يتم تناوله فيها من ملاحظات وآراء، فرصة للارتقاء
بخدماتها".
وهددت
السعودية في وقت سابق الشركات المشغّلة لوسائل التواصل الاجتماعي التي تستخدم
التطبيقات المشفّرة مثل "واتساب" و"فايبر" و"سكايب"
بحجب هذه التطبيقات في حال فشلت في السيطرة عليها. وأكدت مصادر مطلعة اعتزام الشركات المقدمة
لخدمات الاتصالات والإنترنت بالسعودية فرض رقابة على تطبيقات وسائل التواصل
الاجتماعي التي تستخدم التطبيقات المشفرة.
ويأتي
هذا التوجه تنفيذًا لطلب هيئة الاتصالات من هذه الشركات باتخاذ اللازم حيالها
لتحقيق السيطرة من خلال الشركات التي تملك أو تشغل هذه التطبيقات.
وقالت المصادر إنه في حال فشلت الشركات المقدمة للخدمة في السيطرة على هذه
التطبيقات وضبطها ستلجأ لإيقافها باستخدام وسائل فنية لحجب روابط تحميلها أو
التواصل عن طريقها.
وأقرت
الرياض في وقت سابق بعجزها على مراقبة كل ما ينشره السعوديون على موقع
"تويتر" الذي يعد أبرز مواقع التواصل الاجتماعي شيوعًا في المملكة
العربية السعودية، حيث يستخدمه أكثر من ثلاثة ملايين شخص. وكان تقرير نُشر أخيرًا حول حال الإعلام
الاجتماعي في السعودية 2012، أظهر أن الرياض جاءت في المرتبة العاشرة في أكثر
المدن تغريدًا في العالم. وقال التقرير إنه مع 50 مليون تغريدة في
الشهر مصدرها السعودية، باتت اللغة العربية تسجل أكبر نمو بين اللغات عبر تويتر،
بينما تسهم السعودية بـ30 بالمائة من هذا النمو.
وذكرت
وسائل إعلام سعودية أن عبد العزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام السعودي، أقر سابقا
في كلمته لمنتدى الإعلام الاقتصادي الخليجي 2013 الذي نُظِم بالرياض، بصعوبة
مراقبة كل ما ينشر على تويتر، وأشار
الوزير السعودي إلى ضرورة أن يرفع مستخدم موقع التواصل الاجتماعي من وعيه، وأن
يساعد وزارة الثقافة والإعلام في عملية المراقبة على ما يكتبونه، رافضًا وضع
مقارنة بين هذا الموقع والصحف الإلكترونية، إذ إنها منظمة وفق تشريع أُقر أخيرًا،
وأكد أهمية أن تنبع الرقابة في ما يطرح عبر تويتر من "تربية الفرد وثقافة
المجتمع"(29).
وقد
اعترف اللواء منصور التركي المتحدث الأمني لوزارة الداخلية بوجود رقابة على مواقع
التواصل الاجتماعي، ولكن في حدود رصد الحسابات التي تحرض على الكراهية وأعمال
مخالفة للنظام، وأكد أن هناك "فئة ضالة" تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي
لبث رسائل تحريضية مستغلة أنها خدمة مفتوحة وعامة للجميع، وهي الفئة التي يتم رصدها
في إطار نظام الجرائم المعلوماتية المعمول به في المملكة.
وقال
المتحدث الأمني لوزارة الداخلية "مهمتنا كأجهزة أمنية أن نتحرى مثل هذا النوع
لوضع حد له، لأن مثل هذه الشبكات لم توضع إلا لفائدة مستخدميها" وشدد التركي
على أن وزارة الداخلية لا تتابع كل من يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها
تعمل على رصد حسابات الفئة الضالة تلك نظرًا لصعوبة حجبها كما يتم حجب المواقع
الإلكترونية المخالفة لقوانين المملكة.
وكانت
المملكة قررت أخيرًا حجبت ما يزيد على خمسة آلاف موقع إلكتروني، ما بين مواقع
إباحية ومواقع أخرى مخالفة للعقيدة الإسلامية ومحرّضة على الإلحاد، ويذكر أن
تصريحات التركي تأتي في الوقت الذي قبضت فيه وزارة الداخلية السعودية على شخصين
أحدهما "يمني" والآخر "تشادي" استخدما خمسة حسابات على مواقع
التواصل الاجتماعي لنشر أفكار وصفت "بالإرهابية" وتحريضات ضد علماء
ورجال أمن، بالإضافة إلى التحريض على استهداف أمن إحدى الدول المجاورة للمملكة.
ومع
تصاعد حدة العمليات الإرهابية، وتشعب التنظيمات المرتبطة بها، زادت المملكة
العربية السعودية من رقابتها على الإنترنت، خاصة منذ صدور الأمر الملكى الخاص
بمواجهة الإرهاب فى فبراير 2014. وأشار الأمر الملكي إلى أنه يلاحق بتهم الإرهاب
كل من يدعم الإرهاب حتى لو بالكتابة، وتشمل ذلك مواقع التواصل الاجتماعى. وفى أول
مايو أعلنت الداخلية السعودية تفكيك خلية إرهابية، ومن بين وسائل كشفها متابعة
مواقع التواصل الاجتماعي(30).
وقد
كشفت شركة "المطورون العرب"، الموردة والمشغلة للأنظمة التقنية، في
أبريل الماضي، أنه أصبح بالإمكان بالمملكة العربية السعودية توظيف نظام تقني
رقابي، يستهدف وسائل الإعلام التقليدية، إلى جانب شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف
أشكالها. وتتيح هذه النظم تصنيف كل ما يطرح عبر هذه
الشبكات، سواء أكان سلبيًا أم إيجابيًا، وتسهّل الوصول إلى الأفراد والجهات التي
تعمل على زعزعة الأمن واختراق الفكر.
وأوضح
أنس السلمان الخبير التقني، أن نظام معمل التحقيق الرقمي والجنائي ومراقبة وضبط
الإعلام التقليدي والجديد يتيح التوصّل إلى النقطة الأولى لأي حدث، سواء أكان في
الوسائل التقليدية أم الجديدة، من خلال الإمكانات الرقابية التي يتمتع بها، ومنها
قدرته على قراءة 13 لغة، مع تزايدها باستمرار، و570 لهجة عربية، و278 لهجة سعودية،
بحيث يتمكن من تصنيف المفردات بناء على معانيها، ليتم بعد ذلك إعطاء إشارات تنبيه
للجهاز الأمني الحكومي بوجود خطر ما تم رصده في مواقع التواصل الاجتماعي، ما يتيح
السيطرة عليه والتفاعل معه خلال وقت مبكر قبل تفاقمه.
وقال
المهندس السلمان: إن "المملكة ظلت مستهدفة فكريًا وأمنيًا، وتشكّل مواقع
التواصل الاجتماعي أهم الوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق هذا الاختراق، الأمر
الذي قد تترتب عليه زعزعة أمن المجتمع واستقراره، إلا أن تلك الخطورة لا تعني
إيقاف التفاعل عبر هذه الشبكات التي أصبحت جزءًا مهمًا من حياتنا، لأننا بذلك نحد
من التقدم والتطور، إضافة إلى إمكان الحد من حرية الرأي والتعبير، لكن ما يفترض
توظيفه هو إيجاد وسيلة رقابية آمنة تكون تحت تحكّم الأجهزة الأمنية الحكومية، تسهم
في شعور رواد تلك المواقع بالأمان، إضافة إلى شعور الشخص الراغب في الاختراق بأنه
تحت السيطرة وإمكان الوصول إليه، وتعرّضه للعقوبة مهما حاول التخفي".