المركز العربي للبحوث والدراسات : عوائد متنامية: إجلاء مصر للرعايا الإثيوبيين من ليبيا (طباعة)
عوائد متنامية: إجلاء مصر للرعايا الإثيوبيين من ليبيا
آخر تحديث: الإثنين 11/05/2015 11:12 ص إبراهيم منشاوي*
عوائد متنامية:  إجلاء
     شكّلت عملية إجلاء الدولة المصرية للرعايا الإثيوبيين من ليبيا ( 27 فردًا)، نقطة فاصلة حقيقية تشير وبقوة إلى عودة مصر مرة أخرى ليس لدورها الإفريقي فقط، بل لدورها الإقليمي والدولي أيضًا، فقد أكدت القاهرة من خلال تلك العملية عزمها الجاد على تحويل الكلمات إلى ردود فعل ملموسة على أرض الواقع، وأن ترسم لمرحلة جديدة في العلاقات المصرية – الإثيوبية.
    ولا شك أن مثل هذا التحوّل الجديد سوف يعود بفوائد عديدة على قاهرة المعز، ويفتح الباب واسعًا أمام حل معضلة سد النهضة والحفاظ على الأمن المائي المصري، وكذلك تعزيز التعاون المصري الإثيوبي في المجالات المختلفة، وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب.
أن استقرار ليبيا من استقرار الدولة المصرية، وأن ما يحدث في ليبيا يهدد بصورة مباشرة الأمن القومي المصري
أولًا: دوافع التحرك
     لعل في هذا التحرك المصري لإجلاء الرعايا الإثيوبيين من ليبيا، العديد من الدوافع الواضحة والتي يأتي على رأسها تعزيز ودعم العلاقات المصرية الإثيوبية ودفعها إلى الأمام، وذلك على النحو التالي:
1.    التأكيد على أن استقرار ليبيا من استقرار الدولة المصرية، وأن ما يحدث في ليبيا يهدد بصورة مباشرة الأمن القومي المصري، فالقاهرة لم تقدم على هذه الخطوة عشوائيًا، بل إنها عملية مدروسة بدقة وعناية، وقد جرت بالتنسيق مع الجانب الليبي، ممثلًا في السفير الليبي في القاهرة والقبائل الليبية، وكذلك التنسيق الثلاثي بين مصر والسودان وإثيوبيا لإجلاء الرعايا الإثيوبيين، وقد تم هذا التنسيق على خلفية إعدام تنظيم داعش الإرهابي لعدد من رعايا أديس أبابا، وقد وقع هذا التنسيق من خلال زيارة وزير الخارجية الإثيوبي الأخيرة للقاهرة، تواضرس ادهانوم، فالخطة الخطة تمت مناقشتها والترتيب لها من خلال الأجهزة الأمنية المصرية بالتعاون مع الجيش والمخابرات الليبية لتحديد مسارات طرق إجلاء الرعايا الإثيوبيين. وهذا له دلالة واضحة تتمثل في أن القاهرة تسعى وبقوة لمساعدة الليبيين على الخروج من الأزمة الحالية ومساندة جهود الحكومة الشرعية، ودعم الجيش الليبي لتحرير الأراضي الليبية من الجماعات الإرهابية المتطرفة.
2.    الحاجة للدولة الإثيوبية لاستقبال الرعايا المصريين العائدين من اليمن: فمن المعروف أن الحرب في اليمن خلفت وراءها العديد من المشكلات المتفاقمة، إحدى تلك المشكلات هي الحاجة الملحة لإجلاء الرعايا المصريين العائدين من اليمن، وفي ذلك تعوّل مصر كثيرًا على دول جوار اليمن لاستقبال رعاياها، ومن هنا نرى أن هناك مصالح مشتركة بين مصر وإثيوبيا، تتمثل في حاجة أديس أبابا لمصر في إجلاء رعاياها من ليبيا، في مقابل حاجة مصر لإثيوبيا في استقبال رعاياها من اليمن، فتفاقم أزمات الشرق الوسط عرض رعايا الدول لأخطار عدة، مما اقتضى العمل بأقصى جهد على حمايتهم وتأمين عودتهم إلى بلادهم الأصلية، وقد اتضح التنسيق المصري الإثيوبي المشترك من خلال استقبال أديس أبابا منذ أسبوعين لمجموعة من الرعايا المصريين (29 فردًا) قادمين من اليمن على متن إحدى الطائرات الإثيوبية.
3.    العمل على فتح مجالات التعاون المختلفة بين الدولتين: خاصة في ظل المؤشرات الإيجابية للعلاقات المصرية الإثيوبية منذ قيام ثورة 30 يونيو، ووصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في القاهرة، حيث مرت العلاقات بين الدولتين بمراحل جيدة، منذ القمة الأفريقية في مالابو، مرورًا بالمؤتمر الاقتصادي المصري، ووصولًا إلى وثيقة إعلان المبادئ حول سد النهضة الإثيوبي، ولا خلاف حول أن العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا أضحت ذات أهمية بالغة في الفترة الحالية، ليس فقط لحل مشكلة سد النهضة، والحفاظ على الأمن المائي المصري، بل لمواجهة التحديات الجمة التي أضحت تواجه منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، وعلى رأسها الإرهاب، الذي انتشر  صورة غير مسبوقة من خلال جماعات داعش وبوكو حرام، ومن هنا أصبحت هناك حاجة ضرورية للتنسيق المباشر بين الدولتين لمواجهة الإرهاب وتضييق الخناق عليه، وتبني رؤية واضحة لتحرك مشترك في هذا المجال، سواء في مجال الإمداد بالمعلومات، أو التحرك المشترك في المحافل الدولية أو الإقليمية.
4.    القضية الأهم في العلاقات المصرية الإثيوبية، وهي قضية سد النهضة: تبقى هي الأخرى ذات أهمية واضحة عند الحديث عن تفعيل العلاقات المصرية الإثيوبية، لأن التحرك المصري لإجلاء الرعايا الإثيوبيين، يشير إلى عزم القاهرة على الانتهاء من تلك الأزمة في أقرب وقت ممكن، خاصة في ظل التحرك الدؤوب للتوصل لاتفاق نهائي بخصوص سد النهضة، وما كانت وثيقة إعلان المبادئ إلا خطوة أولى على هذا الطريق. حيث جاء هذا الإعلان كخطوة أساسية لإزالة التوتر الذي شاب علاقات الدولتين على خلفية أزمة سد النهضة، وليوفر أرضية صلبة من أجل التحرك للتوصل لاتفاق نهائي بين مصر وإثيوبيا والسودان حول أسلوب وقواعد ملء الخزان وتشغيله السنوى، وذلك بعد الانتهاء الدراسات المشتركة الجاري إعدادها.
أن العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا أضحت ذات أهمية بالغة، ليس فقط لحل مشكلة سد النهضة، بل لمواجهة التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية
ثانيًا: فوائد متوقعة
      هناك عدد من الفوائد المتوقعة، والتي ستعود بالتأكيد على القاهرة من هذا التحرك الإيجابي لعملية إجلاء الرعايا الإثيوبيين من ليبيا، منها دعم الدور الإقليمي المصري وذلك على النحو التالي:
1.    نماء الدور الإقليمي المصري: فالقاهرة منذ ثورة 30 يونيو تسعى للعودة مرة أخرى لممارسة دورها الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط، والحفاظ على قيادتها للنظام الإقليمي العربي وتعزيز آليات التعاون المشترك مع دول محيطها الإقليمي سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أو على مستوى العلاقات المشتركة داخل المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية ومنظمة الاتحاد الأفريقي، وهذا واضح من التحركات الخارجية للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ومساندته لجهود الدول العربية والأفريقية لمواجهة الإرهاب، وقد بدأ هذا بتوجيه ضربات مصرية لقواعد الجماعات الإرهابية في لبييا على خلفية إعدام داعش 21 مواطنًا مصريًا هناك، كتصرف قائم على حماية الرعايا والتدخل بناءً على طلب من الحكومة الليبية الشرعية، وكذلك العمل المصري النشيط على حل الأزمة الليبية سواء من خلال اجتماعات وزراء الخارجية على مستوى دول الجوار، أو من خلال التحرك على المستوى الدولي، من خلال الأمم المتحدة، والعلاقات المصرية مع الدول الكبرى، لإصدار قرار شرعي لتسليح الجيش الليبي، وكذلك سعي القاهرة للحفاظ على الأمن القومي العربي من خلال اشتراكها مع المملكة العربية السعودية في عاصفة الحزم، لمواجهة الانقلاب الحوثي في اليمن، ودعم السلطة الشرعية، والاقتراح المصري بتشكيل قوة عربية مشتركة للحفاظ على الأمن القومي للدول العربية، ومواجهة التحديات المشتركة، وكذلك السعي المصري الحثيث للعودة إلى القارة الأفريقية، والوقوف بجانب أشقائها فيما يعانونه من أزمات ومشكلات، كل تلك الأمور ستؤدي في القادم من الأيام إلى عودة الدور الحقيقي المصري الريادي في المحيط الإقليمي وعلى المستوى الدولي أيضًا.
2.    حاجة الدولة المصرية لأصوات الدول العربية والأفريقية للحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن (2016- 2017) في الانتخابات التي ستعقد في الدورة 70 في أكتوبر 2015: حيث هناك نشاط ملموس للدبلوماسية المصرية لحشد الدول المختلفة من أجل دعم مصر للحصول على ذلك المقعد، حيث يشارك في الحملة كل دوائر الدبلوماسية المصرية على المستويات الأفريقية والآسيوية والغربية والعربية، كما أصدرت الخارجية المصرية كتيبًا يبين إنجازات القاهرة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، وصفوة القول؛ إن القاهرة تحرص على فتح كل آفاق التعاون مع الدول مختلفة من أجل تلك المعركة الدبلوماسية التي ستحدث في الجمعية العامة في أكتوبر القادم، وهو ما يجعل مصر حريصة على استغلال كل مواطن قوتها لتهيئة العلاقات مع كل الدول في العالم، وعلى الأخص الدول العربية والأفريقية، لذلك قامت مصر بالمشاركة في عاصفة الحزم، ودعم الحكومة الليبية ومساندة الإثيوبيين في ليبيا.
على الدولة المصرية الضغط على الجماعة الدولية من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن بتسليح الجيش الليبي
ثالثًا: خطوات عاجلة
      في إطار الترتيبيات الجديدة في منطقة الشرق الأوسط واشتعال الأمور في الدولة الليبية مما أثر على دول جوارها المباشر وغير المباشر، يتعين على القاهرة العمل على مجموعة من المحاور لحل الأزمة في ليبيا وحماية رعايا الدول المختلفة، من خلال:
1.    استقبال ممثليين عن القبائل الليبية في القاهرة: فيجب التحرك السريع لاستقبال ممثلين عن القبائل الليبية في القاهرة، من أجل التوصل لتسوية عادلة ومرضية للأزمة في ليبيا، فالخيار التفاوضي هو الأجدى في الحالة الليبية، ويجب على مصر أن تستغل التداخل القبلي بينها وبين ليبيا للتأثير على الداخل الليبي، وهناك تحركات تبدو في الأفق لعقد مؤتمر لـ 150 من ممثلي القبائل الليبية في القاهرة في أواخر مايو الحالي، بحضور أممي وعربي، وهذا الاجتماع نابع من أهمية دور القبائل في المجتمع الليبي، وهذا الاجتماع المزمع عقده يأتي لمساندة المؤسسات الشرعية للدولة الليبية متمثلة في مجلس النواب والحكومة الشرعية، ودعم التوصل لتوافق وطني يسهم في نجاح مسار الحوار الذي تقوده الأمم المتحدة في ليبيا من خلال مبعوث السكرتير العام برناردينو ليون. وقد سلم ليون لأطراف النزاع في ليبيا مسودة مقترحة تتضمن حل الأزمة الليبية تم التوصل إليها من خلال المباحثات السابقة، وتتضمن المسودة 3 نقاط أساسية وهي؛ الأولى: تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، ومجلس رئاسي من شخصيات مستقلة، والثانية: اعتبار مجلس النواب (في طبرق) الهيئة التشريعية ويمثل جميع الليبيين، والثالثة: تأسيس مجلس أعلى للدولة، ومؤسسة حكومية، وهيئة صياغة الدستور، ومجلس الأمن القومي، ومجلس البلديات. ومن ثم وجب على القاهرة رعاية ذلك الحوار والعمل على إنجاحه بكل السبل الممكنة لحل الأزمة الليبية.
2.    الضغط على الجماعة الدولية من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن بتسليح الجيش الليبي: حيث هناك حظر مفروض على تسليح الجيش الليبي بموجب قرار مجلس الأمن 1973، وكانت هناك جهود مكثفة من جانب الدبلوماسية المصرية لرفع ذلك الحظر، ولكن حتى الآن ما زال مجلس المن يرفض رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي، وهذا اتضح من خلال رفض التسليح المنصوص عليه في مشروع القرار العربي الذي قدم لمجلس الأمن في مارس الماضي، ما يشكل معه العديد من علامات الاستفهام حول الجدوى من عدم تسليح الجيش الليبي رغم الاعتراف الدولي بالحكومة الشرعية في ليبيا، مما يقتضي تحركًا دبلوماسيًا نشطًا ليس من جانب الدول العربية فقط بل من جانب الدول الأفريقية أيضًا لأن الإرهاب في ليبيا أصبح ذا تأثير قوي على كل هذه الدول، في ظل النشاط الغير مسبوق للجماعات الإرهابية في المنطقة.
3.    التحرك من خلال الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية لحل الأزمة الليبية: خاصة في ظل التأثير الواضح للأزمة على الدول العربية والأفريقية، فآثار الأزمة امتدت لتشمل مصر وتونس والجزائر تشاد والنيجر وإثيوبيا والسودان، وذلك من خلال عمليات تهريب الأسلحة من ناحية مما أثر على أمن تلك الدول، وتجارة المواد المخدرة من جهة أخرى، فضلًا عن تهديد أمن وسلامة رعايا تلك الدول في الأراضي الليبية، مما يوجب معه ضرورة التحرك الفعال لإحتواء الأزمة من خلال المنظمات الإقليمية السابق ذكرها، لأن هذا هو أحد أدوارها المخوّلة لها.
* مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.