المركز العربي للبحوث والدراسات : ندوة تجديد الخطاب الديني (طباعة)
ندوة تجديد الخطاب الديني
آخر تحديث: السبت 16/05/2015 01:22 م أشرف عبد المنعم
ندوة تجديد الخطاب

تجديد الخطاب الدينى .. دعوة أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى أخيرا، ومن ثم فقد كانت هذه السلسلة من الندوات التى حاولنا خلالها الاستفادة من آراء أكبر عدد ممكن من المتخصصين والمعنيين بالأمر فى المجالات كافة، إيمانا من جانبنا بأن الخطاب الدينى لا ينبغى ان يكون بمعزل عن ظروف و ملابسات عدة تحيط به؛ أو أن يكون مسئولية جهة بعينها دون بقية الآليات المجتمعية الأخرى التى يجب أن توضع فى الاعتبار، ولقد كان طرحنا فى هذه الندوات مستندا على محاور ثلاثة:

الأول، هو التغيرات المجتمعية فى مصر كبيئة حاضنة لما تشهده البلاد من موجات تطرف فى محاولة لرصد شرارة البداية وتطورها على الأصعدة: والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

الثاني، هو الاستغلال الاستخباراتى الدولى والإقليمى لظاهرة التطرف ، والأخطاء التى يمكن أن تكون الدولة المصرية قد ارتكبتها فى التعامل مع هذه الظاهرة وامتدادها.

الثالث، هو سبل مواجهة الفكر المتطرف والركائز التى يمكن أن يستند إليها الأسلوب الأمثل نحو تجديد الخطاب الدينى

نقطة البداية كانت من عند الدكتور مصطفى الفقى، المفكر السياسى ومساعد وزير الخارجية الأسبق الذى أوضح أن عصر 52 نقطة فاصلة لكن ليست تعنى منشأة للبيئة الحاضنة للتطرف الدينى فالتطرف الدينى بدأت ملامحه وتزايدت بتشكيل الحرس الخاص وجماعة الإخوان وأحداث الأربعينيات والاغتيالات والجماعة الدعوية والتى تحولت إلى جماعة ذات طابع سياسى، ونحن متذكرون الحوار الذى دار بينهم وبين النحاس باشا وحسن البنا عندما أراد أن يترشح للانتخابات، وقالوا له ماعلاقتك بهذا وأستهل كلامى بتوضيح أربع نقاط رئيسية

أولاً: علاقة عبد الناصر - باعتباره قائد الثورة- بالإسلام؛ فلقد كان فهم عبدالناصر للإسلام أقرب إلى حد كبير لفهم محمد على للإسلام فكلاهما كان يؤمن بأن الدين علاقة بين العبد وربه، ثم نجد عبد الناصر مثلا ينشئ محطة للقرآن الكريم، ولكن لما تأتى مشكلة مثل المشكلة القبرصية آنذاك تجده يؤيد اليونان المسيحية ضد تركيا المسلمة، ثم تجده يؤيد الهند الهندوسية ضد باكستان المسلمة فى كشمير، ثم يلغى المحاكم الشرعية، ثم يرفض الأحلاف الإسلامية وهو الذى لم يدخل منطوق إسلامى فى قرار سياسى.

ثانياً: العلاقة بين الإخوان المسلمين وثورة يوليو ؛فالإخوان كانوا بشكل أو بآخر شركاء فى التمهيد لثورة يوليو؛ وكانت لهم علاقات قوية بمعظم أعضاء الصف الأول فى تنظيم الضباط الأحرار، وكانوا يعرفون بعضهم البعض جيدا وكان عبد الناصر على علم بأماكن السلاح بل وكان يعلم كيف تم قتل حسن البنا. وفى البداية كان شهر عسل حيث زار جمال عبدالناصر ورفاقه و زاروا قبر حسن البنا، ولكن ما لاحت بوادر اختلافهم فى اختيار الوزراء برفضهم تولى الشيخ الباقورى وعبدالعزيز كامل وأرادوا المجيء بأتباعهم وقوبلوا برفض من جانب عبد الناصر، فى هذه المرحلة بدأوا يستوعبون الدرس بأن الثورة ثورة العسكريين وحدهم وبدأت أحداث 54 كما هو معروف، ثم بدء الصدام المباشر بين عبدالناصر والإخوان هنا بدأت تبدو بوادر الاحتضان الشعبى لبعض القطاعات الفقيرة جدا لحركة الإخوان، أى انتقلت بشكل أو بآخر إلى الشارع الرافض لبعض سياسات عبدالناصر تبنته الإخوان المسلمين وقادته خارجيا وداخليا ومنهم من هاجر إلى دول الخليج واصطنع دوائر كثيرة هناك فى الخارج داخل قطر والإمارات وغيره وكذلك جنيف واختلفت المسألة إلى حد كبير جدا.

ثالثاً: أؤكد أنه من الأسباب التى أدت إلى بروز التطرف الدينى هى سقوط القوى الليبرالية فى مصر، أنا رأى أن هدم الوفد كحزب يقوم على الوحدة الوطنية والليبرالية والعلمانية بشكل أو بآخر كان أحد الخدمات الجليلة التى قدمت بغير وعى للتيار الدينى المتطرف، وبذلك أنا رأيى أن حل الأحزاب المدنية العادية وسقوط القوى الليبرالية الطبيعية التى يتقدمها الوفد أدت إلى أن تتأثر كل مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية فى مصر بالتيار الدينى، وبدأ الناس يفكرون فى الإسلام على اعتباره قومية؛ فمن الغريب أنك لو سألت شخصا شاميا من أين أنت يقول لك أنا عربى من سوريا، فإذا سألت مصريا نفس السؤال أجابك بأنه «مسلم من مصر»؛ إذن فقضية الدين مرتبطة بالحركة الوطنية فى مصر، والحركة الوطنية فى مصر كانت تحارب الغرب متمثلا فى الإنجليز المختلفين عنه دينيا، ولذلك عرابى كان يقيم حلقات ذكر ويحضر مع الدراويش. ومصطفى كامل لم يناضل إلا تحت مظلة الأستانة وحصل على الباشاوية، وسعد زغلول هو الذى بدأ عملية الفصل بين التيار الإسلامى أو الحركة الوطنية وبين إسلامية الحركة الوطنية وهذا هو ما أدى إلى عمل الفصل وربما يرجع الفضل فى ذلك لسعد زغلول، وبرغم أنه لم يكن شخصا عميقا إلا أنه كان مظهرا من مظاهر التأثير الشعبى فى الشارع .

