المركز العربي للبحوث والدراسات : الأطر التشريعية والممارسة المهنية: دور الإعلام في الانتخابات (طباعة)
الأطر التشريعية والممارسة المهنية: دور الإعلام في الانتخابات
آخر تحديث: الخميس 05/02/2015 12:24 م أيمن ولاش*
الأطر التشريعية والممارسة

تعمل وسائل الإعلام بمختلف أشكالها؛ المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، العامة والخاصة، كأداة سياسية ثقافية تعليمية، وتأتي الفترات الانتخابية ليبرز خلالها دور وسائل الإعلام باعتبارها وسيلة لنشر المعلومات والأخبار الخاصة بالعملية الانتخابية والتوعية بأهمية المشاركة فيها، لتصبح بذلك أحد أسس نجاح العملية الانتخابية إذا ما اتبعت الأطر القانونية والضوابط التنظيمية لعملها أثناء الفترات الانتخابية، مع تطبيق معايير التغطية المهنية.

وفي مصر، برز دور وسائل الإعلام في الانتخابات بشكل كبير أثناء الفترات الانتخابية التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، وتعددت الأطر التنظيمية لهذا الدور وفقًا للتطور التشريعي بمجموعة القوانين المنظمة للانتخابات البرلمانية والرئاسية، ومن ثم برزت الحاجة إلى إلقاء الضوء على الدور المأمول لوسائل الإعلام إبان الفترات الانتخابية وكيفية تنظيمه، بما يسهم بدوره كإحدى أدوات بناء مجتمع ‏ديمقراطي.

وفي إطار ما سبق سيتم عرض الأهمية النظرية والتطبيقية لموضوع الإعلام والانتخابات والتعريف بدور الإعلام في الانتخابات من خلال تقديم تعريف لمفاهيم أنماط المعلومات الانتخابية، كما سيتم التعرض للإطار القانوني المنظم لدور وسائل الإعلام في الانتخابات، وأشكاله التنظيمية مع عرض للمعايير الدولية للممارسات المهنية لوسائل الإعلام في الانتخابات، وبيان أهم الموضوعات التي يجب تناولها أثناء فترة العملية الانتخابية، وعلاقة الإدارة الانتخابية بوسائل الإعلام وترتيبات المؤسسات الإعلامية في إطار دورها في فترة العمليات الانتخابية.

أولاً- الأهمية النظرية والتطبيقية

تظهر الأهمية النظرية لموضوع دور الإعلام في الانتخابات في ضرورة التعرف على الأطر التشريعية الواجب أن تلتزم بها وسائل الإعلام إبان الفترات الانتخابية، حتى تستقيم عملية الممارسة لهذا الدور على أرض الواقع. وتأتي الأهمية التطبيقية في ضرورة التعرف على هذا الدور في إطار أثر وسائل الاتصال في العملية السياسية، حيث إن الدور المحوري الذي تقوم به وسائل الإعلام في الانتخابات هو من الأمور الحديثة، حيث يتميز الإعلام خلال الفترات الانتخابية ليس فقط بأنه طرف فاعل في الحياة السياسية، بل إنه أيضًا ساحة للصراع بين القوى الاجتماعية والسياسية (1).

لقد تطور دور الإعلام في الانتخابات ليصبح حرفة ومهنة وفن مستقل بذاته عرفته الدول التي قطعت مشوارًا طويلًا في الممارسة الديمقراطية، بل أصبح الإعلام هو العامل الذي يؤثر بشكل كبير في نتائج الانتخابات إلى حد جعل البعض يُثبت بأن دور الإعلام أصبح يُمثل نصف المعركة الانتخابية، فمن الممكن أن يمنع مرشحا عن الفوز، أو يعزز مرشحًا للفوز(2).

لقد أصبح من الأهمية، في ظل ما هو منشود من تحول ديمقراطي في مصر، وما نشهده في إطار ذلك من تغيرات، أن نرى ما يحدث على أرض الواقع في ظل الدور المحوري الذي تلعبه وسائل الإعلام إبان الفترات الانتخابية. وانطلاقًا مما سبق سيتم تقديم تعريف لدور الإعلام في الانتخابات، وبيان الأطر التنظيمية لهذا الدور في إطار دستور مصر 2014، والقوانين واللوائح والقرارات المتعلقة بذلك، مع إلقاء الضوء على معايير التغطية المهنية وكيفية اتباعها أثناء فترات الاستحقاقات الانتخابية، بناءً على المعايير الدولية وفي إطار خصوصية الحالة المصرية.

