المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

دوافع متعددة: ماذا تعني زيارة الرئيس المصري لجنوب السودان؟

الإثنين 26/أبريل/2021 - 01:34 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات

في 28 نوفمبر 2020 توجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى دولة جنوب السودان ولقاءه رئيس جنوب السودان سلفا كير في زيارة هي الأولى له هناك لبحث سبل تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية بين مصر وجنوب السودان على مختلف المستويات، وعلى رأسها التنسيق السياسي والعسكري والأمني خلال هذه المرحلة المهمة التي تمر بها المنطقة، إلى جانب بحث المجالات الاقتصادية والتجارية، والسعي للارتقاء بمعدلات التبادل التجاري بين البلدين، وتشجيع الاستثمارات المصرية في جنوب السودان، بما يحقق المنفعة المشتركة للبلدين، بالإضافة إلى ذلك  تعزيز التعاون القائم بين البلدين في مجال الموارد المائية والري المشتركة لتعظيم الاستفادة من موارد نهر النيل.

وتعكس الزيارة مدى التطور في العلاقات المصرية الجنوب سودانية، فمنذ تولي الرئيس السيسي الحكم في عام 2014 وقد أولى اهتمامًا كبيرًا بالدول الأفريقية كاستراتيجية لحماية الأمن القومي المصري في مواجهة التهديدات الخارجية.

تأكيد التوجهات

وفق الرؤية المصرية الخاصة التي تنطلق بأن نهر النيل يجب أن يكون مصدرًا للتعاون والتنمية كشريان حياة لجميع شعوب دول حوض النيل، أعلن الرئيسين السيسي وكير عن تطورات ملف المباحثات حول سد النهضة والتي شملت استعراض التطورات الخاصة بقضية سد النهضة ومسار المفاوضات الجارية بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد.

ومن جانب آخر تباحث الطرفان حول وجهات النظر تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة ذات الاهتمام المشترك، لا سيما التطورات الجارية في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا ذات الأهمية الاستراتيجية، وكيفية العمل على احتواء تداعياتها المحتملة على المنطقة.

ومن قبل في 26 أكتوبر 2020 التقى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، مناوا بيتر وزير الري لجمهورية جنوب السودان، والوفد المرافق له، وحضر اللقاء الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الموارد المائية والرى، في ظل ما يربط مصر وجنوب السودان من علاقات تاريخية متميزة، توطدت أواصرها على مدار السنوات الماضية، لا سيما فى ضوء ما يوليه الرئيس عبدالفتاح السيسى من اهتمام بتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، فى كافة المجالات التى تمثل أولوية فى جنوب السودان، وقد عبرت مصر عن هذا التوجه من خلال أزمة الفيضانات والسيول؛ حيث أقامت مصر جسر من المساعدات الجوية لنقل مساعدات إنسانية مهمة.

استثمارات واعدة ورسائل متعددة

نتيجة غياب مصر عن أفريقيا تراجع الدور المصري من خلال المشاركة في وضع الأسس والقواعد لحماية أمنها القومي، في ظل امتداد الأمن القومي المصري من ناحية الحدود الجنوبية إلى ما بعد جنوب السودان، ولكن شهدت دول القارة الأفريقية اهتمامًا متزايدًا في السنوات الأخيرة لحماية المصالح المصرية باعتبارها جزء أصيل بداخلها.

وقد جاءت زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى هناك لتؤكد حرص مصر على نقل خبراتها وتوفير الدعم الفني وبرامج بناء القدرات للكوادر في جنوب السودان بمختلف القطاعات، وكذلك دفع التعاون الثنائي وتعزيز الدعم المصري الموجه إلى جهود التنمية في جنوب السودان خاصة مع وجود آفاق واسعة لتطوير العلاقات الإقتصادية والتجارية بين البلدين وكذلك التعاون في مجالات الزراعة والري والبنية التحتية والطاقة.

بالإضافة لذلك فالزيارة تعد رسالة مهمة جدًا لإثيوبيا وأن مصر متواجدة حتى وإن كان هذا الدور قد تأخر، أن تأتي متأخرًا خيرًا من أن لاتأتي أبدًا، خاصة وأن مصر تمتلك تاريخ مشترك مع جنوب السودان وسوف تشهد المرحلة القادمة تصعيد أكبر في العلاقات مع دول الجوار وليس فقط جنوب السودان، وفيما يلي أبرز هذه الملفات:

1) آفاق التعاون المشترك: حققت مصر دورًا كبيرًا في تحقيق المصالحة بين السودان وجنوب السودان فيما يتعلق بالجماعات المسلحة، خاصة في ظل سعي مصر المتواصل نحو التنسيق الثلاثي لإرساء قواعد الأمن والاستقرار في هذه المنطقة.

2) التعاون الاقتصادي: عززت مصر وجنوب السودان تعاونهما في مجال الطيران المدني، من خلال تفعيل اتفاقية ثنائية للنقل الجوي بين البلدين، ودراسة إقامة شراكات اقتصادية مع دولة جنوب السودان، من خلال تقديم الدعم في مجال التدريب ونقل الخبرات من خلال أكاديمية مصر للطيران للتدريب، عن طريق إنشاء شركة صيانة للطائرات في مطار جوبا، لتقديم أعمال الصيانة، وذلك للاستفادة من خبرات المهندسين والفنيين التابعين لشركة مصر للطيران، والحاصلين على الشهادات المعتمدة عالمياً، فضلاً عن إرسال لجان من المختصين بسلطة الطيران المدني المصري للسفر إلى جوبا لتدريب الكوادر، لرفع مستوى الإجراءات بمطار جوبا، وكذا التعاون بين سلطتي الطيران المدني المصري والجنوب سوداني في مجال التشريعات وتطوير الهيكل التنظيمي لسلطة الطيران المدني لجنوب السودان، كما تم التوقيع على برتوكول تعاون لإنشاء أكبر منطقة صناعية مصرية بالعاصمة جوبا، للمساهمة في زيادة حجم الصادرات المصرية، وإتاحة فرص عمل للشباب، وقامت مصر بتنفيذ حزمة من المشروعات التنموية في المناطق المعزولة بجنوب السودان لتوفير مياه الشرب الصالحة، وعلاوة على ذلك إقامة مؤتمر دولي لعرض فكرة إنشاء أول سد متعدد الأغراض في جنوب السودان.

ويأتي ذلك في إطار توجيهات القيادة السياسية للدولة المصرية، نحو تعزيز الروابط وعلاقات التعاون مع دول الجوار والدول الأفريقية، من خلال إقامة شراكات اقتصادية في مختلف المجالات.

3) التباحث حول الملفات الإقليمية والدولية: تناولت المباحثات التطورات الجارية في منطقة القرن الإفريقي وشرق أفريقيا، وكيفية العمل على احتواء تداعياتها المحتملة على المنطقة، والتوافق على تنسيق الجهور المشتركة لتحقيق أمن واستقرار المنطقة فى ظل جهود الرئيس السيسي والرئيس كير في الوساطة بين حكومة السودان والفصائل المسلحة، والتوقيع على اتفاق سلام جوبا بين الطرفين فى شهر أكتوبر الماضي.

4) دعم جنوب السودان للانتقال السياسي: تواصل مصر تقديم كافة أوجه الدعم لجنوب السودان من خلال الآليات القائمة للتعاون بين البلدين، ودعوة المجتمع الدولي للوفاء بتعهداته والتزاماته تجاه دولة جنوب السودان في مسيرتها نحو بناء مستقبل أفضل، ودعم مساعي رفع العقوبات الدولية عن جنوب السودان لدعم عملية الانتقال السياسي الجارية.

5) تعزيز شراكة مصر مع دول حوض النيل: تحمل الزيارة أهمية كبيرة فيما يتعلق بالحفاظ على علاقات مصر بالدول الأفريقية بصورة عامة ودول حوض النيل على وجه التحديد، وذلك في ظل العمل على ضمان توازن مقبول بين التنمية والأمن الإقليمي، خاصة بعدما بعد تعذرت المفاوضات القائمة بين القاهرة وإثيوبيا والخرطوم حول سد النهضة الإثيوبي، في الوصول إلى نتيجة واضحة لتقليل آثار السدّ السلبية المحتملة على الأمن المائي المصري، ومن ثم تتجه مصر على الصعيدين السياسي والفني، إلى تدعيم علاقاتها مع جنوب السودان، وتقديم مزيد من الدعم للدولة الجديدة، في محاولة لتأمين المصالح المصرية في مياه النيل القادم من البحيرات الاستوائية.

انعكاسات متعددة

من المحتمل أن ينعكس مستوى الانخراط المصري في علاقات وطيدة مع الدول الأفريقية في تحسين المناخ التفاوضي حول الكثير من القضايا العالقة والتي تتعلق بأمن مصر القومي مثل قضايا الأمن المائي وانتشار الجماعات الإرهابية المسلحة من خلال التوجه التنموي لربط مصر بعمقها الأفريقي، خاصة أن أهمية هذه الزيارة باعتبارها الأولى من نوعها إلا أنها تمثل امتدادًا لتوجهات مصر الاستراتيجية داخل القارة الأفريقية. وضمن هذا السياق تبذل مصر جهوًدا كبيرة لتوطيد علاقاتها مع جنوب السودان في إطار استراتيجية شاملة من أجل دعم التنمية وتحقيق السلام والاستقرار في جنوب السودان.

وتأسيسًا على ذلك هناك عديد من الجوانب الإيجابية التي ستعزز من فرص مصر في الحفاظ على أمنها القومي من خارج حدودها، خاصة في ظل التوترات التي تشهدها إثيوبيا داخليًا وما لهذه الأحداث من تداعيات سلبية على الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي.

المراجع:

1) السيسي يتوجه إلى جوبا لعقد لقاء قمة مع رئيس جمهورية جنوب السودان، على الرابط: https://www.almasryalyoum.com/news/details/2098378

2) جنوب السودان ملاذ القاهرة لتأمين إمدادات جديدة من مياه النيل، على الرابط: https://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2015/02/egypt-nile-water-south-sudan-development-projects.html#ixzz6fD9470Gg

3) مدبولى: مصر مستعدة لإقامة مشروعات استثمارية فى جنوب السودان، على الرابط: https://www.masrawy.com/news/news_egypt/details/2020/10/26/1900038/

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