رابعا: تنامى دور الأزهر ، فلقد حاول جمال عبد الناصر منذ بداية توليه السلطة أن يجعل من الأزهر مؤسسة طيعة ولم يعترض عليه سوى حسن مأمون فتم الإيعاز إليه بالاستقالة، بل بلغ الأمر عندما لم يجد عبد الناصر شيخا مناسبا من وجهة نظره، كان أن أتى بشيخ تونسى من اصل جزائرى هو الخضر حسين ثم أتى بالشيخ عبد الرحمن تاج وآخرين مستأنسين؛ وفى هذا نذكر موقف الشيخ الخضر حسين من تأييده للأزهريين فى اعتبار الشيخ على عبد الرازق مارقا وأيد فصله من الأزهر والذى كان أمميا يحوى رواق المغاربة والشوام بل كان يحوى رواق الاقباط فى القرون السالفة!! هذا فى الوقت الذى يأتى فيه اليوم الذى تقيم فيه جامعة يؤخذ فيها على عبد الناصر بسن قانون تنظيم الأزهر؛ فلاباس أن يكون لديك داعية ذو خلفية علمية كمثل المبشر المسيحى الذى قد يكون طبيبا أو مهندسا، ولكن هذا لا يعنى أن تقيم جامعة وتغلقها على أهل ديانة واحدة ؛ فهذا أمر غير معمول به فى أى دولة فى العالم، اللهم إلا إذا كانت جامعة لاهوتية؛ أو أن تنشئ جامعة للدراسات الدينية فقط، ولكن مادامت جامعة مدنية يساهم فيها دافع الضرائب المصرى أيا كانت ديانته، ثم تغلقها أمام غير المسلمين؟ فهذا أمر يعبر عن التناقض فى فكر ثورة 23 يوليو ؛ وكذلك الحال بالنسبة لإنشاء إذاعة القرآن الكريم ، ولهذا السبب فكثير من شهادات جامعة الأزهر غير معترف بها فى الخارج ، وأتذكر حينما كنت فى الهند ان اتصل بى وزير الثقافة والتعليم الهندى وسألنى حول شخص قال إنه كان يعمل مستشارا لسفارة الإمارات فى مصر ويحمل شهادة من إحدى كليات الأزهر ، فلما سألته عن المشكلة فى ذلك قال إنهم لايعترفون بالشهادة ، فسألته عن السبب فسألنى: وهل تقبل هذه الجامعة الناس جميعا؟ قلت لا، فالأزهر لاتقبل سوى المسلمين فقط، فأجاب بأن هذا هو السبب فى عدم الاعتراف بها ؛ فمثلما لايقبل مستشفى علاج أصحاب ديانة بعينها، كذلك لا يجب أن تقبل جامعة أصحاب ديانة معينة دون غيرهم ، ومن هنا فإن هذا الفكر المرتبك من جانب قيادات ثورة يوليو - مع إيماننا العظيم بزعامة عبدالناصر وقيمته - أدى إلى تنامى ظاهرة التطرف الدينى ولايخفى على أحد أن أناسا كثيرين جدا تستسهل التعليم الأزهري. أنا أرى أن ناس عادية جدا وليس لها اهتمام دينى واسع فى الدين تلحق أبناءها بالثانوية الأزهرية كطريق للجامعة وطريق قصير جدا ، ولكن المشكلة مثلا تكون عندما يتقدم أحدهم للالتحاق بالخارجية مثلا فتسأله فيقول: إنه خريج جامعة الأزهر فهذا يعنى أنه لم يزامل قبطيا واحدا فى حياته!! وهذا يعتبر بيئة حاضنة للتطرف.

 الكاتب و المفكر الأستاذ السيد ياسين: أريد أن أستهل كلامى بسؤال مهم وهو متى بدأ التطرف؟ فالأمر من وجهة نظرى يعود إلى ما قبل مرحلة1952؛ فالبداية منذ عهد الشيخ محمد عبده الذى كان مجددا وكتب كتابه الشهير "الإسلام والعلم". أما مشكلة الشيخ محمد عبده أنه لم يكون مدرسة؛ فتلميذه رشيد رضا كان متطرفا وكان رجعيا وهو كان أستاذ حسن البنا.

والتطرف بدأ بنشأة جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928 وظهرت كجماعة إرهابية بالتنظيم السرى وهذه وقائع وليست استنتاجات وكانت هناك محاكمات إلى آخره ، ودون الخوض فى تفاصيل تاريخية فى النهاية وإشارة إلى كلام الدكتور مصطفى الفقى ، بشأن مشكلة إلغاء حزب الوفد ، والحقيقة أنه كان لابد من إلغاء الأحزاب السياسية بعد ثورة 52 ، وإلا فلماذا قامت الثورة ؟ ولو أننا تبعنا التاريخ المصرى سنجد أن الأحزاب السياسية فقدت مصداقيتها السياسية والاجتماعية، وفشلت فى حل مشكلة الاحتلال الانجليزى وفشلت فى المشكلة الاجتماعية وهى الفجوة الطبقية الكبرى بين الأغنياء والفقراء، فقبل 52 قدمت ثلاثة مشروعات استصلاح زراعي: مشروع جماعة النهضة القومية برئاسة إبراهيم بيك منصور وتم رفضه، ومشروع خطاب و تم رفضه ومشروع شكرى ورفض.لماذا تم الرفض؟ لأن أعضاء المجالس كانوا هم كبار الملاك! ولقد قرأت المذكرة الإيضاحية التى كتبها إبراهيم مدكور ،وقال فيها أنه لو لم يتم إصلاح زراعى فى البلاد ستقوم ثورة. وفى ذلك فأنا أختلف مع الدكتور مصطفى الفقى حول إسلامية جمال عبد الناصر ، فعبد الناصر يعبر عن الاتجاه الليبرالى المصرى العلمانى والدليل لو قرأت تاريخه فستجد مكتوب جيدا أن عبدالناصر وجماعته يكونون جماعة ليبرالية علمانية تفصل بين الدين والسياسة ويدرك مبكرا خطورة الخلط بينهما وبالتالى فمسألة إسلاميته ليست هى القضية، فالمسألة مسألة إسلامية مجموعة واتجاه.

فمتى بدأ تقهقر القوى الليبرالية إزاء القوى المتطرفة؟ الأمر بدأ من أول قضية طه حسين والشعر الجاهلى ثم قضية على عبد الرازق. فمن هنا تقهقر الليبراليون ثقافيا وفكريا، ونشأ خطاب إسلامى للتوافق مع هذا التيار؛ ولذا رأينا الكتابات الإسلامية للعقاد و توفيق الحكيم وطه حسين والأخير كان له نص جميل تساءل خلاله:لماذا تحولنا إلى هذا الخطاب؟

وهناك مؤرخ أمريكى يدعى سميث قام بكتابة تاريخ حياة هيكل باشا قال فيه إن هيكل باشا كان من أنصار التنمية الفوقية بمعنى عدم اشتراك الجماهير فى اتخاذ القرار وشعر بإن حسن البنا قام بسحب الجماهير منهم فاراد أن يخاطب الجماهير بالخطاب الإسلامي.. ذلك هو تفسير سميث للموضوع ؛ ومن ثم فالتقهقر إلى التطرف بدأ مبكرا منذ الثلاثينيات وزاده أسلوب الجماعة حديدية التنظيم . والحقيقة أن الدكتور مصطفى الفقى ركز على تغلغلهم أخيرا، ولكنهم كانوا متغلغلين منذ البداية!

فمنذ نشأت جماعة الإخوان المسلمين كان لهم أعضاء فى كل قرية مصرية وفى كل حى باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة قديمة وبالتالى التنظيم موجود من المرشد العام ومكتب الإرشاد والمكاتب الإدارية وتوغلوا فى الريف وكان حسن البنا يدخل القرى بتحالف مع أغنياء القرية فيضمن القرية، وبالتالى هذا التطرف له أسس فكرية وله تاريخ فيما يتعلق بالرفض الإسلامى للحداثة الغربية، و الحداثة الغربية أهم مذهب فيها هو الحداثة الفكرية؛ بمعنى أن العقل هو محك الحكم على الأشياء وليس النص الديني، ولم يستطع الطهطاوى تمرير هذا المفهوم فحينما كتب "فى تخليص الإبريز"كان يلبس المعانى الغربية عمامات إسلامية كنوع من تهريب المعانى أمام مجتمع متزمت.

وفى النهاية الجذر الثقافى الحقيقى للتطرف هو رفض الحداثة الغربية وادعاء أنها حداثة فكرية كافرة وملحدة وأن ها تمثل قيما منحرفة وأنهم إناس منحرفون وفى الختام أذكر أن الشيخ الشعراوى رحمة الله عليه قال "الغربيون مسخرون لخدمتنا ؛مش هم اخترعوا الطيارة ونحن نحج بها، واخترعوا الميكروفون نؤذن نحن من خلاله".

الشاعر والمفكر أحمد عبدالمعطى حجازى: ما قيل حتى الآن جيد ويمكن أن نناقشه ولابد ولكن لا بد أن نعترف بأننا مختلفون لأن أنا مثلا ميال أن اعتبر أن 52 هى كانت إنعطافة مؤثرة فى حياة النهضة المصرية؛ يعنى النهضة المصرية التى بدأت منذ بدايات القرن التاسع عشر وحققت نجاحات هائلة فى نظرى تدل ليس على أن المصريين رفضوا الحداثة الغربية ولكنها تدل على أن المصريين بالعكس قبلوا الحداثة؛ لأنه عندما ننظر إلى المصريين ما قبل القرن التاسع عشر وإلى مابعد القرن التاسع عشر سوف نجد بعد السماء من الأرض : ننتقل من مصر الولاية فى الخلافة العثمانية وما سبقها من خلافات وامبراطوريات دينية المتوالية منذ أن كانت مصر ولاية فى امبراطورية بيزنطية إلى أن انتقلت إلى ولاية فى إمبراطورية إسلامية مقدسة إلى آخره حتى وصلنا إلى القرن التاسع عشر نجد أن المصريين حين بدأوا فى القرن التاسع عشر يناضلون من أجل استرجاع الدولة الوطنية التى كانت لهم قبل أن يصبحوا ولاية مستعمرة من قبل الفرس فى القرن السادس قبل الميلاد. المصريون فى سبعينيات القرن التاسع عشر وثمانيياته ناضلوا من أجل الديمقراطية التى لم يعرفوها قط وكان على رأس المناضلين فى سبيل الديمقراطية محمد عبده، وهو الذى كتب برنامج الحزب الوطنى المصرى القديم وهو مقابل الحزب الشركسى وعندما ننتقل بعد ذلك إلى صنيع قاسم أمين ..هذا الانقلاب الهائل فى حياة المرأة المصرية كما ننتقل بعد ذلك إلى إنشاء الجامعة المصرية التى حلت محل الأزهر الذى كان فى تلك الفترة رافض إصلاح مناهجه أو برنامجه الذى اقترحها محمد عبده ونحن نعرف النقاش الذى حدث بين محمد عبده والشيخ البحيرى عندما أراد محمد عبده أن يفرض منهجا جديدا فاعترض البحيري، وقال له إن هذا المنهج الذى ترفضه قديم وأنت تعلمت عليه وحدث إلى ما صرت إليه.

وقال له: ولكنى بقيت عشرة سنوات "أكنس من دماغى ما تعلمته بالأزهر ولكننى لا أدرى إن كنت أفلحت فى تنظيفها الآن أم لا".

عندما ننتقل إلى الجامعة المصرية التى أصبحت فى عام 1925 جامعة رسمية ويديرها أحمد لطفى السيد ويتولى عمادة كلية الآداب فيها طه حسين، ثم نجد أن على عبد الرازق يقدم هذا الكتاب الذى أفسد سعى الأزهر لتنصيب الملك فؤاد خليفة على المسلمين بدلا من عبدالمجيد السلطان العثمانى الذى أسقطه أتاتورك، عندما نجد دستور 1923 وهو أفضل ألف مرة من دستور 2014، لأنه خال من تلك المواد التى خلطت خلطا ذريعا بين الدولة والدين هذا الدستور 1923 وهى أيضا ثمرة من ثمار مصر من اتصالها بالحضارة الغربية، ولكنى أريد أن أقول باختصار: إن المصريين بالعكس تبنوا مبادئ الحضارة الغربية وانجزوا انجازات عظيمة إلى أن توقف هذا كله بعد 1952 وأنا الآن عندما استمع إلى السيد ياسين وهو يتحدث عن المشكلة الاجتماعية والظلم الاجتماعى الذى كان سائدا قبل 52، عندما اقرأ ما قاله القائد العسكرى الذى حكم على خميس والبقرى بالإعدام، وأن هؤلاء خرجوا ضد الله ورسوله؛ يعنى تبنوا سنة أغسطس 1952 تبنوا كلام الإخوان المسلمين ثم المسألة ليست أنه تبنى الكلام أو لم يتبن الكلام وإنما بيئة الديمقراطية التى أفسدت على حسن البنا أنه يرشح نفسه فى الأربعينيات عندما أراد أن يتقدم كما ذكر الدكتور مصطفى هذا البيئة لم تعد موجودة ولذلك حل محل الفكر السياسى الذى كان قائما والارتباطات السياسية والانتماءات الحزبية التى كانت موجودة بكل ما فيها لم يبق إلا الدين أمام المصريين. طبعا فى خمسينيات وأوائل الستينيات لم يكن هذا الخطر قائما بعد لأن المصريون كانوا لايزالون متعلقين بالمشروع الناصرى بما قدمه عبدالناصر من أحلام ووعود إلى آخره، لكن بداية من الهزائم التى حدثت تباعا منذ أن دخل الجيش المصرى اليمن مرورا بالانفصال السورى ثم هزيمة 1967 كانت القاضية بالنسبة للمشروع الوطنى المصرى الناصرى ولم يبق إلا العودة إلى الجامع الذى استولى عليه الإخوان المسلمين بعد أن عادوا من الخليج محملين بكل ما يمكنهم أن يصنعوه ..تحت كل عمارة جديدة زاوية وجامع وفى كل مسجد ثلاثة أربعة خمسة ميكروفانات ، إلى أن جاء السادات وأطلقهم إلى آخره.

هذه هى البيئة الحاضنة، ولكن قبل البيئة الحاضنة يجب أن نتحدث عن التراث الدينى المصرى الذى يستدعى تجديد الخطاب بصرف النظر عن التطرف؛ يعنى نحن محتاجون إلى تجديد الخطاب ليس فقط من 1928 منذ قيام الإخوان المسلمين لا ،نحن محتاجون إلى تجديد الخطاب الدينى منذ القرن الـ19 ؛أنظروا إلى ما نجده فى هذا التراث حول السياسة، السياسة أنتم تعلمون أن تاريخ الدول الإسلامية هو تاريخ طغيان واستبداد وانتهاك الحريات ما نجده أيضا حول المرأة وما نجده حول الرق ما نجده حول الأديان الأخرى والعلاقات التى يمكن أن تقوم بين المسلمين الذميين إلى آخره، فلقد كان ينبغى تجديد الخطاب الدينى باستمرار منذ عصر محمد عبده ولذلك ليس عجيبا أن نجد مثلا هذا الكلام المنسوب للأستاذ المراغى تلميذ محمد عبده "ضعوا من المواد ما يبدو لكم أنه يوافق الزمان والمكان وأنا لا يعوزنى بعد ذلك أن آتيكم بنص من المذاهب الغسلامية يطابق ما وضعتم".

ثم قال: "إن الشريعة الإسلامية فيها من السماحة والتوسعة ما يجعلنا نجد فى تفريعاتها فى القضايا المدنية والجنائية كل ما يفيد وينفعنا فى كل حين، ونجد مثل هذا الكلام عند محمد عبده بين المناهج التى نقرأ بها علوم الدين والمناهج الأخرى التى نقرأ بها علوم الدنيا ،عندما نجده يتحدث عن العلم والدين، فى بعض المؤلفات "العلم والمدنية" إلى آخره هذه كل يدعونا أن نتحدث إلى تجديد الخطاب الدينى ليس بداية من التطرف بل بالعكس فالتطرف ركب الخطاب الدينى المترهل الرجعى المتخلف و ام عليه.. أى أن التطرف الدينى استفاد من تخلف الخطاب الدينى وعلينا أن نعود إلى الأصل نعود إلى البداية هى أن ننظر فى هذا التراث الثقيل الذى تحجر وتجمد ولم يعد قادرا على الحياة ولذلك لا بد أن نعود إلى الحديث الشريف الذى يقول «إن الله يبعث على رأس مائة عام لهذه الأمة من يجدد لها دينها».

 

نقلاً عن الأهرام