المركز العربي للبحوث والدراسات : بين الثابت والمتغير: الدور المصري في أمن الخليج (1-3) (طباعة)
بين الثابت والمتغير: الدور المصري في أمن الخليج (1-3)
آخر تحديث: الأحد 29/12/2013 11:14 ص د.يسري العزباوي
لا يستطيع أحد أن ينكر أن قضية أمن الخليج تحولت منذ منتصف القرن الماضي إلى جزء أصيل من الأمن القومي المصري بلا مواربة. وقد أثبتت الأحداث الجسام التي مرت بها تلك المنطقة على مدار العقود السابقة، وما شهدته من صراع على غرار حربي الخليج الأولى والثانية، وغيرها من الأحداث، أن أحوال منطقة الخليج الأمنية والإستراتيجية تنعكس سلبًا وإيجابًا، ليس على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الداخلية فقط، وإنما على حالة الاستقرار في مصر خاصة، ومنطقة الشرق الأوسط عامة .

من الناحية الاقتصادية، فإن الاستثمارات الخليجية هي الأعلى في مصر عن نظيرتها الأوربية والأمريكية. وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 تطالب مصر بمزيد من هذه الاستثمارات؛ حتى يستطيع الاقتصاد المصري التعافي والاستمرار في النمو مرة أخرى. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول الخليج كانت تنمو بشكل مطرد من عام لآخر،‏ والمصالح الاقتصادية المتمثلة في العمالة والاستثمارات والتجارة والمشروعات المشتركة والسياحة في تزايد مستمر، ووفقًا لتقرير صادر عن صندوق النقد الدولي‏ لعام 2007، فإن التدفقات الاستثمارية الخليجية مثلت ‏25%‏ من إجمالي الاستثمارات في مصر، وذلك نتيجة طبيعية لتراكمات الفوائض المالية الضخمة لدى دول الخليج، سمح لها بزيادة استثماراتها في بعض الدول العربية‏، كما أن الأزمة المالية الاقتصادية منذ عام 2007، ولم تتعاف منها جميع اقتصاديات العالم، تؤكد أهمية الاستثمار في مصر التي كانت توفر مناخًا أكثر أمنًا واستقرارًا.‏

وعلى الجانب الجيوستراتيجي، يمكن القول إن لمصر سواحل بحرية، هي الأطول، مع المملكة العربية السعودية، الشقيقة الكبرى في دول مجلس التعاون الخليجي، ولهذه السواحل أبعادها الأمنية المتعلقة بالأمن القومي العربي‏،‏ وهنا يمكن التدليل على ذلك بأن المملكة العربية السعودية قد تنازلت -طواعية- عن جزيرة “,”صنافير“,” لمصر قبل عام ‏1952‏؛ وذلك حتى يمكن لمصر إعلان سيادتها الكاملة والمنفردة على خليج العقبة ومضيق تيران .

‏ والصلة وثيقة بين أمن الخليج من ناحية وأمن البحر الأحمر من ناحية ثانية وأمن قناة السويس من ناحية ثالثة.‏ بحكم هذه الصلة‏،‏ ذهب الجيش المصري إلى الكويت مرتين،‏ الأولى عام ‏1961‏، وهي سنة استقلال الكويت، ضمن القوة العربية التي ذهبت لدعم استقلال الكويت في مواجهة مزاعم الحكومة العراقية، بزعامة عبد الكريم قاسم، أن الكويت جزء من العراق. والثانية في عام ‏1991‏ في حرب تحرير الكويت‏،‏ وكانت القوات المصرية هي الثانية من حيث عدد الأفراد‏، وكان ذلك إدراكًا من مصر -على مدار تاريخها الحديث- أهمية مسألة أمن الخليج بالنسبة إليها .

من الأهمية القول إن هناك حالة شبه اتفاق بين عموم المصريين على أن مصادر تهديد منطقة الخليج العربي، الرسمية والشعبية، تأتي من خلال عدة أطراف دولية وإقليمية وداخلية. فعلى المستوى الدولي، تتصاعد المخاوف من أطماع الدول الكبرى الدولية من ابتلاع ثروات الخليج، بل وابتلاع الخليج العربي بأكمله؛ بحكم تمتعه بميزة إستراتيجية في موقعه تضاف إلى ثرواته محل الأطماع، وهو ما يبدو واضحًا في صور عدة، بدءًا من تهديد حدوده، وتهديد ثرواته وعلى رأسها البترول، وتعكير صفو أمنه وتكديره بإثارة القلاقل السياسية والمذهبية والإثنية؛ لخلق مبررات وهمية وحجج باطلة للتدخل في شئون دوله الداخلية، الأمر الذي يثير علامات استفهام عديدة حول كيفية مواجهة تلك الأطماع الخبيثة، في ظل الأهمية الإستراتيجية للخليج، ومدى إمكانية نجاح التصدي لها، خاصة في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة .

وعلى المستوى الإقليمي، كانت إيران -ولا تزال- مصدر تهديد لمنطقة الخليج العربي، بدءًا بإيران الصفوية، مرورًا بإيران الشاهنشاهية، وانتهاء بإيران الآيات. فجميع الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم إيران كان يراودها حلم السيطرة على منطقة ودول الخليج العربي. وتستغل في ذلك التقارب المذهبي مع الشيعة في بعض بلدان الخليج؛ لإحداث قلاقل واضطرابات داخلية لا تحمد عقباها. وبالإضافة إلى ذلك تحتل ثلاث جزر إماراتية حتى هذه اللحظات، ولا تريد أن تفتح باب التفاوض حولها. ويضاف إلى مصادر التهديد الإقليمية الكيان الإسرائيلي، الذي لا يخفي أطماعه في هذه المنطقة، والذي قام من قبل بضرب المفاعل النووي العراقي، كما ستكون منطقة الخليج في خطر حقيقي في حالة نشوب حرب بين إسرائيل وإيران أو توجيه ضربة عسكرية استباقية لتدمير البرنامج النووي الإيراني .

أما على المستوى الداخلي، فتمثل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المنطقة مصدر تهديد لا يقل عن المتغيرات السياسية والإقليمية والدولية، خاصة بعد تضخم الجاليات الشيعية والأجنبية في بعض دول الخليج. كما يأتي التطرف الديني والمذهبي، وهو الأمر الذي تعمل إيران علي تغذيته، وكلها سياسات تصب في جانب التفرقة والتفتيت، خاصة في ظل تديين السياسة والحياة العامة ومحاولات استغلال الدين وتفسيراته لأغراض سياسية .

الخليج في برامج الأحزاب السياسية: رؤية متغيرة

تعبر الأحزاب السياسية، التي وصل عددها الآن إلى 71 حزبًا، عن اتجاهات وتوجهات قطاع ليس بالقليل في المجتمع المصري، الذي سارع بعد ثورة 25 يناير بالانضمام إليها، والمشاركة في وضع برامجها ولوائحها الداخلية، وفي فاعلياتها على المستوى الداخلي أو الانتخابي، كما مارس عدد من أعضائها، طبقًا لوظائف الأحزاب المتعارف عليها في العلوم السياسية، تجنيد أعضاء جدد لهذه الأحزاب .

واللافت للنظر، اتفاق كل الأحزاب تقريبًا في برامجها الحزبية على ضروة انتهاج مصر سياسة خارجية مستقلة بعيدًا عن أية ضغوط خارجية، مع ضرورة استعادة دور ومكانة مصر الإقليمية والدولية التي أفقدها آيه النظام السابق. كما أنها نظرت إلى مسألة الأمن القومي المصري في الإطار الأشمل والأوسع، وهو المتعلق بالأمن القومي العربي، وبالطبع في داخله أمن الخليج .

وهنا نسعى للإجابة على تساؤل مهم: ما هي رؤية الأحزاب السياسية المصرية بعد 25 يناير لأمن الخليج؟ وما هي نظرتها إلى الأمن في الخليج، وكيف يتحقق؟

في الواقع، فإن حزب الكرامة –ناصري التوجه- هو الحزب الوحيد الذي تحدث، بشكل واضح وصريح ومباشر، عن أن الأمن القومي المصري يمتد إلى أمن الخليج، بحكم حقائق الجغرافيا والتاريخ، التي نسجت حلقات الربط بين الأمن الوطني المصري والأمن القومي العربي، فيرى الحزب أن مصر هي حلقة الوصل بين أقطار المشرق العربي وأقطار المغرب العربي، وهي حلقة الوصل بين آسيا وإفريقيا، وبين البحرين الأحمر والأبيض .

وموقع مصر مصدر ضعف لها إذا ما استكانت ووقعت فريسة للأطماع الأجنبية، وهو مصدر قوة لها إذا ما اتبعت سياسة قومية عربية نشيطة وإيجابية، ولا تستطيع مصر -كأي دولة- ضمان أمنها بدون قوة عسكرية كافية، ومجتمع متماسك، واقتصاد قادر متوازن. خطوط الدفاع عن مصر تبدأ شمالاً عند الحدود التركية، وشرقًا عند شواطئ الخليج، وجنوبًا عند أعالي النيل، وغربًا عند حافة المحيط الأطلنطي، وهو ما يوجب على مصر أن تقوم من أجل عودة دورها القيادي .

ومن جانبه يرى حزب الحرية والعدالة، الحاكم وذو المرجعية الإسلامية، بأن اﻷﻣ ﻦ اﻟﻘ ﻮ ﻣﻲ المصري ﻳﺒ ﺪ أ داﺋمًا من محيطها اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ واﻟﻌربي واﻹﺳﻼﻣﻲ، وﻻ ينتهي فقط ﻋﻨ ﺪ ﺣ ﺪ ودﻫﺎ. ويرى ﻛ ﺬ ﻟ ﻚ أن اﻟ ﻮ ﺣ ﺪ ة اﻟﻌ ﺮ ﺑﻴﺔ واﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣ ﻦ شروط اﻷﻣ ﻦ اﻟﻘ ﻮ ﻣﻲ، وﻣ ﻦ أﻫ ﻢ اﻷدوار اﻟ ﺮ ﻳﺎدﻳﺔ اﻟﺘﺎريخية اﻟﺴﻌي إﻟﻴﻬﺎ ﺑ ﻄﺮ ﻳﻘﺔ ﻣ ﺪ روﺳﺔ ﻣﺘ ﺪ رﺟﺔ وﻓﻘًﺎ ﻟﻺرادة الحرة ﻟﻠﺸﻌ ﻮ ب .

يتبع