المركز العربي للبحوث والدراسات : الخيار التفاوضي: قضية سد النهضة والأمن المائي المصري (طباعة)
الخيار التفاوضي: قضية سد النهضة والأمن المائي المصري
آخر تحديث: الأحد 12/10/2014 11:52 ص إبراهيم منشاوي*
الخيار التفاوضي:

لم يكن خبر بناء سد النهضة مفاجئاً للمتابعين للملف المائي في مصر، وذلك نتيجة طبيعية لتدهور الدور المصري على الساحة الإفريقية في العقود الثلاثة الأخيرة.ونظراً لخطورة هذا السد فقد تم تشكيل لجنة ثلاثية لتقييمه وتحديد مدى تأثيره على حصة مصر والسودان من مياه النيل جراء بناء هذا السد. وشكلت هذه اللجنة من خبيرين من إثيوبيا، وخبيرين من السودان، وخبيرين من مصر، بالإضافة إلى أربعة خبراء دوليين في مجالات هندسة السدود وتخطيط الموارد المائية، والأعمال الهيدرولوجية، والبيئة، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للسدود من ألمانيا وفرنسا وجنوب إفريقيا. وقد صدر تقرير هذه اللجنة واحتوى التقرير على 4 تحفظات تتعلق بسلامة السد والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية على الفئات الفقيرة في مناطق إنشاء السد، وكذلك تحفظات تتعلق بتأثيره على الموارد المائية لدولتي المصب وقلة تدفق المياه إليهما، وهذه أمور تحتاج  إلى مزيد من الدراسات التفصيلية من جانب الحكومة الإثيوبية؛ لمنع الآثار السلبية للسد. ولكن إثيوبيا لم تلقى بالاً لتقرير اللجنة وشرعت في تكملة إعمال التشييد والبناء مما وتر العلاقات بين البلدين.

وقد زاد الأمر تعقيداً إذاعة حوار الرئيس السابق محمد مرسي مع الأحزاب بشأن مناقشة الأزمة على الهواء مباشرة، وهو ما يمثل كارثة محققة لأزمة مياه النيل وللموقف المصري. فقد أدى هذا المؤتمر إلى توتر العلاقات وزيادة العداء مع دول حوض النيل، بل وكسبت إثيوبيا المعركة لصالحها بعض الشيء؛ من خلال حصولها على المزيد من التأييد لبناء هذا السد؛ إذ أعلن الأمين العام للحركة الشعبية في جنوب السودان (الحزب الحاكم) –باقان آموم– عن عزم بلاده الانضمام إلى الاتفاقية الإطارية لتقسيم مياه النيل –اتفاقية عنتيبي– مؤكدًا دعم بلاده لبناء سد النهضة الإثيوبي.

     ويرى الكثير من الخبراء أن إنشاء سد النهضة سيؤدي إلى مجموعة من الآثار السلبية على مصر والسودان، وذلك بفقدان مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وانخفاض كهرباء السد العالي وخزان أسوان وقناطر إسنا ونجع حمادي، وتوقف العديد من محطات مياه الشرب الموجودة على نهر النيل، وتوقف الكثير من الصناعات، فضلًا عن تأثر محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز وتعتمد على التبريد من مياه النيل، وتدهور نوعية المياه في الترع والمصارف، وتداخل مياه البحر في المنطقة الشمالية. بالإضافة إلى عجز مصر عن الوفاء باحتياجاتها من المياه، ومن ثم تأثيره الاجتماعي البالغ على ملايين الأسر من الفلاحين، ويمكن تفصيل ذلك في النقاط التالية:

