العلاقات التركية الأمريكية: مواقف مترنحة وآفاق مجهولة السيناريوهات!
تعتبر تركيا، الحليف الإستراتيجي للولايات
المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، منذ انضمام تركيا إلى الحلف الشمال الأطلسي "الناتو"
سنة1952، لاسيما، وأن دخول تركيا الى هذا الحلف، أعطى بعدا جديدا للعلاقة الثنائية
بين البلدين. غير أن تركيا عرفت عدة انقلابات عسكرية
متتالية، أثرت بشكل كبير في السياسات الخارجية التركية، لكنها في المجمل كانت تميل
دائما الى الصف الأمريكي، بحكم توجهات العسكر المتحكم في تلك الفترات.
إلا أن بروز عنصر جديد، داخل المشهد السياسي
التركي، سيقلب الموازين لصالح الإرادة الشعبية والشرعية المكتسبة من الانتخابات،
وكان ذلك، بميلاد حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الاسلامية.
هنا، سوف تتغير هوية وقيمة، اللاعب الرئيسي في الساحة السياسية
التركية، ونظيره الأمريكي الليبرالي، مع الإبقاء على نفس المصالح.
سوف نختصر في هذا المقال، أهم المراحل التي مرت
بها العلاقة بين البلدين مع التركيز على حقبة حزب العدالة والتنمية الذي لازال
يتولى السلطة. إضافة إلى أهم التطورات التي أثرت على هذا التحالف في حقبة
"أوباما وترامب " وماهي أهم السيناريوهات القادمة مع قدوم "بايدن". الأسئلة المتاحة:
ماهي أهم المراحل التي ميزت علاقة البلدين وكيف أصبحت العلاقة
بعد أن تولى حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا وكيف كان ذألك التعاون
وكيف أصبح؟
1 العلاقة
التركية-الامريكية قبل وصول حزب العدالة والتنمية
شهدت
العلاقة الثنائية، بين الطرفين، خلال هذه الحقبة الممتدة بين (1980/1974) عدة
أحداث وتطورات متباينة، كونها هي الأصعب بين الطرفين.
حيث عرفت العلاقة، نفورا وتعقيدا بين الجانبين بعد أن فرضت واشنطن، على أنقرة حظر
توريد السلاح وذلك بعد دخول هذه الأخيرة منطقة "جزيرة قبرص" من أجل
مساندة الجانب التركي. إلا أن ذألك لم يدم طويلا، خاصة بعد الانقلاب
العسكري الذي حدث سنة 1980، حيث أعاد العسكر، العلاقة بين البلدين الى سابق عهدها.
ومنذ
ذلك الزمن، ورغم وقوع عدة انقلابات عسكرية أطاحت بالسلطة في تركيا (1995،1997،1982). إلا أن العلاقة بين
الجانبين، تميزت بالتماسك؛ خاصة وأن أنقرة كانت في بعض الأوقات، من المساندين لخطط
الخارجية الأمريكية، واستراتيجياتها في المنطقة.
لذلك نستنتج من هذه المرحلة، بأنه رغم وقوع عدة انقلابات،
داخل تركيا، إلا أن التوجه العام في هذه المراحل كان يخدم مصالح أمريكا، ويساندها
في عدة قضايا داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
2 وصول العدالة والتنمية الى سدة الحكم
غير أن الحدث، الذي كان يمكن أن يربك التعاون
بين البلدين، هو صعود نجم حزب العدالة والتنمية، في سماء الحياة السياسية التركية
وتوليه مقاليد الحكم في انتخابات ديمقراطية سنة 2002.
لاسيما، وأن
الفكرة، التي طرحت من قبل المحللين أنداك، هو اختلاف هوية الوافد الجديد على الحكم
في تركيا، مع قيم وهوية الدولة الأمريكية.
كون أن صاحب السلطة في أنقرة، ذو مرجعية اسلامية، ويحكم دولة متشبعة بنظام علماني،
تركه لها مؤسس تركيا الحديثة "مصطفي كمال أتاتورك".
ورغم
تلك المرجعية المتناقضة مع الجانب الأمريكي، إلا أن ذلك، لم يؤثر على العلاقة
والتعاون المشترك بين الدولتين وقد ظهر ذلك جليا من خلال غزو الولايات المتحدة،
وحلفائها للعراق سنة 2003.
فبالرغم
من أن البرلمان التركي، ذا أغلبية الحزب الحاكم (العدالة والتنمية)، صوت ضد
"غزو بغداد" 1مارس 2003، خاصة وأن أمريكا قد أعطت في هذا الصدد، عدة
تحفيزات واغراءات، مالية وسياسية للسلطة من أجل القبول بالعرض.
لكن كل ذألك تم قبوله بالرفض لتتغير بعد ذلك أمريكا
فكرتها، بطلبها من تركيا فتح مجالها الجوي، لمرور الطائرات لغزو العراق. وهذا بالفعل ما حصل، عندما صوت البرلمان التركي
بأغلبية مريحة، لصالح القرار يوم 19مارس 2013.وتعززت
العلاقات بين البلدين بعد ذلك، لتسلك طابعا استراتيجيا، بعد مجيء رئيس جديد
للولايات المتحدة الأمريكية "باراك أوباما" سنة 2009، ورؤيته المخالفة ل
الرئيس الأسبق (جورج بوش) اتجاه المنطقة والعالم الإسلامي.
أيضا، تقوية حكم العدالة والتنمية داخل تركيا ساعد في ذلك،
عندما أصبح" عبد الله غل" رئيس تركيا ورحيل " رجب طيب
اردوغان" رئيس الوزراء سنة2007، وهو ما أعطى أبعادا وتوجهات جديدة للعلاقة
بين الطرفين. لكن، ذلك التعاون لم يستمر بتلك الطريقة الفعالة، بل أضحى هناك صراع
مصالح داخل المنطقة.
لاسيما،
وأن تركيا لم تعد "تركيا القرن الماضي"، فقد أصبحت قوة اقتصادية وعسكرية
صاعدة. وهو ما جعلها تبتعد عن ظل الغرب وتدافع عن
مصالحها بنفسها، وخطط لهذا فعليا بخطى ثابتة من طرف الحزب الحاكم في تركيا. خاصة
عند تولي «رجيب طيب اردوغان" رئاسة البلاد سنة 2014.
وهنا، سوف نعطي أهم الخلافات والتحديات التي ظهرت في الساحة بين
البلدين، في عهد حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة، وهي كتالي: تصويت أنقرة ضد
قرار أمريكي سنة 2010 في مجلس الأمن يفرض عقوبات ضد إيران.
_اختلافات
بين الجانبين عند حدوث الثورات العربية.
_انتقادات
أمريكا لتركيا حول خرقها للحريات العامة في مظاهرات 2013.
_الخلافات اتجاه
الثورة السورية وخاصة اتجاه إسقاط بشار.
-معارضة
تركيا الشديدة للدعم الذي تقدمه واشنطن لحزب الاتحاد الديمقراطي والتي تعتبره
أنقرة " حزب إرهابي" حيث ينتمي إلى منظمة "حزب العمال الكردستاني
".
-معارضة
الولايات الأمريكية للتقارب التركي الروسي وخاصة في المجال العسكري.
كل هذا خلق صراعا جيوسياسي، بين البلدين داخل منطقة الشرق الأوسط
بل طال عدة قضايا وأزمات تهم المنطقة.
تركيا، أصبحت تنظر إلى عمقها الإستراتيجي، بعيدا عن المصالح الأمريكية
بل باتت تعارضها، وتناقضها في عدة قضايا وأزمات إقليمية ودولية. وهذا إن دل على شيء
فإنما يدل على الرؤية التي يمتاز بها الحزب الحاكم، والتي تختلف عن رؤية الحكومات
السابقة، التي مرت على الدولة العلمانية ..
3 إفشال الانقلاب وتداعيات ذلك على علاقة
الدولتين
يعتبر فجر 16 يوليوز 2016 ،حدثا تاريخيا ؛
بالنسبة لتركيا منذ تولي حزب العدالة و التنمية ،زمام السلطة في داخل البلد، وذلك
من خلال محاولة فرقة من الجيش بقيادة العقيد "محرم كوسا" الانقلاب
على الحكم، بقيادة الرئيس "رجب طيب أردوغان" حيث قامت
المجموعة "الانقلابية"، بمحاصرة عدة مؤسسات، داخل الدولة
وإطلاق النار عليها ....
لكن، التمرد على السلطة لم يدم طويلا ،وقد أرجع جميع
المراقبين، والمحللين ذلك، إلى "الوعي الشعبي"، والذي يظهر جليا من خلال
نزوله إلى الشوارع ،ومناهضة الانقلابين، والتصدي لهم ،بالشعارات ورفع العلم
التركي.
لاسيما،
وأن هذا الفعل الحضاري قد خلق ردود أفعال داخل وخارج تركيا، وأكد أن زمن نجاح الانقلابات،
وتغيير السلطة الشرعية جراء قبضة العسكر في تركيا قد ولى وحل محله "إرادة
واختيار الشعب". والا
ننسى هنا، الدور الذي لعبه، اتصال الرئيس "اردوغان" في نزول الشعب إلى
الشارع.
وأيضا، تفاعل الإعلام في إيصال ذلك النداء.. وهذا يؤكد شيئين
أساسيين: الشعبية التي يحظى بها الرئيس "أردوغان" داخل البلد، والدور
الكبير للإعلام، الذي لا غنى عنه داخل البلدان، التي تطمح إلى بناء دولة
"ديمقراطية".
وبالعودة
إلى المواقف المتباينة التي ظهرت خلال ساعات الإفلات الأمني والتي كان من أهمها
الموقف الأمريكي،
حيث لوحظ، أن هناك تناقضا في الموقف الأمريكي، عند بداية الانقلاب
وبعد فشله وطرحت عدة استفهامات واستفسارات اتجاه ذألك؟! لكن تركيا الرسمية، وبرئاسة «أردوغان
"وجهت أصابع الاتهام، في محاولة الانقلاب أساسا، الى معارضها «فتح جول"
الذي لجأ إلى أمريكا سنة 1999 ويقطن الآن في مدينة "سلفانيا"، حيث طلبت
"أنقرة" من "واشنطن"، تسليمه لها، لاسيما، وأن هناك معاهدة
بين الطرفين، تخص نوعية هذه القضايا، وقد قدمت تركيا بعد ذلك، معلومات لأمريكا،
تثبت تورط الزعيم المعارض في محاولة الانقلاب.
4التقارب التركي
_الروسي وتأثيراته
مما لا شك فيه أن التقارب التركي الروسي في
الفترة الأخيرة، وخاصة في عهدة "دونالد ترامب"، قد خلقت عدة تناقضات، وأزمات
بين البيت الأبيض وأنقرة.
في اتساع
الفجوة بين البلدين، وحل محلها تقارب موسكو وأنقرة في المجال العسكري وتعتبر
منظومة S400، هي
أساس الابتعاد عن العم سام والتقارب من الدب الروسي، وهي منظومة دفاعية كانت تركيا
تطمح إليها دائما للحصول عليها وإدخالها منظومتها الدفاعية لمواجهة كل الأخطار.
هذا خلق في
نهاية الرحلة إزعاج لدى الأمريكيين، وخاصة "دونالد ترامب "، حيث ترتب
عنه في أخر المطاف عقوبات اقتصادية من "الكونغرس الأمريكي" على تركيا،
ليفتح المجال بشكل أوسع وتتوسع العلاقات بين تركيا وروسيا في المجالات الأخرى. ويمكن، اعتبار التوافقات الإقليمية،
والدولية بين تركيا وروسيا أحد أبرز تلك التقاربات على المستوى الجيوسياسي والأمني
والعسكري، وخير مثال على ذلك هو الاتفاق الثنائي الذي أنهى الصراع بين "أذربيجان
وأرمينيا ".
لاسيما وأن تركيا كان لها الدور
الأكبر في انتصار "أذربيجان"، واسترجاع أراضيها التي سيطرت عليها
أرمينيا خلال حرب التسعينات من القرن الماضي.
هذا التقارب الجيوسياسي أعطى نفس أخر لتركيا لتلعب أوراق جديدة،
بل باتت تنافس النفوذ الأوربية في البحر الأبيض المتوسط.
في الختام، يستقيم
القول بأن تركيا، لم تعد حبيسة العوامل السابقة، فتركيا اليوم، تمتلك شعبا لديه من
الوعي ما يكفي، وسلطة قوية مكنتها من أن تصبح، أحد أقوى الدول الاقتصادية والصناعية
والعسكرية في العالم.كما أكدت أنها
ليست دمية، تتلاعب بها الدول الكبرى بل هي قوة إقليمية، يمكن أن تجاري الدول
العظمي، ذلك نرى أن تركيا، تريد أن تحبس علاقاتها مع أمريكا، عن طريق المصالح
المشتركة فقط.وفي نفس الوقت،
تربط علاقات أخرى مع دول عظمى، تتعارض مع الحلف الأمريكي وحلف الناتو والعلاقة
القائمة مع روسيا خير شاهد، هذا يبين، أن أنقرة أصبحت تتعامل مع الدول الكبرى
بالمثل والمصالح وبعبارة "الغاية تبرر الوسيلة."
ليبقى السؤال المطروح هو:
هل يراجع بايدن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع تركيا في
الأيام الأولى من التنصيب أم أن التقارب الروسي _التركي سيبقى عائق في محددات
العلاقات التركية الأمريكية؟ وهل تتجه أمريكا إلى عقوبات أخرى على أنقرة لإرجاعها
إلى صفها خاصة في المجال العسكري والجيوسياسي؟ أم أن تركيا رسمة توافقاتها لتكون
موازية ومنسجمة مع كل التطورات القادم من البيت الأبيض؟