المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

الديمقراطية والبحث عن الشخصية المتكاملة

الخميس 26/يونيو/2014 - 12:18 م

تساءلنا فى نهاية مقالنا الماضى (هبوب عاصفة الشخصية الثورية)- «بعد أن دبت الروح فى الشخصية المصرية من جديد والتحول من الشخصية الفوضوية إلى الشخصية الإيجابية التى تجلت أساساً فى «الانقلاب الشعبي»الذى قامت به الجماهير استجابة لحركة «تمرد» لإسقاط الحكم الديكتاتورى لجماعة الإخوان »والآن بعد انتخاب «السيسي» رئيسا للجمهورية وبداية مرحلة جديدة لتأسيس ديمقراطية مصرية أصيلة معبرة فعلاً عن الشعب المصرى بكل طوائفه كيف ستسلك الشخصية المصرية»؟

تبدو أهمية هذا السؤال المحورى فى كون المرحلة الثالثة من مراحل تنفيذ خريطة الطريق بعد وضع الدستور والاستفتاء عليه وانتخابات رئيس الجمهورية هى عقد الانتخابات النيابية التى سينجم عنها برلمان جديد له سلطات سياسية غير مسبوقة، بحكم نصوص الدستور الجديد الذى وزع السلطة بينه وبين رئيس الجمهورية.

ويمكننا التأكيد على أن مرحلة الانتخابات البرلمانية هى أخطر هذه المراحل جميعاً. فقد تم وضع الدستور بناء على توافق سياسى كامل، كما أنه تم انتخاب رئيس الجمهورية «السيسي» بمعدلات قياسية بحكم أن الشعب هو الذى دفعه للترشح تقديراً للدور الوطنى التاريخى الذى قام به فى لحظة تاريخية فارقة دعما للانقلاب الشعبى فى 30 يونيو.

ولابد أن يثور هنا سؤال مهم لماذا وصفنا المرحلة الثالثة بأنها أخطر المراحل؟

والإجابة على هذا السؤال تتمثل فى أن المشهد السياسى المصريلو تأملناه بعمق-يبعث على القلق بسبب التشرذم الشديد للقوى السياسية المصرية سواء فى ذلك الأحزاب السياسية التقليدية أو الأحزاب السياسية الجديدة التى ما فتئت تنشأ وتنمو كالفطر حتى تجاوز عددها السبعين حزباً، بالإضافة إلى تفتت كتلة النشطاء السياسيين بحكم أن طوائفهم المختلفة أسست أكثر من 300 ائتلاف ثوري!

وإذا أضفنا ملمحا آخر بالغ الخطورة وهو سعى التيارات السلفية لكى ترث الفراغ السياسى الذى نشأ بحكم إعلان أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وانسحاب هذا الحكم بآثاره السلبية على حزب الحرية والعدالة، لأدركنا أننا أمام خطر تسلل هذه العناصر السلفية المتطرفة دينيا والرجعية اجتماعياً إلى البرلمان الجديد، وذلك فى غيبة منع مشاركة أحزاب سياسية دينية، بالإضافة إلى المحاولات المنظمة لبقايا جماعة الإخوان المسلمين لكى تترشح داخل عباءة أحزاب سياسية قائمة قد يكون فى مقدمتها حزب «مصر القوية».

وقد أثبت الخبرة العملية فى السنوات التى أعقبت ثورة 25 يناير أن الشخصية المصرية فقدت تكاملها الداخلي، وساد التناقض بين الملامح الأساسية لمفرداتها التقليدية. ومن ثم لابد لنا أن نرصد ونحلل ملامح الشخصية المصرية المتكاملة التى نرجو أن تبدأ فى التشكل بعد انتهاء الانتخابات النيابية إعلاناً عن بداية عصر ديمقراطى جديد فى مصر.

ونريد أن نشير إلى المشكلات والتحديات التى تواجه الشخصية المصرية المتكاملة عوضاً عن رسم صورة مثالية لها تبدو أشبه بيوتوبيا أو مدينة فاضلة نحلم بها.

ولعل أول مشكلة تواجه الشخصية المتكاملة هى الأهمية القصوى -فى مجال الوعى الاجتماعيللتأليف الخلاق بين الحرية السياسية من جانب والعدالة الاجتماعية من جانب آخر.

 

وقد ثبت من الخبرة العالمية التى تراكمت طوال القرن العشرين أنه لا حرية سياسية بغير عدالة اجتماعية، وليست هناك عدالة اجتماعية بغير حرية سياسية. بعبارة أخرى لا يجوز لنا سواء على مستوى العالم وعلى نطاق مصرمقايضة الحرية السياسية بالعدالة الاجتماعية أو العكس، وذلك لأنه لا يمكن ضمان الاستقرار الاجتماعى لو افتقرت الحرية السياسية مهما اتسع نطاقها إلى تحقيق العدالة الاجتماعية للجماهير العريضة، كما أن العدالة الاجتماعية لا يمكن لها تدوم فى ظل القمع السياسى الذى لابد للشعوب أن تثور عليه فى لحظة من اللحظات.

ولعل المشكلة الثانية الجديرة بالتأمل هو كيف يمكن إقامة علاقة منظمة وليست فوضوية بين «الشرعية الثورية» و»الشرعية الدستورية»، أو بلغة 25 يناير بين شرعية البرلمان وشرعية الميدان.

ومما لا شك فيه أن الشرعية الثورية قامت بأدوار تاريخية بالغة الأهمية ابتداء من ثورة 25 يناير ذاتها التى كانت الرمز الذى أعلن بداية عصر الشرعية الثورية فى مقابل الشرعية السياسية الشكلية للنظام القديم. وقد لعبت هذه الشرعية الثورية أدواراً بالغة الأهمية فى المرحلة الانتقالية، سواء لرفع مطالب الشعب أو للاحتجاج على هيمنة جماعة الإخوان المسلمين، والذى بلغ ذروته فى الانقلاب الشعبى ضد حكمها الديكتاتورى فى 30 يونيو.

غير أنه لابد من التأكيد على أنه بعد تنفيذ استحقاقات خريطة الطريق لابد للشرعية الثورية التى تتمثل فى المظاهرات وحركات الاحتجاج أن تتواري، حتى يتاح للشرعية الدستورية أن تمارس دورها الفعال فى استكمال وتطوير الديمقراطية الأصيلة فى مصر.

 

ويرتبط بهذه الفكرة ضرورة إقامة فئات الشعب المختلفة مهنية كانت أو عمالية أو فلاحية التوازن الدقيق بين المطالبة بالحقوق ودون مغالاة، وبين ضرورة أداء العمل المنتج وتجويده. وفى مجال المطالبة بالحقوق ينبغى الكف عن المظاهرات والإضرابات والتوجه بالمطالب المشروعة للبرلمان القادم وعن طريق نواب الشعب الذى اختارهم.

وإذا كنا قد رفعنا فى ثورة 25 يناير شعار «العدالة الاجتماعية» فلابد لنا أن نركز فى هذا المجال على التطبيق الدقيق لمبادئ سيادة القانون، ومن ناحية أخرى يمكن القول إنه لا يمكن للعدالة الاجتماعية أن تتحقق بغير إعلان مبدأ تكافؤ الفرص، والتطبيق الدقيق لقواعد المواطنة وعدم التمييز بين الناس على أساس الجنس أو الدين أو العقيدة أو الأصل الاجتماعي.

لأن هذه القرارات مضادة للدستور والقانون معاً.

ولو نظرنا إلى المشهد السياسى المصرى الآن الزاخر بعشرات الأحزاب السياسية ومئات الائتلافات الثورية لأدركنا أن السبب الحقيقى لفشل الائتلافات السياسية التى تتم الآن استعداداً للانتخابات البرلمانية هو غياب قيمة إنكار الذات من ناحية، وإهدار تقاليد العمل فى فريق، مما يستدعى التعاون لا الصراع العقيم.

والواقع أن السعى إلى تحقيق الشخصية المصرية المتكاملة مهمة تقع على عاتق النخب السياسية والجماهير على السواء.

 

على أعضاء النخب السياسية أن يتسلحوا بتقاليد النقد الذاتى التى تجعلهم يعترفون بأخطائهم علناً لترشيد مسيرتهم، وعلى الجماهير من ناحية أخرى من باب الارتقاء والوعى الاجتماعى لهمترشيد سلوكهم وإقامة التوازن الدقيق بين الحقوق والواجبات.

أنا أدرك تماماً أننى لمست فقط مجموعة من رءوس الأقلام فى موضوع السعى لصياغة الشخصية المتكاملة، ولذلك لابد من تعميق البحث فى الموضوع ليس من خلال بلورة المشكلات فقط ولكن عن طريق اقتراح البدائل الفعالة للانتقال من حالة الثورة إلى عملية بناء الدولة وترسيخ قواعد المجتمع المصرى الجديد.

نقلاً عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