 ثانياً- التعريف بدور الإعلام في الانتخابات

لقد تجاوزت أجهزة الإعلام، في إطار التقدم العلمي والتكنولوجي، مهمة تقديم المعلومات والأنباء والتعليقات من خلال نشر المعلومات والأخبار الخاصة بالانتخابات وتوفير مجال للحوار والنقاش حول برامج المرشحين، إلى القيام بدور رقابي أثناء العملية الانتخابية، لتصبح إحدى وسائل التحقق والمتابعة التي تحمي استقامة العملية الانتخابية، وتعزز من مشاركة الأحزاب السياسية، والمرشحين والناخبين ومختلف شركاء العملية الانتخابية، فهذه الرقابة تعزز من الالتزام بالإطار القانوني للعملية الانتخابية وتسهم في منع الممارسات غير القانونية.

ويمكن النظر إلى دور وسائل الإعلام في الانتخابات من خلال ما يُسمّى بالدورة الانتخابية(3)، والتي تُمثل أداة تخطيط وتدريب تم تصميمها وتطويرها من المفوضيــة الأوربيـــة، والمؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك بهدف تحقيق فهم أكبر للطبيعة الدورية والمستمرة للعمليات الانتخابية، والتي تشير إلى أن العمليات الانتخابية هي عمليات مستمرة، ليس لها نقاط بدء أو انتهاء، وتنتهي الدورة الواحدة عندما تبدأ الأخرى، ومن خلالها يتم تقسيم الدورة الانتخابية إلى ثلاث فترات رئيسية؛ فترة ما قبل الانتخابات، فترة الانتخابات، فترة ما بعد الانتخابات.

أصبح الإعلام هو العامل الذي يؤثر بشكل كبير في نتائج الانتخابات إلى حد جعل البعض يُثبت بأن دور الإعلام أصبح يُمثل نصف المعركة الانتخابية

تُمثل فترة ما قبل الانتخابات فترة الترتيبات والاستعدادات، والتي تشمل خمس مراحل رئيسية؛ الإطار القانوني، التخطيط للتنفيذ، التدريب والتعليم، التسجيل، والحملات الانتخابية، ويتم خلال تلك المراحل وضع النظام القانوني المنظم للعملية الانتخابية، وذلك من خلال الدساتير والقوانين واللوائح والقرارات، وبيان الآليات التنظيمية لعمل الإدارة الانتخابية وتدريب مسئوليها، كما يتم وضع الميزانية المقترحة لإدارة العملية الانتخابية، والميزانيات المقترحة للأحزاب والحملات الانتخابية وتخطيطها، وتنفيذ برامج لتثقيف الناخبين وإرشادهم لمجريات عملية التصويت، والانتهاء من تسجيل الناخبين والمرشحين، وبيان ضوابط عمل وسائل الإعلام في الفترات الانتخابية.

ويُشار إلى فترة الانتخابات بمرحلة العمليات، وتشمل مرحلتين رئيسيتين؛ الاقتراع، والتحقق من النتائج، ويتم خلالها عمليات الاقتراع والفرز والعد، وتلقي الشكاوى والطعون والفصل فيها حتى إعلان النتائج.

وتأتي مرحلة ما بعد الانتخابات كمرحلة وضع الاستراتيجيات المستقبلية، حيث يتم خلالها عملية الأرشفة لملفات العملية الانتخابية وإجراء البحوث العلمية حولها من أجل تقييمها وصولًا لوضع مقترحات للإصلاح التشريعي للأطر القانونية المنظمة للعملية الانتخابية، كما يتم خلال هذه المرحلة وضع الخطط لتعزيز قدرات الإدارات الانتخابية وتنمية أداء العاملين بها.

 النمط العلمي للدورة
النمط العلمي للدورة الانتخابية

ويشير الشكل رقم (1) إلى النمط العلمي للدورة الانتخابية، والذي تم بناؤه وفقًا لأفضل الممارسات العملية، ومن ثم فهو لا يعكس حالة الانتخابات في دولة بعينها حيث قد يختلف توقيت بعض الإجراءات عن غيرها باختلاف النظام الانتخابي في كل دولة.

