المركز العربي للبحوث والدراسات : علاقة متقلبة وتحالف قلق: سيناريوهات التفاعل بين الإخوان وبين السلفيين (طباعة)
علاقة متقلبة وتحالف قلق: سيناريوهات التفاعل بين الإخوان وبين السلفيين
آخر تحديث: الأحد 29/12/2013 11:47 ص د. يسري العزباوي وهاني سليمان
أقل ما توصف به العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى “,”الحرية والعدالة“,” وبين الدعوة السلفية وحزب “,”النور“,”، هو أنها علاقة متشابكة ومعقدة تنتقل فى بعض الأحيان من حالة الشد والجذب إلى حالة الغموض التام. فتارة يحدث بينهما صراع شرس يحشد فيه كل طرف جميع أسلحته للنيل من الطرف الآخر، كما حدث فى الانتخابات البرلمانية 2012. وتارة ثانية، يحدث بينهما اختلاف لا يصل إلى درجة الصراع، ويكون لكل طرف فى هذه الحالة وجهة نظر مغايرة، وسرعان ما يتدخل مشايخ الدعوة وقيادات الجماعة لتقريب وجهات النظر وإنهاء حالة الصراع الناشئة، مثل حالة الاختلاف على بعض مواد الدستور أو تأييد النور لترشيح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فى الانتخابات الرئاسية. وتارة ثالثة، يكون هناك تنسيق واتفاق تام فى وجهات النظر والمواقف السياسية بينهما من منطلق “,”أنا وابن عمى على الغريب“,”!، وقد حدث ذلك فى جولات الإعادة فى الانتخابات البرلمانية (شعب وشورى) فى بعض الدوائر عامة وفى محافظتي القاهرة والجيزة على وجه التحديد، كما تم تنسيق كامل فى جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية وحشد الاثنان قواهما معا ليفوز الدكتور محمد مرسى بكرسي الرئاسة.

الإخوان والسلفيون بين الأيديولوجي وبين السياسي

شهدت مصر بعد ثورة 25 يناير- فى مفاجأة كانت متوقعة للكثيرين وحذر منها الرئيس السابق حسنى مبارك- صعودًا قويًا لتيارات للإسلام السياسي المختلفة، حيث حصل حزبا الحرية والعدالة والنور على أغلبية برلمانية مكنتهما من الإمساك بزمام الأمور. ولكن سرعان ما تصدر المشهد السياسي محطات وبؤر عديدة للتلاقي والصراع بين الحزبين. والسؤال الذ ي يطرح نفسه هنا: هل هناك اختلاف فكرى و أ يد يو لوج ي وسياسي ي بين السلفيين وبين الإخوان؟

أولاً، على المستوى الديني وال أ يد يو لوج ي ، يرى الأمام البنا، مؤسس الجماعة، أن الاختلاف بين الإخوان والسلفيين هو فى فرعيات الفرعيات وليس فى العقيدة أو الفكر الديني أو غيره، فهو اختلاف مكاني (اختلاف مقرّ ومركز)، أو اختلاف فى طبيعة الدور (هذا يبنى المسجد وهذا يعمره بالمصلين).

ويؤكد حسن البنا بوضوح على رؤيته لهوية الجماعة التي كان قد أنشأها فى العشرينيات، وهى “,”دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية“,”. ويبدو من هذا التعريف كيف أن سلفية الجماعة الإسلامية الأم فى مرحلة التأسيس كانت مختلفة عن ما هو متعارف عليه فى السلفية اليوم، من حيث إنها تضم كل المكونات الثقافية للمجتمع، دون أن تعنى حصرًا التمسك بقواعد ومعايير مستمدة فقط من عصر السلف الصالح بوصفها الفهم الصحيح للإسلام على نحو ما تذهب إليه السلفية الوهابية.

وهنا يمكن القول أنه على المستوى النظري لا يوجد فرق بين الإخوان وبين السلفيون فى الأساسيات، فالاشتراك فى المقصد والهدف وهو إرضاء الله وتعمير الأرض بالخير، وأما الاختلاف فهو فى طريقة الدعوة أو أسلوبها أو شيوخها، ويشترك الاثنان فى هدف واحد هو “,”تطبيق الشريعة“,” فى البلاد الإسلامية، هذا من ناحية؛ ومن ثم، فعند الحديث عن جماعة الإخوان نجد أنفسنا أمام حركة إسلامية سنية لكن بمنهج توفيقي يقترب من “,”الأشعرية“,” بل أن السلفيين الحاليين يتهمونها صراحة بأنها حركة أشعرية.

