المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

البحــــث عن التـــوازن المفقــــود

الخميس 03/يوليو/2014 - 10:56 ص

بدأنا سلسلة من المقالات التى تحاول استكشاف الملامح الأساسية للشخصية القومية بدأت بمقالنا «تحولات الشخصية المصرية» نشر فى 23 أبريل 2014.

واستكمالاً لبحثنا ناقشنا فى مقالنا الماضى «الديمقراطية والبحث عن الشخصية المتكاملة» (نشرت فى 25 يونيو 2014) المرحلة التى أعقبت الانقلاب الشعبى الذى قامت به الجماهير ضد الحكم الإخوانى الديكتاتورى فى 30 يونيو، باعتبارها تؤسس لإقامة ديمقراطية أصيلة فى مصر، وخصوصاً بعد تنفيذ الاستحقاق الثانى من استحقاقات خريطة الطريق وهو انتخاب وتنصيب الرئيس «السيسى» رئيساً للجمهورية.

وحديثناً عن السعى لتأسيس الشخصية المصرية المتكاملة يحمل فى طياته اعترافاً صريحاً بأن الوضع الراهن للشخصية المصرية يتمثل فى كون ملامحها الرئيسية تتسم بالتناقض الصارخ، وأن الطابع الأساسى لها هو غلبة الملامح السلبية، على الملامح الإيجابية، والصراع الحاد فى القيم الذى أدى فى النهاية إلى التردى العام فى الأداء الاجتماعى على كل المستويات.

وقد أشرنا من قبل إلى عدد من الإشكاليات التى تستدعى المواجهة الصريحة، وأهمها ضرورة التأليف بين الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، والصراع بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية، والمطالبة المتزايدة بالحقوق دون أداء الحد الأقصى من الواجبات، وتشرذم النخب السياسية، وغياب قيم إنكار الذات وأخلاقيات العمل فى فريق. والواقع أن هذه الإشكاليات المستحكمة يقع عبء مواجهتها بحلول فعالة على النخب السياسية والثقافية من جانب، وعلى الجماهير العريضة بكل تنوعاتها من جانب آخر. وحين تأملت مفهوم «الشخصية المتكاملة» الذى صغته باعتباره الهدف الأسمى الذى ينبغى أن نسعى إلى تحقيقه فى المستقبل القريب، أدركت أننى أشير فى الواقع إلى شرط ضرورى لقيامها وهو ضرورة إقامة التوازن الدقيق بين مختلف مفردات الشخصية القومية. ولنأخذ على سبيل المثال إشكالية الصراع بين المطالب المادية والمطالب الروحية التى تسعى الجماهير إلى إشباعها. هذا الموضوع على أهميته ـ لم يلق الاهتمام الكافى من قبل النخب السياسية التى تشارك بصورة أو بأخرى فى إدارة البلاد، ولا النخب الثقافية المسئولة عن التنوير وعن رفع مستوى الوعى الفكرى للجماهير العريضة.

ولهذه الإشكالية جذور تاريخية قديمة تتعلق بالمشكلة الرئيسية التى صاغها مفكروا النهضة العربية الأوائل، وهى كيف يمكن أن نقضى على التخلف ونحقق التقدم الذى أحرزته الشعوب الغربية؟ لو تأملنا التاريخ الفكرى العربى لعرفنا أن هناك استجابات ثلاثة رئيسية صيغت لمواجهة المشكلة، سبق للمفكر المغربى المعروف «عبد الله العروى» أن صاغها بدقة فى كتابه الشهير «الإيديولوجية العربية المعاصرة».

وهذه الاستجابات عبر عنها باستخدام مصطلح «الوعى» بصورة مجردة حين تحدث عن وعى «الشيخ» ويقصد به الشيخ «محمد عبده»، ووعى الليبرالى «ويقصد به الدكتور «أحمد لطفى السيد» باشا، ووعى داعية التقنية ويقصد به الكاتب «سلامة موسى». المقولة الأساسية لوعى «الشيخ» أنه لا تعارض بين الإسلام والعلم، أو بعبارة أخرى بين الإسلام والحداثة الغربية، وولكى يدلل على ذلك قام بتأليف كتابه «الإسلام والعلم» والذى قرر فيه أن الإسلام إذا ما قرئت تعاليمه بطريقة عصرية وفى ظل تأويل صحيح للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، يمكن أن يكون نموذجاً حضارياً يحتذى، وبالتالى لا نحتاج إلى تبنى النموذج الحضارى الغربى.

وعلى عكس وعى «الشيخ» تماماً فإن وعى «الليبرالى» يقرر بصورة حاسمة ضرورة القطع تماماً مع التراث، وتبنى النموذج الغربى فى السياسة والاقتصاد والثقافة. أما وعى داعية «التقنية» فدعا أيضاً إلى القطع مع ثقافة المجتمعات الزراعية المتخلقة وتبنى التكنولوجيا الغربية. والواقع أن المآل التاريخى لهذه الأنماط الثلاثة من الوعى يكشف بدرجات متفاوتة ـ عن الفشل فى الاستراتيجيات الثقافية التى قامت على أساسها.وذلك لأن عملية تجديد الفكر الإسلامى التى بدأها الشيخ «محمد عبده» تجمدت على يد بعض تلاميذه، ومن أشهرهم الشيخ «رشيد رضا» صاحب مجلة «المنار» والذى كان رجعياً فى تفكيره الاجتماعى ومتزمتا فى فكره الدينى، وهو أستاذ الشيخ «حسن البنا» مؤسس جماعة الإخوان المسلمين التى إنتشر تفكيرها السياسى المتطرف الذى يهدف إلى هدم الدول المدنية وإقامة دول دينية محلها تحقيقاً لوهم استرداد الخلافة الإسلامية! ولو تأملنا المشهد الاجتماعى الراهن فى مصر لأدركنا أن شيوع الأفكار الدينية المتطرفة وسيادة الاتجاهات المتعصبة إزاء العلمانيين والليبراليين والأقباط يمكن أن ترد إلى فكر «سيد قطب» الذى أصبح منذ عام 1950 -تاريخ التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين- المنظر الرئيسى لها بحكم افتقارها إلى أى مشروع فكرى. ويمكن القول أنه خرجت من عباءة «سيد قطب» كل الجماعات الإرهابية الإسلامية مثل جماعة «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» التى مارست جرائم قتل المصريين والأجانب، وقامت بعديد من الجرائم متسترة وراء تبريرات دينية مشوهة. وفى تقديرنا أن التيارات السلفية -بالإضافة إلى فكر الإخوان المسلمين وخصوصاً بعد نزولها إلى حلبة السياسة- تعد من أكبر معوقات صياغة شخصية مصرية متكاملة، لأن التطرف الدينى والتعصب المذهبى لا يمكن له أن يبنى مجتمعاً عصرياً قادراً على إشباع الحاجات المادية والروحية للجماهير.

ولو ولينا وجوهنا إلى المآل التاريخى لليبرالية لأدركنا أنها فشلت وخصوصاً فى الحقبة الليبرالية فى مصر (1923-1952)- فى إشباع الحاجات المادية للجماهير بحكم الفجوة الطبقية الكبرى بين الأغنياء والفقراء، وبسبب تحكم كبار الملاك والرأسماليين فى العملية السياسية، وتحويلها للديموقراطية كنظام سياسى إلى نظام احتكارى للبكوات والباشوات الذين أرادوا أن يجمعوا بين الثورة والسلطة. ولا يبقى أمامنا إلا الدعوة إلى التصنيع والتكنولوجيا، والتى تمت أساساً فى الحقبة الناصرية فى ظل إيديولوجية التنمية التى ركزت على الجوانب المادية فقط ولم تعط اهتماماً واضحاً لوضع استراتيجيات ثقافية تكفل إشباع الحاجات الروحية للناس من خلال خطاب دينى وسطى، يقوم على التجديد الحقيقى فى الفكر الإسلامى يسهم فيه ليس الأزهر فقط ولكن جميع المثقفين المستنيرين من كل الاتجاهات.

بعبارة موجزة لا يمكن تحقيق التوازن المطلوب فى الشخصية القومية المصرية المتكاملة بغير الإلتفات إلى ضرورة التأليف الخلاق بين إشباع المطالب المادية والروحية للجماهير. ومن ناحية أخرى لابد من الربط الوثيق بين الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، وأخيراً فى مجال التصنيع والتكنولوجيا علينا أن نميز بين «عملية التحديث» ونعنى نقل المجتمع من خانة المجتمعات التقليدية إلى فئة المجتمعات العصرية، وعملية «الحداثة» والتى تعنى فى المقام الأول الحداثة السياسية ممثلة فى الديمقراطية، والحداثة الفكرية ورمزها البارز أن العقل وليس النص الدينى هو محك الحكم على الأشياء.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