إن الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام عبر تلك المراحل قد يتداخل في بعضها، وهنا يجب التعريف بأنماط المعلومات الانتخابية، والتي يمكن التمييز بينها في إطار ثلاثة تعريفات رئيسية، هي التثقيف المدني، وتثقيف الناخبين، وإرشاد الناخبين.

يُشير مفهوم إرشاد الناخبين الذي يتم استخدامه في مصر، إلى عملية تزويد الناخبين بمعلومات عن حدث انتخابي محدد، ويتناول التعريف بمكان وزمان وكيفية الاقتراع

ثالثاً- أنماط المعلومات الانتخابية

إن مفهوم التثقيف المدني(4)، يُشار إليه في بعض الدراسات بمفهوم التربية المدنية، وهو المفهوم الشامل الذي يضع في اعتباره العلاقة بين الديمقراطية ومشاركة المواطنين، وخصوصًا دور ومسئولية من الأفراد والحكومة والمنظمات السياسية وجماعات المصالح والإعلام، بهدف تعزيز وعي المواطنين وفهمهم لمبدأ المواطنة وما ينطوي عليه من حقوق وواجبات وتشجيعهم على المشاركة في الحياة العامة.

أما مفهوم تثقيف الناخبين(5)؛ والذي تتم الإشارة إليه في التجربة المصرية بمفهوم توعية الناخبين، هو حملة تهدف إلى تعريف المواطن الناخب بالعملية الانتخابية وأهمية التصويت والمشاركة وحقوقه وواجباته المنصوص عليها في الأطر التشريعية المنظمة للعملية الانتخابية.

ويُشير مفهوم إرشاد الناخبين(6) الذي يتم استخدامه في مصر، إلى عملية تزويد الناخبين بمعلومات عن حدث انتخابي محدد، ويتناول التعريف بمكان وزمان وكيفية الاقتراع.

ويسهم الإعلام بدور جوهري في كل العمليات التي تتم في إطار أنماط المعلومات الانتخابية، التي تتم جميعها في إطار الدورة الانتخابية ومراحلها المختلفة، إلا أنه يمكن القول بأن التثقيف المدني يتجاوز ذلك إلى الحياة العامة بشكل كامل، ويتم العمل في نمطي تثقيف الناخبين وإرشاد الناخبين في إطار الدورة الانتخابية ذاتها، وقد تشتمل عملية تثقيف الناخبين الدورة الانتخابية ككل، أما عملية إرشاد الناخبين فهي تستهدف مرحلة العمليات الانتخابية، وذلك باستهداف حدث انتخابي بذاته.

ومما سبق يمكن الإشارة إلى دور الإعلام في الانتخابات، بأنه الدور الذي يُمكن أن تقوم به وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، العامة والخاصة، في إطار مجموعة الأنشطة التي تستهدف تناول أنماط المعلومات الانتخابية، وبما يؤثر على توجهات وسلوك الأفراد داخل المجتمع.

ونُركز في السطور التالية على الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في فترة العمليات، وهي الفترة التي يقوم فيها الإعلام بمجموعة من الأنشطة التي تستهدف إرشاد الناخبين وتعريفهم بالحدث الانتخابي ومكان وتوقيت عملية الاقتراع، ومن ثم تظهر الحاجة إلى التعريف بالأطر القانونية والضوابط التي تنظم هذا الدور الذي تقوم بها وسائل الإعلام في فترة العمليات الانتخابية، والتي لها أن تؤثر على توجهات الرأي العام ومن ثم نتائج الانتخابات.

إن تحقيق الموضوعية يأتي كأولوية أولى في ضرورة الالتزام بتحقيق الممارسة المهنية للعمل الإعلامي خلال الفترات الانتخابية

رابعاً- الإطار القانوني المنظم لدور وسائل الإعلام في الانتخابات

إن العملية الانتخابية في مجملها تتم وفق مجموعة من الأطر القانونية المنظمة لها، وهو ذات الإطار الذي يتضمن الأطر التنظيمية لعمل وسائل الإعلام في الفترات الانتخابية، ويمكن الإشارة إلى العديد من المرجعيات القانونية في ذات الإطار، والتي تشمل الدستور، والقوانين الانتخابية، واللوائح التنفيذية لتلك القوانين، والقرارات الإدارية التي تصدر على السلطات المختصة والمتعلقة بالعملية الانتخابية ومن بينها تنظيم عمل ممثلي وسائل الإعلام، وهو ما يأتي إجمالًا في إطار احترام الدولة للمواثيق والمعاهدات الدولية.

1-    الأشكال القانونية لتنظيم دور وسائل الإعلام في الانتخابات

تظهر الأطر القانونية الخاصة بتنظيم عمل وسائل الإعلام في الانتخابات، في خمسة أشكال، فإما أن تظهر في ظل الدستور، أو تظهر بشكل واضح في القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، أو تظهر في القرارات الإدارية التي تصدر عن الإدارة الانتخابية والتي تأخذ قوة القانون، أو قد تظهر في شكل مدونات للسلوك تصدر عن الإدارة الانتخابية أو المؤسسات الإعلامية ذاتها، وقد يتم الاكتفاء في بعض التجارب بالقوانين المنظمة لعمل وسائل الإعلام بشكل عام.

فعلى سبيل المثال نجد في دستور جمهورية جنوب أفريقيا، تأكيدًا واضحًا في مادتيه 59 و72 بضرورة قيام البرلمان بغرفتيه الجمعية الوطنية؛ والمجلس الوطني للأقاليم، بضرورة تمكين وسائل الإعلام من الدخول إلى الجمعية الوطنية ولجانها؛ وتنظيم عمله في إطار ذلك مع عدم جواز منع وسائل الإعلام من حضور جلسة أو إحدى اللجان، وهو ذاته ما يتم في إطار المادة 118 الخاصة بالهيئة التشريعية للأقاليم. وأعضاء المفوضية الانتخابية ذاتها يتم تعيينهم من خلال رئيس الجمهورية بناء على توصية الجمعية الوطنية(7).

ويأتي التنويه عن كيفية تنظيم دور الإعلام في الانتخابات والمهام المكلف بها في قانون الانتخابات ‏في جنوب أفريقيا رقم 73 لسنة 1998 وتعديلاته حتى عام 2013 (8)، بما في ذلك دوره في تثقيف الناخبين، وهو القانون الذي تم التأكيد على تنفيذ ما ورد به دستوريا وفقًا للبندين 1، 2 من المادة 190 بدستور جمهورية جنوب أفريقيا، كما تظهر أيضًا في مدونة قواعد السلوك الانتخابي المذكورة بالجدول رقم 2 في البندين 8، 9 من قانون الانتخابات في ‏جنوب أفريقيا رقم 73 لسنة 1998‏(9).

أما في الهند فنجد أن تنظيم عمل وسائل الإعلام في الانتخابات قد ورد في قانون الانتخابات، كما تقوم مفوضية الانتخابات الهندية بإصدار كتيب الإعلام والذي يحتوي على كل الإجراءات الخاصة بعمل وسائل الإعلام في الانتخابات ككل(10). 

2-    الأطر القانونية المنظمة لعمل الإعلام في الفترات الانتخابية في مصر

يُمثل الدستور الإطار العام المنظم لعمل وسائل الإعلام، وقد أكد الدستور المصري 2014(11)، في بابه الثالث "الحقوق والحريات والواجبات العامة" على كفالة حرية الفكر والرأي وحق التعبير بكل وسائل التعبير والنشر(12)، وحرية الصحافة والطباعة والإعلام بكافة أشكاله(13)، وحظر فرض أي رقابة على الصحف ووسائل الإعلام مع ضمان استقلال المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة(14).

كما وضع الدستور في فصله العاشر من الباب الخامس، أشكال المؤسسات التنظيمية لعمل وسائل الإعلام ضامنًا لها الاستقلالية في العمل ومتمثلة في ثلاث مؤسسات رئيسية؛ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ليختص بتنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئي، وتنظيم الصحافة المطبوعة، والرقمية، وليكون مسئولًا عن ضمان و حماية حرية الصحافة والإعلام المقررة بالدستور، والحفاظ على استقلالها وحيادها وتعدديتها ووضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، ومقتضيات الأمن القومي، ثم الهيئة الوطنية للصحافة لتقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة، ثم الهيئة الوطنية للإعلام لتقوم على إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة(15).

3-    الأشكال القانونية لتنظيم دور وسائل الإعلام في الانتخابات في مصر

لقد مرت بمصر بثلاثة أشكال لتنظيم دور وسائل الإعلام في الانتخابات،‏ مرورًا بالتنظيم العام لعمل وسائل الإعلام، ثم القرارات الإدارية الصادرة عن الإدارة الانتخابية والمنظمة لعمل وسائل الإعلام في الانتخابات، ثم أخيرًا تضمين تنظيم عمل وسائل الإعلام في إطار القانون.

ففي السابق كان تم الاعتماد على القوانين العامة المنظمة لعمل وسائل الإعلام في إطار الدستور والقانون، وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير تم الاعتماد على صدور قرارات إدارية عن الإدارة الانتخابية "اللجنة العليا للانتخابات، لجنة الانتخابات الرئاسية" لها قوة القانون، لتنظيم عمل وسائل الإعلام في الانتخابات، وذلك حتى انتخابات مجلس النواب التي كان مقررًا لها في عام 2013 عندما تم صياغة مدونة سلوك المتابعين(16)، لتعمل إلى جانب القرارات الإدارية الصادرة عن الإدارة الانتخابية والخاصة بعمل وسائل الإعلام ودورها في الانتخابات. وفي المرحلة الحالية تم تضمين أطر وضوابط ودور وسائل الإعلام في الانتخابات، في إطار قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014، في إطار مجموعة من المواد من أهمها ما ورد إجمالًا في الفصل الرابع من القانون "ضوابط الدعاية في الانتخاب والاستفتاء" خاصة المواد؛ 29 الخاصة باستخدام وسائل الإعلام الحكومية، و32 المتعلقة بضوابط التغطية الإعلامية، و33 الخاصة بضوابط استطلاعات الرأي العام، والمادة 37 الوارد بها جزاء مخالفة ضوابط التغطية الإعلامية.

وقد ورد في ظل الضوابط التي حددها القانون؛ ضرورة الالتزام بعدم خلط الرأي بالخبر أو الخبر بالإعلان، مع مراعاة الدقة في نقل المعلومات وعدم تجهيل مصادرها، وعدم التعميم والالتزام بالأخلاقيات العامة والمهنية، وكفالة حق الرد والتصحيح، وضرورة عدم استخدام شعارات دينية لتأييد أو رفض المترشحين، مع ذكر جزاءات في حال المخالفة ضمن المادة 37.
إن الاستراتيجية الإعلامية للإدارة الانتخابية يجب أن تتضمن؛ تحديد وسائل الإعلام ومستويات تغطيتها، والأفراد العاملين بها، مع العمل في إطار مبادئ الشفافية والمبادرة في توفير المعلومات

خامساً- المعايير الدولية للممارسات المهنية لوسائل الإعلام في الانتخابات

تُمثل المعايير الدولية للممارسة الإعلامية المهنية والأخلاقية من أهم المرجعيات لوسائل الإعلام لممارسة دورها أثناء الفترات الانتخابية، وبما يأتي في الإطار القانوني المنظم لعملها خلال تلك الفترة، ومن أهم تلك المعايير تحقيق التوازن ومراعاة الدقة والنزاهة، وإعطاء حق الرد والتصحيح واحترام الخصوصية وعدم المساس بالأديان.

إن تحقيق التوازن يتم عبر عرض جميع الرؤى والتفسيرات لكل الحقائق حتى لو تعارضت مع آراء الصحفي أو الإعلامي الشخصية، وأيضًا مراعاة التوازن في نشر أخبار المرشحين ذاتهم بشكل عام، وبين المرشحين من الرجال والمترشحين من النساء بشكل خاص، ومراعاة الدقة تشمل أهمية نشر المعلومات وفقًا للوثائق الرسمية مع ضرورة استقصاء تلك المعلومات من المصادر الرسمية والمصادر الموثوقة، مع التيقن من صحة الأخبار وتوثيق صحتها من العديد من المصادر، وتشمل النزاهة ضرورة عدم وجود مصلحة خاصة للصحفي أو الإعلامي في نشر خبر أو موضوع بذاته مع ضرورة إعطاء حق الرد والتصحيح لأية أخطاء في أقرب وقت وبشكل واضح، كما يجب احترام خصوصية المرشح والناخب على حد سواء، وذلك بعدم التطرق إلى الحياة الخاصة أو العمل على تشويهها، كما يجب عدم استغلال الأديان في شعارات يتم استخدامها للتأثير على جمهور الناخبين لصالح مرشح دون غيره (17).

إن تحقيق الموضوعية يأتي كأولوية أولى في ضرورة الالتزام بتحقيق الممارسة المهنية للعمل الإعلامي خلال الفترات الانتخابية، وفي ظل تطور عمل المنظومة الإعلامي بشكل كبير، ووجود الإعلام الخاص جنبًا إلى جنب مع الإعلام الحكومي، وظهور الإعلام الإلكتروني، لا يمكن الحديث عن وجود حياد في العمل الإعلامي، حيث يُمكن لإحدى المؤسسات أن تقوم بتأييد مُرشح دون الآخر، وفقًا لتوجهات عمل تلك المؤسسة أو توجهات القائمين عليها، إلا أن المهنية الأخلاقية في إطار الموضوعية توجب على تلك المؤسسة أن تُعلن صراحة لجمهور المتلقين عن تأييدها وتوجهها لصالح هذا المُرشح دون الآخر.

1-    أهم الموضوعات التي يجب تناولها أثناء فترة العملية الانتخابية

إن فترة العمليات تُمثل أهم الفترات لعمل وسائل الإعلام خلال حدث انتخابي محدد، وخلال تلك الفترة يجب على المؤسسات الإعلامية والصحفية بداية أن تقوم بتسجيل ممثليها في متابعة العملية الانتخابية، من خلال الإجراءات القانونية التي تقوم الإدارة الانتخابية بالإعلان عنها.

إن على الإعلاميين أن يقوموا بالعديد من المهام، من أهمها تعريف جمهور الناخبين بالنظام الانتخابي، وكيفية حساب الأصوات التي تؤدي إلى إعلان الفائز في الانتخابات، وكذا التعريف بعملية تسجيل الناخبين والمرشحين، وكيفية الاقتراع والتصويت وخطواته، كما يجب تغطية العملية الخاصة بفرز وعد الأصوات لتحقيق مزيد من الشفافية والمصداقية للعملية الانتخابية، وبيان الطعون ونتائج الفصل فيها.

أيضًا يجب تغطية تطورات الحملات الانتخابية وتوفير منبر للأحزاب السياسية والمرشحين لإيصال رسائلهم إلى الناخبين من خلاله، وكذا توفير منبر للجمهور لإيصال مخاوفهم، وآرائهم، واحتياجاتهم إلى الأحزاب والمرشحين، مع السماح للأحزاب والمرشحين بمناقشة بعضهم بعضا(18).

2-    الإدارة الانتخابية وعلاقتها مع وسائل الإعلام

يجب على الإدارة الانتخابية أن تقوم ببناء علاقة مهنية جيدة مع وسائل الإعلام، وتوفير كل السبل لنقل المعلومات إليهم باعتبارهم وسيلة الاتصال مع المواطنين حيث تُشكل وسائل الإعلام حليفًا مهمًّا للإدارة الانتخابية في ذات الإطار.

إن الإدارة الانتخابية يجب أن تعتمد إستراتيجية إعلامية تقوم على تعزيز التواصل الدائم والإيجابي مع وسائل الإعلام، وعلى التحقق من حصول تلك الوسائل على معلومات انتخابية صحيحة ودقيقة، بما في ذلك ما يتعلق بنشاطات وفعاليات الإدارة الانتخابية، وذلك لتجنب خطر نشر الشائعات والمعلومات غير الدقيقة والصحيحة، ما من شأنه تقويض مصداقيتها.

إن الإستراتيجية الإعلامية للإدارة الانتخابية يجب أن تتضمن؛ تحديد وسائل الإعلام المتاحة ومستويات تغطيتها، والأفراد الرئيسيين العاملين بها، مع العمل في إطار مبادئ الشفافية والمبادرة في توفير المعلومات لوسائل الإعلام، ونشرها بكل يسهل استيعابها منعًا للتفسيرات المغلوطة مع إعلان جدول زمني مسبق واضح للقاء الصحفيين، ووجود متحدث رسمي باسم الإدارة الانتخابية وتحديد الوحدة الإدارية المسئولة عن التواصل والتنسيق مع وسائل الإعلام، مع نشر البيانات الإعلامية وعقد المؤتمرات الصحفية في شكل دوري وواضح ومعلوم وكلما اقتضت الحاجة (19).

وتتبع مصر تلك الإجراءات منذ العمليات الانتخابية التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، فهناك متحدث رسمي باسم الإدارة الانتخابية، وفي انتخابات الرئاسة المصرية في 2014 تم تشكيل لجنة خاصة للعمل الإعلامي، كما دأبت الإدارة الانتخابية على إصدار البيانات الإعلامية وعقد المؤتمرات الصحفية والتواصل مع الإعلاميين المحليين والدوليين بشكل دوري، وذلك تنسيقًا مع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

3-    ترتيبات المؤسسات الإعلامية في إطار دورها في فترة العمليات الانتخابية

إن وسائل الإعلام لكي تقوم بمهامها بشكل مهني عليها أن تُراعي العديد من الموضوعات، فعلى ممثليها التيقن من أن مهمتهم هي التعريف بالعملية الانتخابية وإجراءاتها ومجرياتها ونتائجها، مع نقل آراء وبرامج المرشحين وإبراز تطلعات واحتياجات الناخبين، وفي يوم الاقتراع يجب أن يتم التركيز على مجريات العملية ومشاركة الناخبين، على أن يتم ما سبق في ظل وضع خطط تحرك إعلامية تضمن سلامة الإعلاميين ذاتهم خاصة في تغطيتهم لأيام الاقتراع.

إن سلامة الإعلاميين لن تتحقق إلى عبر الالتزام بالأطر القانونية المنظمة لعملهم، والتعرف على حقوقهم وواجباتهم، والالتزام بالترتيبات والمحاذير الأمنية التي يتم الإعلان عنها من قبل الإدارة الانتخابية والمؤسسات الأمنية.

ويجب على المؤسسات الإعلامية ذاتها أن تضع للإعلاميين خططًا ومسارًا لعملهم قبل بدء العمل، وقيام الإعلامي ذاته بالتعرف عن كثب على المنطقة التي سيقوم فيها بتغطية العملية الانتخابية في يوم الاقتراع، ومراعاة العادات والتقاليد السائدة في كل منطقة، على أن يوجد في منطقة عمله قبل الوقت المحدد لبدء عملية الاقتراع وإبلاغ المؤسسة التي ينتمي إليها بكافة تحركاته.

المراجع:

1-    جمال عبد الجواد وآخرون، "الإعلام والانتخابات البرلمانية في مصر: تقييم أداء وسائل الإعلام خلال الانتخابات البرلمانية 27 أكتوبر– 3 ديسمبر 2005"، سلسلة قضايا حركية، العدد 20، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2005، ص 15.

2-    محاسن السنوسي، صناعة الرئيس فن وحرفة وألاعيب، صحيفة المصري اليوم، العدد ٢٨٧٦، 28 إبريل 2012، ص 9.

3-    الدورة الانتخابية، ما الدورة الانتخابية؟، شبكة المعرفة الانتخابية ACE،

http://aceproject.org/electoral-advice-ar/EA-ar/EC-ar?set_language=ar

4-     المعجم العربي لمصطلحات الانتخابات، البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، الطبعة الأولى، 2014، ص 28.

5-     المرجع السابق، ص 25.

6-     المرجع السابق، ص 6.

7-     دستور جمهورية جنوب أفريقيا 1996 وتعديلاته في 2012، مشروع الدساتير المقارنة، constituteproject.org.

8-      Electoral Act 73 of 1998.

https://www.google.com.eg/?gfe_rd=cr&ei=4yOtVKX3MIecwbRzYGAAw&gws_rd=ssl#q=law+no+73+of+1998

9-     المرجع السابق.

10-  Handbook for Media, General Elections to the 16th lok Sabha, 2014.

http://eci.nic.in/eci_main/ElectoralLaws/HandBooks/Handbook%20for%20Media%202014.pdf

11- دستور جمهورية مصر العربية 2014، مطابع الهيئة العامة للاستعلامات.

12- المرجع السابق، المادة 65، ص 21.

13- المرجع السابق، المادة 70، ص 22.

14- المرجع السابق، المواد 71-72، ص 21.

15- المرجع السابق، المواد 211- 212- 213، ص ص 54، 55.

16- مدونة سلوك المتابعين، اللجنة العليا للانتخابات، جمهورية مصر العربية، 2013.

 http://house2013.elections.eg/images/pdfs/regulations/ObserversCodeOfConduct.pdf

17- الإعلاميون والانتخابات مدونة مهنية وأخلاقية، مؤسسة الأهرام بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان من أجل الحرية، القاهرة، 2010، ص ص 47 – 90.

18- نظرة عامة على الإعلام والانتخابات – أهمية الإعلام للانتخابات، شبكة المعرفة الانتخابية ACE،

http://aceproject.org/ace-ar/topics/me/me10/default

19- المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات: دليل أشكال الإدارة الانتخابية، 2006، ص ص 265- 266.

 
* باحث في العلوم السياسية