من ناحية ثانية، هناك تشابه فى المنهج الفكري للجماعتين إلى حد كبير، فضلا عن الأهداف والقواسم المشتركة ، حيث تستمد الحركة السلفية منطلقاتها الفكرية والعقدية من “,”المنهج السلفي“,” الذي هو منهج “,”أهل السنة والجماعة“,” الذي يقوم على أخذ الإسلام من أصوله المتمثلة في الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وهو نفس المنهج الذي تقوم عليه حركة الإخوان المسلمين.

من ناحية ثالثة، يرى كل طرف فى نفسه الممثل “,”الأفضل“,” ل لمرجعية الدينية، السلفي و ن بأصوليتهم وتمسكهم بأعمال السلف الصالح، أما الإخوان فترى فى نفسها الوسطية وي ؤ كدون على أنهم يمثلون التطور الصحي للفقه الإسلامي المعاصر، ويميلون للفقه المبنى على الاجتهاد والقياس بدون النقل الحرفي للتعاليم، وهم كذلك يتهمون السلفيين بالجمود وعدم القدرة على التكيف مع متغيرات الزمن والواقع وتوقف عقولهم وفقههم عند السنوات المائة الأولى بعد الهجرة.

ونافلة القول، يبقى الفارق بين الجماعتين في مدى الالتزام بهذا المنهج، والأخذ منه، فضلا عن مسألة استصحاب الدليل في كل شأن من شئون الحياة، ومدى الاهتمام بالعقيدة ومحاربة البدع، والتفاوت في الميل بين ثنائية الديني والسياسي، ورغم ذلك فإننا نجد نوع ا من اختلاف الأولويات (السياسية والمجتمعية والشرعية) لدى الجماعتين الإسلاميتين.

ثانيًا، على مستوى الواقع السياسي، يختلف الإخوان والسلفيون فى الكثير من الأمور منها على سبيل المثال: أسبقية نشأة كل جماعة، والتعامل مع الأنظمة الحاكمة، ومساندة الرئيس الجديد.

1) أسبقية النشأة وقوة التنظيم: يتعامل الإخوان مع السلفيين من منطلق عامل القوة؛ فالإخوان يرون أنهم “,”الجماعة الأم“,” التي على الإسلاميين أن يقبلوا بقيادتها ويسيروا في ركابها، مراعين تاريخها وخبراتها، بينما يرى التيار السلفي أنه تيار عريض في مصر وأكبر حجمًا من الإخوان، له رموز ضاربة هي الأخرى في تاريخ البلاد، ولديه من الخبرات ما يؤهله للمنافسة . وإذا كان بالإمكان اعتبار الإخوان المسلمين كتلة واحدة منظمة ومتماسكة في قرارها واختيارها وتحركها في الشارع استجابة للقرار الذي تصدره قيادات الجماعة، فمن المهم الإشارة إلى التنوع الحاصل داخل التيار السلفي، فبينما تشغل السلفية رقعة واسعة من المشهد الإسلامي العام في مصر إلا أنها تتوزع على عدد من الكيانات وليس كيانَا واحدَا.

2) الموقف من التعامل مع الأنظمة الحاكمة: فقد كانت هناك حالة من حالات الاختلاف المنهجي فى التعامل مع الأنظمة الحاكمة؛ مما تسبب فى حالة من حالات القطيعة وعدم التواصل بين الطرفين، حيث تربّت الجماعة السلفية وترعر ع ت فى كنف النظام السابق، ولم يكن لديهم تاريخ فى الصراع معه، وكان من أهم مبادئها ومعتقداتها الفكرية هو عدم الخروج على الحاكم، مما أوجد حالة تناغم وتنسيق بين الأنظمة السابقة وبين السلفيين. على العكس تمامًا من الإخوان المسلمين، فتاريخهم هو تاريخ للصدام المتبادل بينهم وبين الأنظمة .