1- الآثار الكارثية الناجمة عن احتمالية انهيار السد: حيث تشير مصادر مصرية مطلعة إلى أن إصرار الجانب الإثيوبي على المضي في بناء مشروع سد الألفية بالمواصفات الحالية سيقود حتماً إلى نتائج خطيرة تمس الأمن القومي لكل من السودان ومصر. وتؤكد هذه المعلومات والدراسات المتوفرة لدي جهات مصرية عدم قدرة السد علي تحمل ضغط المياه الضخمة التي سوف تحتجز خلفه، والتي تصل إلى نحو 74 مليار متر مكعب من المياه، كما أنه مشيد من الأسمنت، ومن ثم فقد ينهار في أية وقت، وعندها ستحدث الكارثة، حيث سيغرق شمال السودان وجنوب مصر ويحدث تشريد لملايين الأسر الذين سوف يتم تدمير منازلهم وزراعاتهم. وتشير الدراسات أن انهيار السد لن يمثل خطراً على إثيوبيا؛ لأنه سيبنى على أطراف حدودها مع السودان، ولكن أضراره ستلحق السودان ومصر، فمن المتوقع أن تغرق الخرطوم بكاملها، بينما ستغرق مساحات شاسعة من أسوان إلى الجيزة.
2- 
تأثير السد على حصة مصر والسودان من المياه: حيث يؤكد الدكتور ضياء الدين القوصي، خبير المياه الدولي، "أن بناء إثيوبيا لسد النهضة وحده سيؤدي إلى نقص حصة مصر من المياه بنسبة 9 إلى 12 مليار متر مكعب في العام، أما إذا قررت إثيوبيا بناء حزمة السدود كاملة فإن ذلك سيؤدي لنقص ما لا يقل عن 15 مليار متر مكعب من المياه سنويّاً". ومن ثم سيتسبب ذلك في بوار من4 إلى5 مليون فدان، وتشريد من 5 إلى 6 مليون فلاح، وقد ينجم عن ذلك مجاعات ومشكلات اجتماعية يستحيل السيطرة عليها.كل ذلك في ظل ما يتوقعه الخبراء من أنه بحلول عام 2050م ستحتاج مصر إلى 21 مليار متر مكعب فوق حصتها الحالية لسد احتياجات سكانها الذي يتوقع أن يصل إلى 150 مليون نسمة من المياه.
د. ضياء الدين القوصي: "أن بناء إثيوبيا لسد النهضة وحده سيؤدي إلى نقص حصة مصر من المياه بنسبة 9 إلى 12 مليار متر مكعب في العام
3- تحمل مصر تكلفة باهظة لتحلية المياه: حيث يرى الدكتور ضياء الدين القوصي، خبير المياه، أن مصر ستتكلف سنويّاً نحو 50 مليار جنيه لتحلية مياه البحر لتعويض النقص الذي سيسببه سد النهضة بأثيوبيا في حصة مصر من مياه النيل، خصوصاً وأن تحلية المتر الواحد من مياه البحر تتكلف 5 جنيهات، مما يعني أن مصر ستتحمل 50 مليار جنيه سنويّاً، أي ما يعادل 12% من ميزانيتها، لتغطية الاحتياجات المائية للبلاد، ناهيك عما تعانيه مصر حالياً من أزمة اقتصادية شديدة.
4- إشعال الصراعات والتوترات السياسية في المنطقة: فمن ضمن أضرار إنشاء هذا السد، أن من شأنه إحداث توتر سياسي بين مصر والسودان وإثيوبيا، لأن المشروع يشكل تهديدًا وخصماً من الحصة المائية الواردة لمصر والسودان، فيقلل منها بصورة واضحة، ومن ثم فمن المحتمل أن تدخل المنطقة كلها في حروب وصراعات مسلحة.

    وقد اتخذت مصر الخيار التفاوضي بعد ثورة 30 يونيو، نظراً لأن أزمة سد النهضة تشكل تهديداً خطيراً ليس فقط للأمن المائي المصري، بل للأمن القومي على وجه الشمول، لما سينتج عنه من أخطار كارثية، لذلك يعتبر ملف مياه حوض النيل من أخطر الملفات وأهمها للدبلوماسية المصرية، إذ توجد بعض الآراء التي تؤكد أن الحروب والصراعات القادمة ستكون صراعات حول المياه. وقد استمر نهج مصر التفاوضي مستندًا إلى مجموعة من الثوابت الحاكمة والتي تنم عن رغبة في توسيع أطر التعاون وتكامل الأهداف مع التعبير في نفس الوقت عن المخاوف بشأن التأثيرات السلبية للسد على الأمن المائي،

    وقد شكلت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لغينيا الاستوائية لحضور القمة الأفريقية في مالابو، مرحلة جديدة فتحت باب التفاوض مرة أخري حول الأزمة، حيث التقى السيسي على هامش أعمال القمة الإفريقية برئيس الوزراء الأثيوبي هيلي ماريام، وتطرقت مباحثاتهما إلى الأزمة، حيث أكد الجانبان على محورية نهر النيل كمورد أساسي لحياة الشعب المصري، وهو ما انعكس في البيان الختامي والذي ركز على:

§        احترام مبادئ الحوار والتعاون كأساس لتحقيق المكاسب المشتركة وتجنب الإضرارببعضهم البعض.

