المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

اتجاهات المسائلة: هل تتخذ محكمة العدل الدولية قرارًا ضد إسرائيل؟

الإثنين 08/يناير/2024 - 10:34 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

خسرت إسرائيل التأييد العالمي لحربها العدوانية على غزة، في ظل المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال في حق المدنيين من النساء والأطفال، واتهامات بارتكاب جرائم إبادة يشهد عليها الضمير الإنساني، وكتبت جنوب إفريقيا فصلًا جديدًا من قطع العلاقات مع دولة الاحتلال. كما قدمت جنوب أفريقيا طلبا إلى محكمة العدل الدولية لاتخاذ إجراءات ضد إسرائيل بسبب العمليات العسكرية التي تشنها في قطاع غزة، إلا أن هذا التحرك يواجه تحديات عدة قد تمنع من تحقيق أهدافه. وقد جاءت هذه الخطوة بعدما استدعت جميع دبلوماسيها في إسرائيل للتشاور، وسط استمرار الحرب بين إسرائيل وحركة حماس بقطاع غزة. وتعتبر جنوب إفريقيا من أبرز داعمي القضية الفلسطينية، ووجهت مرارًا انتقادات شديدة إلى القصف الإسرائيلي المدمر في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في أكتوبر 2023. كما وصوت برلمان جنوب إفريقيا على قرار غير ملزم لإغلاق السفارة الإسرائيلية في البلاد وقطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب حتى توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار والمفاوضات. وتدعم جنوب أفريقيا إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عقود، وتشبه محنة الفلسطينيين بمعاناة السود الذين كانوا يشكلون الغالبية خلال حقبة الفصل العنصري القمعية، وهي مقارنة تنفيها إسرائيل بشدة.

وبحسب بيان لمحكمة العدل الدولية فقد اتهمت جنوب إفريقيا إسرائيل بارتكاب ما وصفته بأنه "أعمال إبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة"، موضحة أن "أفعال إسرائيل مصحوبة بالنية المحددة المطلوبة لتدمير فلسطينيي غزة كجزء من المجموعة القومية والعرقية والإثنية الأوسع أي الفلسطينيين". وتشمل الأفعال "قتل الفلسطينيين في غزة، وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بهم، وفرض ظروف معيشية عليهم من شأنها أن تؤدي إلى تدميرهم جسديا"، بحسب جنوب إفريقيا. وأضافت جنوب إفريقيا "تعزي جميع هذه الأفعال إلى إسرائيل، التي فشلت في منع الإبادة الجماعية وترتكب إبادة جماعية في انتهاك واضح لاتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها". ورأت أن إسرائيل، بما في ذلك كبار مسؤوليها، الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع، تعبر عن نية الإبادة الجماعية.

على الجانب الآخر، وصفت إسرائيل طلب جنوب أفريقيا بأنه لا يستند إلى أي أساس قانوني، متهمة بريتوريا بالتعاون مع ما سمتها "جماعة إرهابية تدعو لتدمير إسرائيل" في إشارة إلى حركة حماس، وادعت أن إسرائيل تعمل على الحد من وقوع الضرر على المدنيين.

مسارات عديدة

تضطلع محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة بحل الصراعات بين الدول، كما أن محكمة العدل الدولية أصدرت سابقاً أحكامًا عدة لكن المشكلة تكمن في غياب آلية فعلية لتنفيذ تلك الأحكام طالما تحظى إسرائيل بدعم أميركي وغربي في مثل هذه المواقف، كما أن رفع القضية في حد ذاته ليس كافيًا طالما لم تتخذ الدول الكبرى مواقف مساندة لهذا التحرك، لأن التحرك أمام محكمة العدل لن يكون سوى محاولة إثبات الخطأ ولكن بلا عقاب.

وفي وقت سابق قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إن المحكمة ستكثف جهودها للتحقيق في ادعاءات ارتكاب جرائم حرب وقعت خلال هذا الصراع منذ هجمات 7 أكتوبر 2023، فيما لم يسمح لمحققي المحكمة بدخول قطاع غزة أو إسرائيل التي ليست لديها عضوية في المحكمة الجنائية الدولية. كما أنه بعد رفع قضية بهذا الشكل يمكن لقاضي المحكمة إصدار أمر بالقبض على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هو والمسؤولين معه. وفي هذه الحالة لا يستطيع نتنياهو أو الفريق التابع له الذهاب لأوروبا لأن الاتحاد الأوروبي كتلة واحدة، وسيتم توقيفه في أي دولة من دول التكتل هو والمسؤولين التابعين له.

هذا التحرك ليس جديدًا، حيث كان هناك تحرك في عام 2002 ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون في بلجيكا، وظل شارون يخشى التوجه لأوروبا مخافة أن يصدر أي قاضي حتى ولو كان قاضيًا صغيرًا حكمًا بالقبض عليه، وهو التحرك الذي كنت أتمنى أن نقوم به في الوقت الحالي لا سيما في ظل التعاطف العالمي مع قطاع غزة.

وتفصل محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في النزاعات بين الدول. وقراراتها نهائية غير قابلة للاستئناف لكن ليس لديها وسيلة لتنفيذها. وكانت المحكمة الجنائية الدولية، التي يقع مقرها أيضا في لاهاي، قد تلقت طلبًا من جنوب إفريقيا وبنغلادش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي لإجراء تحقيق في الوضع في دولة فلسطين. كما فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في عام 2021 في جرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية، من بينها جرائم محتملة ارتكبتها القوات الإسرائيلية وحماس وفصائل فلسطينية مسلحة أخرى.

في حين، قررت إسرائيل المثول أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، للمطالبة برفض الدعوى المرفوعة عليها من جنوب إفريقيا، على خلفية جرائم الحرب التي ارتكبتها في غزة. وأفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عبر موقعها الإلكتروني نقلًا عن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، أن الخطوة الإسرائيلية، تستهدف المطالبة برفض الطلب الجنوب إفريقي بإصدار أمر قضائي يطالبها بالتعليق الفوري لحربها على غزة.

اتجاهات المسائلة

طلبت جنوب أفريقيا من المحكمة الإشارة إلى تدابير مؤقتة من أجل حماية الفلسطينيين في غزة "من أي ضرر جسيم إضافي وغير قابل للإصلاح" بموجب الاتفاقية ولضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بعدم المشاركة في الإبادة الجماعية، ومنعها والمعاقبة عليها. خاصة أن إسرائيل استهداف المدنيين والفئات المحمية كالأطباء والصحفيين، وسلاح التجويع ومنع المساعدات واتباع سياسة التهجير القسري بالإضافة إلى احتجاز الرهائن من المدنيين وجميعها أفعال لا تتفق مع قواعد القانون الدولي.

ومن المرجح أنه سيكون لحرب غزة وقع كبير على مسألة النظرة الدولية للقانون الدولي ومدى احترامه وانطباقه على الجميع، وقد توفر سوابق لانتهاكات بعضها لم يحدث بهذه الصورة المروعة من قبل، حيث بدأت تخرج بعض التقارير التي توثق الانتهاكات وتطالب بالمحاسبة. وقد قالت جنوب إفريقيا في الطلب الذي قدمته إلى محكمة العدل الدولية، إلى إمكانية الاستدلال على تلك النية أن طبيعة العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة وسيرها، مع الأخذ في الاعتبار على وجه الخصوص أن إسرائيل لم توفر أو تضمن الغذاء الأساسي والمياه والدواء والوقود والمأوى وغيرها من المساعدات الإنسانية لأفراد الشعب الفلسطيني المحاصرين والعالقين، ما يدفعهم إلى حافة المجاعة، كما توضح في طلبها أنها لجأت إلى المحكمة لإثبات مسؤولية إسرائيل عن الانتهاكات لاتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وكذلك لضمان الحماية العاجلة والأكثر اكتمالًا للفلسطينيين.

هناك جرائم مروعة ذات عواقب مدمرة على المدنيين تُرتكب في الأعمال العدائية المتصاعدة من جانب إسرائيل، ومن الواضح أن الإفلات من العقاب على الانتهاكات الماضية ساهم في انتهاكات اليوم، التي لا يبدو أنها ستتوقف. رغم ذلك، التزمت الحكومات الصمت إلى حد كبير بخصوص الدور الحاسم للمحكمة الجنائية الدولية، الكيان الدولي الوحيد المكلف بالفعل بتحقيق العدالة غير المتحيزة.

وتجب الإشارة هنا إلى تتناقض الاستجابة حتى الآن بشكل صارخ مع الأزمات الأخرى، بما فيها أوكرانيا، وهي ليست دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية. بعد التدخل الروسي في فبراير 2022، حيث تحدث المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عن الدور الحاسم للمحكمة، وطلب منه عدد غير مسبوق من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، معظمها أوروبية، فتح تحقيق في أوكرانيا. حتى الولايات المتحدة، وهي أيضًا ليست دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، أعربت عن دعمها القوي لدور المحكمة الجنائية الدولية في أوكرانيا.

إن شكوى جنوب أفريقيا تهدف إلى إضافة إسرائيل إلى هذه المجموعة سيئة السمعة، وبالتالي إحراج الولايات المتحدة كحليف لها، وبسبب محدودية ولاية محكمة العدل الدولية، فإن جنوب إفريقيا استندت في رفع الدعوة على معاهدة دولية تتضمن شرط الاختصاص القضائي، وهي اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع.

ومن ثم فقد مارست إسرائيل حملة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة قبل حادثة السابع من أكتوبر من خلال فرض حصار على القطاع. كما أن استمرار فرض الحصار لفترة طويلة والتسبب بتدهور الأوضاع المعيشية للجماعة عمدًا يمكن اعتباره عملية إبادة جماعية وفقًا للتعريف القانوني. إلا أن التحدي الحقيقي الذي قد تواجهه المحكمة الدولية هو قرار مجلس الأمن الذي يقرر استخدام حق النقض من خلاله والذي قد تستخدمه الولايات المتحدة. وأنه في حال إدانة إسرائيل سيشكل ذلك الإدانة الأولى لإسرائيل نقطة البداية، وستفتح الباب أمام العديد من الدعاوى القضائية التي ستقام من قبل أعضاء في الأمم المتحدة الذين يعارضون الإبادة الجماعية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