المركز العربي للبحوث والدراسات : بناة الغد: رؤيـة شباب الباحثين لمستقبل مصر (طباعة)
بناة الغد: رؤيـة شباب الباحثين لمستقبل مصر
آخر تحديث: الخميس 18/12/2014 03:44 م السيد يسين
بناة الغد: رؤيـة

نظم المركز العربى للبحوث والدراسات بالتعاون مع وزارة الشباب المؤتمر الأول لشباب الباحثين الذى انعقد فى مركز التعليم المدنى بالجزيرة يومى 13، 14 ديسمبر 2014.

وهذا المؤتمر هو الأول من نوعه الذى ينعقد بعد ثورة 25 يناير التى أشعل فتيلها مجموعة من النشطاء السياسيين على شبكة الإنترنت، والذين غادروا مواقعهم فى العالم الافتراضى لينزلوا إلى ميدان التحرير يوم 25 يناير، داعين فئات الشعب المختلفة للالتحام بهم، لإسقاط النظام السياسى الذى كان يقوده الرئيس السابق «مبارك».

وعلى غير توقع من هذه الطليعة الثورية نفسها سرعان ما تدفق ملايين المصريين رجالاً ونساء شيوخاً وشباباً إلى ميدان التحرير وتصاعدت هتافاتهم التى بلغت الذروة حين ارتفع الشعار الشهير «الشعب يريد إسقاط النظام»، والذى سرعان ما تحول إلى شعار ثورى رفعته الجماهير الثائرة فى كل البلاد التى غزتها موجات ثورات الربيع العربي.

إن ثورة الشباب فى 25 يناير وقبلها فى تونس كانت امتداداً لثورة الشباب العالمية التى اندلعت أول ما اندلعت فى ثورة الطلبة فى فرنسا عام 1968.

ويمكن القول إن ثورة الشباب فى 25 يناير وقبلها فى تونس كانت امتداداً لثورة الشباب العالمية التى اندلعت أول ما اندلعت فى ثورة الطلبة فى فرنسا عام 1968. وهذه الثورة التى بدأت شبابية خالصة فى شوارع الحى اللاتينى حيث توجد الجامعات الكبرى ومراكز الأبحاث، سرعان ما التحمت بها الطبقة العمالية، وهكذا تحولت فى لمح البصر إلى ثورة شعبية قامت ضد إرهاصات الرأسمالية المعولمة التى أرادت توجيه كل مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة التعليمية لتلبية حاجات السوق الاستهلاكى على حساب القيم الاجتماعية الأساسية التى تركز على المساواة والعدالة الاجتماعية واحترام الكرامة الإنسانية.

كنت فى القاهرة حين اندلعت ثورة 1968 فى باريس بعد عودتى من بعثتى العلمية فى فرنسا (1964-1967) وبالتالى لم يتح لى كباحث علمى اجتماعى أن أقوم بالملاحظة، وبالمشاركة لأحداث هذه الثورة الكبري. غير أننى دخلت واطلعت دقيقاً على البحوث الموثقة للثورة بحكم اهتمامى السابق بثورات الشباب التى أعددت عنها بحثاً شاركت فيه فى المؤتمر الدولى الذى انعقد فى بيروت فى أواخر السبعينيات عن «إسهام الشباب فى السياسة».

وقد تبين لى من البحث أن أجيال الشباب الجديدة فى مختلف قارات العالم تصدر عن نسق قيمى يختلف تماماً عن الأنساق القيمية السائدة فى مجتمعاتهم، والتى توجه سلوك الأجيال الأكبر سناً.

بعبارة أخرى «رؤية العالم» لدى الشباب تختلف اختلافاً جوهرياً عن رؤى العالم التقليدية السائدة، وأبرز ملامحها التمرد على القيم القديمة، والثورة على السلطة سواء كانت سلطة أبوية أم سلطة سياسية.

وإذا كان النظام السياسى الفرنسى بقيادة الرئيس «شارل ديجول» نجح فى إخماد الثورة» إلا أن لهيبها ظل مشتعلا أشبه بالنار تحت الرماد وتمثل ثورات قامت فعلاً فى عديد من بلاد أمريكا اللاتينية وآسيا وافريقيا والعالم العربي.

ومن هنا كان تقديرنا فى المركز العربى للبحوث التركيز على الدراسة المنهجية لرؤية شباب الباحثين لمستقبل مصر، وخصوصاً بعد ما قام الشعب المصرى بانقلابه الشعبى ضد حكم الإخوان المسلمين الديكتاتورى فى 30 يونيو، والذى ساندته بجسارة القوات المسلحة المصرية والتى هى درع الوطن وسيفه.

وقد اهتممنا بفئة شباب الباحثين على وجه الخصوص لأنهم بالذات يمتلكون ناصية المنهج العلمي، وبالتالى فالبحوث المتعددة التى سيسهمون بها فى المؤتمر لن تكون مجرد انطباعات عابرة، أو شعارات زاعقة من التى تمرست برفعها مجموعات الناشطين السياسيين المصريين بعد ثورة 25 يناير، والتى تعكس فى الواقع ضعفا فى التفكير السياسى وفقراً شديداً فيما يتعلق برؤاهم للمستقبل.

وقد فوجئنا فى المركز العربى للبحوث بعد دعوتنا شباب الباحثين للاشتراك فى المؤتمر بتدفق عشرات الأبحاث على أمانة المؤتمر.

فقد تقدم للاشتراك فى المؤتمر 75 باحثاً من 16 جامعة مصرية أغلبها من جامعات الصعيد فضلاً عن جامعة الأزهر، بالإضافة إلى 6 مراكز ومعاهد علمية منها مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ومركز دعم القرار والمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية والمعهد العالى للخدمة الاجتماعية ببنها ومعهد التجارة والعلوم الإدارية بأكاديمية القاهرة الجديدة.

وقد دارت أبحاث المؤتمر حول أربعة محاور أساسية هى محور السياسة الخارجية. ومحور السياسة الداخلية والمحور الاقتصادى ومحور الإرهاب وأخيراً المحور الثقافى والاجتماعي.

وقد حرص المؤتمر على اختيار شخصيات عامة لرئاسة جلسات المؤتمر وتكليف عدد من خبراء المركز العربى للبحوث والدراسات بالإضافة إلى بعض أساتذة الجامعات المرموقين للتعقيب على المناقشات.

فوجئنا بعد دعوتنا شباب الباحثين للاشتراك فى المؤتمر بتدفق عشرات الأبحاث على أمانة المؤتمر.

وقد تبين لنا من خلال الجلسات الرئيسية التى ألقيت فيها الأبحاث المتميزة فى كل محور، بالإضافة إلى ورش العمل المتعددة المتوازية التى أتيح فيها لكل باحث قدم بحثاً أن يعرضه وتتم مناقشته أن الحصيلة العلمية لكل هذه البحوث تمثل فى الواقع كنزا معرفياً ثميناً، ليس لأنها التزمت جميعاً بالمنهج العلمى فى تناول مختلف القضايا ولكن أهم من ذلك- لأنها تعكس رؤية جيل الباحثين الشباب لمستقبل مصر.

ولو تابعنا وسائل الإعلام المصرية المختلفة لوجدناها زاخرة بالانتقادات لمجمل الناشطين السياسيين على أساس أنهم بالرغم من قدراتهم على تحريك الشارع- إلا أنهم لا يمتلك أغلبهم رؤى مدروسة للمستقبل.

غير أن أعمال هذا المؤتمر ببحوثه ومناقشاته الأصيلة البالغة الأهمية والتى سنناقشها تباعاً فى سلسلة من المقالات القادمة نؤكد أن هذه الفئة من الشباب -وأقصد شباب الباحثين -لديهم بالفعل رؤى مدروسة عن مستقبل مصر مبنية على التشخيص الدقيق للمشكلات المصرية المتراكمة، وأهم من ذلك تقديمهم بدائل واقعية للسياسات المطبقة فى مختلف المجالات.

ولقد كان توقيت عقد المؤتمر موفقاً للغاية، لأنه تزامن مع قرب انعقاد الانتخابات البرلمانية والتى تمثل الخطوة الثالثة الحاسمة فى البناء السياسى لمصر بعد 30 يونيو، وذلك لأننا فرغنا بالفعل من صياغة دستور جديد تم الاستفتاء عليه وكانت نسبة الموافقة عالية للغاية، وكذلك انتهينا من الانتخابات الرئاسية التى فاز فيها الرئيس «عبد الفتاح السيسي» بمعدلات قياسية، وحانت لحظة الاستحقاق الثالث لخارطة الطريق وهى الانتخابات البرلمانية.

ويمكن القول أن المشهد السياسى فى مصر قبيل الانتخابات البرلمانية يسوده ضباب كثيف، نظراً للتعدد الشديد فى عدد الأحزاب السياسية المصرية (أكثر من ثمانين حزباً)، والتشرذم فى الائتلافات الثورية وأكثر من 300 ائتلاف، ومن هنا سادت المخاوف من أن البرلمان الجديد قد لا يعكس بالقدر الكافى أصوات جيل الشباب.

ولذلك دعا رئيس الجمهورية إلى ضرورة إقامة حوارات مع الشباب للتعرف على رؤية المستقبل. وقد ترجمنا هذه الدعوة بطريقة علمية خالصة تتمثل فى دعوة شباب الباحثين لتقديم رؤاهم للمستقبل، فى إطار من حرية التفكير وحرية التعبير الكاملة، والحرص الشديد على احترام حق الاختلاف.

هذا المؤتمر المهم يؤرخ لنقلة كيفية فى نشاط المركز العربى للبحوث والدراسات، وسنتبعه بندوات شهرية منتظمة مفتوحة للشباب من جميع الاتجاهات تحت عنوان «منتدى الحوار الديمقراطي».