§        أولوية إقامة مشروعات إقليمية لتنمية الموارد المالية لسد الطلب المتزايد على المياه ومواجهة نقص المياه .

§        احترام مبادئ القانون الدولي .

§        الاستئناف الفوري لعمل اللجنة الثلاثية حول سد النهضة بهدف تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية واحترام نتائج الدراسات المزمع إجراؤها خلال مختلف مراحل مشروع السد.

§        تلتزم الحكومة الإثيوبية بتجنب أي ضرر محتمل من سد النهضة على استخدامات مصر من المياه.

§        تلتزم الحكومة المصرية بالحوار البناء مع إثيوبيا, والذي يأخذ احتياجاتها التنموية وتطلعات شعب إثيوبيا بعين الاعتبار .

§        الدولتان تلتزمان بالعمل فيإطار اللجنة الثلاثية بحسن النية وفى إطار التوافق

    ومن هنا فقد حيث جاءت جولة المفاوضات الرابعة في الخرطوم في أغسطس 2014 بعد ثمانية أشهر من الانقطاع، والتي تم خلالها الاتفاق على آلية لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية بشأن سد النهضة، ووقع الجانبان على البيان الختامي برعاية سودانية، والذي نص على تشكيل لجنة خبراء رباعية من الدول الثلاث، بجانب الاستعانة بشركة استشارية دولية لإجراء الدراستين الإضافيتين للسد، وأقر البيان على اختيار خبراء دوليين لحسم أي خلاف قد يظهر إبان النتائج النهائية في فترة أقصاها أسبوعين. كما أنه في إطار الجهود المصرية قام وزير الخارجية المصري سامح شكري بزيارة لإثيوبيا في 4 سبتمبر 2014، وأكد على أن مبدأ الكل رابح، هو المبدأ الحاكم لمفاوضات السد، كما أعقب هذه الزيارة، زيارة أخرى لوزير الموارد المائية والري، الدكتور حسام مغازي، في 21 سبتمبر في إطار عملية بناء الثقة مع الجانب الأثيوبي.

اتخذت مصر الخيار التفاوضي بعد ثورة 30 يونيو، نظراً لأن أزمة سد النهضة تشكل تهديداً خطيراً ليس فقط للأمن المائي المصري، بل للأمن القومي على وجه الشمول

    وقد رمت الجهود الدبلوماسية والتفاوضية المصرية إلى تحقيق تقدم ملموس في هذه القضية الهامة، ويمكن القول أن هناك عدداً من المؤشرات تدل على حدوث انفراجة في أزمة السد حسب تصريحات وزير الموارد المائية والري المصري. وتعتبر أزمة سد النهضة من المعضلات الحقيقية أمام صانع القرار المصري، لأنها تتعلق بأهم الموارد على الإطلاق التي تعيش عليها مصر، لذلك فإن تحقيق تقدم حقيقي في هذا الاتجاه يصب بالدرجة الأولى في صالح الدبلوماسية المصرية، ويعزز من الحضور المصري في القارة الأفريقية، لذلك يجب على الدولة المصرية التحرك على كافة المجالات لحل تلك الأزمة في إطار إعادة الدور المصري في إفريقيا، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، والاهتمام بالدائرة الإفريقية، والكف عن التصريحات الاستعلائية، ومحاولة مصر سد الفراغ، واستعادة العلاقات مع دول حوض النيل كافة؛ من خلال تحقيق مزيد من التعاون في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والرياضية والتنموية، وتشجيع الاستثمارات في دول القارة، وخاصة دول حوض النيل، فضلاً عن التعاون في المجال التعليمي، وتبادل البعثات الطلابية؛ مما سيقرب الشعوب من بعضها البعض، وهو ما سيكون له مردود على المدى البعيد.


*مدرس العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة.