المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد عبد الجيد عبد الجيد
محمد عبد الجيد عبد الجيد

تأثير السمات الشخصية للقائد السياسي في صنع السياسة الخارجية (نموذج صدام حسين تجاه إيران والكويت من 1980-1990)

الثلاثاء 26/سبتمبر/2023 - 11:56 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

ملخص

    القيادة السياسية هي قدرة وبراعة وفاعلية القائد السياسي في تحقيق أهداف المجتمع واختيار أفضل الوسائل المناسبة لذلك من خلال التعاون مع النخب السياسية الموجودة في المجتمع.

والقائد السياسي يتأثر بعوامل موضوعية وشخصية تؤثر في صنعه للسياسة الخارجية، فكان صدام حسين نظرًا لطرق نشأته وظروف صباه كان شديد العنف يميل اليه وكان هو المتحكم في السياسة الخارجية العراقية، كما ان سماته الشخصية التي تكونت لديه في طفولته من عدم الامن وعدم التهاون كانت سببًا في خوض حروبه ضد ايران والكويت.

Abstract

Political leadership is the ability, ingenuity and effectiveness of the political leader in achieving the goals of society and choosing the best appropriate means for that through cooperation with the political elites in society.

The political leader is influenced by objective and personal factors that affect his making of foreign policy. Saddam Hussein, due to the ways of his upbringing and the circumstances of his youth, was very violent and inclined towards him. His wars against Iran and Kuwait.

 

الكلمات المفتاحية: السياسة الخارجية - القيادة السياسية - حرب الخليج الاولي والثانية.

 

مقدمة

   السياسة الخارجية كما عرفها الدكتور محمد السيد سليم هي برنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة من البدائل البرنامجية المتاحة لتحقيق اهداف الدولة في المحيط الخارجي، ومن هذا التعريف يظهر جانب مهم للسياسة الخارجية وهو عملية صنعها وفي هذا السياق يوجد أكثر من ممثل يصنع السياسة الخارجية للدولة وقد يكون هناك قائد سياسي له الدور الأكبر في صنع السياسة الخارجية للدولة، وبالتالي فان هذا القائد يكون محاطًا بعوامل موضوعية تؤثر في صنع السياسة الخارجية، وعوامل شخصية مكتسبة أثناء فترة صغره وشبابه وحياته، ولقد وقع الاختيار على واحد من أكثر القادة العرب تأثيرًا في المحيط الخارجي وهو صدام حسين لما له من سياسات خارجية كانت متعلقة بسماته الشخصية مع أغلب الدول، وسوق نتطرق في الحديث عنها تجاه إيران والكويت.

المشكلة البحثية

   تدور المشكلة البحثية حول معرفة الدور الذي يمارسه القائد السياسي للدولة وتأثير العوامل الموضوعية والشخصية على قيام القائد السياسي بصنع السياسة الخارجية، ولقد وقع الاختيار على أحد القادة السياسيين ذات التأثير الكبير في السياسة الخارجية لدولته وهو الرئيس صدام حسين، ولذلك فان التساؤل الرئيسي هو ما الدور الذي لعبته شخصية صدام حسين في السياسة الخارجية العراقية تجاه إيران والكويت من 1980-1990؟ وتفرع عن هذا التساؤل الرئيسي عدة أسئلة فرعية

·      ماهي السياسة الخارجية «المفهوم والابعاد والمحددات والأهمية»  ؟

·      ما هي القيادة السياسية وخصائصها وانواعها؟.

·       ما هي العوامل الموضوعية والشخصية المؤثرة في دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية؟

·      ما هي العوامل الشخصية المؤثرة في دور صدام حسين في السياسة الخارجية العراقية؟

·      ما هي سياسة صدام حسين ضد إيران والكويت من 1980 الى 1990؟

 

أهداف الدراسة

·      معرفة مفهوم السياسة الخارجية وأبعادها، أهميتها وأدواتها، ومحدداتها.

·      معرفة مفهوم القيادة السياسية وانواعها وخصائصها.

·       معرفة العوامل الموضوعية التي تؤثر في دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية.

·      معرفة دور سمات صدام حسين الشخصية وطريقة تنشئته على سياسته الخارجية اتجاه إيران والكويت.

 

أهمية الدراسة

·      تكوين خلفية عن العوامل الموضوعية والشخصية للقائد السياسي.

·       معرفة كيفية وصول صدام حسين للسلطة وطريقه نشأته.

·       معرفة أسباب ونتائج الحرب العراقية الإيرانية، والحرب العراقية على الكويت.

·       معرفة تفسير النظريات المهتمة بالقيادة السياسية.

 

حدود الدراسة

الإطار الموضوعي: تأثير السمات الشخصية للقائد السياسي في صنع السياسة الخارجية «صدام حسين نموذجا».

الإطار المكاني: العراق  - ايران  - الكويت.

الإطار الزماني: الفترة من 1980 الى 1990 حيث شهدت تلك الفترة أحداث مهمه بالنسبة للعراق بدايةً من حربها مع إيران من عام 1980 الى1988، وقيام صدام حسين عام 1990 بغزو الكويت وعدائه للولايات المتحدة الأمريكية.

المنهج المستخدم

·      المنهج التاريخي: لتتبع السياق التاريخي لنشأة صدام حسين ومراحل وصوله للسلطة.

·      المنهج الوصفي: لوصف ظاهرة الاحداث «الحرب العراقية الإيرانية» «الازمه العراقية الكويتية».

·      منهج تحليل النظم: لمعرفة طبيعة نظام حكم صدام حسين مما أثر على إحكام قبضته على السياسة الخارجية العراقية.

الفصل الأول - السياسة الخارجية

مقدمة

تعتبر السياسة الخارجية جزأ من المجال الواسع الذي يعرف باسم  العلاقات الدولية، فمفهوم السياسة الخارجية ينبغي الوقوف عنده لتحديد ماهيته، وأبعاد، وأهدافه، ومحدداته، وأهميته، وذلك قبل الدخول في معرفة تأثير السمات الشخصية للرئيس صدام حسين في صنع سياسته الخارجية تجاه إيران والكويت

ولذلك تنقسم الدراسة في هذا الفصل إلي ثلاث مباحث:-

المبحث الاول: السياسة الخارجية (المفهوم والأبعاد).

المبحث الثاني: السياسة الخارجية ( الأهمية والادوات).

المبحث الثالث: محددات السياسة الخارجية.

المبحث الأول - السياسة الخارجية(المفهوم والأبعاد)

   سوف تتناول الدراسة في هذا المبحث مفهوم السياسة الخارجية وأبعادها السبعة كما حددها الدكتور محمد السيد سليم.

أولاً: مفهوم السياسة الخارجية

تتعدد تعريفات السياسة الخارجية فلا يوجد مفهوم محدد لها وسوف نعرض أهم تلك المفاهيم والمصطلحات للسياسة الخارجية كالتالي:

عرفها الدكتور حامد ربيع " جميع صور النشاط الخارجي وإن لم تصدر عن الدولة كوحدة نظامية"

وبالنظر الي هذا المفهوم  نجد أنه حصر السياسة الخارجية  في بعد واحد وهو الأنشطة فقط، على الرغم من أنها تتضمن أهداف وأدوار وبرامج، ويجعل السياسة الخارجية لصيقة بالفرد والجماعات دون الدولة وهو ما لا يتفق مع أساسيات السياسة الخارجية اللصيقة بالدولة.

عرفها فيرنس وسنايدر أنها " منهج للعمل يتم اختياره للتعامل مع مشكلة وقعت بالفعل أو من المتوقع حدوثها في المستقبل" ، وتعرض هذا المفهوم للنقد حيث ربط بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية.

               عرفها أيضاً باتريك مورجان بأنها" التصرفات الرسمية المحددة التي يقوم بها صانع القرار السلطويين في الحكومة الوطنية أو ممثلوهم بهدف التأثير في سلوك الوحدات الدولية الأخرى.

  عرفها مازن الرمضاني أيضًا أنها " السلوك السياسي الخارجي الهادف والمؤثر لصانع القرار"

   وبالنظر إلي تعريفات باتريك مورجان ومازن الرمضاني نجد أنهم حصروا السياسة الخارجية في بُعد واحد وهو السلوك وتغافلوا باقي الأبعاد.

     كما عرف البعض السياسة الخارجية على أنها، مجموعة من الأهداف التي يسعى صانع القرار إلى تحقيقها في المحيط الخارجي وتعرضت تعريفاتهم للنقد حيث أنهم حصروا السياسة الخارجية في بعد واحد وهو الأهداف، متجاهلين بقية الأبعاد.

    ويعرفها الدكتور فاضل زكي بأنها "الخطة التي ترسم العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى"، وبالتالي فالدكتور فاضل زكي ركز على ربط السياسة الخارجية بالمصلحة الوطنية وتجاهل العوامل الذاتية والنفسية في صياغة السياسة الخارجية وتجاهل إدراك صانع القرار لتلك المصلحة.

 رغم هذا الجدل الواسع بين الكتاب والباحثين حول مفهوم السياسة الخارجية ،ظهر روزناو ليقدم تعريفا أكثر شمولاً للسياسة الخارجية فقد عرفها بأنها" منهج  للعمل يتبعه الممثلون الرسميون من أجل اقرار أو تغيير موقف معين في النسق الدولي بشكل يتفق مع أهداف الدولة".

   وقد قدم الدكتور محمد السيد سليم تعريفًا للسياسة الخارجية حيث عرفها بأنها برنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة من البدائل البرنامجية المتاحة من أجل تحقيق أهداف الدولة في محيطها الخارجي.

ثانيًا: أبعاد السياسة الخارجية

  طبقاً لتعريف الدكتور محمد السيد سليم تتعدد أبعاد السياسة الخارجية بين سبعة أبعاد أساسية وهم الطابع الواحدي، الطابع الرسمي، الطابع العلني، الطابع الاختياري، الطابع الهدفي، الطابع الخارجي، الطابع البرنامجي.

1- الطابع الواحدي

   فالسياسة الخارجية هي سياسة وحدة دولية واحدة ،ولذلك فهي تختلف عن العلاقات الدولية التي تعتبر نمط من التفاعلات بين دولتين أو أكثر، أي انها تعتمد علي الفعل ورد الفعل، فالعلاقات أكثر شمولاً من السياسة الخارجية وعلى الرغم من هذا الاختلاف فهناك ترابط بينهم فالعلاقات الدولية محصلة تفاعل لسياسات الدول الخارجية، وهذا لا يعني أن تنفيذ السياسة الخارجية يقع على عاتق الدولة وحدها بل قد تشارك مجموعه من الدول في تحقيق السياسة الخارجية مثل مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل ضد العرب.

2- الطابع الرسمي

     فالسياسة الخارجية يصنعها الممثلون الرسميون للوحدة الدولية متمثلين في رئيس الدولة ،رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الدفاع وسفرائها في الخارج ،وبالتالي فالقرارات الصادرة من السلطة التشريعية لا تعد سياسة خارجية مالم يوافق عليها السطلة التنفيذية فقرار البرلمان الإيطالي عام 1986 والذي يطالب الحكومة الإيطالية بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية لا يُعد سياسة خارجية لأن الحكومة الإيطالية لم توافق عليه ويستثني من ذلك الاتحاد السوفيتي سابقًا، والصين حاليًا حيث أن قرارات السلطة التشريعية تعتبر سياسة خارجية، حيث أن قرارات الحزب الشيوعي تعتبر سياسة خارجية للصين، والجدير بالذكر في هذا النطاق أنه اذا تقابل رئيس دولة مع رئيس حزب فان ذلك يعتبر سياسه خارجية، أما اذا تقابل رئيس حزب مع رئيس دولة فان ذلك لا يعتبر سياسه خارجية لدولة الحزب.

3- الطابع العلني

   فالسياسة الخارجية يجب أن تكون معلنة ومقصودة وبالتالي فالنوايا لا تدخل ضمن السياسة الخارجية، وكذلك التصرفات التي جاءت نتيجة التطور الطبيعي للأمور، ففي عام 1967 أعلنت مصر أن سياساتها تجاه إسرائيل تتمثل في الردع ومنع الحرب ولكن انتهت بالحرب وهو مالم يقصده الجانب المصري، فالنتائج الغير مقصودة لا تدخل ضمن السياسة الخارجية، فالمعيار هنا هو سياسة الدولة نفسها، وتظل النتائج معيار لتقييم السياسة وليس تعبيرًا عنها، ويجب أن تكون السياسة الخارجية واضحة وقابلة للملاحظة، أي تكون عبارة عن أفعال وأقوال صادرة عن صانع القرار والأعمال ولذلك السياسات السرية لا تُعد سياسة خارجية.

4- الطابع الاختياري

  السياسة الخارجية يختارها من يصنعوها من بين سياسات بديلة متاحة، فصانع السياسة يمكنه تغييرها إذا حدث ظرف دولي يستدعي ذلك، كما أن هذا الطابع يعني أن صياغة السياسة الخارجية تكون في يد من يدعون أنهم رسموا تلك السياسة وليس في يد آخرين خارج النظام ويعني أيضاً أن صانع السياسة هو الذي يختارها من بين السياسات البديلة، أما اذا فرضت عليه فلا يعني ذلك أنها سياسه خارجية، فالدول الواقعة تحت الوصاية او الإنتداب لا تمارس سياسة خارجية لأن صانع القرار بها يواجه برنامج واحد يجب اتباعه، وهذا لا يعني أن صانع القرار له مطلق الحرية في اختيار البدائل حيث يجب مراعاة الظروف الدولية.

5- الطابع الهدفي

   فالسياسة الخارجية تقوم على اختيار مجموعه من الأهداف يتم حشد الموارد لتحقيقهم، وبالتالي فهي ليست رد فعل آلي للبيئة الخارجية، وإنما تقوم على التأثير في البيئة الخارجية وبالتالي فان ذلك يؤيد آراء روزناو وسميث الذين يروا أن السياسة الخارجية عمليه تكيفية قوامها تحديد الأهداف لإحداث تغيرات في البيئة الخارجية، ويتعارض هذا الرأي مع مدرسة التحليل البيروقراطي الذي ترى أن السياسة الخارجية لا تكون معبرة عن أهداف محددة وتنشأ كرد فعل للبيئة الدولية، وفي هذا الصدد يمكن التفرقة بين الهدف المعلن والهدف الحقيقي، فالهدف المعلن هو الذي تعلنه الدولة وقد لا يتم حشد الموارد له بينما الهدف الحقيقي هو الذي يتم حشد الموارد له، والدليل على ذلك إعلان الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 أنها تلتزم الحياد وتسعى لإنهاء الحرب( هدف معلن)، ولكنها في نفس الوقت كانت تدعم ايران بالسلاح( هدف حقيقي).

6- الطابع الخارجي

   فالسياسة الخارجية تهدف إلى تحقيق أهداف خارجية أي أنها تركز على الخارج بعكس السياسة الداخلية التي تركز على الداخل ورغم هذا الاختلاف إلا أن هناك ترابط بين الهياكل الداخلية والسلوك الخارجي، فقد يصوغ صانع القرار سياسة داخلية تؤثر على السياسة الخارجية والعكس، مثل قيام اليابان برفع سعر الين الياباني (سياسة داخلية)، ترتب على ذلك تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة (سياسة خارجية)، كذلك إذا اتخذ الرئيس الأمريكي قرار بتأمين مصالح إسرائيل(سياسة خارجية) فقد يترتب عليه زيادة شعبيته لدي اليهود الأمريكان (سياسة داخلية).

   وفيما يخص وجود الأجانب على أرض الدولة، فاذا كانت الدولة تطبق قوانينها على كل الأجانب فهذا يعتبر سياسة داخلية، أما اذا كانت تمنح بعض الأجانب معاملة خاصة أو اذا كان هؤلاء الأجانب جانب من الدبلوماسيين فان ذلك يعتبر سياسة خارجية، ومثال ذلك أن السعودية خصت الرعايا اليمنيين بمعاملة خاصة قبل عام 1990 (سياسه خارجية)، ولكن بعد  مساندة اليمن وتأييده للغزو العراقي للكويت قامت السعودية بطرد هؤلاء اليمنيين، وبالتالي فان هناك ترابط بين السياسة الداخلية للدولة والسياسة الخارجية، وفي نفس الوقت بينهم اختلافات تتمثل في أن السياسة الخارجية لا تمس توزيع الموارد الاجتماعية لأن ذلك سياسة داخلية، كما أن السياسة الخارجية تتصف بعدم اليقين وذلك نظرًا لغموض البيئة الدولية ووجود الضغوط على صانع القرار، ففشل الخطة الاقتصادية أمرًا يمكن معالجته ولكن الهزيمة في الحرب يهدد كيان الدولة وأخيرًا يظهر الفرق في وجود الأزمات السياسية، فأزمات السياسة الخارجية تكون أكبر من عدد الأزمات الداخلية.

7- الطابع البرنامجي

     السياسة الخارجية برنامج يشمل مجموعة من الأبعاد التي تتفاوت في درجة عموميتها والطابع البرنامجي يشمل بعدين رئيسين وهما، البعد العام ويتسم بالعمومية والشمولية وصعوبة القياس الكمي، أما الُبعد المحدد يتسم بالتحديد وأنه أكثر قابلية للقياس الكمي،  ونوضح فيما يلي هذين البعدين.

أ- الُبعد العام

  يضم البعد العام في السياسة الخارجية (التوجهات-الأدوار-الأهداف-الاستراتيجيات).

·      التوجهات

   وهي الطابع العام والخصائص الأساسية لسياسة الوحدة الدولية عبر فترة زمنية نسبياً، ومن أمثلة توجهات السياسة الخارجية عدم الانحياز أو التدخل أو الانعزال فالولايات المتحدة الأمريكية كانت تتبع التوجه الانعزالي بعد الحرب العالمية الأولى وحتى دخولها الحرب العالمية الثانية، وبعد الحرب غيرت توجهاتها إلى توجه تدخلي في شئون الدول الأخرى مثل غزو العراق وأفغانستان.

   وبصفة عامة يوجد ثلاثة أنواع من التوجهات إقليمي-عالمي، وتدخلي ولا تدخلي، توجه بهدف إقرار أو تغيير الوضع الراهن،  فالسياسة الخارجية المصرية تجاه الشرق الأوسط سياسة إقليمية بينما توجه الولايات أو الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية هو توجه عالمي، ويعتبر توجه الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية توجه بهدف إقرار الوضع الراهن وذلك على عكس الاتحاد السوفيتي بعد قيام الثورة البلشفية عام 1917 وحتى 1921، حيث كان يتبع توجه بهدف تغيير الوضع الراهن بهدف نشر الشيوعية، أما الأمثلة على التوجه التدخلي كثيرة منها التدخل الأمريكي في افغانستان 2001، وفي العراق 2003، أما التوجه اللاتدخلي فيتمثل في سياسات كندا عمومًا، وبصفة عامة من الممكن أن يجتمع الثلاث أنماط لتوجهات في دولة واحدة فيكون توجهها عالميًا بهدف إقرار الوضع الراهن بشكل تدخلي مثل سياسات الولايات المتحدة في القرن 21.

·      الأدوار

    لكل وحدة دولية دوراً في النسق الدولي يصبح أحد علاماتها في السياسة الخارجية وبالتالي فإن مفهوم الدور لا ينصرف إلى مجرد تصور صانع السياسة الخارجية لهذا الدور بل يشمل كيفية ممارسته وكذلك فإن الدولة من الممكن أن تلعب أكثر من دوراً في آن واحد ويجب على صانع السياسة الخارجية أن يكون لديه تصوراً للدور الذي يقوم به أعداؤه في النسق الدولي ومن أمثلة أدوار السياسة الخارجية على سبيل المثال الدور المعادي للاستعمار والمؤيد لحركات التحرر الوطني، ويقوم هذا الدور علي تقديم المساعدات لحركات التحرر الوطني وتأييدها، وكذلك دور المدافع عن الايدولوجية مثل دور الاتحاد السوفيتي في الدفاع عن الايدولوجية الاشتراكية، وكذلك الدور المعادي  للأيدولوجية، والذي يتمثل في معاداة الولايات المتحدة الأمريكية للاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية، أيضاً يوجد دور قاعدة الثورة، وطبقاً لهذا الدور يتصور صانع القرار أن دولته يجب أن تكون داعمًا للحركات الثورية في الخارج مثل دور الصين الشعبية في الستينات، وتلعب الأمم المتحدة دورًا من أدوار السياسة الخارجية ألا وهو دور الوسيط الدولي حيث تقوم بالوساطة والتوفيق بين الوحدات الدولية المتصارعة، ويوجد دور الجسر الدولي ووظيفته نقل الوسائل والمعلومات بين الشعوب مثل سويسرا، وكذلك دور المدافع الإقليمي كدور مصر في العهد الناصري ودفاعها عن الدول العربية في تلك الفترة.

·      الأهداف

   أهداف السياسة الخارجية هي الأوضاع التي تود الوحدة الدولية أن تحققها في البيئة الدولية وذلك بالتأثير في النسق الدولي، وبالنظر إلى أهداف السياسة الخارجية نجد أن من يحددها هما الممثلين الرسمين للدولة، أما تنفيذ أهداف الدولة فيقع على الدولة نفسها أو دولة أخرى مثل نقل التكنولوجيا للعالم النامي هو هدف الدول النامية ولكن من ينفذه هي الدول المتقدمة، وبخصوص الاستفادة من تنفيذ السياسة الخارجية فنجد أن من الممكن أن تستفيد الدولة مباشرة أو غير مباشرة من تنفيذ أهدافها الخارجية وكذلك من الممكن أن تستفيد دول أخري، فمثلًا التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل تستفيد إسرائيل مباشرة والولايات بشكل غير مباشر عن طريق ضمان تواجدها في قضايا الشرق الأوسط، وبالنظر إلى أهمية أهداف السياسة الخارجية نجد أنه هناك ثلاثة أنواع من الأهداف وهي، الأهداف المركزية المتعلقة بكيان وأمن الدولة ولا يمكن الاستغناء عنها، وأهداف وسيطة متعلقة برفاهية الوحدة الدولية، وأهداف هامشية وهي تصورات عامة من مستقبل العلاقات الدولية مثل صيانة السلام الدولي.

   وبالتالي فإن أهداف السياسة الخارجية تختلف من دولة لأخري، فما هو هدف مركزي بالنسبة لدولة ما قد يكون هدف هامشي لدولة أخري، فهدف مقاومة الشيوعية كان هدفًا مركزيًٕا للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة في حين أنه كان هدفًا هامشيًا بالنسبة للدولة المصرية في تلك الفترة.

·      الاستراتيجيات

    تعرف استراتيجيات السياسة الخارجية بأنها الخطوات الإجرائية اللازمة لنقل أهداف السياسة الخارجية من حيز التصور إلى حيز التنفيذ، وبالتالي لابد أن تراعي استراتيجية السياسة الخارجية لدولة ما المدى الزمني لتحقيق الأهداف وحجم الموارد المتاحة وكذلك طبيعة النسق الدولي في تلك الفترة.

ب- الُبعد المحدد

    يضم هذا البعد للسياسة الخارجية بعدين وهما:

·      القرارات : وهو اختيار محدد في فترة محددة تبدأ وتنتهي في فترة زمنية معينة، ويمكن التمييز بين نوعين من القرارات، الأول وهو القرار الاستراتيجي وهو قرار ذات طبيعة سياسية وليست روتينية ،فالقرار الاستراتيجي يأخذه رئيس الدولة مثل قرار تأميم قناة السويس عام 1956، أما النوع الثاني فهو القرارات التكتيكية وهي قرارات ذات طبيعة سياسية روتينية وهي لأزمة لتنفيذ القرارات الاستراتيجية ويأخذها رئيس الدولة أو وزير الخارجية مثل قرار الوحدة العربية بين مصر وسوريا عام 1958 ، وهو قرار استراتيجي احتاج إلى قرار تكتيكي وهو دمج التمثيل الدبلوماسي لمصر وسوريا.

·      السلوكيات: هو تصرف لفظي أو فعلي محدد زمانا ومكانا يأخذه الممثلون الرسميون في وحدة دولية تجاه وحدة دولية أخري، ومن ذلك يتضح أن سلوك الوحدة الدولية يكون محدد زمانًا ومكانًا ويتصف بالرسمية لتحقيق أهداف الدولة ويمكن قياس سلوك الدولة من خلال ثلاثة مؤشرات:-

- المؤشر الأول: الأحداث الدولية

    سلوك السياسة الخارجية لا يتميز بالروتينية، أي أنها لا تحدث باستمرار مثل إعلان الحرب ومعاهدة السلام، ويمكن استخراج خصائص الحدث السياسي من المصادر الصحفية وتحديد الفاعل والمفعول والزمان وتحديد السلوك، ومثال على ذلك اغلاق مصر مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية عام 1967، حيث نجد أن من قام بالفعل هو مصر والمفعول هو اسرائيل والزمان هو عام 1967 والسلوك هو اغلاق مضيق تيران.

- المؤشر الثاني: السلوك التصويتي

   من خلال الموافقة أو الاعتراض أو الامتناع عن التصويت، فمثلًا السعودية كانت تمتنع عن التصويت فيما يخص قضية الصين الشعبية في الأمم المتحدة حتى عام 1967، ولكن من بداية عام 1968 غيرت موقفها من الامتناع إلى الاعتراض، وذلك يرجع الى مساندة الصين الشعبية لثورة قامت في عمان تسمى "ثورة الظفار" لتصحيح الاوضاع هناك (ضد حكم السلطان سعيد بن تيمور والد السلطان قابوس وتم اخمادها كليًا عام 1975)، وبالتالي خشيت السعودية من الدعم الشيوعي للثورة العمانية "ثورة الظفار"  وبالتالي اعترضت على قرار تمثيل الصين الشعبية في الامم المتحدة.

- السلوك الدبلوماسي الدولي

   ويقصد به ارسال بعثات دائمه الى الدول الأخرى، ويعد ارسال البعثات اعتراف من جانب الدولة الرسالة للبعثة  بالدولة المرسل اليها البعثة الدبلوماسية، وبالتالي عدم ارسال معظم الدول العربية بعثات لإسرائيل يعني عدم الاعتراف بها، كذلك فان من المتعارف عليها أن مقر البعثة الدائمة يكون في عاصمة الدولة المضيفة للبعثة، إلا أنه في كثير من الاحيان تلجأ الدولة إلي أخذ مدينة غير العاصمة كمقر لبعثتها كدليل على عدم اعترافها بشرعيه عاصمه هذه الدولة فمثلًا الكثير من الدول التي ترسل بعثاتها لإسرائيل تحرص على ان يكون مقرها تل ابيب وليس القدس، كدليل بعدم اعترافها بالقدس عاصمه لإسرائيل، وقد يأخذ السلوك الدبلوماسي شكلين وهما ارسال سفير مقيم (بعثه دائمة) او ارسال مبعوث غير مقيم.

المبحث الثاني  -السياسة الخارجية (الأهمية والأدوات)

    تتناول الدراسة في هذا المبحث أهمية السياسة الخارجية، وأدوات تنفيذها.

  أولاً: أهداف السياسة الخارجية

  تتعدد أهمية السياسة الخارجية للوحدة الدولية وتتعدد وظائفها حيث:

1- الوظيفة التنموية: إذا كانت الدولة تلعب دورا نشطًا ولها مكانة دولية يساعدها ذلك على تلقي المساعدات الاقتصادية مثل مصر في العهد الناصري، فعلى الرغم من عداء عبد الناصر مع الغرب إلا أنهم عملوا على دعم مصر تخوفًا من خساراته، لأن خسارة الغرب لعبد الناصر ستكلف الغرب الكثير من المصالح في الشرق الأوسط والعالم الثالث.

2- تدعيم سلطة صانع القرار: حيث تلعب السياسة الخارجية دورا في تأكيد مشروعية القائد السياسي وزيادة شعبيته فيلجأ إلى تنشيط دوره الخارجي لكي يعطي انطباع لدي الرأي العام بقدرته على الإنجاز وكسب احترامهم، وفي كثير من الأحيان يلجأ إلى اتخاذ سياسة خارجية بناءًا على دوافع داخلية مثل الحملة العسكرية التي شنها شارل العاشر ملك فرنسا على الجزائر من أجل اخماد المعارضة الداخلية في مجلس النواب.

3- تأمين المصالح الخارجية: حيث تسعى الدولة من خلال سياستها إلى تأمين تحقيق مصالحها ومن أمثلة ذلك الولايات عقب الحرب العالمية الأولى، والسياسة السوفيتية في فترة الخمسينات تجاه الشرق الأوسط لكسر الحصار الغربي.

4- تدعيم التكامل القومي: من خلال اتجاه صانع السياسة الخارجية إلى التركيز على العدو الخارجي مما يؤدي إلى التفاف الشعب حوله مثل السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه الدول العربية.

5- تدعيم الاستقلال السياسي للدولة: ومن ذلك اتباع الدول النامية لسياسة عدم الانحياز في فترة الحرب الباردة من أجل حماية استقلالها، مثلما فعلت السياسة الخارجية اليوغسلافية في فترة الخمسينيات لحماية استقلالها من الاتحاد السوفيتي.

6- اعطاء الدولة مكانة دولية: وذلك من خلال الموارد التي تتمتع بها الدولة ومستواها الحضاري، مثل السياسة الخارجية الكندية في حفظ السلام العالمي، والسياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في العالمين العربي والاسلامي.

7- تأمين المصالح الخارجية: حيث تسعى الدولة من خلال سياستها الخارجية إلى تأمين وتحقيق مصالحها ومن أمثلة ذلك الولايات المتحدة الأمريكية عقب الحرب العالمية الاولى، وأيضًا السياسة الخارجية السوفيتية في فترة الخمسينات في الشرق الاوسط لكسر الحصار الغربي عن الاتحاد السوفيتي( كسر الاستراتيجية الأمريكية القائمة على احتواء الاتحاد السوفيتي في مناطق نفوذه).

وبالنظر لأهمية السياسة الخارجية  نجد ان هناك عوامل تضعف هذه الأهمية، وذلك في الحالات الأتية:-

·      إذا كانت دولة حياد دائم قانوني مثل سويسرا.

·      إذا كانت الدولة مهزومة في حرب مثل اليابان بعد الحرب العالمية الثانية

·      إذا كانت الدولة منبوذة من جانب المجتمع الدولي مثل جنوب أفريقيا بسبب التميز العنصري.

·      إذا كانت الدولة تعاني من تغير جذري(ثورات) مثل الصين في عام 1966 وقيام الثورة الثقافية.

·      إذا كانت الدولة تدخل في لواء الاحلاف تحت طائلة الدول الكبرى مثل الدول التي دخلت في الاتحاد السوفيتي السابق.

·      التبعية الاقتصادية من الدول الصغرى للدول الكبرى، وبالتالي ينتج عن ذلك تبعية سياسية وتصبح الدول الصغرى غير قادرة على ممارسة سياستها في مواجهة هذه الدول.

ثانيًا: أدوات السياسة الخارجية

   تتعدد أدوات تنفيذ السياسة الخارجية مثل

1-الادوات الدبلوماسية: الدبلوماسية هي فن إدارة العلاقات مع الدول الأخرى في عملية تنفيذ السياسة الخارجية، ويدخل ضمن الأداة الدبلوماسية للسياسة الخارجية المهارات والموارد التي تستعملها الدولة في تمثيل ذاتها مثل السفارات والقنصليات.

2- الموارد الطبيعية: هي الموارد التي وهبها الله للإنسان من ثروات معدنية وأراضي وغابات وغير ذلك وتلعب دورا في السياسة الخارجية فمثلًا استعمال الدول العربية البترول في حرب أكتوبر للضغط على الدول المساعدة لإسرائيل.

3- الأدوات العلمية والتكنولوجية: وهي الأدوات التي تقوم على استخدام المعرفة العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية، وتستخدم تلك الأدوات في نقل التكنولوجيا والتبادل العلمي وتوجيه الاقمار الصناعية لأغراض الاتصال الخارجي.

4-الأدوات الاستخباراتية: وهي الأدوات التي تستخدم في جمع المعلومات وتفسيرها وتعتمد تلك الأدوات بشكل كبير على عمليات التجسس مثل وكالة الاستخبارات الأمريكية.

5- الأدوات الاقتصادية: وهي الأدوات الخاصة بالمساعدات الاقتصادية والمنح والقروض أو المقاطعات الاقتصادية أو تلك المتعلقة بالتبادل التجاري والتفاوض حول التعريفة الجمركية.

6- الأدوات الرمزية: وهي الأدوات التي تهدف إلى التأثير في فكر الآخرين، سواء من خلال الدعاية أو الإعلان أو تبني ايدولوجية معينة أو الغزو الثقافي لدولة ما عن طريق إقامة العروض الثقافية ومن أمثلة الدول التي استخدمت الأدوات الرمزية في سياستها الخارجية هي الولايات المتحدة الأمريكية من خلال محاولة تصديرها للايدلوجية الرأسمالية للعالم.

7- الادوات العسكرية: وهي الادوات الخاصة بالمساعدات العسكرية وعقد التحالفات العسكرية وانشاء القوات المسلحة وتسليحها وتدريبها وتنظيمها، سواء كانت قوات برية أو بحرية أو جوية.

المبحث الثالث - محددات السياسة الخارجية

    محددات السياسة الخارجية هي تلك العوامل التي تؤثر في السلوك الخارجي للوحدة الدولية وهذه العوامل أما تكون داخلية أو خارجية، وستتناول الدراسة في هذا المبحث المحددات الداخلية والخارجية للسياسة الخارجية.

أولاً: المحددات الداخلية

    تؤثر على السياسة الخارجية وتكون نابعة من داخل الدولة ومنها:

1- الموقع الجغرافي والحدود والتضاريس: فالموقع المتميز لدولة ما يجعلها تتمتع بعلاقات قوية في المجتمع الدولي، ويؤثر على سياستها الخارجية ويجعلها محط أطماع الدول الأخرى، وحدود الدولة إذا كانت طويلة ذلك يسبب لها مشكلات أمنية بجانب اذا كانت هذه الحدود غير واضحة سيؤدي ذلك الى حدوث صراعات.

2- المحددات العسكرية: العوامل العسكرية من أهم العوامل التي تعتمد عليها الدولة في تنفيذ سياساتها الخارجية، فالدول التي تملك قوة عسكرية وأسلحة وترسانات نووية تكون سياستها الخارجية مختلفة عن الدول التي لا تملك ذلك، وبالتالي نجد أن القوي الكبرى القوية عسكريًا تتبع سياسات التدخل والهيمنة.

3- المحددات الاقتصادية: فموارد وإمكانيات الدول تلعب دورًا في توجيه وصنع السياسة الخارجية، فالدول محدودة الامكانيات لا تكون سياستها كالدول التي تتمتع بموارد وإمكانيات، فالصين جعلها النمو الاقتصادي تتجه نحو إفريقيا من أجل استثمار فائض النمو الاقتصادي بها.

4- المحددات السياسية: النظام السياسي في الدولة يؤثر على عملية صنع السياسة، فالنظم التي تتسم بالتعددية السياسية عادة ما تعكس سياسة خارجية سليمة، ذلك على عكس النظم الشمولية والتي تفتقر إلى التعددية وتعكس سياسات توسعية وتكون مرتبطة بشخصية القائد السياسي، وبالتالي فإن نوع النظام يؤثر في السياسة الخارجية للدولة، وبالتالي سلطة البت في المقام الاول فيما يخص السياسة الخارجية في النظم البرلمانية تكون في يد رئيس الوزراء، عكس النظم الرئاسية تكون في يد رئيس الدولة، أما النظام المختلط فتكون سلطة البت في الأمور في يد رئيس الدولة بشرط موافقة البرلمان عليها.

5- المحددات الشخصية: تتعلق بشخصية القائد السياسي، ففي الدول النامية تتغير توجهات السياسة الخارجية تبعًا لتغير القادة السياسيين على عكس الدول المتقدمة ديمقراطيًا التي تتسم فيها بالثبات النسبي، ويظهر العامل الشخصي في شخصية وطبيعة القائد السياسي والكاريزما التي يتمتع بها ويحظى من خلالها بالتأييد الشعبي كالرئيس جمال عبد الناصر.

ثانيًا: المحددات الخارجية

  تتمثل في طبيعة النظام الدولي والإقليمي التي تنتمي إليه الدولة وبالتالي لا تستطيع اي دولة مهما بلغت قوتها أن تمارس سياسة العزلة الدولية مدي الحياة، فبالنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقد مارست سياسة العزلة منذ عام 1919-1941، ولكن طبيعة النظام الدولي والحرب العالمية الثانية جعلت الولايات تتخلي عن سياسة العزلة وتتبني سياسة التدخل.

الفصل الثاني - دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية

القيادة السياسية هي قدرة وفاعلية وبراعة القائد السياسي في تحديد أهداف المجتمع السياسي واختيار أفضل الوسائل المناسبة لتحقيق تلك الأهداف وذلك بالتعاون مع النخب السياسية الموجودة في المجتمع ، وهذه القيادة لها خائصها وأنواعها، وقد تعددت النظريات التي فسرت دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية كنظرية السمات والنظرية الموقفية ونظرية السلالات القيادية، أيضًا هناك العديد من العوامل الموضوعية التي تؤثر في الدور الخارجي للقائد السياسي، هذه العوامل منها ما هو متعلق بطبيعة القائد،  ومنها ما هو متعلق بالنظام السياسي، ومنها ما هو متعلق بطبيعة الموقف، أيضّا هناك عوامل شخصية متعلقة بالقائد السياسي وتؤثر في صنعه للسياسة الخارجية كدوافعه الذاتية وسماته الشخصية.

وسوف تتناول الدراسة في هذا الفصل، مفهوم وخصائص القيادة السياسية ونظرياتها والعوامل الموضوعية والشخصية المؤثرة في الدور الخارجي للقائد السياسي، وذلك من خلال ثلاث مباحث وهم:-

المبحث الأول: مفهوم القيادة السياسية وخصائصها وأنواعها

المبحث الثاني: نظريات القيادة السياسية والعوامل الموضوعية المؤثرة في الدور الخارجي للقائد السياسي.

المبحث الثالث: العوامل الشخصية للقائد السياسي والمؤثرة في عملية صنع السياسة الخارجية.

 

           

المبحث الأول - مفهوم القيادة السياسية وخصائصها وأنواعها

   ستتناول الدراسة في هذا المبحث المفاهيم المختلفة للقيادة السياسية وخصائصها وأنواعها.

أولًا: تعريف القيادة السياسية

   تتعدد تعريفات القيادة السياسية، فلا يوجد تعريف متفق عليه بين الكتاب والباحثين فقد عرفتها الباحثة سلوى شعراوي بأنه " الشخص الذي يشغل قمة الهرم السياسي وهو رئيس السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية).

 وعرفها الباحث جمال معوض بأنها " قدرة وبراعة القائد السياسي في تحقيق الأهداف وذلك عن طريق التعاون مع النخب السياسية في المجتمع، وبالنظر إلى تلك التعريفات نجد أنها تنظر إلى القيادة السياسية باعتبارها فرد ولكن الغرب ينظرون إليها باعتبارها مؤسسة.

   يجب التفرقة بين القائد السياسي وبين الرئيس ، فالرئيس يتعامل مع النخب السياسية والجماهير باعتبارهم أشياء من منطلق سلطته القمعية وفي الغالب يكون هدفه تحقيق أهدافه الخاصة أي أنه يعتمد على الأمر والنهي النابع من الاعتماد على العقوبات ، بينما القائد السياسي يعتمد في تعامله مع النخب السياسية على الاقناع والاقتناع ويهدف إلى تحقيق أهداف المجتمع ككل ، إذن فليس كل رئيس قائد سياسي.

   وبالتالي فإن مفهوم القيادة السياسية معقد، لأن القيادة تتعلق بالجوانب السياسية والاجتماعية والنفسية، وهذا ما جعل ماريو يرصد 130 تعريف للقيادة عام 1989 ، وذلك فضلاً على أن التراث العربي الإسلامي أثرى أدبيات القيادة بالعديد من المفاهيم مثل الخلافة ، الامامة، والولاية وكل هذه المفاهيم بمعنى القيادة.

   وبالنظر إلى القيادة في المفهوم العربي نجد أنها تتسم بشمولية مواضيعها وتؤدي بهم إلى العبادة الشخصية لقائدهم وهو ما يطلق عليه شخصنة القيادة، وبصفة عامة فإن هناك ثلاثة اتجاهات لتعريف القيادة السياسية ، الاتجاه الأول يعتمد على مكانة الشخص والاتجاه الثاني يعتمد علي سمعة الشخص أو شهرته ، والاتجاه الثالث يعتمد على دور الشخص في صنع القرارات.

     إذن فالقائد السياسي هو فرد يشغل منصب رفيع في الدولة ويكون ذا نفوذ وشعبية في المجتمع، ويكون لدوافعه واستعداده وبيئته النفسية التي نشأ فيها وسماته الشخصية دور في اتخاذ القرارات.

وبالتالي، فإن وظيفة القائد السياسي تتمحور فيما يلي:-

1- أنه أداة للتخطيط: أي أنه يحدد الأهداف ويرتبها ويقدر المواقف ويحدد عناصر القوة والضعف الموجودة داخل مجتمعه، وفي هذا الصدد يستعين بأهل الخبرة والعلم ويأخذ في حسبانه ردود أفعال الجماهير.

2- له دور في تسوية الخلافات بين قوى وجماعات المجتمع المختلفة، وفي هذا الصدد ينظر القائد إلى نفسه باعتباره أعلى من الجميع حتى لو وصل إلى السلطة عن طريق طبقة أو فئة أو حزب معين فيجب التزامه الحياد والتوفيق بين قوى المجتمع المختلفة.

3- له دور في إحداث التغير المجتمعي الشامل أي إحداث تنمية شاملة.

4- له دور في بث الشعور بالثقة والاطمئنان والكرامة في نفوس الأفراد.

5- هو رمز للمجتمع وآماله وشرفه وكرامته وهذه الوظيفة ترتبط بنمط القيادة الكاريزمية ومن ذلك التفاف الشعب المصري حول الرئيس عبد الناصر عام 1967 رغم مرارة الهزيمة،  في حين قد يصبح القائد كبش فداء بسبب الهزيمة مثلما هُزم هتلر في الحرب العالمية الثانية بسبب قراره الخاطئ بغزو الاتحاد السوفيتي في فصل الشتاء.

6- أيضاً يجب أن يكون القائد السياسي قدوة ومثال سلوكي يُحتذى به.

    وحتى ينجح القائد السياسي في أداء هذه الوظائف يجب عليه أن يكون نابغ سياسياً فطن في التعامل مع كل موقف من المواقف التي تواجه المجتمع، وأن يدرك أن القيادة هي عملية تفاعل ومشاركة قائمة على الإقناع وليس القهر أو المناورة.

ثانياً: خصائص القيادة السياسية

    من منطلق تعريف القيادة السياسية  بأنها قدرة وفاعلية وبراعة القائد السياسي في تحديد أهداف المجتمع السياسي واختيار أفضل الوسائل المناسبة لتحقيق تلك الأهداف وذلك بالتعاون مع النخب السياسية الموجودة في المجتمع، ويتضح أن القيادة ليست ظاهرة فردية تتعلق بشخص واحد يمارس السلطة السياسية فهي تضم عنصرين أساسيين وهما القيادة والنخبة، كما أن بعض الدراسات أشارت إلى أن القيادة السياسية تضم القائد والأتباع والقيم والمواقف المهمة.

   فوجود القائد السياسي هو أمر مهم وضروري في عملية التغير في أي مجتمع سواء كان ذلك التغير تغيراً اجتماعيًا أو سياسيًا أو إجراء تعديل دستوري، وبالتالي فإن القائد السياسي يقوم بذلك التغير الاجتماعي في ضوء معتقداته وخبراته المكتسبة من التعلم والخبرة والتجربة.

    ومن الملاحظ أن مفهوم القيادة السياسية يتداخل مع مفاهيم القيادة في المجالات العليا في الدولة مثل القيادة القانونية، وقيادة الجيش، والقيادة الإيديولوجية، والكثير من الباحثين يربطون مفهوم القيادة بالقوة او السلطة، فيوصف القائد السياسي بأنه الشخص الذي لديه القدرة على تغيير مسار الأحداث.

ثالثاً: أنواع القيادة السياسية

  يوجد عدة معايير يتم على أساسها تصنيف القيادة السياسية ومن هذه المعايير :

١-معيار دور القائد في العملية السياسية

وطبقاً لهذا المعيار تتنوع القيادة السياسية ما بين :

أ‌-    قيادة ديمقراطية: وهنا يكون القائد السياسي يؤمن بفكرة مشاركة المحكومين ويتقبل المناقشات والحلول ، مما يخلق نوعًا من الرضا بين الحاكم والمحكومين ويضفي المزيد من الشرعية على القائد السياسي فيلتف الناس حوله والجماهير حتى في الأزمات، مثل ما حدث مع عبد الناصر عام 1967 والتفاف الشعب حوله رغم مرارة الخسارة والهزيمة في الحرب.

ب‌-          قيادة استبدادية: وهي عكس القيادة الديمقراطية ، فالقائد السياسي لا يقبل المشاركة والمناقشة من جانب المحكومين ومن الممكن أن يتقبل المشاركة ولكن في النهاية تكون مشاركة إسمية فقط ولا يهتم بها ويفعل ما يريد.

ج- قيادة غير متداخلة: وتعرف بالقيادة السلبية فالقائد السياسي هنا لا يشارك في صنع القرارات أو السياسات ويقتصر دوره على تقديم المعلومات التي تطلب منه ، وفي هذا النطاق نرى أن رئيس الولايات المتحدة إيزنهاور قد ترك إدارة الشئون الخارجية للولايات المتحدة لوزير خارجيته جون فوستر دالاس فلم يكن يهتم إيزنهاور بالشئون الخارجية رغم أنه القائد السياسي للولايات المتحدة في ذلك الوقت.

   ونرى أنه من الممكن أن يجمع الرئيس بين القيادة الديمقراطية والاستبدادية في نفس الوقت فمثلا الرئيس فلاديمير بوتين وصل إلى سلطة الحكم عن طريق انتخابات ديمقراطية حرة إلا أنه قد يتخذ مواقف فردية دون مشاركة شعبه مثل قراره بدعم الولايات في حربها على الإرهاب عام 2001.

2- معيار مصدر الشرعية

    وضع العالم الألماني ماكس فيبر ثلاث مستويات لأسس الشرعية وهم التقاليد، والشرعية القانونية، والكاريزما ،وطبقاً لهذا المعيار فإن هناك ثلاث أنواع من القيادة السياسية وهم :

أ‌-    قائد تقليدي: وهو الموجود في المجتمعات البدائية وتكون سلطته مطلقة، ويعتمد هذا النوع على الأعراف والتقاليد والمكانة، ومن ذلك قد نرى ولاء الأفراد إلى شيخ القبيلة باعتباره الأكبر سنًا ومكانة، وهو المنوط بتطبيق عادات وقيم القبيلة ، وبالتالي فإن هذا النوع يظهر في المجتمعات التي بها قدر من القبلية مثل مجتمعات الخليج .

ب‌-         القائد الشرعي/القانوني : وهو الذي يعتمد على الدستور كوسيلة لتنظيم علاقته مع المحكومين ، وبالتالي فإن الأفراد لا يطيعونه بسبب شخصيته ولكن بسبب عمله في إطار شبكة من المؤسسات المبنية بصورة شرعية ومثال ذلك في عالمنا العربي مصر في عهد الرئيس مبارك، والولايات المتحدة في عهدي إيزنهاور وكيندي ، وبريطانيا في عهد رئيس الوزراء تشرشل.

ج-القائد الكاريزمي: فيكون لهذا القائد تأثير في نفوس المواطنين فيجتمعون حوله في كل الاحوال ومن أمثلة القائد الكاريزمي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولكن من الملاحظ علي القيادة الكاريزمية أنها تفقد المواطن شخصيته، وبالتالي قد يأخذ الرئيس قرار يرفع من شأن الدولة مثل قرار تأميم قناة السويس ، وقرار يهبط من شأن الدولة مثل قرار عام 1967.

3- معيار السمات النفسية والسلوكية للقائد.

    تصنيف القيادة وفقاً لهذا المعيار يعكس مدى انفتاح علماء السياسة على علم النفس، فيوجد ثلاث أنواع من القيادة وفقاً لهذا المعيار وهم :

أ-قائد برجماتي: وهو يتميز بالعقلانية وتغيير سياسته بما يحقق أهداف دولته ولديه أيضًا القدرة على اتخاذ القرار وإقناع الآخرين به ومثال ذلك الرئيس المصري الراحل أنور السادات عندما غير وجهة السياسة الخارجية المصرية من الشرق «الاتحاد السوفيتي» إلى الغرب «الولايات المتحدة الأمريكية» .

ب- قائد وسيط /منظم: وهو أشبه ما يكون برجل أعمال أو منظم اقتصادي فهو يلعب دور الوسيط بين مختلف الأطراف في المجتمع.

ج‌-    قائد كاريزمي: وهو الذي لديه قوة عاطفة يستطيع من خلالها التأثير في نفوس المواطن مثال جمال عبدالناصر.

المبحث الثاني- نظريات القيادة السياسية والعوامل الموضوعية المؤثرة في الدور الخارجي للقائد السياسي

   سوف تتناول الدراسة في هذا المبحث النظريات التي تفسر دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية، والعوامل الموضوعية التي تؤثر في دوره الخارجي.

أولاً: نظريات القيادة السياسية

استطاع علماء الاجتماع وضع الكثير من النظريات التي تفسر سلوك القائد السياسي وأهم تلك النظريات كانت نظرية السمات ونظرية الموقف، ونظرية القيادة التحويلية ،والسلالات القيادية ونتناول كل نظرية على حدة:

1-نظرية السمات: يرى أصحاب تلك النظرية أن نجاح القائد السياسي يعتمد على وجود خصائص وسمات شخصية منها السمات العقلية كالمعرفة وسعة الأفق وحسن التصرف، وسمات جسدية كالطول والوزن والحيوية، وسمات انفعالية كضبط النفس والنضج والحكمة، وسمات اجتماعية كالمشاركة والتعاون وخلق روح معنوية، وأيضًا يروا أن القائد السياسي يجب أن يكون حسن السمعة يتصف بالعمل والأمانة إلا أن تلك النظريات قد تعرضت للنقد حيث أن:

أ- الخصائص الجسدية والانفعالية والاجتماعية التي ذكرتها النظرية ليست حكراً على القادة فقط.

ب- تلك النظرية ربطت بين كل تلك السمات بنجاح القائد ، على الرغم من أن القائد السياسي قد يفقد أحد هذه السمات ويكون قائدًا ناجحًا.

2-نظرية القيادة التحويلية: ظهرت هذه النظرية في حيز الفكر الإداري والسياسي عام 1978 على يد عالم ومفكر يسمي Burns، وهذه النظرية تركز على التحفيز، فالقادة يجب أن يملكون محفزات لأتباعهم ويقومون برفع الروح المعنوية لهم حتى يستطيعوا التخطي من المشكلات والأزمات.

3-النظرية الموقفية: بعد النقد الذي تعرضت له نظرية السمات قام الكثير من الكتاب والباحثين بالاهتمام بتغيرات الموقف في تحديد النمط القيادي الملائم ، وبالتالي ظهرت النظرية الموقفية التي تقوم على أنه لا يوجد نمط ملائم لكل المواقف بل إن النمط المناسب هو الموقف الحالي ، وتعتبر نظرية فيدلر من أهم النظريات الموقفية التي ترى أن فاعلية القيادة تتوقف على مدى وقدرة القائد السياسي على الموائمة بين سماته القيادية وبين الموقف وحددت نظرية فيدلر ثلاث عوامل موقفية وهي، علاقة القائد بأعضاء الجماعة ، درجة الهيكلة للمهمة المطلوب أدائها، قوة المركز الوظيفي، ومن الدلائل التي تؤيد تلك النظرية هما الرئيسين نيكسون وريغان، فالأول أراد وفاقًا مع الاتحاد السوفيتي وعقد معه معاهدة سالت الأولى ، بينما ريجان كان أكثر عداءًا للاتحاد السوفيتي وقام بإلغاء تلك المعاهدة.

4- نظرية السلالات القيادية: وهي النظرية التي تؤكد على أن الكثير من القادة السياسيين يميلون إلى توريث القيادة لابنائهم أو أقربائهم، وهذا النوع من القيادة يظهر في المجتمعات التقليدية كما أنه ظهر في الدول العربية خاصة دول الخليج العربي الآخذة بنظام الحكم الملكي وبالتالي تصبح القيادة السياسية محصورة في أسرة واحدة (الأسرة الحاكمة) لفترات طويلة تمتد إلى قرون.

ثانياً: العوامل الموضوعية المؤثرة في الدور الخارجي للقائد السياسي

    هناك العديد من العوامل الموضوعية التي تؤثر في دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية وهذه العوامل منها المتعلق بالقائد أو بطبيعة الموقف ومنها المتعلق بالنظام السياسي في الدولة.

1-عوامل تتعلق بطبيعة القائد السياسي

   ومن هذه العوامل اهتمام القائد بالسياسة الخارجية وخبرته في الشئون الخارجية ، ومرونة القائد السياسي والكاريزما التي يتمتع بها هذا الشخص.

أ‌-      اهتمام القائد بالسياسة الخارجية:   تختلف أسباب اهتمام القائد بالسياسة الخارجية من قائد لآخر، فقد يهتم القائد بالسياسة الخارجية لأنه يراها أداة فعالة لتحقيق شعبيته أو أنها تحقق أهداف الدولة أو إذا كان هناك عدو خارجي يهدد الدولة، فكلما كان القائد السياسي مهتم بالسياسة الخارجية كلما كانت مشاركته في صنع السياسة الخارجية فعالة، فلقد كان الرئيس عبد الناصر شديد الاهتمام بالسياسة الخارجية على عكس الرئيس الأمريكي إيزنهاور الذي ترك مهمة إدارة الشئون الخارجية لوزير خارجيته جون فوستر دالاس.

   وفي هذا السياق هناك قادة اهتموا بالسياسة الخارجية كالرئيس عبد الناصر والرئيس الفرنسي   الأسبق شارل ديجول والرئيس الأمربكي نيكسون، وهناك قادة آخرون ذات تركيز على الشئون الداخلية مثل الرئيس الفرنسي الأسبق بومبيدو، في حين أن هناك بعض القادة كانوا ذات تركيز داخلي لكن الظروف أجبرتهم على التركيز الخارجي.

ب‌-    مرونة القائد السياسي:  وهي مدى حساسية القائد السياسي للبيئة المحيطة به ومدى استعداده لتغير سياسته بناءً على وجود معلومات، فقد يكون القائد السياسي محصن ضد التغيير أي متمسك بأفكاره وسياساته، وقد يكون إقناع بعض القادة بتغيير سياستهم أمرًا سهلًا، وقد يكون القائد السياسي مرنًا يغير سياسته بناءً على وجود معلومات تثبت خطأ سياسته.

ج-خبرة القائد بالسياسة الخارجية: فكلما كان القائد السياسي متمرس في السياسة الخارجية، كلما كان لديه آراء وأسلوب أمثل لصنع السياسة الخارجية، فعلى سبيل المثال عمل الملك فيصل بن عبد العزيز وزير للخارجية للمملكة العربية السعودية لفترة طويلة قبل وصوله للحكم مما أكسبه الخبرة في التعامل الخارجي، أيضًا جون فوستر دالاس وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس إيزنهاور والذي هيمن على السياسة الخارجية الامريكية.

    د- كاريزمية القائد السياسي: فالقائد السياسي المتمتع بالكاريزما يستطيع اكتساب ولاء وثقة      الجماهير باعتباره مصدرًا شرعيًا للسلطة، فهو الذي يعبر عن روح الأمة وإرادتها العامة.

    وفي هذا السياق قد يكون القائد السياسي في البلدان النامية ذات بصمة على السياسة الخارجية أكبر من تلك البصمة التي وضعها القادة السياسيون في الدول المتقدمة، ومن أمثلة ذلك  نهرو في الهند، والرئيس جمال عبد الناصر في مصر ، إذن كلما كان القائد السياسي يتمتع بالكاريزما كلها زاد تأثيره في صنع السياسة الخارجية.

2-عوامل تتعلق بطبيعة النظام السياسي في الدولة

  من أمثلة تلك العوامل المتعلقة بطبيعة القائد السياسي والتي تؤثر في دوره في السياسة الخارجية ما يلي:

أ- أسلوب الوصول للسلطة:  فأساليب الوصول للسلطة تختلف من دولة لأخري تبعاً للنظام السياسي فقد يصل القائد للسلطة بناءً على توريث الحكم، وهنا تكون سلطته مطلقة بسبب الدعم القبلي أو العشائر مثل مجتمعات الخليج العربي، وقد يصل القائد عن طريق انتخابات أو ثورة سياسية أو انقلاب عسكري وفي هذه الحالة تكون سلطته شبه مطلقة في إدارة شئونه الخارجية حتى لو كان نظام الحكم ديمقراطياً، وقد يصل القائد السياسي للحكم بناءً على دعم أجنبي مما يجعله مسيطرًا على قرارات الدولة بسبب الحماية الأجنبية له مثلما دعم الاتحاد السوفيتي فيدال كاسترو رئيسًا لكوبا رغم معارضة الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أدى إلى أزمة الصواريخ الكوبية عام 1963.

 ب- سلطة اتخاذ القرار: ففي الأنظمة الديكتاتورية والتي تقل فيها المعارضة سواء من قبل الأحزاب أو جماعات الضغط يتمتع القائد السياسي بسلطة مطلقة في صنع سياسته الخارجية، وذلك على عكس الأنظمة الديمقراطية التي تحوي أحزاب وجماعات ضغط ورأي عام يمثلوا ضغطًا على القائد السياسي فضلاً عن وجود القائد الكاريزمي والذي يتمتع بقبول شعبي كبير يجعل من سلطته مطلقة ولكنها في ذات الوقت مفوضة من الشعب نظرًا لحبه وثقته به.

ج- مستوى هيكل صنع القرار: فالقيود التنظيمية على شاغلي المستويات العليا ومنهم القائد السياسي تقل إلى حد كبير، وبالتالي تلعب العوامل الشخصية دورًا مؤثرًا في عملية صنع القرار الخارجي، وذلك نظرًا لصعوبة تحديد المستويات في المناصب والمستويات العليا.

د- دور القائد السياسي في الدول النامية:  دور القائد وتأثيره في الدول النامية فيما يخص السياسة الخارجية يكون أكبر من الدول المتقدمة وذلك نظرًا لأن البلدان النامية تتسم بضعف التكامل القومي وغياب الأحزاب والمؤسسات الوسيطة في معظمها، وبالتالي تدني مستويات المشاركة مما يجعل عملية اتخاذ القرار في يد زعيم الدولة، فتصبح فلسفة القائد الشخصية هي المذهب السياسي الذي ينسب إلى اسمه كالعهد الناصري نسبة لجمال عبد الناصر، وذلك عكس الدول المتقدمة المستقرة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وبها مؤسسات تلعب دورًا في صنع القرار مما يحد من سلطة القائد السياسي.

3-عوامل تتعلق بطبيعة الموقف

 يظهر تأثير القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية حسب طبيعة الموقف سواء كان موقفاً استراتيجيًا أو يتعلق ببقاء الدولة أو كان موقفًا غامضًا أو أزمة دولية

أ- قضايا البقاء الوطني: فكلما تعلقت القضية بالبقاء الوطني يقل دور الدوافع الشخصية في صنع السياسة الخارجية، ففي هذه الحالة يكون بقاء الدولة معرض للخطر فيضطر القائد السياسي إلى قبول النصح من الآخرين خوفًا من عاقبة اتخاذه قرار قد يضر بمصلحة الدولة وخوفًا على مكانته التاريخية.

ب- موقف استراتيجي طويل الأمد: فكلما كان الموقف يطلب تخطيطًا طويل الأمد يزداد تأثير العوامل الشخصية في صنع السياسة الخارجية حيث أن القائد السياسي يتخذ قرارات تتعلق بالمستقبل البعيد في حين أن الرأي العام في حالة انشغال بالقضايا الراهنة .

ج- وفرة أو ندرة المعلومات: في حالة وفرة المعلومات يصعب تصنيفها وبالتالي يختصرها القائد السياسي ويختار المعلومات المتوقع أنها صحيحة، وأيضًا إذا كانت هناك ندرة في المعلومات يتطلب الأمر من القائد السياسي سرعة اتخاذ القرار، وبالتالي توافر أو ندرة المعلومات من أسباب زيادة تأثير العوامل الشخصية في صنع السياسة الخارجية.

د- غموض الموقف السياسي الخارجي: كلما كان الموقف الخارجي يتصف بالغموض كلما زاد من تأثير العوامل الشخصية في صنع السياسة الخارجية، فقد يكون الموقف غامض لأنه موقف جديد أو بسبب تعدد الأطراف وتداخل المعلومات، وبالتالي القائد السياسي يعتمد على قدراته وكفاءاته في تغيير تلك المواقف ويختار أفضل البدائل لمواجهة هذا الموقف وسط ضعف المعارضة السياسية نظرًا لغموض هذا الموقف بالنسبة لهم أو عدم أهميته.

ه- الأزمة الدولية : وهي موقف مفاجئ يتعرض له صانع القرار يتطلب سرعة اتخاذ قرارًا نظرًا لضيق ومحدودية الوقت، ومن أمثلة الأزمات، العدوان الثلاثي على مصر، أزمة برلين الأولى 1948-١٩٤٩، أزمة برلين الثانية 1961، أزمة الصواريخ الكوبية 1963.

وبالتالي فأن الأزمة لا تتيح الوقت من أجل التشاور مع كافة المؤسسات وتقوم بتفويض سلطة كاملة للقائد السياسي مثال تفويض مجلس الأمة جميع سلطاته للرئيس عبد الناصر عام 1967، وبالتالي فالأزمة الدولية تزيد من أثر العوامل الشخصية في صنع السياسة الخارجية حيث يقل عدد المشاركين في صنع القرار ويقع العبء على القائد السياسي الذي يتحمل مسئولية قراره.

المبحث الثالث- العوامل الشخصية للقائد السياسي والمؤثرة في عملية صنع السياسة الخارجية

    من الصعب معرفة ودراسة السياسة الخارجية لدولة ما بدون معرفة وفهم من يصنعونها وفهم دوافعهم وسماتهم الشخصية وإدراكهم للموقف، فالسياسة الخارجية لا تتأثر فقط بالعوامل الموضوعية المحيطة بالقائد السياسي وإنما تتأثر أيضاً بدوافع وإدراك وسمات هذا القائد السياسي، ولذلك ستتناول الدراسة في هذا المبحث الدوافع الذاتية والسمات الشخصية للقائد السياسي والمؤثرة في سياسته الخارجية.

أولًا: الدوافع الذاتية للقائد السياسي والمؤثرة في سياسته الخارجية.

   الدوافع هي مجموعة العوامل المرتبطة بالحاجات الأساسية للإنسان وما يدفعه للتصرف بطريقة معينة، وتحديد الدوافع لدى صانع القرار أمر بالغ الصعوبة حيث أن القادة أنفسهم قد لا يكونوا على وعي بهذه الدوافع، ويمكن معرفة الدوافع  للقائد السياسي من خلال خطابه وتحليل سلوكه ومقابلة أحد مساعديه، ومن أمثلة تلك الحاجات التي يسعى إليها القادة السياسيين:-

١- الحاجة إلى القوة: فأغلب القادة السياسيين يكون بحاجة إلى القوة من أجل فرض سيطرتهم داخليًا وخارجيًا، مما يؤثر في سياسته الخارجية فنجد أن جورج بوش الابن أراد فرض قوته الشخصية على سياسته الخارجية من خلال غزوه للعراق في 2003، أيضًا صدام حسين كانت تدفعه القوة إلى الدفاع عن العرب ضد المد الشيعي الإيراني ليؤكد أنه حائط الصد الأول عن العرب.

2- الحاجة إلى الانتماء: وهنا القائد السياسي يحاول الحصول على موافقة الآخرين فيما يفعل وبالتالي يكون هنا تأثيره الشخصي بالنسبة للسياسة الخارجية قليلًا نظرًا لأنه غير قادر على اتخاذ قراراه بمفرده.

3- الحاجة إلى الإنجاز الشخصي: وهنا القائد السياسي يميل إلى المخاطرة لكي يحقق أهداف دولته فمثلاً لا يزال الفضل يرجع للرئيس جمال عبد الناصر في تأميم قناة السويس رغم أن أخذ ذلك القرار أدي الي قيام العدوان الثلاثي علي مصر، ولكن قيام عبد الناصر بتأميم القناة يعتبر إنجاز بالنسبة له.

ثانيًا: السمات الشخصية للقائد السياسي والمؤثرة في سياسته الخارجية

   فالسمات الشخصية هي مجموعة السمات المرتبطة بالتكوين المعرفي والعاطفي والسلوكي للإنسان، فيكون الشخص ذات شخصية تسلطية أو يكون ميالًا للانفتاح على أفكار جديدة

وفي هذا السياق قدم عدد من العلماء نماذج للسمات الشخصية للقائد السياسي كما يلي:-

1- نموذج تحقيق الذات (إبراهام ماسلو):  ويوضح أن ثقة الشخص في العالم الخارجي يكون نابعًا من إشباعه للحاجات الطبيعية والإحساس بالأمن والعاطفة والانتماء واحترام الذات من الصغر، فإذا فقد الشخص ذلك يميل إلى التعصب القومي والميل إلى تحقيق النجاح الخارجي، فهو يفسر التنازلات التي تقدمها الدول الأخري على أنها دول ضعيفة مما قد يزيد من سلوكه العدائي.

2- نموذج الشخصية المنغلقة عقلياً:  ويعتبر ميلتون روكيتش هو رائد هذا الاتجاه ويوضح أن الشخص المنغلق عقلياً يتسم بزيادة القلق النفسي واهتمامه بمصدر المعلومات أكثر من محتوى المعلومات، ويكون ذلك الشخص أكثر ميلاً لاستخدام القوة وأكثر سرعة في اتخاذ القرارات، وبالتالي لا تستطيع هذه الشخصية المنغلقة عقليًا أن تصيغ سياسة خارجية متكاملة نظرًا لعدم تقبل سياسة الحلول الوسط وإغفالها دور البدائل المتاحة.

3- نموذج الشخصية التسلطية: من أهم رواد هذا الاتجاه هو أدورنو والذي يرى أن الشخصية التسلطية تنظر للعالم على أنه أعداء وأصدقاء، فهي تميل للسيطرة على المرؤوسين كما أن المتسلطون يكون شديدي التعصب لقوميتهم ويفضلون اتخاذ قرارات الحرب والعدوان.

ثالثًا: إدراك القائد السياسي للموقف وأثره في سياسته الخارجية

   فالسياسة الخارجية التي يرسمها صانع القرار ويضعها نصب عينيه ماهي إلا جوهر ما يتصوره صانع القرار للظروف التي يريد تحقيقها مستقبلاً من خلال التأثير في معطيات البيئة الخارجية وإدراك الفرد للموقف هو تعبير عن وعيه بالقضايا الموضوعية المرتبطة بهذه المواقف والقضايا، وبالتالي فإن صانع القرار يأخذ البديل المتناسب مع تصوراته، وبالتالي قد يحدث للقائد السياسي ما يسمى بالاضطراب الذهني وذلك عندما يتلقى معلومات تتضارب مع تصوراته، وحدد علماء النفس ثلاثة أساليب للتقليل من هذا التضارب مثل الإدراك الانتقائي، إنكار المعلومات، تجزئة المعلومات وذلك عن طريق الفصل بين السلوك السلبي الداخلي لقائد حليف وبين سلوكه الإيجابي الخارجي وإعادة صياغة هذه المعلومات المتضاربة بعد وصولها.

   وفي هذا السياق يجب التنويه بأن سوء إدراك القائد السياسي قد يؤدي إلى وجود أزمات دولية وحروب مثلما أدرك الألمان بأن اغتيال ولي عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية الحليفة عام 1914 هو إهانة لهم مما دفعهم بالدخول في الحرب العالمية الأولى ومن أهم أشكال سوء الإدراك بين القادة السياسيين:-

١- الميل إلى تفسير كل الأحداث الدولية في ضوء سلوك العدو الرئيسي مثل تفسير الحرب العراقية الإيرانية بانها مؤامرة صهيونية.

2- الميل إلى رؤية كل تصرفات العدو على أنها تحقق أهداف شريرة وتصرفات الذات تحقق أهداف خيره، فالولايات المتحدة تنظر إلى أي تدخل سوفيتي بأنه سياسة توسعية، بينما تدخلاتها العسكرية هدفها تحقيق السلام العالمي.

3- ميل القائد السياسي إلى المبالغة في أهمية دولته في النسق الدولي سواء كتأثير فاعل دولي أو عداء او صداقة الدول الأخري، ومثال ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وتدخلها في كثير من الحروب لإظهار قوتها التأثيرية على العالم ككل خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.

4- تصور أن العدو يعرف أن الدولة التي ينتمي إليها القائد السياسي لا تشكل تهديداً لهذا العدو ومثال ذلك إدراك جورج بوش الابن أن صدام حسين لا يخشاه ولا يخشى الولايات المتحدة مما دفعه بالحرب على العراق في 2003، وان كان الهدف الاساسي لهذا الغزو هو الحصول علي نفط العراق،  والقضاء علي اكبر جيش عربي في ذلك الوقت.

الفصل الثالث- دور صدام حسين في صنع السياسة الخارجية العراقية من 1980-1990 تجاه ايران والكويت.

    يصنع السياسة الخارجية الممثلون الرسميون في الدولة، كرئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو وزير الخارجية أو السفراء، وتختلف سلطة البت في أمور السياسة الخارجية من دولة لأخري، وذلك حسب طبيعة نظامها السياسي، وبالنظر لدولة العراق نجد أن صدام حسين كان المتحكم الاول في السياسة الخارجية العراقية، وقد أثرت طفولته وأسلوب تنشئته علي سياساته ضد الدول الأخري أبرزها إيران والكويت والذي شن ضدهم حربًا عرفت باسم حرب الخليج (حرب الخليج الاولي ضد إيران 1980-1988، وحرب الخليج الثانية ضد الكويت١٩٩٠-١٩٩١)، وستتناول الدراسة في هذا الفصل، السمات الشخصية للرئيس صدام حسين وسياسته الخارجية تجاه إيران والكويت، وذلك من خلال مبحثين وهما:-

المبحث الأول: السمات الشخصية لصدام حسين ووصوله للسلطة.

المبحث الثاني: السياسة الخارجية العراقية في عهد صدام حسين من 1980-1990 تجاه ايران والكويت.

المبحث الأول - السمات الشخصية لصدام حسين ووصوله للسلطة

     هناك سمات شخصية خاصة بالرئيس صدام حسين منها التي ترعرعت معه خلال طفولته وشبابه، ومنها سمات مركبة بين سمات طفولته وواقع خبرته السياسية،  وهذا ما ستتناوله الدراسة في هذا المبحث.

أولًا: السمات الشخصية الأولية للرئيس صدام حسين

    ولد صدام حسين في عام 1937 في عائلة فقيرة تعمل بالزراعة في قرية العوجة بالقرب من تكريت، توفى والده حسين عبد المجيد قبل ولادته بعدة أشهر فعاش مع أمه وزوجها إبراهيم حسين والذي كان يرعى الأغنام، وعمل صدام حسين في صغره كبائع للبطيخ في احد قطارات بغداد ،أكمل صدام حسين دراسته الابتدائية في مدرسة تكريت ثم بعد ذلك انتقل إلى بغداد ودخل مدرسة الكرخ الثانوية وأقام في تلك الفترة مع خاله خير الله طلفاح والذي كان معروفًا بأفكاره القومية المناهضة للاستعمار الإنجليزي، فتأثر صدام حسين بذلك وحاول أن يلتحق بأكاديمية بغداد العسكرية ولكن سوء درجاته حالت دون ذلك، وبالتالي فان الحدث الأهم في تكوين شخصيته هو موت والده وزواج والدته، فأثر ذلك في شخصيته المبنية على الشك والقوة وعدم التهاون مع الخيانة ، وبالتالي يعتقد الباحثين أن زواج والدته وهو صغير ربي في نفس صدام حسين عدم التهاون مع الخيانة وكان يقوم بتصفية كل من يشك فيه ، كما أنه فسر موقف الكويت ومطالبتها له بالأموال التي كانت تساعده بها أثناء الحرب العراقية الايرانية خيانة مما جعله يقوم بغزوها.

   وفيما يخص عدم التحاقه بأكاديمية بغداد العسكرية، فقد كان ذلك صدمة له فقد كان صدام حسين يبحث عن القوة التي افتقدها نظرًا لظروف نشأته مما أثر عليه بعد ذلك فكان دائم الارتداء للزي العسكري ومعظم سياسته الخارجية قائم على القوة، كما انعكس ذلك على اهتمامه بالجيش فقد كان الجيش العراقي قبل صدام يشكل 1% من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 10مليون ولكن بعد مجيء صدام حسين عمل على زيادة هذه النسبة لتصبح 2.4% في عام 1982، وبالتالي فإن عملية عسكرة المجتمع العراقي نابعة من إحساسه بالنقص لفشله في الالتحاق بأكاديمية بغداد العسكرية في شبابه.

ثانيًا: السمات الشخصية المركبة للرئيس صدام حسين

   وهي السمات المتكونة في طفولته، بالإضافة إلي سماته نتيجة حياته السياسية،  يمكن توضيح الشخصية المركبة لصدام حسين في إيمانه بالعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف ففي عام 1960 شارك صدام حسين في محاولة لاغتيال الرئيس عبد الكريم القاسم ، كما أن صدام حسين استخدام الأسلحة الكيميائية لضرب بلدة حلبچة للقضاء على تمرد الأكراد عام 1988، أيضًا إيمانه بالزعامة المطلقة فقد كان صدام حسين من أبرز المعجبين بالرئيس عبد الناصر والملك البابلي القديم نبوخذ نصر الثاني، وكان تظهر تلك الزعامة في تماثيله المتواجدة في العراق وسعيه بأن يكون الزعيم الأوحد خاصة بعد حربه مع ايران، وأيضًا من ضمن سماته المركبة هي تعصبه للرأي الذاتي فأثناء الحرب العراقية الإيرانية انتقد أحد الضباط الخطة المقدمة من الرئيس صدام حسين، فما كان من صدام إلا أن أطلق عليه النار فأراده قتيلاً.

   بالنسبة للحاجز المعرفي فإن صدام حسين لم يسافر للغرب سوى مرة واحدة  وكانت إلي فرنسا عام1975، كما أنه كان لا يتحدث إلا لغة واحدة، فقد فوجئ صدام حسين ذات مرة أن عندما اخبره زائر غربي بأن انتقاد الرئيس امرًا عاديًا لا يحاسب عليه القانون، وذلك عكس العراق والتي كان بها عقوبة انتقاد الرئيس هي الإعدام، كما أنه في غزوه للكويت أراد اقتلاع دولة من جذورها دون التفكير في نتائج ذلك أو ربما فكر في ذلك ولكن إدراكه والعوامل الشخصية والحاجز الخارجي الذي كان يفصله عن العالم بسبب سوء إدراكه وقلة المعلومات أدت به إلى غزو الكويت عام 1990.

   وفيما يخص وصول صدام للسلطة في العراق، فنجد أن وصول صدام الحكم لم يكن بالأمر السهل فقد انضم إلى حزب البعث عام 1956 وبعد عامين تعرض للاعتقال بسبب اتهامه في قتل أحد رجال السلطة في تكريت، وبعد الانقلاب الذي قاده عبد الكريم قاسم، على الملك فيصل الثاني ونجاحه في الوصول إلى حكم العراق اشترك صدام في محاولة الاغتيال عبد الكريم قاسم وفشلت تلك المحاولة وبعدها قرر السفر إلى سوريا ليبقي بها ثلاثة أشهر وبعدها قرر الذهاب لمصر، واستقر صدام حسين في مصر خاصة بعد صدور حكم الاعدام ضده في العراق وتزوج صدام حسين في مصر من ابنة خاله والتحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة ، وبعد الانقلاب الذي قاده حزب البعث على عبد الكريم قاسم في 1963 والذي أدى إلى الإطاحة به وتعيين عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية العراقية وبعد وفاة عبد السلام تولى حكم العراق أخيه عبد الرحمن عارف وفي ذلك الوقت خطط حزب البعث للوصول إلى السلطة وبالفعل في عام 1968 كان صدام حسين على رأس المجموعة التي اقتحمت القصر الجمهوري للإطاحة بعبد الرحمن عارف ليتولى السلطة بعد ذلك الفريق أحمد حسن البكر ويكون صدام حسين نائبه، وفي عام 1979 طلب صدام من الرئيس أحمد حسن البكر أن يستقيل ليحل صدام حسين مكانه وبالفعل استقال أحمد حسن البكر دون معارضة وبعد أيام قلائل بدأ صدام في تصفية بعض أعضاء الحزب وبعض قيادات الجيش.

المبحث الثاني - السياسة الخارجية العراقية في عهد صدام حسين من 1980-1990 تجاه ايران والكويت.

سوف تتناول الدراسة في هذا المبحث السياسة الخارجية العراقية للرئيس صدام تجاه إيران والكويت وأسباب خوضه حربي الخليج( الاولي ضد إيران، والثانية ضد الكويت).

أولاً: السياسة الخارجية للعراق تجاه إيران

   بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وتحويل إيران من نظام ملكي دستوري تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي، لتصبح جمهورية إسلامية تحت حكم الخميني، حاولت إيران المد الشيعي لدول الجوار بما فيهم العراق ودول الخليج فكان صدام حسين يرى نفسه هو حائط الصد الأول عن العرب ولذلك دخل في حرب مع إيران منذ عام 1980 وامتدت الي 1988 وذلك بسبب:

1- محاولة إيران مد الثورة إلى دول الجوار أي المد الشيعي لمجتمعات الخليج العربي والعراق وهذا ما رفضه صدام حسين.

2- الخلاف علي الحدود بين الدولتين والصراع علي المياه الإقليمية التي لم تكن فيها الحدود واضحة،

3- القصف المتكرر للمخافر والنقاط الحدودية.

4- الغاء صدام حسين اتفاق الجزائر التي سبق ان وقعه مع إيران عام 1975، وبالتالي أصبح شط العرب ملكًا للعراق بعد ان كان الدولتين يتقاسمونه.

    وهكذا اندلعت الحرب العراقية الإيرانية والتي استمرت حتى عام 1988، سألت فيها الدماء واستهدف فيها الطرفين ضرب الناقلات البحرية، وفيما يخص الدول الداعمة للطرفين نجد أن السعودية والكويت كانتا يدعمان العراق، بينما الولايات المتحدة كانت تساعد إيران في السر، وانتهت بوقف إطلاق النار وعوده القوات إلى ما قبل القتال وقد وصف الامام الخميني هذه الاتفاقية باسم كأس السم.

  ثانيًا: السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت

         كانت حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية الإيرانية) أحد أسباب حرب الخليج الثانية (الغزو العراقي للكويت 1990)، وذلك بسبب الديون التي كانت على العراق للكويت والتي قدرها البنك الدولي في ذلك الوقت بما يقرب من 60مليار دولار وبشكل عام يمكن ارجاع الأزمة إلى ما يلي  :-

أ‌-      الخلاف على النفط: اتهم صدام حسين كلًا من الإمارات والكويت بأنهم يعملان على زيادة إنتاج النفط مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد العراقي، ويؤثر بالسلب على الإيرادات العراقية، أيضًا اتهم صدام حسين الكويت بأنها تقوم بالحفر بشكل مائل من أجل استخراج النفط من حقل الرميلة وهو حقل مشترك بين العراق والكويت.

ب‌-   المؤامرة أو الخديعة الأمريكية : فالكثير من الباحثين يرجع أمر الغزو العراقي للكويت بأنه كان خديعة أمريكية إسرائيلية بحيث يكون للولايات المتحدة أن تتدخل ويكون لها مبرر لتواجدها في دول الخليج، فعندما التقي صدام حسين بالسفيرة الامريكية بالعراق أبريل غلاسبي والتي أبدت رأيها في الخلاف العراقي الكويتي بأنه خلاف عربي عربي فلا شأن للولايات المتحدة بذلك مما أعطى الضوء الأخضر لصدام حسين لغزو العراق .

ج- الخلاف على الديون :  كانت العراق هي حائط الصد والمدافع الأول عن العالم العربي عمومًا في حرب الخليج الأولى ضد المد الشيعي الإيراني، وفي مقابل ذلك كان يقترض صدام من دول الخليج خاصة الكويت والسعودية وقد شكلت الديون أغلالاً تقيد سلطات العراق، فقد كان صدام مقترض حوالي 60 مليار دولار فقط من الكويت حسب تقديرات صندوق النقد الدولي عام 1990.

      د- كُلفة الحرب العراقية الإيرانية :  فقد أدت حرب الخليج الأولى إلى تدمير جميع مواني العراق الموجودة على الخليج العربي وبالتالي كان العراق في حاجة إلى المزيد من السواحل المطلة على الخليج لتحقيق تفوق استراتيجي وخاصة ميناء الأحمدي الموجود في الكويت، ورفض الكويت تأجير جزيرتي وربة وبوبيان للعراق، وقيام شوارز كوفي بزيارة الكويت وعمل تحضيرات دفاعية وقيامه بالتخطيط الرملي مما عزز من رؤية صدام حسين بوجود مؤامرة أمريكية على العراق.

     بالفعل في2 أغسطس قامت القوات العراقية باجتياح الكويت، وفي 4 أغسطس 1990 سيطرت العراق على الكويت بالكامل وهرب أمير الكويت الشيخ جابر بن أحمد الصباح وولي العهد الأمير سعد العبد الله الصباح والعديد من الوزراء إلى الطائف في السعودية.

   وفي 9 أغسطس 1990 أعلن صدام حسين بأن الكويت هي المحافظة رقم 19 للجمهورية العراقية ، وألغى جميع السفارات الدولية في الكويت وغير أسماء الشوارع والمنشآت واسم العاصمة الكويتية ، وقد كانت السودان أول الدول التي تغلق السفارة الكويتية لديها تماشياً مع قرار صدام ، ويقول الكثير من الباحثين بأن صدام قد منح السودانيين مساعدات جراء ذلك الفعل، واستغلت الولايات المتحدة غزو صدام للكويت لكي تتدخل في الشأن الخليجي فقامت بإصدار قرار من مجلس الأمن بتكوين تحالف دولي مكون 34 دولة برئاسة الولايات من أجل إخراج العراق من الكويت .

   ومن الجدير بالذكر بأن صدام ربط انسحاب العراق من الكويت بانسحاب سوريا من لبنان وإسرائيل من فلسطين والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان، وبالنسبة لموقف الدول العربية من غزو صدام الكويت فقد تباينت تلك المواقف فالسعودية ومصر كانتا من  أنصار  استخدام القوة العسكرية لتحرير الكويت، والسودان وموريتانيا وليبيا رفضوا استخدام القوة العسكرية في تحرير الكويت، فقد كان يرى معمر القذافي بأن القوات الأجنبية إذا دخلت الخليج فلن تخرج منها وهو ما حدث بالفعل ، واللوم العربي وجه لفلسطين فهي الدولة العربية المحتلة فهي الذي يجب ان تنادي بجلاء العراق عن الكويت.

    بالنسبة للمغرب فقد أعلنت مساهمتها بقوات في تحرير الكويت، أما الجزائر أدانت الغزو ولكنها رفضت التصويت على قرار تشكيل قوة عسكرية لتحرير الكويت، وقد أعطى مجلس الأمن للعراق مهلة 15 يوم للانسحاب، ولكن صدام لم يستجب للقرار مما أدى إلى قيام قوات التحالف الدولي بالهجوم على تمركزات الجيش العراقي في الكويت، وفي نهاية الأمر تم تحرير الكويت وانسحاب العراق منها بالكامل في 1991، ولكن صدام قبل خروجه قام بتدمير وإشعال آبار النفط الكويتي حتى أن الخبراء يقولون أن الحرائق استمرت سبعة أشهر حتى تم السيطرة عليها نهائيًا في نوفمبر 1991.

الخاتمة

   السياسة الخارجية وفقاً لتعريف الدكتور محمد السيد سليم هي برنامج العمل العلني الذي يتخذه الممثلون الرسميون للدولة من بين عدة بدائل برنامجية متاحة من أجل تحقيق أهداف الدولة في المحيط الخارجي، ومن هذا التعريف يتضح أن أبعاد السياسة الخارجية سبعة أبعاد وهم الطابع الرسمي والواحدي والعلني والاختياري والبرنامجي والخارجي الهدفي.

  لعل من أهم مرتكزات دراسة السياسة الخارجية للدولة هو دراسة القائد السياسي لهذه الدولة ومعرفة دور الدوافع الشخصية والعوامل الموضوعية التي تؤثر في دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية، فالقائد السياسي هو شخص يتولى منصب رفيع في الدولة ويكون ذا نفوذ وشعبية في المجتمع وتكون لشخصيته ودوافعه وبيئته التي نشأ فيها دورًا في اتخاذ قراراته .

   وبالنظر إلى خصائص القيادة السياسية نجد أن القيادة ليست ظاهرة فردية وإنما تضم عنصرين أساسيين وهما القائد والنخبة، وتصنف القيادة حسب دور القائد السياسي إلى قيادة استبدادية وقيادة ديمقراطية وقيادة غير متداخلة «سلبية»، و طبقا لمصدر الشرعية فقد قسمها العالم الألماني ماكس فيبر إلى قيادة تقليدية وقيادة شرعية وقيادة كاريزمية، وطبقًا لمعيار السمات النفسية والسلوكية للقائد يوجد قائد برجماتي وقائد كاريزمي وقائد وسيط وهو الأشبه برجل الأعمال، وبالنسبة لنظريات القيادة السياسية فإن نظرية السمات ترى أن نجاح القائد السياسي يتوقف على وجود سمات شخصية منها الجسدية والعقلية والانفعالية، وتعرضت هذه النظرية للنقد حيث أن من الممكن أن يفتقد القائد السياسي إلى سمة من هذه السمات ولكنه ينجح في سياسته، أما النظرية التحويلية فترى ضرورة تحفيز القائد السياسي لما هم دونه ويقوم برفع الروح المعنوية لهم لكي يتخلصوا من المشكلات والأزمات،  أما النظرية الموقفية والتي تنص على أنه لا يوجد نمط ملائم لكل المواقف وأن النمط المناسب هو الموقف الحالي، وأخيرًا نظرية السلالات القيادية والتي ترى أن القادة السياسيون يميلون إلى توريث الحكم لأبنائهم أو أقربائهم مثل المجتمعات الخليجية.

   وبالنسبة للعوامل الموضوعية التي تؤثر في دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية نجد أن هناك عوامل تتعلق بطبيعة القائد السياسي كخبرته السياسية ومرونته واهتمامه بالسياسة والكاريزما التي يتمتع بها، فالرئيس إيزنهاور لم يكن ذا اهتمام بالسياسة الخارجية ولذلك تركها لوزير خارجيته جون فوستر دالاس، أيضًا الملك فيصل بن عبدالعزيز عمل وزيرًا للخارجية السعودية قبل وصوله للحكم مما أكسبه خبرة في التعامل الخارجي، أما عن كاريزمية القائد السياسي فنجد الكاريزما التي كان يتمتع بها الرئيس جمال عبد الناصر دليل على كاريزمية القيادة السياسية.

   وهناك عوامل تتعلق بطبيعة القائد السياسي مثل أسلوب الوصول إلى السلطة فهل وصل القائد للسلطة بالوراثة أم الانتخابات أم عن طريق ثورة أو انقلاب عسكري، أيضًا هيكل صنع القرار وسلطة اتخاذ القرار ودور القائد السياسي في الدول النامية والتي تصبح سلطته أشبه بسلطة مطلقة نظرًا لغياب المشاركة والتكامل القومي.

   بالنسبة للعوامل التي تتعلق بطبيعة الموقف فنجد أن هناك قضايا تتعلق بالبقاء الوطني وهنا تقل دور الدوافع الشخصية، ويعتمد القائد السياسي على قبول النصح من الآخرين، أيضًا غموض الموقف وطول أمده، وفرة معلوماته أو ندرته تزيد من دور الدوافع الشخصية للقائد السياسي في سياسته الخارجية فضلًا عن وجود أزمة دولية تتطلب سرعة اتخاذ القرار نظرًا لمحدودية الوقت .

   وفيما يخص العوامل الشخصية التي تؤثر في صنع السياسة الخارجية، فهناك دوافع ذاتية للقائد السياسي مثل حاجته للقوة أو الإنجاز الشخصي أو حاجته للانتماء، سمات شخصية القائد السياسي وهنا يوجد ثلاثة نماذج وهم نموذج تحقيق الذات، فإذا فقد الشخص الأمن فهو يسعى إلى تحقيق تلك الأمن مثلما فعل صدام حسين عندما غزو الكويت، وأيضاً نموذج الشخصية المنغلقة عقليًا، وأيضًا نموذج الشخصية التسلطية التي تميل إلى الحرب والعدوان، أيضًا من ضمن العوامل الشخصية هي إدراك القائد السياسي للموقف وهنا قد يكون هناك سوء إدراك للموقف من القائد السياسي بسبب المبالغة في أهمية دولته في النسق الدولي، وتغيير الأحداث الدولية في ضوء العدوان والرئيس وتصور القائد السياسي بأن العدو يعرف أن الدولة التي ينتمي إليها القائد لا تشكل تهديدًا لدولته.

  وفيما يخص اختيار قائد سياسي لعب دورًا مؤثرًا في السياسة الخارجية لدولته، فقد وقع الاختيار على الرئيس العراقي صدام حسين حيث أن طفولة صدام وولادته ووفاة والده وزواج أمه ومعاملة زوج أمه له كل تلك العوامل جعلت من صدام حسين يفتقد للأمن وهذا ما انطبع على شخصيته ومحاولة إحساسه بالأمن دائمًا، مما جعله يدخل حربًا مع إيران والكويت وأيضًا إقامته مع خاله في بغداد كان سببًا في تنمية روح القومية لديه، وعدم التحاقه بأكاديمية بغداد العسكرية كان سببًا في اهتمامه بالجيش بعد ذلك وارتدائه الزي العسكري في معظم الأوقات.

  وفيما يخص السياسة الخارجية العراقية في عهد صدام حسين خلال الفترة من 1980-1990 ، نجد أن هناك حدثين مهمين وهما الحرب العراقية الإيرانية والتي انتهت بعقد اتفاق وقف إطلاق النار عام 1988، والتي تسببت في توتر العلاقات بين العراق والكويت بسبب ديون العراق للكويت جراء المساعدات المالية الكويتية للعراق في تلك الحرب، لكن أيضًا هناك أسباب دفعت صدام حسين لاجتياح الكويت منها الخلاف على النفط، ورفض الكويت تأجير جزيرتي وربة وبوبيان للعراق وحاجة العراق مواقف استراتيجية على الخليج العربي خاصة ميناء الأحمدي الكويتي.

   وفي النهاية اجتاح صدام حسين الكويت واستمر بها حوالي سبع شهور حتى اضطر للخروج منها بسبب مواجهة قوات التحالف الدولي، وتسببت تلك الأزمة في عداوة الولايات المتحدة لصدام حسين ورغبتها في التخلص منه حتى أتت لها الفرصة في 2003.

النتائج

1- السياسة الخارجية وفقًا لتعريف الدكتور محمد السيد سليم هي برنامج العمل المعلن الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة من البدائل البرنامجية المتاحة وبالتالي فان للسياسة الخارجية سبعه ابعاد هم الطابع الهدفي، الطابع الرسمي، الطابع الاختياري، الطابع الخارجي، الطابع الواحدي، الطابع العلني، الطابع البرنامجي والذي يضم بعدين، بعد عام وآخر محدد.

2-     البعد العام للسياسة الخارجية يشمل الأدوار والأهداف والتوجهات والاستراتيجيات بينما البعد المحدد يشمل القرارات والسلوكيات.

3-     القيادة السياسية هي مدى قدرة وفاعلية وبراعة القائد السياسي في تحديد أهداف المجتمع واختيار أفضل الوسائل المناسبة لتحقيق تلك الأهداف من خلال التعاون مع النخبة السياسية.

4-     هناك عدة معايير تصنف على اساسها القيادة السياسية، فوفقًا لمعيار دور القائد في العملية السياسية يوجد قائد استبدادي وقائد ديمقراطي وقائد غير متدخل أو سلبي ويعتبر فلاديمير بوتن من القادة الذين يجمعون بين نمط القيادة الديمقراطي والاستبداد فقد وصل إلي الحكم عن طريق الانتخاب إلا أنه قد يتخذ قرارات بمفرده دون الرجوع لشعبه مثل قراره بدعم الحرب الأمريكية على الارهاب بعد احداث 11 سبتمبر2001.

5-     القيادة السياسية وفقًا لمعيار مصدر الشرعية تنقسم إلى قائد تقليدي وقائد شرعي أو قانوني وقائد كاريزمي أما وفقًا لمعيار السمات السلوكية والنفسية للقائد السياسي فيوجد قائد براجماتي وقائد وسيط وقائد كاريزمي.

6-     من أبرز النظريات التي تناولت القيادة السياسية هي نظرية السمات والتي تركز على السمات الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية للقائد السياسي ولكن تلك النظرية تعرضت للنقد نظرًا لان هذه السمات ليس حكرًا على القادة فقط، كما أن من الممكن أنه لا توجد سمة من هذه السمات في القائد السياسي وتنجح سياسته الخارجية.

7-     هناك عوامل موضوعية تؤثر في دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية منها، النظام السياسي للدولة، ومنها المتعلق بطبيعة القائد نفسه وخبرته وكاريزميته، ومنها المتعلق بطبيعة الموقف نفسه.

8-     وفاة والد صدام حسين قبل ولادته وزواج والدته زرع في داخله عدم الشعور بالأمن وعدم التهاون مع الخيانة، سياسات صدام حسين الخارجية مبنية على القوة والعنف في المقام الاول.

9-     قد يكون دخول صدام حسين الحرب ضد إيران أمرًا يمكن قبوله بهدف وقف خطر المد الشيعي، ولكن اجتياحه للكويت تظل نقطة سوداء في تاريخ صدام كانت بداية النهاية بالنسبة له وتسببت في العداء الامريكي له، حتى تم سقوط نظامه عام 2003.

10- لم يكن صدام حسين على وعي بما تدبره له الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تحريضه على غزو الكويت.

التوصيات

 

١- التأني في القرارات المصيرية بالنسبة للقائد السياسي لأنها قرارات تخص كيان دولة بأكملها،  ولذلك اذا كان الوقت يسمح بذلك «عدم وجود أزمة دولية»  ،  واستشارة النخب السياسية في هذا القرار.

2-يجب فهم العدو جيدًا،  فدائمًا الولايات المتحدة دولة ذات مصالح تسعى لنفط الخليج واتضح ذلك من خلال خادعها لصدام حسين.

3-محاولة الحد من أثر الدوافع الشخصية بالنسبة للقائد السياسي في صنعه للسياسة الخارجية لأنها في الغالب تسبب أزمات دولية وحروب.

المراجع

أولًا- الكتب

1-      حامد ربيع، نظرية السياسة الخارجية، مكتبه القاهرة الحديثة، القاهرة.

حامد ربيع، مقدمه في العلوم السلوكية، حول عمليه البناء الفكري لأصول علم الحركة الاجتماعية، دار الفكر العربي، 1972.

2-     خليل احمد خليل، العرب والقيادة، بيروت دار الحداثة، الطبعة الاولى، 1981.

3-      فاضل زكي محمد، السياسية الخارجية وابعادها في السياسة الدولية، بغداد، مطبعة شفيق 1975.

4-       محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مكتبه النهضة الطبعة الثانية، القاهرة 1998.

5-      محمد نور البصراتي، النظم السياسية في الوطن العربي، كليه السياسية والاقتصاد، جامعة بني سويف.

6-       ناصف يوسف، النظرية في العلاقات الدولية، دار الكتاب العربي للنشر، بيروت 1985.

7-      نجيب عبد الله غلاب، دراسة في الانساق العقائدية للرئيس علي عبد الله صالح، صنعاء، دائرة التوجيه المعنوي، الطبعة الاولى 2008.

8-     نواف كنعان، القيادة الإدارية، دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان، 2003.

ثانياً: الدوريات والرسائل العلمية

1-    احمد مطر الشمري، دراسة ممارسة الأدوار القيادية لدى عمداء كليات جامعة الكويت وعلاقتها بالتماثل التنظيمي لدى أعضاء هيئة التدريس من وجهة نظرهم، رسالة ماجستير في العلوم الإدارية، جامعه الشرق الاوسط، الاردن.

2-    تركي آل حمد، في الغزو العراقي للكويت «المقدمات والوقائع وردود الافعال والتداعيات»، سلسله عالم المعرفة، العدد 195.

3-    جلال عبد الله معوض، علاقه القيادة بالظاهرة الإنمائية دراسة في المنطقة العربية، رسالة دكتوراه، جامعه القاهرة، كليه السياسة والاقتصاد 1985.

4-    محمد بدر المطيري، دور القيادة السياسية في رسم وتنفيذ سياسات التنمية في دوله الكويت من 2010 الى 2013، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، كليه الآداب والعلوم، جامعة

5-    محمد شلبي، السياسة الخارجية الأردنية تجاه عمليه تسوية الصراع العربي الاسرائيلي من 1979 الى 1994، رسالة دكتوراه في العلاقات الدولية، قسم العلوم السياسية، الجزائر 2006.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