المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
شيماء محمود عبد الله
شيماء محمود عبد الله

تمدد النفوذ الإيراني في سوريا .. (سياسياً – اقتصادياً – عسكرياً)

الخميس 19/نوفمبر/2020 - 02:47 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

تتمتع إيران بأهمية جيوبوليتيكية كبيرة على خارطة الأستراتيجيات العالمية، وذلك نظراً لطبيعة موقعها الجيواستراتيجي المميز، فقد مكنتها هذه الميزة من أن تكون نقطة تواصل بين شرق قارة آسيا وغربها، فضلاً عن المزايا الاستراتيجية الهائلة التي وفرها لها هذا الموقع الجغرافي المتمثل بوقوعها على طرق موارد التجارة العالمية والثروات البترولية، بالإضافة إلى توافرها على المزايا المادية والمعنوية التي أهلتها لأداء أدوار خارجية عززت من سياستها ومكانتها إقليمياً ودولياً، بالإضافة إلى احتواء إيران على عمق تاريخي وثقافي وحضاري، جعلها تعيد إكتشاف مصادر قوتها من جديد ولتشكل إضافة قوية لمصادر قوتها الشاملة والحديث هنا عن القوة الناعمة وأصبحت أداة مؤثرة في سياستها الخارجية. وفي الوقت الحاضر سعت إيران إلى إعادة بناء دورها الإقليمي مستغلة بذلك جملة من المتغيرات التي شهدتها المنطقة (ثورات الربيع العربي – تصاعد التيار الإسلامي الأصولي (داعش، النصرة) – الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب – التحالف الإسلامي بقيادة السعودية – إلخ)، بما تملكه من قوة ناعمة كـ(اللغة – الثقافة الإيرانية – القيم السياسية – التـأثير الديني – العمق الحضاري، إلخ)، وقوة صلبة كـ(البرنامج النووي – القدرات العسكرية المتصاعدة – الحشد الشعبي – حزب الله – نظام الأسد – الحوثيين – الخ)، إلى استغلال ثقلها الجيوبولتيكي والجيوسياسي لفرض مكانتها كقوة وقطب إقليمي يتجاوز الأطر التقليدية التي كانت تصور إيران في السابق 1.

وسعت إيران لتثبيت وجودها السياسي والعسكري في شرق الفرات بسوريا على الرغم من الضغوط المتصاعدة من جانب القوى الإقليمية والدولية لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، إذ تركز طهران على استمالة العشائر العربية، والتشكيك في الدعم الأمريكي للأكراد، بالتوازي مع تقاسم الأدوار مع تركيا بهدف دفع الأكراد للقبول بعودة النظام السوري للسيطرة على الأقاليم الخاضعة لسيطرتهم لحماية هذه الأقاليم من التدخل العسكري التركي ويرتبط الدور الإيراني في سوريا بالسلوك الخارجي للدولة الإيرانية في الدوائر الجغرافية المحددة من قبل صناع القرار الإيراني بتقديم الدعم المالي والسياسي والعسكري للعناصر الموالية لها داخل حدود وحدة دولية ما، ضد عناصر أخرى غير موالية لإيران بتلك الوحدة، ويمكن تحديد الدور الإيراني في سوريا وتوصيفه ضمن الأدوار ذات العلاقة بالشئون الداخلية للدول، أو ضمن الأدوار الإقليمية بعد بيان الدوافع والممارسات الإيرانية في سوريا 2 .

وأتاحت حالة عدم الاستقرار والصراع المزمن في كلاً من (اليمن، العراق، سوريا) الفرصة لإيران للتمدد في تلك الدول باعتبارها "مناطق رخوة" وفقاً للمنظور الإيراني في هذا الشأن، بل إن استمرار الأزمات بلا حلول يعني المزيد من المكاسب الإقليمية لإيران. وتقدم الأزمة السورية نموذجاً واضحاً على مفهوم "تدويل الأزمات"، والدليل على ذلك جهود حل الأزمة من خلال قرارات اممية تعكس مصالح الأطراف الدولية، بل أن تلك الجهود تتضمن تفاهمات وتنازلات متبادلة بين تلك القوى الدولية. ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التي قررت إدارة الأزمات بدلاً من حلها، ومن بينها الأزمة السورية، وبغض النظر عما ستؤول إليه تلك الأزمة، فإن الأمن الإقليمي يشهد ظاهرة المحاور (دمشق، طهران، روسيا) في مواجهة (الولايات المتحدة، تركيا، الناتو) وهو ما يمثل فرصاً للسياسات الإقليمية لإيران. وواقع الأمر أن الأزمة السورية لم تكن منشئة للدور الإقليمي لإيران، والذي تعزز من الخلل في توازن القوى الإقليمي منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ثم انسحاب الولايات المتحدة من العراق عام 2011، بما يعني إقرار الإدارة الأمريكية آنذاك بالنفوذ الإيراني، ليس فقط على الصعيد الإقليمي، وإنما الممتد من غرب أفغانستان إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط 3 .