3) الموقف من ممارسات الرئيس محمد مرسى وحكومته، حيث يختلف السلفيون الآن مع الرئيس مرسي فى بعض ممارساته، التي منها على سبيل المثال قيامه بمصافحة السيدات في زياراته الداخلية والخارجية، فى الوقت الذي قام فيه بعض شباب الإخوان بالتأكيد على أن “,”الضرورات تبيح المحظورات“,”، بالإضافة للموقف الإخواني الوسطي من الفن، ولقاء الرئيس بالفنانين في 6 أغسطس 2012، ورفضه لإهانة الفنانة إلهام شاهين من قبل أحد الدعاة. وقد وجد السلفيون فى هذا التصرف إخلالاً بتعهدات الجماعة لشركائها الذين ساندوا مرشح الإخوان فى معركة الرئاسة بنحو أكثر من 3 ملايين صوت . ويضاف إلى ذلك رفض حزب النور الاقتراض من صندوق النقد الدولي ، حيث أكد الحزب أن القرض “,”ربو ي “,”، وأن هناك بدائل كثيرة تغني عنه، لكن الحكومة تجاهلت بدائل الحزب، ومضت فى طريق الحصول على القرض، وذلك بالرغم من وقوف جماعة الإخوان المسلمين مع السلفيين قبل ذلك في معارضة قرض ياباني بقيمة 426 مليون دولار لتوسيع نظام مترو الأنفاق في القاهرة، واصفين القرض بأنه قائم على الفائدة الربوية، وبالتالي فهو ممنوع من قبل الإسلام، الأمر الذي يعد تناقضًا غريبًا في موقف الإخوان والحرية والعدالة، من وجهة نظر السلفيين.



الجماعة وأزمة حزب النور



منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير يعيش التيار السلفي حالة مخاض صعبة سواء على مستوى الفكري أو التنظيمي. وقد أدت التحولات التي شهدها التيار السلفي، خاصة على مستوى الممارسة والانتقال من السيولة إلى التأطير الحزبي والرسمي، إلى خلق مزيد من التنافس والصراع والتوتر داخل مكوناته. خاصة مع انتقال السلفية السياسية في مصر من حالة التوافق السياسي والأيديولوجي إلى الصراع والشقاق، وربما الانقسام. وفى هذا الإطار يمكن أن نفهم الأزمة التي تفجرت داخل أروقة حزب النور، وكادت أن تؤدى إلى تجميده من قِبَل لجنة شئون الأحزاب.

وبغض النظر عن أسباب الأزمة ونتائجها داخل حزب النور، فقد أشار البعض إلى إلى ضلوع قيادات داخل جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة بالوقوف خلف تفجير هذه الأزمة. وقد ساق هذا الفريق العديد من الحجج والمبررات وراء اتهام الجماعة، ومنها على سبيل المثال ما يلي:

أولاً: الصراع الشرس الذي شهدت ه الانتخابات البرلمانية الماضية ( الشعب والشورى ) ، بين الحرية والعدالة وتحالف النور. حيث استطاع حزب النور، أن يفوز على بعض المرشحين من قيادات الجماعة مثل حمدي حسن فى الإسكندرية، الذي كان يتولى رئيس الكتلة البرلمانية للجماعة فى برلمان ( 2005 – 2010) مما جعلته يتوارى إلى الخلف فى الفترة الأخيرة عن العمل السياسي.

ثانيًا: أدت الحملات الإعلامية الكبيرة والتشوهات التي تعرض لها التيار السلفي ، إلى تعاطف قطاع كبير من الشعب المصري مع هذا التيار. فالمعروف أن الشعب المصري يتأثر بشكل عكسي بالحملات الإعلامية، وهو ما كان يسهم في الكثير من النجاحات لجماعة الإخوان المسلمين إبان عهد مبارك. ومن ثم تكريس مخاوف الجماعة من السلفيين.

ثالثًا: تأييد حزب النور والتيار السلفي للمرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فى الجولة الأولى وليس المرشح الإخواني بعد الوصول إلى بعض التفاهمات والاتفاقيات بين رموز الدعوة السلفية والقيادي الإخواني خيرت الشاطر لتأييد الدكتور مرسى من الجولة الأولى، وهو ما لم يحدث آنذاك.

رابعًا: الأخطاء الفردية التي ارتكبها أعضاء حزب النور والتيار السلفي فى البرلمان، مثل واقعة الفعل الفاضح على الطريق العام للعضوين على ونيس وأنور البلكيمي ورفع الأذان داخل المجلس، وإضافة عبارة “,”بما لا يخالف شرع الله“,” فى القسم الخاص بالأعضاء، مما أوقع أعضاء وقيادات الجماعة فى حرج شديد فجعلهم جميعًا يتبارون للدفاع عن مثل هذه الأخطاء بالقول بأنهم ليسوا أعضاء حزب الحرية والعدالة.

خامسًا: والأهم، الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث أعلن حزب النور استعداده للمنافسة على جميع الدوائر الانتخابية. حيث أدت الانتخابات الماضية إلى مزيد من التخوف لدى الجماعة من التيار السلفي، خاصة وأن هذه الانتخابات حملت العديد من الدلالات وأوجه الاستفادة، كما حملت مفاجآت للعديد من القوى السياسية والاجتماعية، وعكست الأوزان الحقيقية لكل الأحزاب في الشارع المصري. فقد حصد تحالف النور فيها 127 مقعدًا، متفوقًا بذلك على جميع الأحزاب الأخرى مجتمعه، وكان الحديث آنذاك بأنهم جماعة غير منظمة سياسيًا، والحديث عن أسباب تنظيمية لفوز هذا التيار يعد نوعًا من المغالطة الكبيرة. لكن ما يميز السلفيين عن جماعة الإخوان المسلمين، أنه رغم وفرة التمويل لدى جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الوفورات المالية لدى السلفيين أكبر من تلك التي تمتلكها جماعة الإخوان المسلمين. فالسلفيون يمتلكون أرصده ضخمة، ولديهم تمويل خارجي كبير، يجعلهم قادرين على تعويض خسارتهم التنظيمية بهذا الرصيد المالي الكبير. هذا الأمر أكسب السلفيين قدرًا كبيرًا من المميزات التي ترجمت إلى أصوات إبان العملية الانتخابية، وهو ما يخشاه حزب الحرية والعدالة فى الانتخابات المقبلة بعد أن تم استنزاف الكثير من أموال الجماعة فى الانتخابات الرئاسية.

كانت تلك هي الأسباب التي ساقها الكثيرون، من وجهة نظرهم، لوقوف الحرية والعدالة وراء أزمة حزب النور.

وعلى الرغم من ذلك فقد انقسم موقف أعضاء وقيادات حزب النور من تدخل الإخوان فى شئون حزبهم إلى فريقين، الفريق الأول نفى تمامًا ضلوع أية أطراف خارجية فى الأزمة الداخلية خاصة الحرية والعدالة، ومن أنصار هذه الفريق مساعد رئيس الجمهورية ورئيس الحزب عماد عبد الغفور، مؤكدًا بأنها أزمة داخلية مرت بها جميع الأحزاب السياسية فى مصر من قبل.

أما الفريق الثاني، فقد أكد على ضرورة عدم التسرع فى إصدار الأحكام على تدخل الحرية والعدالة فى الشئون الداخلية لحزب النور، وفتح باب التحقيق لكشف المتسبب الحقيقي فى هذه الأزمة، مع ضرورة الاستعداد الجيد للانتخابات البرلمانية المقبلة وعملية وضع الدستور والاستفتاء عليه.

وعلى الجانب الآخر، نفت قيادات الحرية والعدالة وجماعة الإخوان أية علاقة لها بهذه الأزمة، وأكدت على أنها ترفض تمامًا التدخل فى شئون الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، وأن العلاقة مع حزب النور وقياداته هي علاقة تعاون وتنسيق فى الكثير من المواقف، وليس هناك صراع خفي بين الحزبين ولكن هناك من يريد أن يؤجج الفتنة بينهما، وأن تفجير حزب النور ليس فى مصلحة الإخوان، والعكس هو الصحيح، حيث إنَّ تفجير حزب النور يسيء إلى صورة الإخوان خاصة وإلى التيارات الإسلامية عامة ويجعل الصورة الذهنية لها أكثر سوءًا. وحقيقة، لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل استطاعت قيادات الحرية والعدالة الاستفادة من هذه الأزمة بتأجيل الانتخابات الداخلية لحزب الحرية والعدالة للاستعداد الجيد؛ وذلك لتلافى المشاكل والأخطاء التي وقع فيها حزب النور، وهو ما حدث بالفعل.

سيناريوهات العلاقة بين الإخوان وحزب النور

مما لاشك فيه أن هناك مجموعة من العوامل والاعتبارات السياسية التي سوف تتحكم فى أي سيناريو محتمل للعلاقة بين الإخوان المسلمين وحزب النور، وإذا شئنا الدقة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين السلفيين، منها على سبيل المثال، مدى نجاح التحالفات والاندماجات بين القوى المدنية بمكوناتها الثورية أو اليمينية أو نواب الحزب الوطني المنحل، والتي ربما ستعيد تشكيل الخريطة السياسية والانتخابية هذا من جانب. ومن جانب ثان طبيعة العلاقة بين رئيس الجمهورية وقيادات حزب النور، وهل هي تعاونية أو تشاركية أ و شكليه فقط، مما سينعكس على طبيعة العلاقة الحزبية بين الطرفين، خاصة وأن أحد مساعدي رئيس الجمهورية ينتمي لحزب النور، ورئيس الجمهورية نفسه، كان رئيسًا لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة.

والجدير بالقول، فإن هناك ثلاث ة سيناريوهات لمستقبل العلاقة بين الإخوان وبين السلفيين، تقع جميعها على خط مستقيم، كما يلي:

السيناريو الأول: التعاون والتنسيق التام: وهذا السيناريو هو الأكثر تفاؤلاً على الإطلاق؛ حيث تقوم فيه العلاقة بين الطرفين على التعاون فى جميع القضايا والمواقف، بد ءًا من معركة الاستفتاء على مسودة الدستور حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة، مرورًا بالدفاع عن السياسات والتوجهات التي يتخذها رئيس الجمهورية وحكومته، خاصة فى المسائل المتعلقة بالتوجهات الاقتصادية والاقتراض من صندوق النقد الدولي ودول خارجية أخرى، ومحاولات سن قوانين جديدة لمواجهة المطالب الفئوية والتي تزداد يوماً تلو الآخر. ويمكننا القول إن هذا السيناريو إذا تحقق ف إ نه سيكون نتاج تدخل قيادات ومشايخ الدعوة السلفية وجماعة الإخوان لتوحيد ما يسمى “,”الجهود الإسلامية“,” فى مواجهة التيارات المدنية، والتي تحاول هي الأخرى خلق توازن سياسي مع التيارات ذات المرجعية الإسلامية التي تسعى للانفراد بالمشهد السياسي بعد الثورة.

السيناريو الثاني: الصدام الذي سيؤدى إلى القطيعة والجفاء: وهو السيناريو الأكثر تشاؤمًا بين أنصار التيارات الدينية، وفى نفس الوقت هو ما يتمناه أنصار التيار المدني فى مصر. وربما تكون من مؤشرات هذا السيناريو: أولاً، إذا ثبت أو تم الكشف، مستقبلاً، عن تورط بعض قيادات الجماعة فى الأزمة الداخلية التي أصاب ت حزب النور، والتي كادت تؤدى إلى تجميده، وقامت على أثرها أيضًا مجموعة من الجبهة السلفية بتأسيس حزب جديد تحت اسم “,”حزب الشعب“,”. ثانيًا، محاولات الحزب ي ن التنافس على جميع مقاعد البرلمان المقبل؛ مما سيؤدى لا محال ة إلى صدام شرس بينهما، خاصة وأن الطرفين يتمتعان بنفس الأدوات الانتخابية من مال سياسي، وقوة فى التنظيم، واستخدام الدين فى العملية الانتخابية. ثالثًا، الدستور والاستفتاء عليه. فعلى الرغم من اشتراكهما فى الرغبة لتطبيق الشريعة، إلا أن حزب النور وجماعته السلفية تريد النص على ذلك صراحةً فى الدستور الجديد، وهو ما لا يلقى قبولاً لدى القوى المدنية وجماعة الإخوان التي تتحدث دومًا عن أن الدستور سيعبر عن واقع وطموح وتوافق بين القوى السياسية فى المجتمع. رابعًا، عدم رضا حزب النور عن تمثيله داخل المؤسسات المختلفة وأنها لا تعكس الأوزان الحقيقية للقوى السياسية، ومن ثم كان لا بد من تمثيل أكبر له داخل مؤسسة الرئاسة والحكومة والمحافظين.

السيناريو الثالث: تعاوني - تنافسي فى ذات الوقت: وذلك على وزن عدو عدوي صديقي، فهناك بعض القضايا والهموم المشترك ة التي ستؤدي حتمًا للتعاون والتنسيق بين الطرف ي ن، مثل تلك القضايا المتعلقة بوضع الشريعة في الدستور، والموقف من المرأة والأقباط. أما قضايا التنافس فربما تكون تلك المرتبطة بالعملية الانتخابية، خاصة بعد تطلع الكثير من قيادات النور وأعضائه للدخول فى حلبة المنافسة حيث الشهرة الإعلامية والأوضاع المالية والاجتماعية الأفضل.

وفى الختام، يمكننا القول إنَّ السيناريو الثالث هو الأقرب إلى الواقع والتحقيق، حيث لا يمكن التوقع، سياسيًا على الأقل، بأن يكون هناك صراع أو تعاون طوال الوقت بين الطرفين، فهذه مثالية سياسية لن تتحقق. وكما سبق القول، فإن هناك طرف ا ثالث ا (القوى الم د نية ومرشحوها) ست ل عب دومًا دورًا كبيرًا فى جعل هذه العلاقة تعاونية أو صراعية؛ إذ ربما يتحالف الإخوان أو السلفيون فى بعض الأحيان مع القوى المدنية فى المستقبل.