المركز العربي للبحوث والدراسات : ورقة عمل مقترحة للسياسة الثقافية لمصر (1- 2) (طباعة)
ورقة عمل مقترحة للسياسة الثقافية لمصر (1- 2)
آخر تحديث: الأحد 10/08/2014 11:36 ص
السيد يسين السيد يسين
ورقة عمل مقترحة للسياسة

أسس علمية:

أعتمد فى ورقة العمل المطروحة للنقاش على خبرات نظرية وعملية فى مجال تقييم السياسات الثقافية، أبرزها المشروع البحثى الكبير الذى وضعت خطته وأشرفت على تنفيذه فى المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية عام 1992 وما تلاه. وقد خرج من هذا المشروع ثلاثة كتب أساسية هى:

- رؤى العالم (1993) بإشراف الدكتور "أحمد أبو زيد".

- تخصيص الوقت (1998) بإشراف "السيد يسين"  وإعداد "د. ليلى عبد الجواد" والدكتور "علاء مصطفى".

- المناخ الثقافى (2000) إشراف وتحرير "السيد يسين" ومشاركة  "محمد هاشم" و "إبراهيم غانم" و"فؤاد السيد".

 مفهوم الثقافة :

ينبغى منذ البداية التحديد الدقيق لمفهوم الثقافة كما هو معروف فى العلم الاجتماعى المعاصر. نحن نتبنى التعريف الموسع للثقافة الذى يزاوج بين محاور ثلاثة رئيسية:

- الثقافة كمرادف لكل ما هو إنسانى، بمعنى أن الثقافة هى ذلك الكل المركب الذى يضم أنماط السلوك المشترك السائد فى مجتمع ما بشقيها المادى والمعنوى مع التركيز على الجوانب اللامادية.

- الثقافة بالمعنى الإبداعى النخبوى الذى يركز على طبيعة الإنتاج الرفيع المقدم من نخبة من المبدعين.

- الثقافة بالمعنى الذى يربط بينها وبين القيمة التى يضفيها الإنسان على حياته فيكسبها معنى ودلالة، بمعنى التركيز على نوعية الحياة، فالثقافة بهذا المعنى تشير إلى رؤية الإنسان للعالم، ونوع الأساليب التى يتبعها لكى يكسب حياته معنى ويحقق آماله وتطلعاته.

 مفهوم السياسة الثقافية:

 السياسة الثقافية هى "توجهات الدولة الإيديولوجية، معبراً عنها فى مجمل القرارات والتدابير والبرامج والأنشطة والأفعال – بما فى ذلك الامتناع عن الفعل- التى توجه إلى الجوانب الثقافية اللا مادية فى المجتمع: المعتقدات، الفكر، الرأى، الفن، الأدب، القيم، العادات، التقاليد، الذوق العام، القدرات الإنسانية وبخاصة القدرة الإبداعية، القدرة على التذوق الفنى، القدرة على التفكير العلمى بهدف تحقيق أهداف وغايات تتفق وتوجهات الدولة الأيديولوجية".

وتبنى الورقة لهذا التعريف معناه أن السياسة الثقافية التى ستتم دراستها تمتد لتشمل السياسة الثقافية لوزارة الثقافة وغيرها من الوزارات والهيئات كوزارة التعليم ووزارة الشباب ووزارة الأوقاف.

السلطوية ليست مجرد نظام سياسى استبدادى، ولكنها أيضاً ثقافة تغلغلت فى نسيج المجتمع

تقويم السياسة الثقافية:

فى تقويم السياسة الثقافية لابد لنا أن نعتمد على على المعايير التى اتفق عليها جمهرة الباحثين فى مجال تقويم السياسات العامة، وعلى تطويعها لتتفق مع خصوصية المجتمع المبحوث. والواقع أن موضوع تقويم السياسات العامة، ومعايير هذا التقويم، من الموضوعات الخلافية فى العلم الاجتماعى، وهناك تصميمات منهجية متعددة تطبق فى هذا المجال ولا يتسع المجال لعرضها.

 دوائر ثلاث:

 فى تقديرنا أن التحرك بإيجابية لوضع سياسة ثقافية جديدة يقتضى التحرك فى دوائر ثلاث:

الدائرة الأولى: تقييم السياسة الثقافية الراهنة فى ضوء مؤشرات كمية وكيفية.

الدائرة الثانية: القيام بمجموعة من البحوث الاجتماعية الثقافية الأساسية وخصوصاً ما تعلق منها بمسوح اجتماعية فى دوائر الأميين والفئات الفقيرة والمهمشة وفى العشوائيات لاكتشاف المواهب الدفينة لمن يصلحون موجهين ثقافيين شعبيين.

الدائرة الثالثة: التخطيط لسياسة ثقافية جديدة محورها «التنمية الثقافية القاعدية» وفقاً لتحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية التى سادت المجتمع بعد ثورة 25 يناير ووفقاً لموجهات أساسية فى ضوئها يتم وضع البرامج الثقافية المختلفة.

 

  وفى ورقة العمل المقترحة نعرض الملامح الأساسية للمجتمع المصرى بعد ثورة 25 يناير، ثم نقدم عرضاً موجزاً للأوضاع الاجتماعية والثقافية الراهنة، وبعد ذلك ندخل فى صميم الموضوع بالتركيز على التنمية الثقافية الجماهيرية باعتبارها الفلسفة التى تقوم عليها السياسة الثقافية المقترحة، وبعد ذلك نركز على الأهداف الأساسية للسياسة الثقافية، وأخيراً نقدم مقترحات محددة بمجموعة برامج ثقافية أساسية يدرس فيما بعد طرق تنفيذها.

 

أولاً: قراءة تحليلية لخريطة المجتمع المصرى بعد ثورة 25 يناير

ليس هناك شك فى أن ثورة 25 يناير قد غيرت بشكل جذرى المجتمع السياسى السلطوى الذى ساد طوال عهد الرئيس السابق «مبارك»، وحولته إلى مجتمع ثورى بكل ما فى الكلمة من معانٍ ودلالات.

والمجتمع السلطوى قام على أساس احتكار السلطة عن طريق انفراد الحزب الوطنى الديمقراطى بالهيمنة على مجمل الفضاء السياسى، عن طريق شبكات الفساد وممارسة التزوير المنهجى لكل الانتخابات برلمانية كانت أو رئاسية.

ولا نقول إن ثورة 25 يناير قد محت بجرة قلم كل ملامح المجتمع السلطوى، لأن السلطوية ليست مجرد نظام سياسى استبدادى، ولكنها أيضاً ثقافة تغلغلت فى نسيج المجتمع، وتسببت فى الخوف الشديد من السلطة والخنوع الجمعى، وأسست للوعى الزائف الذى مؤداه أن الجماهير تعجز عن مقاومة الاستبداد، وأنها لا تستطيع اتخاذ المبادرة فى المعارضة الجذرية لتغيير سياسات النظام المنحرفة، أو فى الانتفاضة الثورية لقلب النظام.

جاءت الثورة فغيرت عديداً من هذه الملامح، لأنها أسقطت النظام بالفعل فى فترة قياسية، وأجبرت الرئيس السابق على التنحى، وأبرزت الطاقة الثورية الهائلة الكامنة لدى جموع الشعب، وأكثر من ذلك أثبتت أن الجماهير فى ميدان التحرير وغيره من الساحات الثورية، يمكن أن تمارس الضغط الثورى على السلطة الممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو فى الوزارة، لكى تدفعها دفعاً لاتخاذ قرارات معينة أو لتعديل قرارات اتخذت وثبت خطؤها.

والسؤال الذى تنبغى إثارته الآن، ما هى الملامح الأساسية لهذا المجتمع الثورى المصرى الجديد الذى خلقته ثورة 25 يناير؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال المحورى لابد لى أن أشير إلى أننا نعيش فى عصر ما بعد الحداثة.

وأهم سماته سقوط السرديات الكبرى أو الأنساق الفكرية المغلقة التى كانت تأخذ عادة شكل الإيديولوجيات المصمتة كالماركسية المتطرفة أو الرأسمالية الجامحة. كما سقطت أيضاً أوهام الحقائق المطلقة، أو المواقف الفكرية الثابتة التى لا تتغير حتى لو انقلبت الأحوال، وبرزت ظواهر جديدة غير مسبوقة تحتاج إلى إطار نظرى جديد يحاول الغوض إلى أعماق المشكلات فى عصر لابد فيه من الاعتماد على الأنساق الفكرية المفتوحة، التى تستطيع أن تؤلف تأليفاً خلاقاً بين متغيرات متعارضة، كان يظن أنه لا يمكن الجمع بينها فى مؤلف فكرى أو سياسى واحد، كالتأليف بين العلمانية والدين، أو بين الاشتراكية والرأسمالية، أو بين الحرية والعدالة الاجتماعية.

والكاتب المنهجى وهو يخوض فى غمار العواصف السياسية والاجتماعية والسلوكية التى أحدثتها ثورة 25 يناير يحاول أن يستخدم فى استراتيجية الكتابة تكتيكات مختلفة، كالتقدم والتراجع، والدفاع عن موقف محدد ثم العدول عنه، أو تبنى رأى ما وتغييره فى فترة قصيرة، لأنه ثبت من خلال الممارسة خطؤه. وبالتالى الحكم على الكاتب أنه متناقض نتيجة قراءة سطحية غير متتبعة لمقالاته فى مجموعها يعد إدانة لا محل لها، وليست لها أى قيمة معرفية.

ولذلك أدركت أنه من الضرورى أن أرسم الملامح الأساسية للخريطة المعرفية للمجتمع الثورى المصرى كما قرأتها، نتيجة مشاركة فعالة فى المراقبة المنهجية لأحداث ثورة 25 يناير وتحولاتها.

أن دور المثقف التقليدى الذى ساد طوال القرن العشرين قد سقط لحساب دور جديد ناشئ لمن يطلق عليه «الناشط السياسى»

وأول ملامح هذا المجتمع الثورى المصرى الوليد، أن دور المثقف التقليدى الذى ساد طوال القرن العشرين والذى كان يقوم على أساس تبنى رؤية نقدية لأحوال المجتمع والاهتمام بالشأن العام من خلال تبنى إيديولوجيات متعددة، قد سقط لحساب دور جديد ناشئ لمن يطلق عليه «الناشط السياسى».

وهذا الناشط السياسى نجده ممثلاً فى كل الأعمار، وليس من الضرورى أن يصدر عن إيديولوجية محددة. ولكن ما يميزه حقاً قدرته الفائقة على تحريك الشارع فى اتجاه معارضة السلطة، سواء فى ذلك السلطة السلطوية السابقة أو السلطة الحالية فى مرحلة الانتقال. ومما يميزه أن تحريك الشارع يتخذ – بحكم الثورة الاتصالية الكبرى- أشكالاً مستحدثة غير مسبوقة، مثل الاستخدام الفعال لشبكة الانترنت بما فيها من أدوات «الفيس بوك» و«التويتر»، بالإضافة إلى الأشكال التقليدية مثل رفع وعى الجماهير من خلال رفع شعارات ثورية صارخة، تدفعهم دفعاً إلى الخروج إلى الشوارع فى مظاهرات كبرى، أو اعتصامات مفتوحة، أو وقفات احتجاجية.

والملمح الثانى من ملامح المجتمع الثورى هو ظهور فئة «الحشود الجماهيرية الهائلة» التى حلت محل فئة الجماهير التقليدية التى كان يمكن أن تخرج إلى الشارع للمعارضة فى صورة مظاهرة لا يتعدى عدد أعضائها المئات، مما يسهل مهمة قوات الأمن فى تفريقها. غير أن الحشود الجماهيرية حين يصل أعداد المشاركين فيها إلى مئات الآلاف أو إلى الملايين فى بعض الأحيان، فمعنى ذلك عجز أى قوة أمنية عن تفريقها أو وقف انتشارها.

غير أن أخطر ما فى ظهور الحشود الجماهيرية كفاعل أساسى ليس فى كثرة الأعداد فقط، ولكن فى أن سيكولوجية الحشد تتسم بسمات أساسية، أبرزها الاندفاع الذى لا حدود له، وتجاوز كل الحدود، والتطرف فى رفع الشعارات التى يصوغها عدد من المحترفين الثوريين، والارتفاع بسقف المطالب أحياناً لدرجة تجعل من المستحيل تحقيقها فى وقت قصير، أو التناقض الشديد فى المطالب، كل ذلك مع تشرذم الآراء السياسية، وبروز الانقسامات الخطيرة مثل تحول المجتمع إلى معسكرين معسكر الليبراليين واليساريين ومعسكر الإسلاميين، سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو السلفيين.

والملمح الثالث من ملامح الخريطة المعرفية للمجتمع المصرى بعد الثورة هو بروز التناقض بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية.

الشرعية الثورية ظاهرة معروفة فى كل الثورات، وتعنى أن من قاموا بالثورة من حقهم أن يسقطوا الشرعية القانونية القديمة التى تأسست فى عصر السلطوية المستبدة، ويتخذوا من الإجراءات الجذرية ما يدفع للتغيير الثورى حتى لو كان ذلك مضاداً للقانون السائد.

أما الشرعية الديمقراطية فهى التى تقوم على أساس إجراء انتخابات نزيهة وشفافة تعكس القوى السياسية الناجحة التى ستكون فى تعاونها مع قوات سياسية أخرى معارضة المعبرة حقاً عن الإرادة الشعبية.

وأبلغ مثال لهذه الشرعية الديمقراطية هى انتخابات المجالس النيابية والانتخابات الرئاسية التى أقبلت عليها جماهير الشعب بالملايين، مما يدل على انتصارها للشرعية الديمقراطية على حساب الشرعية الثورية التى يزعم بعض شباب الثوار أن ميدان التحرير ومظاهراته هى المعبرة عنها، حتى لو خالفت الشرعية الديمقراطية!

والملمح الرابع من ملامح المجتمع الثورى هو إصرار الجماهير على المشاركة الفعالة فى اتخاذ القرار، من أول المستوى المركزى حتى أدنى مستويات المستوى المحلى، ليس ذلك فقط ولكن الرقابة الفعالة على تنفيذ القرار.

يبقى هذا الملمح مطمحاً من مطامح ثوار 25 يناير ولكن لم يتح له أن يتمأسس فى شكل مؤسسات سياسية جديدة مستحدثة حتى الآن.

هذه هى الملامح الأساسية للخريطة المعرفية للمجتمع الثورى المصرى.

 

40% معدل الأمية بين السكان، 26 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر، 16 مليون مواطن يقطنون فى العشوائيات

ثانياً: الأوضاع الاجتماعية والثقافية السائدة

الأوضاع الاجتماعية:

1- نحتاج لرصد هذه الأوضاع الاعتماد على المؤشرات الكمية المتنوعة التى صاغها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء وفقاً للبيانات المتنوعة التى يجمعها. وأهمها على الإطلاق عدد السكان وتوزيعهم على مختلف المحافظات من الحضر والريف وميزانية الأسرة وتطوراتها إلى غير ذلك من البيانات الاجتماعية الأساسية.

ودراسة وتحليل هذه المؤشرات بالغة الأهمية لأنها فى تقديرى تكون البنية التحتية لأى سياسة ثقافية رشيدة.

يكفى للتدليل على ذلك تأمل المؤشرات الكمية التالية: 40% معدل الأمية بين السكان، 26 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر، 16 مليون مواطن يقطنون فى العشوائيات. وغنى عن البيان أن هذه المؤشرات تشير بوضوح إلى الأسباب العميقة لتدنى الوعى الاجتماعى والثقافى مما سمح للتيارات الدينية المتطرفة -سواء فى ذلك تيار الإخوان المسلمين أو التيارات السلفية -أن تغزو عقول هؤلاء المواطنين والتى تؤدى إلى نشأة ظواهر التعصب الدينى والتطرف والتى تعد هى الأسباب الكامنة وراء الإرهاب.

2- وإذا كانت «المؤشرات الكمية» بالغة الأهمية فى دراسة الأوضاع الاجتماعية فليست «المؤشرات الكيفية» بأقل أهمية، وفى مقدمتها مقاييس جودة الحياة quality of life التى أصبحت فى العلم الاجتماعى المعاصر المقاييس الموضوعية لقياس مدى نجاح برامج التنمية المختلفة.

3- ومما لا شك فيه أنه ينبغى الالتفات- فى مجال دراسة وتحليل الأوضاع الاجتماعية – إلى الفجوة الطبقية الكبرى بين سكان «المنتجعات» الذين يمارسون أساليب للحياة تقوم على الاستهلاك التفاخرى وسكان «العشوائيات» الذى يعيشون حياة لا تليق بالآدميين، وانعكاس ذلك كله على السلوك الاجتماعى بأنماطه المختلفة.

4- ولابد من دراسة ظاهرة الاستهلاك وتطوراتها فى المجتمع، وذلك لأن الطبقات الاجتماعية العليا تمارس أسلوباً تفاخرياً فى الاستهلاك، سرعان ما انتقل -كما تنقل العدوى- إلى الطبقة المتوسطة والطبقات الفقيرة مما أثر على الميزانيات المحددة لهذه الطبقات وأثقلتها بمطالب استهلاكية على حساب إشباع الحاجات الضرورية ومن بينها الحاجات الثقافية.

ويكفى أن نشير إلى أنه منذ سنوات قدر إجمالى ما ينفق على التليفون المحمول فى السنة الواحدة بستة عشر مليار جنيه.

ومن المؤكد أن هذا الرقم قد زاد فى عام 2014. وقد لاحظ علماء الاجتماع أن أسرا متعددة متوسطة أو فقيرة يمتلك أعضاؤها أربعة أو خمسة تليفونات محمولة، مما يشير إلى خطورة ظاهرة التقليد الاجتماعى.

وقد قامت عالمة الاجتماع الدكتورة «منى أباظة» بتأليف كتاب بالغ الأهمية عن أنماط الاستهلاك فى المجتمع المصرى وقارنت بين الستينيات والتسعينيات مقارنة ملفتة للنظر.

الأوضاع الثقافية:

1- أبرز هذه الأوضاع التى استفحلت فى الفترة الأخيرة هى شيوع الاتجاهات الدينية المتخلفة والمتطرفة ابتداء بإيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية -بالرغم من خوائها الفكرى وقصورها السياسى المخزى- وانتهاء بالتيارات السلفية المعادية للحداثة بكل صورها السياسية والاجتماعية والفنية.

ويمكن القول إن شيوع الآراء الدينية المتطرفة إعلان جهير عن فشل المجتمع بسياساته المختلفة بما فيها السياسة الثقافية فى مواجهة مشكلة رسوخ «العقل التقليدى» فى تربة الثقافة المصرية، والذى أدى إلى صياغة «عقول مغلقة» لا تصلح للتعامل الفعال مع المجتمع المعاصر ولا فى أجواء العولمة العالمية».

ولذلك لابد من الحفر المعرفى لتحديد جذور تكوين هذا «العقل التقليدى»، والتى تتمثل فى ازدواجية التعليم بين تعليم دينى يقوم على النقل ولا يقوم على العقل، وتعليم مدنى ينهض على أساس قشور من المعرفة العلمية، تصاغ من خلال عملية «تلقين» ميكانيكية مما يؤدى إلى خلق «عقل إتباعى» لا يتسم بالإبداع.

وقد ثبت علمياً أن «العقل التقليدى» هو المقدمة الضرورية لنشأة «العقل الإرهابى» الذى يمكن أن يؤدى بصاحبه إلى الهلاك، وخصوصاً فى صورة تفجير الإرهابى لنفسه ومصرعه الحتمى، مما يكشف عن خطورة تغلغل الأفكار المتطرفة والتكفيرية فى عقول الناس.

2- وإذا تركنا جانباً أخطر الأوضاع الثقافية السائدة فنحن نواجه بظاهرة تحتاج إلى الدراسة وهى انصراف أجيال الشباب عن القراءة التقليدية، ونعنى قراءة الكتب.

وهم يظنون – من خلال مناقشتى مع عديد منهم- أنهم يقرأون ما يشاءون على شبكة الإنترنت. غير أن ذلك فهم سطحى لعملية التكوين الفكرى الأساسية للعقل النقدى، والذى لا يمكن أن يتكون إلا بالقراءة التقليدية المتعمقة. وهؤلاء الشباب يظنون وهما أنهم يستطيعون الحصول من الشبكة على أى معلومة. غير أنهم لا يعرفون قانوناً معرفياً أساسياً وهو «أن المعلومات لا تكون بذاتها معرفة»!

لأن المعرفة تتطلب عقلاً تحليلياً ونقدياً قادراً على تقييم المعلومات والمفاضلة بين الآراء المتنوعة.

ملحوظة: نستكمل غدا الحلقة الثانية، كما يمكن أن ترسل التعليقات على البريد الإلكترونى (eyassin@ahram.org.eg)