كيف تؤثر تركيا الهادفة إلى السيطرة شرق المتوسط على التصعيد العسكري الإقليمي
يبدو أن أردوغان يشعر أن سياساته العدوانية، والتي
تشمل السعي وراء موارد الطاقة تذكرنا بالسلوك العثماني القائم على السيطرة على
موارد الدول الأخرى، وقد أدت التوترات المتصاعدة بشأن احتياطيات الطاقة في شرق
البحر المتوسط إلى تصادم السفن الحربية
اليونانية والتركية، ومن ناحية أخرى إلقاء الضوء مجددًا نحو الاهتمام بسياسة تركيا
الإقليمية العدوانية .
كما تحتضن تركيا مجموعات متعددة من الجماعات
الإرهابية المصنفة في دول العالم كمنظمات إرهابية، بالإضافة إلى أنها أرسلت قوات
عسكرية إلى قطر بعد المقاطعة الخليجية لها بعد أن اتهمت الدوحة بدعم الإرهاب من
قبل الدول العربية، كما هاجمت الأكراد في سوريا الذين ساعدوا الولايات المتحدة في
محاربة داعش. وهددت بقطع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة بشأن اتفاق السلام
المعلن عنه مؤخرًا مع إسرائيل على الرغم من أن تركيا لديها سفارة في تل أبيب.
استمرار التهديد
قام الرئيس التركي رجب أردوغان بتصعيد سياساته
العدوانية ليشمل منطقة شرق المتوسط، فقام بإرسال جنود أتراك وميليشيات مسلحة إلى ليبيا
تلك الدولة التي مزقتها الحرب، وذلك لمساندة حكومة الوفاق الخاضعة لسيطرة جماعة الإخوان التي تقاتل مصر
والإمارات العربية المتحدة كداعمين للجيش الوطني الليبي، وقد قامت بتوقيع اتفاقية
للتعاون الأمنيي والبحري مع حكومة الوفاق لتحديد مناطقها الاقتصادية الخالصة (EEZ)، والتي تجاهلت تمامًا حقوق قبرص واليونان خاصة أن اليونان عضو في
حلف الناتو.
وتعد كل من اليونان وقبرص من أكثر دول المنطقة
تهديدًا من محاولات تركيا لتحويل مساحات من البحر الأبيض المتوسط إلى السيادة التركية، وتستخدم أنقرة هذه
الصفقة المشبوهة لإضفاء الشرعية على استكشافات الطاقة في المناطق التي تعتبر بأي
مقياس من معايير القانون البحري الدولي مياه اقتصادية يونانية وقبرصية، كما تهدد
باستخدام أسطولها البحري ضد أي دولة تحاول التدخل على الرغم من أن هذا سيكون
تصعيدًا كبيرًا على تعزيز الصراع بالإضافة إلى انتهاك تركيا لمبادئ القانون
الدولي.
استغلال الأوضاع
اتجهت تركيا نحو التصعيد في منطقة شرق المتوسط، وأصبح
هذا الوضع معقدًا بسبب ضعف الاتحاد الأوروبي، الذي لا يستطيع التحرك بصورة جماعية
لمواجهة التدخلات التركية، وتواجه دول الاتحاد معضلة أمنية كبيرة في ظل استمرار
أردوغان في استخدام القوة العسكرية، خاصة أنه يدرك بأن استخدام القوة يؤتي ثماره
ما لم يكن الطرف الآخر على استعداد للرد بقوة أكبر .
وضمن هذا السياق هناك مجموعة من المحفزات التي تدفع
تركيا إلى انتهاج مثل هذه السياسات، خاصة مع تراجع تهديدات انتشار فيروس كورونا
المستجد، كما أن تركيا تعاني من مشكلات اقتصادية متعددة وهو الأمر الذي لم يقف
حائلًا أمام استمرارها في التصعيد العسكري الإقليمي، ويمكن إرجاع هذه السياسات
العدولنية من جانب تركيا إلى ضعف القوى الأخرى في مواجهة تركيا وخاصة دول الاتحاد
الأوروبي التي تتشابك معها في بعض الملفات الحيوية مثل ملف اللاجئين، وهو الملف
الذي تستثمره تركيا في الضغط على دول الاتحاد، كما أنه يريد أن يوسع نفوذ بلاده على حساب دول
أخرى في البحر الأبيض المتوسط التي تُترك بدون دعم الولايات المتحدة ودول الاتحاد
بالصورة التي تحافظ على مصالحهم.
تهديدات متعددة
من ناحية أخرى يشكل التدخل المكثف للجيش التركي في
ليبيا وإرسال ميليشيات وجماعات إرهابية إلى هناك تهديدًا مباشرًا لمصر وأمنها
القومي ومصالحها الاستراتيجية؛ حيث يعتبر الإخوان الذين أصبح أردوغان زعيمًا غير
رسمي لهم من الجماعات الإرهابية وفق
القانون المصري خاصة بعدما قامت هذه الجماعة بتنفيذ ورعاية الهجمات الإرهابية التي
تتعرض لها الدولة المصرية،وعلى الرغم من التصعيد التركي العسكري في ليبيا إلا أن مصر
امتنعت حتى الآن عن إرسال قوات لمواجهة النفوذ التركي في ليبيا، ويرجع ذلك جزئيًا
إلى نزاعها الحالي مع إثيوبيا على نهر النيل.خاصة وأن القيادة المصرية تدرك أهمية
دراسة مختلف الانعكاسات على الأمن القومي المصري.
على الجانب الإسرائيلي، بصرف النظر عن البيان
الأخير الداعم لحقوق اليونان إلا أنها لم تشارك حتى الآن في أي من الصراعين، فليبيا
بعيدة جغرافيًا عن إسرائيل، ولا تهدد تركيا بانتهاك المنطقة الاقتصادية الخالصة
لإسرائيل في البحر المتوسط، وعلى العكس من ذلك تتداخل مطالبات تركيا مع مطالبات
اليونان وقبرص، وأن الخلاف بين إسرائيل وتركيا هذه الأيام يتعلق بدعم أنقرة لحركة
حماس، فضلاً عن مساعيها لكسب النفوذ بين الفلسطينيين من خلال الاستثمار في القدس
الشرقية. وعندما أعاد أردوغان تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، كان هناك حديث عن أن
المسجد الأقصى في القدس هو التالي في خط التحرير كنوع من أنواع جذب التعاطف الفلسطيني
والعربي، لكن تركيا كانت حذرة من استخدام القوة في السياق الإسرائيلي منذ فشل مافي
مرمرة عام 2010.
ومع ذلك، فإن لدى إسرائيل خطط واضحة للتعاون
الاقتصادي مع أوروبا عبر خط أنابيب غاز واستثمارات في مجال الطاقة من المفترض أن
يمر عبر قبرص، وهنا يبرز التساؤل حول ماهية الخطوات التي يمكن أن تتخذها تركيا في
هذا الشأن، وهل ستحاول تركيا التدخل في هذه المشاريع على أساس أنها قطعت المنطقة
الاقتصادية الخالصة التي أنشأتها أنقرة بدعم من حكومة الوفاق الوطني؟ وفي النهاية
في حال اتجاه تركيا لمثل هذه السياسات فإنها ستكون بمثابة دعوة تركية صريحة
لمواجهة عسكرية مع إسرائيل التي لن تتردد في الدفاع عن مصالحها الحيوية في البحر
المتوسط.
ختامًا: هناك
مجموعة من التحديات التي تواجهها دول منطقة شرق المتوسط بسبب التهديدات التركية
واستمرارها في الاعتماد على التصعيد العسكري مع كل من قبرص واليونان، في ظل غياب
الدور الفاعل والمؤثر لكل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية في مواجهة هذه
التهديدات، وهو الأمر الذي من شأنه أن يتسبب هذا التوتر إلى الحشد العسكري المضاد
لمختلف دول المنطقة في محاولة منها لمواجهة التدخلات التركية غير المشروعة للتنقيب
عن الغاز في المناطق الاقتصادية الخاصة بدول المنطقة، وأن هذا الوضع مرشح للتصعيد
في ظل عدم احترام تركيا لقواعد القانون الدولي الهادفة إلى تنظيم التعاون في
استغلال الثروات المكتشفة حديثًا.
Yaakov Amidror,
Power-Hungry Turkey May Push the Eastern Mediterranean Into an Armed Conflict,
national interest, September 4, 2020, at: