المركز العربي للبحوث والدراسات : الأسباب والآثار: الجذور الاجتماعية للفساد ومدركاته في مصر (طباعة)
الأسباب والآثار: الجذور الاجتماعية للفساد ومدركاته في مصر
آخر تحديث: الأحد 13/04/2014 11:43 ص إبراهيم منشاوي*
الأسباب والآثار:

يعد الفساد ظاهرة منتشرة في كل النظم السياسية سواء في الدول المتقدمة أو النامية على السواء، ولكنه يزداد على نحو واضح في منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية. كما أن الفساد وغياب الشفافية والنزاهة ظاهرة متعددة الأوجه ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية، فضلًا عن كونه ظاهرة ممتدة، فالفساد يعتبر ظاهرة متعدية الحدود. والفساد يضر بالفقراء على نحو متفاوت ويعرقل الجهود الرامية إلى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية والتنمية البشرية من خلال تقليل فرص الحصول على الخدمات الاجتماعية، وتحويل الموارد بعيدًا عن الاستثمار في البنية الأساسية والمؤسسات والخدمات الاجتماعية. ولذلك فإن الفساد يقوض الديمقراطية والحكم الرشيد وحكم القانون ويؤدي إلى انتهاكات حقوق الإنسان، وتشويه الأسواق، كما أنه يسمح بازدهار الجريمة المنظمة والإرهاب وغيرها من الأخطار التي تهدد أمن الإنسان.

   والفساد في أبسط معانيه يعني "سوء استخدام المنصب العام من أجل التربح الخاص"، حيث يمكن للقائمين على المناصب العامة أن يستغلونها في التربح والكسب بطرق غير شرعية. كما أن الفساد يرتبط بمجموعة من المفاهيم وهي الشفافية والمساءلة والنزاهة، ويقصد بالشفافية" توافر المعلومات التي تتعلق بالسياسات والنظم والقوانين والقرارات واللوائح لكافة المواطنين". أما المساءلة فهي "مسئولية الأفراد عما يقترفون من أعمال، ووجوب مساءلتهم عن أدائهم الوظيفي وما يصدر عنهم من سلوكيات وتصرفات". أما النزاهة فتعني "الجوانب الأخلاقية والقيم المرتبطة بقيام الموظف بأداء مهامه مثل الأمانة والصدق والعناية والإتقان والحفاظ على المال العام وصونه". ولما كان الفساد عبارة عن مجموعة من الأفعال التي يقدم على ممارستها شخص أو مجموعة من الأشخاص بدون وجه حق للحصول على منافع ومزايا بطرق ووسائل مخالفة لما نصت علية القوانين والتشريعات الداخلية أو الوطنية، فإن هذه الجريمة يترتب عليها العديد من الآثار الوخيمة المؤثرة على مسيرة الإصلاح والتنمية.

   وبالنظر إلى ظاهرة الفساد في المجتمع المصري نجد أنها ترجع إلى عدة أسباب منها، تبني سياسات اقتصادية جديدة للاستيراد والتصدير دون وضع إطار حاكم، بالإضافة إلى قيام الحكومة برفع سعر السلع الأساسية والتوسع في الخصخصة، وعدم تناسب الدخل مع تكاليف المعيشة. كما أسهمت البيئة الثقافية والاجتماعية في مصر في نشر الفساد، وكذلك فإن القبول الاجتماعي للفساد، والنظر إليه على أنه وسيلة مقبولة للحصول على الحقوق، زاد من معدلات الفساد، حيث اتخذ مسميات أخرى مثل ( الإكرامية، الشاي، والمواصلات).

   وإذا كانت مصر – مقارنة بالدول العربية ودول العالم النامي – سبّاقة في مجال وضع التشريعات والقواعد القانونية المتصلة بالرقابة والمحاسبة والمساءلة والعقاب، كما كانت من أوائل الدول العربية التي وقعت ثم صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عام 2004، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2005، كما أنها أصبحت عضوًا مؤسسًا لمجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي أنشئت في عام 2004، فإن ذلك لم يصحبه توافر الآليات الكافية لتفعيل تلك الجهود. بل ظل الفساد يستشري ويتمادى، وخاصة في أواخر فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، حيث وصل الفساد إلى ذروته، مما أدى إلى اشتعال ثورة 25 يناير 2011 نظرًا لحجم الفساد الكبير الذي كانت تعاني منه البلاد، حيث كان من أول المطالب التي نادت بها الثورة؛ القضاء على الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع.

    وتعتبر ثورة 25 يناير رابع ثورة خلال المائة وثلاثين عامًا المنصرمة، وقد كان الفساد هو المحرك الرئيس لها، حيث إن الإصلاحات التي قام بها النظام لم تفلح، بل أضعفت من فرص مصر خاصة على الساحة الدولية، ومن هنا يمكن القول إن ثقافة الفساد في مصر ترجع إلى العديد من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ظهر في المجتمع ثقافة جديدة تُظهر الفساد على أنه وسيلة مقبولة اجتماعيًا للحصول على الحقوق وليست وسيلة منبوذة، ومن هنا اتخذ الفساد مسميات: الإكرامية، الشاي، والمواصلات

أولا: الأسباب الاجتماعية والثقافية:

نركز هنا على الجذور الاجتماعية والثقافية لظاهرة الفساد التى انتشرت فى بر المحروسة بعد ثورة قامت من أجل القضاء على شبكات الفساد الممنهج، وذلك على النحو التالي:

1-    الثقافة السياسية السائدة:

   حيث يعرفها أريك روى Keric row ، أستاذ العلوم السياسية البريطاني على أنها: "القيم والمعتقدات والاتجاهات العاطفية للأفراد حيال ما هو كائن في العالم السياسي". كما يعرفها لوسيان باي، على أنها "مجموع الاتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطي نظامًا ومعنى للعملية السياسية، وتقدم قواعد مستقرة تحكم تصرفات أعضاء النظام السياسي". ويرى د.كمال المنوفي، أن الثقافة السياسية هي "تلك القيم السائدة في المجتمع، وتتصل بعلاقة أفرادها بالنظام السياسي بصورة مباشرة أو غير مباشرة". والمتتبع للثقافة السياسية في مصر قبل الثورة يجد أن هناك درجة عالية من السلبية وعدم المبالاة، حيث انقسم المجتمع ما بين أقلية كانت تستفيد من النظام القائم غير مكترثة بتدني الأوضاع المعيشية وبالفساد المستشري في جسد الدولة، وما بين أغلبية تشتكي من كثرة المعاناة في ظل الظروف المتدنية سواء الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية. تلك الأغلبية كانت في أغلبها صامتة، ولقد تعددت أسباب هذا الصمت ما بين الخوف من بطش السلطة أو فقدان الأمل في وجود قنوات للتعبير عن مطالب الشعب ومشكلاته. ولقد أثر ذلك وبشدة على سلوكيات المواطنين، خاصة فيما يتعلق بالفساد، حيث ظهرت في المجتمع المصري في الآونة الأخيرة ثقافة جديدة تُظهر الفساد على أنه وسيلة مقبولة اجتماعيًا للحصول على الحقوق وليست وسيلة منبوذة، ومن هنا اتخذ الفساد مسميات أخرى مثل "الإكرامية، الشاي، والمواصلات". وهو ما يرسخ الفساد في الأجهزة الحكومية ويعرقل جهود مكافحته، بحيث سار الفساد ومشتقاته عرفًا في المجتمع.

1-    اختلال سلم القيم الاجتماعية:

   من المعروف أن لكل مجتمع بشرى نظامه القيمي والأخلاقي الذي يضبط العلاقات بين الأفراد، هذا النظام قد يشتد ويضعف، ومصر لا تمثل استثناءً من هذه القاعدة، فقد تعرض المجتمع المصري في العقود الأخيرة لتحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة أحدثت انقلابًا في منظومة القيم الاجتماعية الإيجابية التي صاغت سلوك المصريين، ووحّدت توجهاتهم وصبغت الشخصية المصرية بطابع فريد من المروءة والجدية والإتقان والتسامح واحترام الآخر والصدق وإنكار الذات وغيرها من القيم الأصيلة، وأفسحت هذه التحولات المجال لقيم سلبية معوقة، شوّهت السلوك النمطي للشخصية المصرية.

   فقد ساد المجتمع بعض القيم السلبية، والتي تمثلت في ظاهرة الفساد المتغلغل في كافة المؤسسات والأجهزة الحكومية، حيث أصبح الفساد نظامًا عامًا في المجتمع، وتراجعت أمامه قيم النزاهة والشفافية. كما سادت القيم المادية على علاقات الأفراد، فأصبحت المصالح والمنافع الشخصية هي التي تحدد شكل العلاقات الإنسانية. وتكرست قيم اللا مبالاة وقيم الاستهلاك الترفي والنزعة الفردية، وتراجعت قيم الولاء للجماعة والوطن وقيم التضامن الاجتماعي والحوار والكفاءة والتنافس، وأيضًا تراجعت أيضًا قيم الابتكار والبحث العلمي والجدية والمهنية والعلمية، ولم يعد الترقي المهني والوظيفي قائمًا على التحصيل العلمي والكفاءة والخبرة، بل نتيجة للوساطة والمحسوبية والقرابة والشراكة في الفساد. ولا يعدو أن يكون تزايد العنف المادي والمعنوي إلا وسيلة لترسيخ ثقافة العنف والتطرف وشيوع أنماط من السلوكيات اللا معيارية مثل الكذب والنفاق والرشوة والغش وبيع المخدرات. كل تلك القيم السلبية أدت إلى تفتيت المجتمع، وإهدار جهود الكفاءات وتبديد أرصدة القوة الفكرية والعلمية وبث روح اليأس في النفوس، مما أدى إلى انتشار الفساد في المجتمع.

2-  تأثير الطبقية والفئوية السياسية في القرارات العامة:

   فلم تكن السياسات العامة قبل الثورة، في كثير من الأحيان، تبتغي الصالح العام بقدر ابتغائها لإرضاء بعض الأشخاص المنتمين إلى طوائف اجتماعية معينة، أو ينتمون إلى الحزب المسيطر آنذاك. فكثيرًا من الصفقات كان يعقدها هذا الحزب مع قبائل أو قوى معينة للحصول على تأييدها في الانتخابات البرلمانية المتعددة، وكانت هذه الطوائف تحصل في المقابل على مزايا تفضيلية عن باقي المواطنين. ومن الأمثلة الصارخة على الفساد المؤسس على الطبقية الاجتماعية والنفوذ السياسي، التعيينات في القضاء، والشرطة، والسلك الدبلوماسي، والجامعات، حيث أصبحت هذه الوظائف في جانب كبير منها مقصورة على المحظيين من عائلات معينة، أو من لديهم واسطة أو محسوبية أو يستطيعون دفع رشاوى كبيرة. ولقد وصل الأمر إلى خروج مظاهرات في بعض الجهات الحكومية تنادي بتعيين ما أصبح يطلق عليه "أبناء العاملين"، وهذا يدل على عمق الفساد في تلك المؤسسات.

لم يعد الترقي المهني والوظيفي قائمًا على التحصيل العلمي والكفاءة والخبرة، بل نتيجة للوساطة والمحسوبية والقرابة والشراكة في الفساد

ثانيًا: آثار الفساد في الحالة المصرية

   لقد نتج عن الفساد في الحالة المصرية العديد من الآثار السلبية، التي حالت دون تحقيق تنمية شاملة داخل المجتمع المصري، ومما يدل على ذلك تقارير المنظمات الدولية عن حالة الفساد في العالم، والتي احتلت فيها مصر مراتب متدنية، حتى بين الدول العربية، وهو ما يشير إليه الشكل رقم (1)، والذي يوضح، حصول مصر على الترتيب رقم 11 في تقرير مؤشر مدركات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية، بين الدول العربية، ورقم 11 مقرر في التصنيف الإقليمي، ورقم 112 في الترتيب الدولي. 

الشكل رقم (1)

الترتيب الدولي والإقليمي لمصر على مؤشر مدركات الفساد

تصنيف الدولة

التصنيف الإقليمي

الدولة

درجة مؤشر مدركات الفساد 2011

22

1

قطر

7.2

28

2

الإمارات العربية المتحدة

6.8

36

3

إسرائيل

5.8

46

4

البحرين

5.1

50

5

عمان

4.8

54

6

الكويت

4.6

56

7

الأردن

4.5

57

8

السعودية

4.4

73

9

تونس

3.8

80

10

المغرب

3.4

112

11

الجزائر

2.9

112

11

مصر

2.9

120

13

إيران

2.7

129

14

سوريا

2.6

134

15

لبنان

2.5

164

16

اليمن

2.1

168

17

ليبيا

2.0

175

18

العراق

1.8

 

 

ويمكن القول إنه من نتائج وآثار الفساد في الحالة المصرية ما يلي:

 1-على المستوى السياسي: نتج عن الفساد العديد من الآثار مثل؛ ضعف الدولة المصرية وهو انعكاس لضعف النظام السياسي للدولة على مدار السنوات السابقة على الثورة المصرية، وقد تجلى هذا الضعف في العديد من المظاهر مثل، عدم قدرة الدولة المصرية على اختراق المجتمع وبسط سيطرتها في إدارة العلاقات الاجتماعية بين المواطنين ووجودها القانوني وليس القمعي، وأيضًا عدم قدرة الدولة على تحصيل الموارد وعلى رأسها الضرائب، حيث حدثت العديد والعديد من حالات التهرب الضريبي، كما أن الدولة وعلى مدار شهور لم تستطع فرض الضريبة العقارية.

 ومن مظاهر الضعف أيضًا، عدم قدرة الدولة على توزيع الموارد تبعًا لأولويات المجتمع، وليس بناءً على شبكة المصالح الضيقة للمنتفعين وأصحاب النفوذ مما أدى إلى اتساع الهوة بين طبقات المجتمع المصري. ومما له دلالة في هذا الصدد أن مصر ضمن الدول "تحت الإنذار" طبقًا لمؤشر الدولة الفاشلة، وهو مؤشر عالمي يصدره صندوق السلام، وهو مؤشر ذو دلالة مهمة فالتصنيف مبنيٌّ على مجموع ١١ مؤشرًا من ضمنها حالة الأمن، واحترام حقوق الإنسان، ودرجة الفقر، وتوزيع الثروة وعوائد التنمية، والتدخل الأجنبي في الدولة، ومدى كفاءة أجهزة الدولة في خدمة المواطنين،  وللأسف فمصر في القسم الأخير من درجات المؤشر الأربع.

وكذلك من آثار الفساد على المستوى السياسي؛ تزييف المشاركة السياسية، وهذا كان يحدث من خلال تزوير إرادة الشعب المصري بتزوير الانتخابات التشريعية في ظل سيطرة الحزب الوطني على مقاليد العملية السياسية في مصر، وتحت إشراف أجهزة الأمن التي كانت تدير الانتخابات فعليًا وتتحكم في نتائجها. وكان من أشكال التزوير، التصويت الجماعي، وتصوير بطاقات التصويت، والبطاقة الدوارة، والتسويد الجماعي، وتقفيل الصناديق، وتبديلها، وتقفيل اللجان. وتم إجهاض المشاركة السياسية للشعب المصري من خلال إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات ورفض النظام لأي رقابة دولية عليها. ومن هنا عزف الشعب عن المشاركة السياسية لمعرفته النتائج مسبقًا قبل عملية الانتخاب، وبالتالي تفضيله عملية المقاطعة، لأن درجة الفساد جعلته لا يثق بالساسة والمرشحين، كما غابت ثقته بالأحزاب الموجودة نتيجة لولائها الظاهر للسلطة وعدم فاعليتها في الحياة السياسية المصرية.

   أيضًا من آثار الفساد على المستوى السياسي؛ قيام ثورة 25 يناير، تلك الثورة التي مثلت في فحواها ثورة على الفساد حيث نادت بتطهير كافة مؤسسات الدولة من الفساد، نتيجة انتشار الرشاوى والوساطات على نطاق واسع. وظهور العديد من قضايا الفساد في الدولة مثل غرق العبّارة السلام ومشروعات الخصخصة التي أهدرت المال العام، وكذلك الفساد المتعلق بالجوانب المالية وخاصة قانون الضرائب الجديد. كل مظاهر الفساد السابقة بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأسباب تتعلق بالنظام السياسي، أسهم وبشكل كبير في قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، والتي رفعت شعارات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية". ومن هنا انكشف حجم الفساد في البلاد، حيث ظهرت قضية جديدة وهي استعادة أموال مصر المنهوبة في الخارج بعد الثورة. لذلك فقد قامت الحكومة المصرية بمجموعة من الجهود من أجل استعادة الأموال المنهوبة في الخارج، وتمثلت تلك الجهود في إنشاء اللجنة القضائية لاستعادة الأموال، وتوازى مع عمل تلك اللجنة مجموعة من الجهود على المستوى غير الرسمي، كما برز في الآونة الأخيرة دور الجاليات المصرية في الخارج. وقد أشارت التقارير العالمية إلى أن حجم الأموال المنهوبة في مصر كبير، مثل Global Financial Integrity والتي توضح في تقريرها الصادر في يناير 2011، أن ما تم نهبه من مصر عن طريق الفساد المؤسسي الحكومي يتعدى 6 مليارات دولار سنويًا، بإجمالي يفوق 57.2 مليار دولار في الفترة من 2000- 2008، هذا بخلاف ما تم نهبه داخليًا، وكذلك البنك الدولي الذي يرى أن حجم الأموال المهربة من مصر أكثر من 143 مليار دولار، وتوجد تلك الأموال في الرياض والدوحة ودبي ولندن ومدريد وبنما وسويسرا، في الحين ترى صحيفة الأهرام المصرية أن قيمة الأموال المسروقة تبلغ 225 مليار دولار. كما أن منظمة الشفافية الدولية قالت قبل قيام ثورة 25 يناير إن مصر تخسر سنويًا 37 مليار دولار، نتيجة للفساد في تخصيص أراضى الدولة بأسعار متدنية.

ثورة 25 يناير في فحواها ثورة على الفساد حيث نادت بتطهير كافة مؤسسات الدولة من الرشاوى والوساطات على نطاق واسع

 

2-على المستوى الاقتصادي: حيث يقابل ارتفاع الفساد في الدول النامية تباطؤ النمو الاقتصادي،لأن التكاليف الناجمة عن استفحال وباء الفساد تضر ببنية الاقتصاد وحركته. وفي مصر فقد أثر الفساد على التنمية الاقتصادية والكفاءة الإنتاجية من خلال تشجيع الاقتصاد الريعي وتشجيع نمو الاقتصاد الموازي، فالاقتصاد الريعي هو اقتصاد لا يحقق أي قيمة مضافة للاقتصاد، وكل ما يحققه هو منفعة شخصية للعاملين به، لأنه يقوم على التداول والمضاربة والتغطية والعقود المستقبلية، وتغطية مخاطر الفائدة والتحوّط، وكل هذه الأمور لا تضيف إلى المجتمع الاقتصادي في الدولة. وقد تبنّى النظام الأسبق هذا النوع من الاقتصاد، مما أدى إلى انتشار البطالة وعدم الإحساس بعوائد الاقتصاد على عامة الشعب على الرغم من معدلات النمو المرتفعة، والتي كانت تذهب عوائدها إلى أصحاب رؤوس الأموال، نتيجة لسيطرت فئة بعينها على مراكز الثروة، والتحكم في توزيعها وإعلاء ثقافة الاعتماد على الخارج في توفير الاحتياجات على حساب الإنتاج المحلي. بينما الاقتصاد الموازي؛ فيعرف على أنه  اقتصاد لا يخضع للرقابة الحكومية، ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته في الحسابات القومية، كما أنه لا يعترف بالتشريعات الصادرة، ولذلك يعتمد السرية في عمله شراء وبيعًا، أي بعيدًا عن الرقابة. ويمثل الاقتصاد غير الرسمي في مصر 30% من الناتج المحلي الإجمالي، ويضم هذا النوع المتهربين من الضرائب والرسوم الجمركية مما يترتب عليه ضياع أموال طائلة من خزانة الدولة المصرية بسبب التهرب الضريبي، وكذلك يؤدي إلى إعاقة عملية التنمية.

ومن آثار الفساد أيضًا، تشجيع التهرب الضريبي؛ وهي ظاهرة منتشرة في مصر، ويعاني منها الاقتصاد المصري كثيرًا، حيث إنها تكلف الاقتصاد 100 مليار جنيه سنويًا، مما يفقده مصدرًا مهمًا من مصادر التمويل، وهذا يتجلى بوضوح في عجز الموازنة العامة. وقد اشتدت حدة التهرب نتيجة الفساد البيروقراطي وانعدام الشفافية، وبسبب تغطية بعض الشبكات العليا في المؤسسات المالية والاقتصادية (الجمارك، البنوك، وإدارة الضرائب..إلخ) على المتهربين في مقابل الحصول على العمولات والرشاوى.

   وكذلك من الآثار، عرقلة التنمية الاقتصادية؛ حيث لا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية شاملة أمام الدور الذي يقوم به الفساد في التأثير سلبًا على النشاط الاقتصادي، وهو ما يمنع بالفعل خلق قطاعات منتجة، وتجاوز الاقتصاد الريعي. ومن هنا جاءت الخطط الإصلاحية للاقتصاد المصري لتغير في شكل الاقتصاد دون أن تغير في المضمون، لذلك لم تفلح في خلق فرص التنمية الحقيقة نتيجة لعدد من المؤشرات مثل، استمرار ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وارتفاع معدلات الفقر، والأمية، والبطالة، وانتشار العشوائيات، وتدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وتعطيل الاستثمار الوطني والأجنبي، وبدت ملامح تفشي الفساد والمحسوبية والاحتكار واضحة في عمليات تخصيص الأراضي والإنتاج الصناعي والقروض البنكية. وتوازى مع ذلك الزيادة الكبيرة في تعداد السكان، فتكالبت العوامل الاجتماعية السلبية الناتجة عن الشعور بعدم الاستفادة من تحقيق معدلات نمو جيدة لاقتصار نفعها على الطبقة العليا، وانسداد الأفق في حدوث تحول إيجابي مستقبلي، فأدّى ذلك إلى ثورة الشعب في يناير 2011 (.

3-على المستوى الاجتماعي والثقافي:  أدى الفساد إلى مجموعة من الآثار تمثلت فيما يلي؛ عرقلة التنمية البشرية، وهو ما تظهره تقارير التنمية الإنسانية التي يعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والتي تظهر مصر في فئة التنمية البشرية المتوسطة، وهو ما يعبر عنه الشكل رقم (2)، والذي يظهر ترنح مصر على مؤشر التنمية البشرية دون تحقيق أي تقدم فاعل، حيث ما زالت في الفئة المتوسطة، فكانت في عام 2009 تحتل المرتبة 123، ثم 101 في عام 2010، ثم 113 في عام 2011 ضمن 177 دولة. ويقيس هذا المؤشر عددًا من الجوانب منها، توقع الحياة عند الولادة، ومتوسط دخل الفرد الحقيقي، ومستوى الخدمات الصحية، والتحصيل العلمي.


 

الأسباب والآثار:

الشكل رقم (2) 

المصدر: تقارير التنمية البشرية للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لأعوام 2005، 2006، 2007/2008، 2009، 2010، 2011، موقع الأمم المتحدة.

   كما أن من الآثار الاجتماعية والثقافية للفساد، زيادة حدة التفاوت الاجتماعي، وسببه الفساد الذي عمّق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث تم إخضاع العملية الحسابية لمنطق الزبونية والمحسوبية الذي قاد إلى غياب العدالة في توزيع الثروة على المواطنين، مما جعل شرائح واسعة تعاني من الفقر والجوع، وهو ما انعكس بالسلب على تركيبة المجتمع والعلاقات الاجتماعية، نتيجة لتركز الثروة في يد فئة قليلة من الأفراد. ونتيجة لهذا الوضع ظهرت العديد من السلوكيات غير المحمودة داخل المجتمع مثل الرشوة والسرقة والعمولة، مما أدى إلى تعميق جذور الفساد.

   ومن بين الآثار أيضًا، ترسيخ ثقافة الفساد، حيث إن الفساد ينعكس سلبًا على منظومة القيم الأخلاقية والثقافية في المجتمع، كما أنه يزعزع سلم المبادئ التي تحكم المجتمع في علاقاته المتعددة. فخطورة الفساد لا تتوقف عند حد الرشوة، بل تكمن خطورته الحقيقة في هدم القيم والأخلاق والمثل وتحويل مبادئ العلم والمنافسة إلى صفقات. فلقد أدى الفساد في مصر إلى غياب الوعي واللا مبالاة وعدم الاكتراث، كما أصبح الفساد عادة نتيجة لذيوعه بشدة في المعاملات اليومية سواء الحكومية أو غير الحكومية، وهذا أدّى أيضًا إلى إفقار ثقافة المجتمع المدني، حيث أصبح الولاء للأسرة دون المجتمع والدولة.