المركز العربي للبحوث والدراسات : ضروة التجديد : الثقافة .. القطاع الغائب في شرم الشيخ (طباعة)
ضروة التجديد : الثقافة .. القطاع الغائب في شرم الشيخ
آخر تحديث: الثلاثاء 05/05/2015 11:16 ص صبري سعيد
ضروة التجديد : الثقافة
كان الثالث عشر من شهر مارس 2015 يوما فارقا في تاريخ مصر الحديث، وهو اليوم الذي شهد انطلاق الحدث الاقتصادي الأهم، وهو المؤتمر الاقتصادي "مصر المستقبل" الذي عقد بمدينة السلام "شرم الشيخ" حيث مثل بداية لانطلاقة مصر نحو المستقبل. والوصول للمكانة الاقتصادية التي تليق بها بكل ما تمتلكه من إمكانيات وموارد طبيعية وبشرية وموقع جغرافي فريد .. وقد نجح دون شك مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري بمشاركة وفود نحو مائة دولة وعشرة من ملوك ورؤساء وأمراء الدول والحكومات. مما منح اعترافا عالميا بانتصار إرادة الأمة المصرية وثورتها في 30 يونيه لإسقاط كل الأفكار الماضوية والفاشية الدينية.
فعلى صعيد الأرقام، شارك أكثر من ألفين وخمسمائة شركة ومستثمر، إضافة إلى ثلاثين منظمة اقتصادية دولية وإقليمية، وتوقيع ما يزيد على40 اتفاقية ومذكرة تفاهم للاستثمار، وتعهدات عربية وخليجية بتقديم ما يزيد على 12 مليار دولار، بجانب ما يزيد على 60 مليار دولار استثمارات مرتقبة في المستقبل القريب ..
رغم نجاح مؤتمر شرم الشيخ علي المستوي الاقتصادي والنتائج الجيدة والجادة لتدعيم الاقتصاد المصري، فإنه قد غاب عن العاملين في قطاع الثقافة أو المهتمين بالعمل الثقافي والإبداعي الوجود وطرح المشروعات الثقافية والإبداعية خلال المؤتمر، سواء على الصعيد الرسمي أم المبادرات المجتمعية. لقد غابت رؤية المهتمين بهذا الحقل بدور الثقافة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية .. فالاستثمار - على سبيل المثال – في الحرف اليدوية – ومن ثم الصناعات الإبداعية أمرًا معترفًا به عالميا من خلال المنظمات الدولية من أجل زيادة الحصيلة النقدية.. فعلى سبيل المثال – فقد طرح الكاتب جمال الغيطاني مشروعا تحت اسم "متحف العالم" كان يصلح أن يكون نموذجا لمشروع ثقافي كبير يجذب المستثمرين الأجانب سواء على صعيد الحكومات أو المبادرات الفردية، خاصة في ظل شغف العالم بما تملكه مصر من إرث حضاري وثقافي متعاظم يهم البشرية جمعاء ... والحفاظ عليها والاستثمار فيها صارت له أهمية بالغة.. إضافة إلى العديد من المشروعات الثقافية الاستثمارية، على سبيل المثال إنشاء والاستثمار في دور عروض سينمائية كبرى، وكذلك تطوير السيرك القومي، الذي يعد السيرك الوحيد في منطقة الشرق الأوسط .. هذه بعض من نماذج المشروعات التي كان يجب طرحها ضمن المؤتمر تأكيدا على دور الثقافة في عملية التنمية. إذا، تتدخل تنمية الثقافة، والتنمية بالثقافة، عضويا مع الصناعات الثقافية بمفهومها الشامل، ومع الاستثمار في مجالاته والحقوق المادية كافة المترتبة على ذلك. فإذا كانت الصناعات الثقافية أو الإبداعية قد حققت ثروات هائلة لانتصارات العديد من الدول غربا وشرقا، فماذا عن صناعاتنا الثقافية نحن؟
شكل الصناعات الثقافية ما بين 5.5% وحتى 10% من قيمة المنتجات في العالم
عن هذا السؤال يجيب "التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية" الصادر عن "مؤسسة الفكر العربي" في بيروت بالقول إن الصناعات الثقافية في الأقطار العربية تكاد لا تحظى باهتمام يذكر، ومركزها في الاقتصاد القومي ضعيف، والعائدات منها ليست كبيرة، ولا توجد قاعدة بيانات ولا إحصائيات دقيقة للدخل القومي منها. وفي حين تشكل الصناعات الثقافية ما بين 5.5% وحتى 10% من قيمة المنتجات في العالم، فإنها لا تشكل قيمة تذكر في الدخل القومي العربي، وتكاد تنحصر في صناعات متوسطة وصغيرة مع بعض الاستثناءات التي تشير إلى صناعات كبيرة، مع العلم أن العرب (ومصر في القلب) يملكون طاقات إبداعية جبارة، وكذلك كل الأرضية اللازمة التي تؤهلهم ليكونوا عربا في مقدمة ركب دول الاقتصاد الإبداعي المزدهر في العالم، لكن معضلة المعضلات هنا أنه لا توجد سياسات ثقافية عربية جدية ممهدة لإنشاء اقتصاد إبداعي عربي فاعل وممنهج ويسعى بالتالي إلى تكامل حقيقي بين الطاقات البشرية الإبداعية في مختلف أقطار الوطن العربي الكبير.

أولا- الثقافة ... المفهوم والدلالات
كانت ولا تزال الثقافة أسيرة رؤية متقاربة نظرا لدورها المهم في حياة البشر وعلاقتها بين المادي والروحي، وكذا موقع الإنسان في العملية الاجتماعية والخصائص الذاتية والقومية لتطورها.
فالثقافة هي الحركة الحيوية للحياة، وهي تستند إلى موروثات اجتماعية وتاريخية تسهم في تكوين جماعات البشر وإنتاج ثقافتهم وإعادة إنتاجها في حيز قومي معلوم: لغة واقتصادا وجغرافيا وموقعا وأرضا وأنماط سلوك ومواصفات متوازنة (موسى السيد – التراث والحداثة – الذات والآخر في الثقافة المعاصرة – الوحدة 1992) وبالاستناد إلى هذا المفهوم، فإن إعادة إنتاج الثقافة بل ورؤية الإرث الثقافي، هي ابنة الحاضر. ولهذا فإن عملية إعادة الإنتاج من وجهة نظر تاريخ الثقافة هي عملية متصلة لا تنقطع بغض النظر عن الزاوية التي نقيس منها مدي تطور الثقافة في لحظة ما من لحظات الزمن.
ويتبين من ذلك أهمية العامل الثقافي في التحولات العاصفة الجارية سواء على مستوى العالم أو على مستوى الإقليم، فالانفجار المعرفي المستمر منذ عقود عدة والثورات التقنية في وسائل الاتصال والتأثير والتمركز الحاد للإنتلجنسيا الثقافية في عدد محدد من البلدان، هذه العوامل وغيرها أسهمت في بلورة ما يسمى الثقافة العالمية القادرة على الاختراق والتأثير في أي رقعة من العالم (مسعود ضاهر، نحو نظام ثقافي جديد – الوحدة 1994).
الثقافة هي الحركة الحيوية للحياة، وهي تستند إلى موروثات اجتماعية وتاريخية تسهم في تكوين جماعات البشر وإنتاج ثقافتهم وإعادة إنتاجها في حيز قومي معلوم
ثانيا: السياسة الثقافية – أولويات ملحة
من الضروري بل والحتمي أن تتحدد مبادئ السياسة الثقافية بعد ثورة 30 يونيو، بغض النظر عن الاشتباكات الدائرة في الساحة السياسية من أنها استكمال لثورة يناير 2011م. لذا فإنه يجب تحديد السياسة الثقافية في هذا الإطار على انتهاج عدة التزامات:
-    السياسة الثقافية هي سياسة الثورة المصرية التي تجسدت بعد يونيو 2013 مع حجم التحولات السياسية والاجتماعية وبالتالي الفكرية والمعرفية والثقافية.
حيث إن الثورة تهدف لكي تكون الثقافة مبدأ أساسيًا، وأنها في الأصل ثورة ثقافية "معرفية" مع إزاحة القوى الماضوية الظلامية وأفكارها.
-    الثقافة تساوي بين المواطنين وعدم التمييز مع شمولية رسالتها وعالميتها ودعوتها للمواطنين من أجل التعاون والتعاضد العام.
-    الحفاظ على الهوية الثقافية المصرية متعددة الروافد.
-    اعتماد الثقافة يكون أساسًا في خطط التنمية بكل معانيها، لا سيما أنها تؤثر فيها سلبا وإيجابا.
-    ديمقراطية الثقافة: أي أن لكل مواطن الحق في المشاركة بحرية في العمل الثقافي إنتاجيا أو استهلاكا دون أية معوقعات أو ممنوعات طالما تتسق مع المبادئ الدستورية العامة.
من هذه المبادئ تنبثق أهداف هذه السياسة الثقافية والتي يجب أن تكون على النحو التالي:
-    الاستقلال الثقافي وإزالة كل المظاهر المنحطة والأسس الخاطئة للثقافات الماضوية الظلامية وتطهير البنيان الثقافي من الدخلاء.
-    تحقيق الثورة الثقافية بحق واستمرار الحركة الثقافية من أجل الوصول بالمعرفة النقدية إلى أبعد مدى.
-    توحيد الأساليب والأفكار والتنسيق الثقافي بين مختلف أجهزة الوزارة وبين جميع أجهزة الدولة المعنية.
-    تعزيز شئون التخطيط والإشراف والتقييم الثقافي الدائم.
-    اتخاذ التدابير اللازمة للتنسيق مع الجهات المختلفة لوضع الخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية غير الثقافية ذات المردودات الثقافية بما يتفق مع المبادئ العامة للسياسة الثقافية.
-    التفاعل والتنسيق والدعم – كما هو حادث بعض الشيء – مع المجتمعات الثقافية المستقلة النشطة لزيادة وجودها وتأثيرها الفعال المؤثر في الأوساط الثقافية سواء في الداخل والخارج.
-    دعم التشاور والمشاركة بين كل القوي الاجتماعية والسياسية في وضع وتنفيذ السياسة الثقافية.
السياسة الثقافية هي سياسة الثورة المصرية التي تجسدت بعد يونيو 2013 مع حجم التحولات السياسية والاجتماعية وبالتالي الفكرية والمعرفية والثقافية
ثالثا- الصناعات الثقافية
الصناعات الثقافية هي الصناعات التي تُنتِج وتوزع النتاج والخدمات الثقافية، أي: "التي يتبيَّن، لدى النظر في صفتها أو أوجه استعمالها أو غايتها المحددة، أنها تجسد أو تنقل أشكالا للتعبير الثقافي بصرف النظر عن قيمتها التجارية"، حسب نص تعريفها في اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي التي اعتمدتها اليونسكو في خريف عام 2005.
ويدخل في الصناعات الثقافية ما يلي: النشر المطبعي والموسيقي، الإنتاج السينمائي والسمعي البصري والمتعدد الوسائط. ويُدرج في عداد هذه الصناعات الحرف اليدوية والتصميم، فهما مجالان للنشاط ليسا من الصناعات الثقافية بالمعني الدقيق، لكن لهما أوجه شبه بها قوية، من حيث الإدارة مثلا، إذ إنها تؤدي إلى نشوء شركات صغيرة ومتوسطة. وقد توسع المفهوم ليشمل صناعات "الإبداع" التي تضم الهندسة المعمارية وشتى الفنون: من فنون تشكيلية وفنون استعراضية وغير ذلك...
وتمثل هذه الصناعات حتى اليوم، وفي شكل مطرد مستقبلا، أحد قطاعات الاقتصاد والتجارة الأقوى نشاطا في العالم، وتفتح أمام البلدان النامية آفاقا تجارية جديدة. فعلى المستوى العالمي، تمثل هذه الصناعات حاليا أكثر من 7%من إجمالي الناتج العالمي، ويُتوقَّع لها حسب تقديرات حديثة أن ترتفع هذه النسبة إلى 10% في السنوات المقبلة.(إحدى وثائق اليونسكو – بتصرف).
لكن المفارقة تقوم هنا على ما يلي: في حين توجد الموارد الثقافية ذات الطابع الإبداعي بوفرة في جميع البلدان النامية (ومنها مصر)، تُبرِز الخريطة العالمية للصناعات الثقافية فجوة كبيرة في هذا المجال بين الشمال والجنوب. ومن الجوهري فهم أسباب وجود هذه الفجوة أولا، التي هي أسباب بنيوية بمعظمها، والسعي إلى علاجها ثانيا.
وتشمل الصناعات الثقافية مجالات النشر والموسيقى والسينما والمهن الحرفية والتصميم، وهي صناعات تشهد نموًا مستمرًا ومتعاظمًا وتلعب دورًا حاسمًا في مستقبل الثقافة.
إن البعد الدولي لهذه الصناعات يجعلها تلعب دورًا حاسمًا في رسم المستقبل من حيث حرية التعبير والتنوع الثقافي والتنمية الاقتصادية. وإذا كانت عولمة المبادلات والتكنولوجيات الجديدة تفتح بالفعل آفاقا جديدة مثيرة، إلا أنها تخلق أيضًا أشكالًا جديدة من عدم المساواة.
وتكشف خريطة توزيع هذه الصناعات في العالم عن وجود هوة شاسعة فيما بين الشمال والجنوب. ولا بد لمواجهة هذا الوضع من تعزيز القدرات المحلية وتيسير الوصول إلى الأسواق العالمية على المستوي الوطني من خلال إقامة شراكات الجديدة، وتجديد المهارات الفنية، وضبط القرصنة، وزيادة التضامن الدولي بكل أشكاله.

رابعا- قوة اقتصادية معطلة
وحده القطاع الثقافي تقريبا، لا يمتلك ذراعا اقتصادية كما هي الحال في قطاعات أخرى، ثمة أسباب عدة لا يهتم المثقفون بدراستها أو معالجتها رغم معرفتهم بأنها تصرف وجهة الاستثمار بعيدا عن مجالهم الذي ما زال يقوم فقط على الدعم الرسمي في حين لم يقم بأي خطط إستراتيجية تصنع منه بيئة حقيقية لأي مشروع قابل لاستقطاب القطاع الخاص.. وهو ما أدى إلى غياب المنتج الثقافي الفعلي، وانعدام التطبيق الذي تتداخل فيه القيمة المعرفية والإبداعية مع استثمارها ماديا وحضاريا. (هيثم السيد – الصناعات الثقافية .. ذراع معطلة).
وبحسب ما هو قائم حاليا فإن مفهوم الصناعة الثقافية شبه غائب في العالم العربي وهو شبه معدوم في الاقتصادات الوطنية والقومية، كما أن الاستثمار في المجال الثقافي لا يكاد يذكر بالمقارنة مع مجالات أخرى، وهو الواقع الذي تري مؤسسات أنه يقود إلى ضعف احتمال تحقيق متطلبات واستحقاقات الثقافة، فضلا عن عدم القدرة على مجابهة تحديات الأمن الثقافي القائمة على صناعة تنمية في هذا المجال، تمثل عنصرا رئيسيا من التنمية المستدامة.
وقد أُحرِزت الصناعات الثقافية حتى اليوم نجاحات كبرى في الجنوب، في الهند مثلا، وفي جنوب أفريقيا، وكولومبيا، وفنزويلا، والصين، والبرازيل، وبلدان أخرى من أمريكا اللاتينية، حيث تمثل إيرادات الصناعة الموسيقية نسبة 4 إلى 5%من الإيرادات العالمية. ولكن، لا يزال لازما كثير من العمل لتحسين مشاركة غالبية البلدان النامية في هذه القطاعات المتميزة.
تجدر الملاحظة إلى أن أهمية الصناعات الثقافية والإبداعية يتزايد الاعتراف بها باطِّراد علي نطاق الأمم المتحدة، من جانب عدد كبير من الوكالات والهيئات، مثل منظمة العمل الدولية، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، و"الاتفاق العالمي" (Compact Global)، والشراكة الجديدة من أجل التنمية في أفريقيا (نيباد)؛ وكذلك بمناسبة مؤتمرات القمة والمؤتمرات الوزارية، كمؤتمر وزراء الاتحاد الأفريقي، نيروبي، آينيا، (10-14ديسمبر 2005) الذي أقر خطة عمل بشأن إسهام الصناعات الثقافية في تنمية أفريقيا.
تشمل الصناعات الثقافية مجالات النشر والموسيقى والسينما والمهن الحرفية والتصميم، وهي صناعات تشهد نموًا مستمرًا ومتعاظمًا وتلعب دورًا حاسمًا في مستقبل الثقافة
ويُعتبر قطاع الثقافة، وقطاع الاتصال والمعلومات من خلال برنامجه المتعلق بـ"المضامين الإبداعية"، مع المكاتب الميدانية أهم الهيئات الفعالة، في هذا المجال، في منظمة اليونسكو.  
إن الصناعات الثقافية في الدول النامية لا تستطيع النجاح أو حتى مجرد الصمود إذا تركت لاقتصاد السوق، وذلك بسبب المنافسة غير المتكافئة من قبل من استحوذ على السوق من خلال السبق وامتلاك التكنولوجيا المتقدمة. لذلك فإن مثل تلك الصناعات تحتاج من الدول التي تنشد الاستثمار في الصناعات الثقافية دعمها وحمايتها ورعايتها حتى تقف على أقدامها وتعزز وجودها، إن الصناعات الثقافية متعددة الجوانب والأشكال والأهمية والقبول، ولعل أهمها مشاريع المسرح والسينما والفنون بكل أشكالها، وكذلك الصناعات التقليدية المعبرة عن الهوية الوطنية مثل الحرف اليدوية، بالإضافة إلى صناعة التأليف والترجمة والنشر وصناعة الصور المتحركة والتسجيلات الصوتية والوسائط السمعية والبصرية والمنتجات الفوتوجرافية والنشر والبحث عبر الإنترنت والاتصالات ووسائل الإعلام المختلفة. إن مفهوم الصناعات الثقافية ينطبق على الصناعات ذات الطبيعة الثقافية التي تجمع بين ابتكار المضامــــــين وإنتاجها والمتاجرة بها، وهي يمكن أن تكون على شكل بضائع أو خدمات. (حمد عبد اللـه اللحيدان – الصناعات الثقافية)
لقد أصبحت الصناعات تدر عائدًا كبيرًا وأصبح الاستثمار في ذلك المضمار ذا أهمية قصوى حتى أنه يمكن القول إن الرأسمالية الثقافية في طريقها إلى التبلور، كما أن تزاوجها مع الصناعات الرقمية أصبح أساسيًا مما يتيح القول إن الحضارات أصبحت ذات صبغة رقمية، خصوصًا الحضارة الغربية. وعلى الرغم من ذلك فإن الإرادة والرأي الصائب والرؤية الواضحة والقدرة المادية من أهم عوائل الولوج في هذا النوع من الاستثمار الذي نحن في أمس الحاجة له، ليس من أجل الحصول على عوائده الاقتصادية فقط، ولكن من أجل تصحيح الصورة التي يتم تشويهها باستخدام تلك القنوات حيث تم استغلال التقنيات الرقمية لسماع كل شيء وتسجيل كل شيء والتسلل إلى كل شيء، وبهذه الأبعاد وغيرها تم تزييف الحقائق وصنع واقع من نسج مصالحهم وبما يلبي مطالب القوى الاحتكارية واللوبيات التي تحكم من خلف الكواليس.
لذا لا بد من
-    إنشاء قاعدة معلومات تطال أركان تلك الصناعة والمتمثلة في المنتجين والمنتجات والمستهلك محليًا وعالميًا. وذلك لكي تكون تلك المعلومات كفيلة بجذب المستثمر من خلال الثقافة ووضوح الرؤية.
-    العمل على ضم الصناعات الثقافية إلى قائمة الصناعات الوطنية التي تحظى بالدعم وتشجيع الاستثمار، إضافة عن سن التشريعات اللازمة التي تكفل نجاح الاستثمار فيها، ويدخل في ذلك وضع برنامج لحفز الاستثمار في مجال الخدمات وإنتاج المضامين الثقافية الرقمية والتعريف بالفرص المتوفرة في ذلك المجال.  
تتوافر في كثير من دول العالم الثالث الحرف والصناعات التقليدية، والتي لم يتم استغلالها اقتصاديًا بطريقة مُثلى لمصلحة تلك الأوطان ومواطنيها. هذه الحرف تختزن كثيرًا من المعارف التي اكتسبها الإنسان بالتراكم والتجريب، وأسهمت في حل كثير من الإشكالات الحياتية لسنين عدّة. فإن وجدت هذه الحرف الرعاية المطلوبة والدعم الفني والمادي فإنها دون شك سوف تسهم في محاربة الفقر وحل مشاكل البطالة لكثير من المجموعات، كما يمكنها أن تدر مبالغ مقدرة للخزينة العامة وتسهم في تنمية هذه البلدان بشكل عام. (علي الضو – موسيقى الشعوب – معهد الدراسات الإفريقية – 2004)

خامسا: الصناعات الثقافية والدخل القومي
لقد بات من المؤكد أن الصناعات الإبداعية أصبحت من الصناعات الثقيلة التي تسهم في الناتج القومي الإجمالي أكثر من الصناعات الأولية والتحويلية، لما توفره تلك الصناعات من زيادة في الميزان التجاري وتحقيق أعلى معدل عائد وتوفر تكلفة اقل من الاستثمار في الصناعات الأولية، وفي الوقت ذاته فإنها تؤدي إلى تكوين ثروات هائلة واستثنائية قلما تحققها الصناعات الأخرى. وتعتبر الصناعات الإبداعية ركيزة التقدم في دولة كمصر التي سعت أن تضع الإبداع في مقدمة اهتماماتها، وإيمانا منها بأن الإبداع هو الذي سيقود التغيير الاجتماعي والاقتصادي في المستقبل، وأن المبدعين الذين يملكون الأفكار سيكون لهم نفوذ أكثر مما يقومون بالأعمال العادية والروتينية، وأصبحت الملكية الفكرية في السنوات القليلة الماضية ذات تأثير كبير في الناتج الاقتصادي العالمي وفي طريقة حيازة الأفراد لأفكارهم.
وبناء عليه فمن الضروري تحقيق مجموعة من الأهداف:
-    تسليط الضوء على أهمية الصناعات الإبداعية في تنمية الاقتصاد.
-    مناقشة دور الصناعات الإبداعية.
-    دراسة أثر المناهج التعليمية والمناخ الثقافي في إيجاد بيئة مناسبة لرعاية الموهوبين
-    التعرف على دور الحكومة في دعم المشاريع المتوسطة والصغيرة للصناعات الإبداعية.
-    الاطلاع على أساليب رعاية الموهوبين والاستفادة من قدراتهم في خلق صناعات إبداعية.

خلاصة
لم تضع الفرصة بعد ... فطبقا لنتائج مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي فإن هناك مبادرات وتعهدات بأن يكون مؤتمرا سنويا، لذا آن الأوان أن تأخذ الثقافة المصرية بما تملكه من مقومات تاريخية وإبداعية أن تأخذ مكانتها على الخريطة الاستثمارية، وأن تتكاتف كل المؤسسات والهيئات المعنية بالتنسيق مع المبادرات المجتمعية والفردية لوضع إستراتيجية للاستثمارات الثقافية، خاصة وأننا نمتلك من المبدعين وذوي الاختصاص والخبرات في كل مناحي ومجالات الثقافة ما تتباهي به المنطقة بكاملها .. ونأمل أن يتضمن المؤتمر القادم بمدينة شرم الشيخ مشروعات ثقافية قابلة للتحقيق وجذب الاستثمارات.
*باحث في العلوم الاجتماعية