المركز العربي للبحوث والدراسات : مواقف متناقضة: علاقة الاتحاد الأوربي بمصر بعد 30 يونيو (طباعة)
مواقف متناقضة: علاقة الاتحاد الأوربي بمصر بعد 30 يونيو
آخر تحديث: السبت 25/10/2014 10:41 ص إبراهيم منشاوي
مواقف متناقضة:  علاقة

تعد علاقات مصر مع الاتحاد الأوربي إحدى أهم دوائر السياسة الخارجية الرامية إلى تحقيق المصالح الوطنية والإقليمية، فالاتحاد الأوربي هو الشريك التجاري الثاني لمصر، ومصدر مهم للاستثمار الأجنبي في المجالات المختلفة، وبعد 30 يونيو تشكلت علاقات مصر الدولية مع الاتحاد الأوربي، سواء على مستوى الاتحاد ذاته أو على مستوى العلاقات الثنائية، في ضوء الموقف الأوربي من ثورة 30 يونيو، وفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وقضية حقوق الإنسان في مصر.

جاء موقف الاتحاد الأوربي من ثورة 30 يونيو متذبذبًا تجاه ما حدث

أولا: موقف الاتحاد الأوربي من ثورة 30 يونيو  

   موقف الاتحاد الأوربي من ثورة 30 يونيو لم يختلف كثيرًا عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، حيث جاء موقفه متذبذبًا تجاه ما حدث، فلم يصف الاتحاد الأوربي على غرار الولايات المتحدة الأمريكية ما حدث في مصر على أنه انقلاب عسكري، وإنما جاءت التصريحات من كاثرين آشتون المنسقة العليا لسياسات الاتحاد الأوربي الخارجية في أول تعليق لها، مطالبة بسرعة عودة السلطة لحكومة مدنية منتخبة، ووضع جدول زمني لخارطة الطريق التي اقترحها وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي آنذاك، على نحو يضمن وجود برلمان منتخب، كما حثت جميع الأطراف على العودة إلى الديمقراطية وضرورة احترام الحقوق الأساسية والحريات وسيادة القانون، كما أكدت على دعم الاتحاد الأوربي لتطلعات الشعب المصري نحو الديمقراطية والحكم الرشيد، مطالبة بسرعة وقف أعمال العنف. وفيما يخص المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوربي لمصر، أعلن مايكل مان، المتحدث باسم كاثرين آشتون، على "أنه ليس من المقرر التراجع عن أي مساعدات يقدمها الاتحاد الأوربي لمصر، ولكن قد يكون هذا الأمر وارد الحدوث مستقبلاً"، وقد أكدت أشتون على ذلك مرارًا وتكرارًا من خلال زياراتها المتكررة إلى مصر بعد 30 يونيو، والتي التقت فيها بالمسئولين المصريين وممثلين عن القوى السياسية المختلفة، مما دفع المراقبين إلى اعتبار تلك الزيارات بمثابة استكشاف للأوضاع في مصر.

   أما بالنسبة لدول الاتحاد الأوربي، نجد أن موقف بريطانيا من خارطة الطريق التي أعلنها الفريق السيسي بدا مرتبكًا، فعلى المستوى الرسمي، تحدث ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني ووليام هيج وزير الخارجية، عن أن لندن لن تدعم أي تدخل سياسي للجيش، وأكدا أن ما تحتاجه مصر حاليًا هو بدء العملية الديمقراطية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، واتخاذ إجراءات اقتصادية سريعة. وقد حذرت وزارة الخارجية البريطانية مواطنيها في 8 يوليو 2013 من السفر إلى مصر بسبب التوتر السياسي الذي تشهده البلاد. كما وجه وزير خارجية كل من النرويج والسويد انتقادًا للموقف الأوربي مما يجري في مصر، حيث عد وزير خارجية السويد أن ذلك إغلاق لباب الديمقراطية في الدول العربية، وطالب الاتحاد الأوربي بأن يدافع عن الديمقراطية في مصر كما دافع عنها الاتحاد الإفريقي حين علق عضوية مصر في المنظمة.

    وقد أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أنه من الضروري إيجاد حل وسط للأزمة السياسية في القاهرة وتنظيم انتخابات شفافة مفتوحة أمام الجميع في أقرب الآجال، كما أدانت وزارة الخارجية الفرنسية جميع أعمال العنف التي تشهدها القاهرة، داعية كل الأطراف بالتحلي بضبط النفس وضرورة الحوار وصون الوحدة الوطنية.

   وفي ألمانيا؛ اعتبر وزير الخارجية الألماني أن الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية في عزل مرسي يعد نكسة للديمقراطية، ولكن لم يصف الأمر على أنه انقلاب، وترى ألمانيا ضرورة أن تشمل العملية السياسية في مصر كل القوى السياسية، بما في ذلك القوى الإسلامية، وعدم العمل على عزلها سياسيًا، كما أعرب الرئيس الألماني خواكيم جاوك عن قلقه إزاء تطورات الأوضاع في مصر مؤكدًا على ضرورة تبني المعايير الديمقراطية في العملية السياسية، كما طالب وزير الخارجية الألماني جيدو فيستر فيله، بضرورة إنهاء إجراءات تقييد الحريات والعودة إلى الدستور والحفاظ على الديمقراطية ونبذ العنف والتحلي بضبط النفس.

أكد وليام هيج أن بريطانيا تشارك بشكل وثيق في جهود دبلوماسية مكثفة تهدف إلى التوصل إلى حل سلمي لهذا المأزق

ثانيا: فض اعتصامي رابعة والنهضة

     كان موقف الاتحاد الأوربي من فض اعتصامي رابعة والنهضة متوازنًا، حيث أشار إلى أن "أنباء سقوط القتلى تثير قلقًا بالغًا، وأن العنف لن يؤدي إلى حل"، مطالبًا بضبط النفس، كما طالبت كاترين آشتون بضرورة إنهاء حالة الطوارئ "بأسرع ما يمكن"، وعقب فض الاعتصام بأسبوع أعلن الاتحاد الأوربي تعليق ترخيص تصدير الأسلحة التي قد تستخدم في القمع الداخلي في مصر، وقد طلبت بريطانيا وفرنسا وأستراليا بضرورة انعقاد مجلس الأمن لمناقشة الأوضاع المصرية.

    كما استدعت الخارجية البريطانية السفير المصري لديها وطالبت بضبط النفس، ودعا وزير الخارجية البريطاني وليام هيج في بيان له، قيادات كل الأطراف بالعمل لخفض احتمال وقوع أعمال عنف من خلال الحوار وضبط النفس، كما أكد على أن بريطانيا تشارك بشكل وثيق في جهود دبلوماسية مكثفة تهدف إلى التوصل إلى حل سلمي لهذا المأزق. وأعلن هيج في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية بعدها بأيام وقف التعاون الأمني مع الجانب المصري وإلغاء عدد من اتفاقيات السلاح المبرمة بين الطرفين، وهو ما أثار موجة غضب داخليا واعتبار القرار البريطاني تابعًا لنظيره الأمريكي بعد إلغائها المناورات العسكرية.

وكان الموقف الإيطالي والفرنسي والألماني متشابهاً مع الموقف البريطاني، حيث قامت تلك الدول باستدعاء سفراء مصر لديها، معربين عن قلقهم بشأن الأحداث في مصر وإلى ضرورة ضبط النفس والحاجة إلى الحوار للخروج من الأزمة الحالية.

ثالثا: قضية حقوق الإنسان في مصر

   أصدر الاتحاد الأوربي بيانًا، تتناول فيه الأوضاع الداخلية في مصر بالسلب أمام الدورة الـ 27 لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بجنيف في سبتمبر 2014، ما أدى إلى استياء الرأي العام والدولة المصرية من التناقض في الموقف وتدخل الاتحاد الأوربي في الشأن المصري.

   وقد أعرب الاتحاد الأوربي في بيانه عن شعوره بالقلق إزاء تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر بما في ذلك "الاعتقال العشوائي للمعارضة السياسية والنشطاء"، مطالبًا السلطات المصرية "بصيانة حرية التعبير والتجمع والاحتجاج السلمي"، وتراجع حرية التعبير وتجريم التظاهرات والتجمعات والاحتجاجات السلمية في مصر. وندد الاتحاد الأوربي بتدهور مناخ الصحافة، وقال إن الصحفيين يعملون في بيئة عمل غير آمنة وطالب بضمان أمن جميع الصحفيين ووضع حد للاعتقالات المُسيّسة، ووقف عمليات الترهيب والتحريض ضد الصحفيين المحليين والأجانب. كما أعرب البيان عن استيائه لغياب العملية السياسية الشاملة، بالإضافة لنقص محاولات التغلب على الاستقطاب داخل المجتمع وإغلاق المساحة السياسية للآراء المعارضة قبل وأثناء الاستفتاء، وطالب بإنفاذ الخطوات المتبقية من خارطة الطريق وخاصة إنهاء تشكيل الدوائر الانتخابية وميثاق الشرف الإعلامي وتمكين الشباب من المشاركة في العملية السياسية وإنشاء لجنة عليا للمصالحة الوطنية.

    هذا البيان قد أثار السلطات المصرية، وقامت وزارة الخارجية المصرية باستدعاء سفراء الاتحاد الأوربي لدى القاهرة، وأبلغتهم رفضها الكامل للبيان الأوربي أمام مجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف، والذي تناول بالسلب الأوضاع في مصر، وأعربت الخارجية عن "استهجانها" من الموقف الأوربي تجاه أوضاعها الداخلية، وقالت إن صدور بيان الاتحاد الأوربي بالتزامن مع تصاعد العمليات الإرهابية في مصر "يفتقر للكياسة" ويثير تساؤلات حول موقف الاتحاد من الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب .واعتبر بيان الخارجية المصرية أن بيان الاتحاد الأوربي "تجاهل كل الإيضاحات والمواد التي تمت موافاة الجانب الأوربي بها حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر، كما تجاهل التزايد الملحوظ في أعداد الشهداء من قوات الجيش والشرطة". كما أكد بيان الخارجية المصرية على أن مندوب مصر الدائم في جنيف، أكد على أن البيان الأوروبي اعتمد على اتهامات مزيفة ومعلومات مغلوطة جاءت من أطراف بعينها، بل وعدم وعي بالنظامين السياسي والقانوني في مصر.

    وبالتالي فقد أدى بيان الاتحاد الأوربي إلى توتر العلاقات المصرية الأوربية، ولكن من الملاحظ في الفترة الأخيرة، وبالأخص بعد خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حدوث تقارب في وجهات النظر بين دول الاتحاد الأوربي ومصر، وذلك من خلال اللقاءات الثنائية التي عقدها الرئيس المصري مع نظرائه الأوربيين، حيث التقى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الفرنسي فرانسو أولاند، وقد بحثوا عددًا من القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل قضية مكافحة الإرهاب والأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وجهود الوساطة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

* مدرس العلوم السياسية المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة.