المركز العربي للبحوث والدراسات : ملامح تاريخية: في ذكرى ثورة 30 يونيو (طباعة)
ملامح تاريخية: في ذكرى ثورة 30 يونيو
آخر تحديث: الثلاثاء 15/07/2014 02:59 م د.شريف درويش اللبّان
ملامح تاريخية: في

في 30 يونيو أطلق الشعب ثورة جديدة لتصحيح مسار 25 يناير , ودوّت في جميع ميادين القاهرة والمحافظات هتافات موحدة لملايين المتظاهرين تطالب بإسقاط نظام محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة؛ ففي ميدان التحرير "أيقونة الثورة المصرية", كان المشهد منذ ساعات الصباح الأولى ليوم 30 يونيو حاشدًا ومهيبًا , إذ اكتظت جنباته بالمتظاهرين الذين لم تمنعهم حرارة الشمس الحارقة أو الزحام الخانق عن البقاء ثابتين في أماكنهم لترديد هتافات : "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل" و"يسقط يسقط حكم المرشد". الميادين الكبرى بالقاهرة والجيزة كانت بمثابة رحم لثورة العاصمة, حيث خرجت منها مسيرات تقدمها ناشطون وسياسيون بارزون, لكنها سرعان ما ذابت بين أبناء الشعب, وكذلك رجال الشرطة الذين انضموا لهم واحتضنوا هتافاتهم , لتشهد ثورة 30 يونيو شعارًا جديدًا وهو "الشعب والشرطة إيد واحدة".

وتتحول المسيرات إلى كتلة بشرية هائلة مثل كرة الثلج التي يزداد حجمها كلما تدحرجت من فوق الجبل, ثم صبت بشكل حضاري - دون عنف أو ابتذال- مخزونها الثوري في ميدان التحرير ثم قصر الاتحادية. وفي المحافظات, لم يكن المشهد بعيدًا عن حالة الغليان الثوري, إذ لم تقتصر على المظاهرات الحاشدة المنددة بالنظام والمطالبة بإسقاطه, بل تخطى الأمر إلى حد فرض العصيان المدني, حيث تمكن المتظاهرون في الدقهلية وكفر الشيخ والمنوفية والشرقية والقليوبية من حصار مباني المحافظات والمباني الحكومية وإغلاقها بالجنازير وطرد محافظي الإخوان حتى يسقط النظام. واللافت للنظر أكثر في المشهد الثوري خارج العاصمة هو؛ رفض كثير من محافظات الصعيد – التي لم تشارك في ثورة يناير- تهديدات حلفاء مرسي وخرجوا إلى الشوارع والميادين للمطالبة بإسقاط النظام.

ومساء الثالث من يوليو, وبعد انتهاء المهلة الثانية التي منحتها القوات المسلحة للرئيس محمد مرسي, انحازت القوات المسلحة إلى الشعب, وأعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسي  وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة مساء الثالث من يوليو خارطة المستقبل التي تم الاتفاق عليها مع عدد من الرموز الدينية والوطنية والشبابية, والتي تضمنت تعطيل العمل بالدستور وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة المرحلة الانتقالية، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية وكذلك لجنة للتعديلات الدستورية وأخرى للمصالحة الوطنية.

وعقب انتهاء بيان القوات المسلحة، الذي تلاه الفريق أول عبد الفتاح السيسي – كلمة السر في نجاح ثورة المصريين على الإخوان – عمّت فرحة عارمة في ميادين مصر كلها وهتف المتظاهرون للسيسي والقوات المسلحة التي انحازت لثورة الشعب المصري, والتي طالما أكدت – من خلال مواقفها - أنها جيش الشعب وقوته الضاربة ضد أعدائه في الداخل والخارج.

وفي رأينا أن ثورة 30 يونيو كانت ثورة شعبية بامتياز عبرت عن الغالبية العظمى من الشعب المصري، عدا من ينتمون إلى تيار الاسلام السياسي والقلة القليلة المتعاطفة معهم، والتي تآكلت بعد عام واحد من حكم الجماعة المتهافت على السلطة والذي كاد يودي بالبلاد والعباد. وإذا كنا نتحدث في ثورة 25 ينايـــر عــن " الديمقراطية على شبكة الإنترنت " Online Democracy , والتي مكنت الشباب من المشاركة السياسية والدعوة إلى ثورة يناير بعيدًا عن الأدوات الإعلامية للدولة, فإن ثورة 30 يونيو تستدعي ما يمكن أن نُطلق عليه " الديمقراطية المباشرة " Direct Democracy التي كانت تُمارس في روما القديمة, حيث كان الشعب يعبر عن رأيه بشكل مباشر في كثير من شئون الدولة قبل ظهور صناديق الانتخابات بعد ذلك بقرون كآلية بديلة عن الديمقراطية المباشرة, فالديمقراطية المباشرة إذن هي الأصل, ولعل المُنصف يرى أن من خرجوا ضد مرسي وجماعته في 30 يونيو يزيدون على ضعف من أعطوه صوتهم في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية, إلا أن الاخوان اختزلوا الديمقراطية في الصندوق الذي تصوروا أنهم يحتفظون فيه بأصوات الناخبين التي لا تتغير وفقا لسياساتهم الخرقاء, ولم يدركوا أن هذه الأصوات تركت الصندوق وتجسدت أمامهم لحمًا ودمًا وثورةً تطالب بسقوطهم.

حملات تشويه تمرد و30 يونيو

كما تعرض ثوار 25 يناير لحملات تشويه إعلامي, فإن ثورة 30 يونيو والداعين لها من حركة تمرد لم يسلموا من حملات التشويه, حيث ذكر موقع إخواني أن موقعًا ألمانيًا قد كشف عن دور رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس في الحملات المناهضة للرئيس المصري, وأكد موقع شبيجل أونلاين الألماني، أن الملياردير ساويرس دعم هذه الحملات وفي مقدمتها "حركة تمرد"، وأضاف الموقع أن ساويرس لم يقم بأي مشاريع تنموية في مصر خلال حكم مرسي بشكل متعمّد, وما يؤكد تصريحات الموقع اعترافات ساويرس لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أنه كان يدعم حركة تمرد في سعيها لإسقاط الرئيس الشرعي د. محمد مرسي, وأضاف ساويرس للصحيفة، أنه قدم الدعاية الإعلامية لـ "تمرد" من خلال قنواته الفضائية، كما دعم الحركة صحفيًا من خلال "أكبر صحيفة مستقلة في مصر والتي يملك حصة كبيرة فيها" بحسب تعبير الصحيفة الأمريكية، كما أنه تكفل بإنتاج الأغاني والفيديوهات الداعمة لتمرد والتي كانت تذيعها قناته الفضائية بشكل مستمر, وقال ساويرس: "تمرد نفسها لم تكن تعلم أني أنا الذي أدعمها". وكأن الموقع الإخواني يريد أن يقول؛ إن حركة تمرد يدعمها مسيحي, فهي حركة كافرة, وفقًا لخطابهم الطائفي, رغم أنه ليس هناك أي حرج على قيام ساويرس أو غيره بدعم شباب الثورة لأنهم في الأساس مصريون, ولماذا لم يمنع الإخوان المسيحيين من المشاركة في ثورة يناير اذا كان الأمر كذلك.

كما وصف المهندس عاصم عبدالماجد، القيادي بالجماعة الإسلامية والمنسق العام لحركة "تجرد" الداعين إلى مظاهرات 30 يونيو بأنهم "بلطجية وفلول مدعومون من قوى خارجية"، وهو يحتكم إلى الصندوق الانتخابي قائلا: "لو تراجع الشعب عن انتخابه لمرسي، فعليه أن ينتظر انتهاء فترة رئاسته، ثم يقيله بالصندوق الانتخابي". وأضاف عبد الماجد، أنه لا يعترف بما تجمعه حركة "تمرد" من توقيعات لعزل الرئيس، قائلًا: إنهم "كاذبون" لأنهم يعلنون عن أرقام توقيعات غير صحيحة، على حد قوله, فيما رأى أن حركة "تجرد" أقوى، لأن معها تفويضًا شعبيًا، وهو صندوق الانتخابات وعدد الأصوات التي انتخبت الدكتور مرسي رئيسًا للجمهورية، ومعهم أيضا توكيلات من الشعب تقدر بالملايين، حسب قوله. وتوقع المهندس عاصم عبد الماجد القيادي بالجماعة الإسلامية والمنسق العام لحركة "تجرد"، أن تفشل مظاهرات 30 يونيو وتفشل حركة "تمرد" ومؤيدوها للحشد لها، وفي المقابل، فهو يثق بقدرة "تجرد" على الحشد تأييدًا للرئيس.

وصف المهندس عاصم عبدالماجد، القيادي بالجماعة الإسلامية والمنسق العام لحركة "تجرد" الداعين إلى مظاهرات 30 يونيو بأنهم "بلطجية وفلول مدعومون من قوى خارجية

كما انتشرت شائعات كثيرة تناولت محمود بدر مؤسس حركة "تمرد", فقد انتشر فيديو على محيطٍ واسعٍ وعريضٍ على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى "الفيس بوك" و"تويتر" يظهر فيه قبل عزل الدكتور محمد مرسى وهو "يذم" فى حكومة المملكة العربية السعودية ويهاجم حاكمها آل سعود ويحذره من أن "أيدي الثوار سوف تطوله" على حد وصفه, وبعد عزل الدكتور محمد مرسى أطل علينا محمود بدر، مؤسس حركة تمرد، بفيديوهات وهو يمدح فيها المملكة العربية السعودية، بل ويهاجم نظام الإخوان فى أنهم كانوا لا يتعاملون معهم. واتهم أحد المواقع الموالية للإخوان محمود بدر بتلقي أموالٍ من السعودية.

كما اتهم بعض الموالين للإخوان حركة "تمرد" بالعنف وحرق مقرات الإخوان وإثارة القلاقل أمام الفنادق الكبرى بكورنيش النيل، كما نظر إليها البعض باستخفافٍ شديد, فقد ذكر القذافي عبد الرازق، المسئول التنفيذي لحركة "تجرد"، إن حركة ''تجرد'' حركة شعبية سلمية ولا تسعى للعنف، وحينما سُئل عن أسباب وجود الحركة يوم 30 يونيو في نفس أماكن حركة ''تمرد'' أجاب: ''نحن لن نبدأ بالعنف وأتحمل المسئولية عن كل الناس التي ستشارك معي ونسعى للنهضة، وأي حد سيبدأ بالعنف سيكون خائنًا ونقطع عنه الجنسية المصرية". وأضاف عبد الرازق في مداخلة هاتفية لبرنامج ''من جديد'' المذاع على فضائية ''أون تي في'' ''تمرد سترفع الكارت الأحمر، وتجرد هاترفع الكارت الأخضر، ونقف مع بعض نتصور صورًا تذكارية لو هو بيقول سلمية ومش عايز عنف، وهو التحرير حكر على أحد؟ ما ينزل معانا الشارع وكل واحد يعبر عن رأيه''، مضيفًا ''تمرد على مين وتمرد على الشرعية التي اختارها الشعب". وطالب عبد الرازق بالحفاظ على الشرعية الخاصة بالرئيس محمد مرسي، وعدم إدخال مصر نحو الفوضى متهمًا حركة ''تمرد'' بإشعال مقراتهم لبدء الفوضى فهم الذين حرقـوا الفنـادق.

كما ادعت  حركة "مؤيد" الإخوانية  في بيان لها ما سمّته بفضيحة حركة "تمرد"، حيث أكدت أن ناشطًا وقّع  على استمارة الكترونية باسم مرسي بأرقام غير صحيحة, وأشارت إلى أن أحد نشطاء الفيس بوك  كشف  زيف الأرقام التي ادعت حركة " تمرد" أنها تجاوزت المليوني صوت، وأوضحت أنه قام بإدخال بيانات عدة مرات عبر الاستمارة الإلكترونية باسم الرئيس محمد مرسي وأرقام بطاقة وبريد إلكتروني وعنوان غير صحيحين، ورغم ذلك تم قبوله والتأكيد عليه بالنزول يوم 30/6 , واستنكر الناشط بحسب فيديو قام بتسجيله، أن يكون هذا هو طريق التعامل مع عقول المصريين لصناعة معارضة مزيفة للرئيس المنتخب.

في المقابل, ذكر القيادى الصوفي مصطفى زايد، منسق الائتلاف العام للصوفية، أن حركة "تمرد" أزعجت الإخوان ودبت فى قلوبهم الرعب من استجابة الشعب المصري لهذه الحركة. وأضاف زايد، أن هذا يفضح كذب الإخوان الذين يقولون إن الشعب يؤيد كل قرارتهم، ولذلك قامت جماعة الإخوان بعمل حملة مضادة وسمّتها حركة "مؤيد" ولم تلقَ صدًى لها إلا من الجماعة والموالين لها، فلم يكن أمام الجماعة إلا أن تثبت أن لها شعبية حتى ولو بالتزوير، ولهم فى ذلك سوابق كثيرة شاهدناها فى مراحل الانتخابات السابقة, حيث إنهم ذهبوا إلى مكاتب التموين وحصلوا على أرقام بطاقات الرقم القومي, ومما يسهِل على الإخوان عملية تزوير توقيعات حملة "مؤيد"، أنهم تحت أيديهم كل شيء يساعدهم فى ذلك من الأحوال المدنية وسجلات الانتخابات السابقة، والتي فيها الرقم القومي للمنتخبين. وأضاف أن هذا  يثبت أن الإخوان مكروهون في الشارع المصري، ولذلك نتحدى أيًا من أفراد هذه الحملة أن ينزل كما ينزل أفراد حملة تمرد إلى الشارع وأخذ توقيعات من عامة الشعب.

الميليشيات الإلكترونية للإخوان   

ولا شك أن العمليات الممنهجة للتشويه الاعلامي ونشر الشائعات كانت تقف خلفها قوًى محددةً تقوم بدورها المرسوم على أكمل وجه, وتتمثل هذه القوى في الميليشيات الإلكترونية لجماعة الإخوان المسلمين, والتي كانت تتلقى التمويل والتدريب والتعليمات من جماعة الإخوان, وذلك على النحو الذي كشفه مصطفى زكريا صحفي صحيفة "الصباح" الذي أجرى تحقيقا استقصائيًا مميزًا اخترق به ميليشيات الإخوان الإلكترونية.       

وتمثلت التعليمات في الحرب على النشطاء الليبراليين – على سبيل المثال - ما يلي:

- تصيّد الأخطاء والبحث عما إذا كان هناك تناقض بين التصريحات الجديدة والسابقة.

- اقتطاع أجزاء من الأحاديث بحيث تكون خارجة عن سياقها العام، والتركيز عليها بما يظهر هذه الشخصيات مُدانة أمام الرأى العام.

-  الاهتمام بدرجة قصوى، بأي كلام يتعلق بحقوق الأقليات الدينية، وطرحه في سياق أنه "ضد الإسلام".

- لا بأس من "تحريف الترجمة" لأن هذه حرب بين "المشروع الإسلامي" وأعــداء الإسـلام مـن "الليبراليين الكفرة".     

وكان العاملون بهذه "اللجان الإلكترونية" يخضعون لعدد من الدورات المتقدمة في «الفوتوشوب» وخصوصا  "تركيب الصور" وبعبارة أدق "التزوير", وأيضًا دورة على كيفية اختراق حسابات المعارضين "الهاكرز"، على صفحات التواصل الاجتماعي، وذلك في إطار الحرب بين الكفر والإيمان، وأن الجماعة تحارب القوم الضالين بسلاحهم. وفيما يتعلق بالصفحات التي تهاجم الإخوان، فإذا كانت تنشر معلومات مغلوطة، فهجوم "الهاكرز" كفيلٌ بالقضاء عليها، أما في حال كانت على الصفحة مستندات حقيقية تمس الجماعة، فلا بد من البحث عن "الأدمن" ومن ثم تهديده ليتوقف عن النشر. وفي حال تقرر استخدام أسلوب "القرصنة الإلكترونية" للقضاء على صفحة ما، يتم الاتصال بكل اللجان الإلكترونية داخل وخارج مصر، بما يضمن نجاح المهمة بأسرع وقت ممكن، وبعد الانتهاء من العملية، كثيرًا ما يبدأ أحد أعضاء الإخوان في التكبير، ومن ورائه يردد الآخرون.

وكان يتم توزيع العاملين داخل اللجان الإلكترونية لجماعة الاخوان على ثلاث فئات، تؤدي كل منها مهامَ محددة:

- المجموعة الأولى: لجان الطلبة، وأعضاؤها طلبة جامعيون، مهمتهم نقل أخبار الجامعة، ونشرها على شبكة الإنترنت، فإن كان عميد الكلية إخوانيًا، امتدحوه لخلق رأي عام مؤيدٍ له، وإن لم يكن ينتمي للجماعة، شنوا عليه الهجوم وشوّهوه بقسوة.

- المجموعة الثانية: لجان العاملين، وأعضاؤها موظفون، ولا تصدر لهم تكليفات محددة، ونشاطاتهم اجتهادات فردية، وما ينشرونه يتعلق بالشأن العام ومهاجمة المعارضة.

- المجموعة الثالثة: لجان شباب الجماعة، وتضم الأعضاء العاملين بالمؤسسات الإعلامية لجماعة الإخوان، وتحديدًا "شبكة رصد"، وقناة "مصر 25" وجريدة "الحرية والعدالة"، وتتلقى تكليفات مباشرة ودائمة من مكتب الإرشاد، وكان المسئولون عن هذه المجموعة يتباهون بأنهم على صلات وثيقة بالمهندس خيرت الشاطر، نائب مرشد الجماعة والرجل القوي فيها, ونظرًا لحساسية هذه المجموعة، فإن معظم "الأدمن" على صفحاتها، أبناءٌ لقيادات الجماعة، من الصف الأول إلى الثالث.

أما بالنسبة للإنفاق على اللجان الإلكترونية وأشكالها، فتختلف باختلاف العاملين بها، فهناك لجان ينفق أعضاؤها من مالهم الخاص، وهم من القيادات الشبابية داخل الجماعة، ويعملون تحت قيادات الجماعة بشكل مباشر. وهناك لجان أخرى لا يوجد سقف لنفقاتها، وهي اللجان التى يعمل بها الطلبة، وأشكال الإنفاق تتمثل في دفع إيجار المقر، ودفع المصروفات الدراسية للعاملين، وتوفير سكنٍ أفضل من السكن الجامعي، وتوفير أشخاص لخدمتهم داخل السكن وتوفير أجهزة "لاب توب" حتى يمارسوا عملهم من قلب الأحداث، وتوفير الخدمات الطبية على أعلى مستوى لهم ولذويهم، ويستمر أعضاء هذه اللجان في العمل حتى خلال الإجازات الدراسية، لضمان التواصل مع الأعضاء المشتركين داخل الصفحة، ويتم الإنفاق عليها عبر ميزانية تجمع بينها وبين ميزانية المواقع الإخبارية المعروفة بتبعيتها للجماعة.

وكان الإنفاق على هذه اللجان يأتي ضمن برنامج "الإعلام البديل" الذي كان يتبناه الإخوان، للتصدي لمعارضيهم فى الإعلام، فمهمة اللجان الإلكترونية أكبر من الهجوم على وسائل الإعلام والمعارضة، فالهدف منها أن تصبح صفحات الإخوان النافذة الإعلامية الوحيدة لمستخدمى الإنترنت، ويتم ذلك على مراحل أولها عمل خلل في الثقة بين الإعلاميين والمتلقين، عن طريق جمع معلومات في غاية الدقة، حول حياة مقدم البرنامج او الصحفي، لتشويه صورته أمام الأعضاء المشتركين بالصفحة، والإكثار من مقاطع الفيديو التي تم تصويرها بمعاونة وحدات التصوير الخارجي، حتى يتم الاستغناء عن الإعلام المرئي "الكافر".

ولا شك أن افتضاح أمر هذه الميليشيات التي تديرها جماعة الإخوان أوضح بما لايدع مجالًا للشك أن هذه الجماعة تفتقر إلى الخُلُق وإلى كل ما يتعلق بالمُثُل العليا التي حثت عليها الأديان، ثم هي تشير أيضًا إلى أن البعض ممن يمارسون العمل بها بدأوا يشعرون بوخز الضمير، وأن الخيّرين منهم قد يثورون على هذا الوضع ويتركون تلك المهمة غير الأخلاقية التى يتم تنفيذها باسم الدين.

إن المهام التي تقوم بها اللجان الاليكترونية معروفة في العالم، وهي تهدف لاستخدام ما يعرف بالأسلحة السوداء في تشويه الأعداء ويطلق عليها مصطلح "الاغتيال المعنوي للشخصيات

إن تلك المهام التي تقوم بها اللجان الاليكترونية معروفة في العالم، خاصة وقت الحروب وهي تهدف لاستخدام ما يعرف بالأسلحة السوداء في تشويه الأعداء ويطلق عليها مصطلح "الاغتيال المعنوي الشخصيات" character assassination أو ما اصطُلح على تسميته لدينا "الاغتيال المعنوي"، وهو يعتبر أحط أساليب الحرب، لأنه يقوم على نشر الأكاذيب واختلاق الشائعات وليس على مواجهة الفكر أو الحجة.

إن جهود الإخوان لإختراق الإنترنت خاصةً الفيس بوك ازدادت جزئيًا بعد الازدياد السريع في عدد المشاركين فهناك 11 ونصف مليون عضو في الفيس بوك في مصر، مليونان منهم اشتركوا في الستة أشهر الأخيرة من عام 2012، مع ملاحظة أن أعمار المشاركين في الفيس بوك تتراوح بين 13 إلى 34 سنة. وبعيدًا عن ازدياد المشاركين فإن الفيس بوك يعد ترمومترًا للمعارضة السياسية منذ أن كان له دور الريادة في 25 يناير وفي الأشهر التالية لبداية الثورة، حيث ظهرت المساحة التي كان يتجادل فيها النشطاء ويتناقشون حول الثورة التونسية وإمكانية إحداث ذلك في مصر والتي تفاهموا فيها حول قرارهم تجاه الاستفتاء في 11 مارس، حيث اتخذت جمهورية الفيس بوك الثورية موقفًا مختلفًا عما حدث خارجها، وخرجت جميع استفتاءات الفيس بوك بأكثر من 70% بالتصويت بـ"لا" برغم أن التصويت ب"لا" لم يحقق رسميًا أكثر من 22.7% و هو ما لا يُعتبر غير مؤثر كما يعتقد البعض.

وقامت اللجان أو الميليشيات الإلكترونية للاخوان بتبني عدد من الآليات في دفاعها عن الجماعة والتمكين لها وتشويه معارضيها من بينها:

-          الاستيلاء على لغة الثورة, وتغيير تعريف المصطلحات لحساب الجماعة.

-         إنكار الانتماء الى الإخوان كمدخل لإقناع الآخر"أنا مش إخوان لكن باحترمهم".

-         الاحتفاء الإجلالي المصطنع بحرية الصحافة أو صناعة دراما الواهب الأعلى للحرية (محمد مرسي).

-         التسخيف من المعارضة.

-          صناعة البطل/ المجاهد/ الخليفة.

-         قطع الطريق أمام النقد وتشويهه.

-          اللعب بكارت الإسلاموفوبيا.

-         جذب الأنظار بعيدًا عن الأحداث الجارية إلى مواقع أخرى لا تتوفر عنها المعلومات الكافية.

-          أن تشيع عن نقطة ضعفك أنها نقطة قوتك : صفحة "إحنا آسفين لأننا منظمون".

-          شيطنة الإنترنت ومحاولة خلق إنترنت وفيس بوك ويوتيوب إسلامي.   

وفي أثناء ثورة 30 يونيو, قامت الميليشيات الإلكترونية لجماعة الإخوان باختراق موقع " تمرد" , ووضع صورة "للشيخ" حازم صلاح أبو إسماعيل عليه, علاوة على بث مباشر من ميدان رابعة العدوية, وذلك ردًّا على ما سمّوه الانقلاب العسكري المناهض للإرادة الشعبية التي اختارت د. محمد مرسي رئيسًا.

كما تم اختراق الموقع الرسمي لحملة "تمرد" من "هاكرز" مجهولين لعدة دقائق، وتم استعادة الموقع مرة أخرى، بعد نشر صور مسيئة لمؤسس حملة تمرد محمود بدر والمتحدثين باسم الحملة محمد عبد العزيز وحسن شاهين. وأكد محمد نصر، أحد مسئولي موقع حملة "تمرد" في تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اختراق الموقع بل حدث ذلك من قبل عدة مرات. وأضاف: هذا لن يثنينا عن المُضي في طريقنا لتحقيق أهداف الثورة، والتى من أجل تحقيقها جاءت فكرة "تمرد" للتخلص من الحكم الإخواني الذي حال دون ذلك. وألمح نصر إلى أن تلك الصور تدل على أن الهاكر الذي اخترق الموقع هو أحد مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي.

وقد نفت منظمة (أنونيموس) اختراق موقع حملة "تمرد", وقالت: "بالعكس تمامًا نحن نبهناهم بالثغرة منذ شهر تقريبًا وما يُذاع حاليًا على اليوتيوب ما هو إلا ادعاءٌ باطلٌ من (الإخوان الفُجَار) يظلمون به منظمة (أنونيموس).

 القوات المسلحة وثورة 30 يونيو                                            

منذ أن أوفت القوات المسلحة بتعهدها بتسليم السلطة لرئيس مدني منتخب في 30 يونيو 2012 , انسحبت من الشأن السياسي تمامًا وعادت إلى دورها الأصيل في حماية حدود الوطن, إلا أن هذا قوبل بالجحود والنُكران من الرئيس المنتخب وجماعته الذين انتهزوا مذبحة الجنود المصريين (الأولي) في رفح في أغسطس من العام 2012 خلال شهر رمضان في إقالة وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان, وهو ما مثَل نوعًا من الإهانة شعرت بها القوات المسلحة. ولم تكتفِ الجماعة بهذا, بل عمدت إلى مزيدٍ من الإهانة للجيش المصري بإشاعة أن طنطاوى وعنان سيتم استدعاؤهما أمام الكسب غير المشروع, وقام أحد أعضاء الجماعة في فيديو انتشر بشكل كبير على اليوتيوب بإشاعة أن القوات المسلحة هي من قامت بقتل أبنائها للإطاحة بالرئيس مرسي, فإذا بالرئيس مرسي بمدد من اللـه استطاع الإطاحة بقيادات الجيش!

ومنذ أن تولى الفريق أول عبد الفتاح السيسي منصبي وزير للدفاع وقائد عام القوات المسلحة، تجذر عدم تدخل الجيش في الشأن السياسي بعد أن ذاقت القوات المسلحة الأمرّيْن منذ تحملها عبء إدارة البلاد حتى سلمت السلطة للرئيس المدني المنتخب, وبدت القوات المسلحة أكثر مهنية وأكثر اهتمامًا بالتدريب والتطوير وأكثر عصرية تحت قيادة الفريق السيسي, وتم تكليف أحد القيادات الوسطى الشابة بالقوات المسلحة ليكون متحدثًا عسكريًا باسمها, وتم إنشاء صفحة للمتحدث العسكري للتواصل مع المواطنين ووسائل الإعلام لتوضيح مختلف الأمور المتعلقة بالقوات المسلحة.

ورغم اهتمام القوات المسلحة بمهنيتها ومهمتها الأساسية في الدفاع عن مصر ضد أعدائها, فإنها لم تهمل دورها كمدرسةٍ للوطنية المصرية من حيث الاهتمام بالشأن الداخلي الذي كان من الملحوظ أنه آخذٌ في التدهور في ظل حكم مرسي وجماعته, فبعد أزمة الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي وأحداث الاتحادية في ديسمبر 2012، واحتقان الشارع والقوى السياسية, حاول الفريق السيسي دعوة كل القوى بااسم القوات المسلحة للمصالحة الوطنية, وهو ما رفضته جماعة الإخوان. وعندما قرر مرسي معاقبة مدن القناة بفرض حظر التجول, ورفض الأهالي تطبيق الحظر, رفض الجيش اطلاق رصاصة واحدة على أي مواطن مصري, مما زاد من اللُحمة الوطنية بين الشعبِ والجيش.

وتأتي أشارة أخرى من القوات المسلحة على تردي الأمور من تصريح الفريق صدقي صبحي، رئيس هيئة الأركان المصرية، على هامش فاعليات مؤتمر ومعرض الدفاع الدولي إيدكس 2013 في فبراير 2013 بدبي، قال فيه: إن القوات المسلحة التي ظلت في مركز السلطة لعشرات السنين، ستتجنب التدخل في السياسة، لكن يمكن أن تقوم بدور إذا "تعقدت" الأمور، ولكن الأمر لم يصل بعد إلى مستوى الإضراب أو العنف الشديد، متمنيًا أن تحل التيارات والقوى السياسية المتنافسة نزاعاتها بالحوار، مشيرًا إلى أن الجيش لن يدعم أي حزب سياسي، ولكنه يمكن أن يساعد أحيانًا في هذه المشكلة، ويمكن أن نلعب هذا الدور إذا تعقد الموقف, ثم قال مقولته الشهيرة: " إذا دعانا الشعب المصري فسوف نكون في الشارع في أقل من الثانية".

وذكر محللون أن الجيش يمكن أن يتدخل فقط إذا واجهت مصر اضطرابًا يماثل الانتفاضة التي أسقطت مبارك، وسيحاولون أن ينهوا حالة الضرر الذي لحق بسُمعة الجيش خلال الفترة الانتقالية الفوضوية التي تولى فيها الجيش المصري المسئولية. وتأتى تصريحات صبحي أقل حدة من التى أدلى بها وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي يوم 29 يناير 2013، عندما قال فيها: إن الاضطراب السياسي يدفع الدولة إلى حافة الانهيار، وإن الجيش سيظل الكتلة الصلبة المتماسكة والعمود القوي الذي ترتكز عليه أركان الدولة.

ورغم الفرص الضائعة التي أضاعتها جماعة الإخوان في التوافق مع القوى السياسية طوال عام, وسعيها الدؤوب نحو أخونة الدولة المصرية , فإن القوات المسلحة منحت الرئيس مرسي المهلة تلو الأخرى للتوافق, إلا أنه أضاعها أيضا, ليتمرد عليه 33 مليون مصري لتنطلق ثورة 30 يونيو في كل أرجاء مصر, فما كان من جيش مصر إلا أن لبى نداء الشعب لحماية البلاد من مواجهة محققة لا يعلم مداها الا اللـه.