§       المشكلة البحثية:

ثمة مجموعة من الدوافع الإيرانية والتي تفسر الدور الإيراني في سوريا، حيث تكمن في دوافع سياسية واستراتيجية وذلك لتوسيع دائرة النفوذ الإيراني في المنطقة ويشكل الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط حلماً إيرانياً بأعتبار أن إيران تعتمد في اقتصادها على تصدير الغاز الطبيعي إلى الأسواق العالمية والأوروبية التي تعد السوق الأولى من حيث حجم الاستهلاك، خصوصاً في ظل الانخفاض الحاد في أسعار النفط الخام خلال الأعوام الماضية، وزاد في هذه الرغبة اكتشاف حقول غاز غنية في منطقة البحر المتوسط، بالإضافة إلى حقول الغاز الغنية في سوريا وأهمها في منطقة تدمر. وتخدم سوريا استراتيجية إيران في المنطقة، فهي تمثل الرابط الحيوي ما بين طهران وحزب الله، كما تؤمن سوريا لطهران الدفاع عن ممرات عبور السلاح للحزب في لبنان. وكذلك دوافع أيديولوجية/ مذهبية حيث تقع سوريا في عمق الهلال الشيعي المذهبي الذي يمتد من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان فالخليج العربي. وفي هذا السياق فإن إيران لم تعد تخفي دعمها غير المحدود للنظام السوري من خلال المساعدات العسكرية غير المباشرة وكذلك الدعم المالي للنظام السوري. ومن ثم تتمحور إشكالية الدراسة في دراسة تمدد النفوذ الإيراني في سوريا لذا جاء السؤال البحثي الذي تتمحور عنده إشكالية الدراسة فيما يلي:

ما هي عناصر تمدد النفوذ الإيراني في سوريا؟/ كيف تمددت إيران في سوريا (سياسياً، اقتصادياً،عسكرياً)؟

§       أهمية هذه الدراسة تتلخص في :

1-    أهمية دراسة الأستراتيجية الإيرانية في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط.

2-    أهمية دراسة العوامل المؤثرة على الدور الإيراني في سوريا.

3-    فهم طموح إيران في القيام بدور إقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

4-    التحديات التي تواجه الدور الإيراني في سوريا.

§       المنهج المستخدم في الدراسة :

 تعتمد هذه الدراسة على منهج المصلحة الوطنية National Interest  ,وهو أحد المناهج المفسرة للعلاقات الدولية ويتمثل جوهره في أن الهدف النهائي والمستمر للسياسة الخارجية لدولة ما هو تحقيق مصلحتها الوطنية وبهذا فإن المصلحة القومية تشكل عامل الارتكاز والمحرك الأساسي في الموقف الإيراني تجاه سوريا، وما هي الآليات المتبعة لتنامي الدور الإيراني في المنطقة، كما يفسر هذا الاقتراب التقارب الإيراني الروسي حول الوضع في سوريا.

§       وسيتم الإجابة على التساؤل البحثي من خلال عدد من النقاط الرئيسية:

-          أولاً تطور الوجود الإيراني في سوريا.

-          ثانياً العوامل المؤثرة على الدور الإيراني في سوريا.

·       تأثير التدخل العسكري الروسي

·       اتفاقية الجنوب وإبعاد الميليشيات الإيرانية

·       تقليص الدور الإيراني في في الشمال السوري "غصن الزيتون"

·       الاحتجاجات الإيرانية في الداخل

·       الاستراتيجية الأمريكية اتجاه إيران.

-          ثالثاً دوافع إيران للتمدد في سوريا

-          رابعاً انواع الدعم الذي قدمته إيران لسوريا

-          خامساً عناصر التمدد الإيراني في سوريا (سياسياً- اقتصادياً- عسكرياً)

-          خاتمة

§       أولاً تطور الوجود الإيراني في سوريا:

بدأت العلاقات السورية الإيرانية بعد انتصار الثورة مباشرة وكان الانحياز الاستراتيجي السوري إلى إيران في حربها مع العراق. وشكلت سوريا في هذه المرحلة بوابة إيران إلى المنطقة العربية وخصوصاً إلى لبنان عبر الدعم المباشر لحزب الله. كما شكلت سوريا مع إيران نواة لما سيعرف لاحقاً بمحور الممانعة الذي سيقف إلى جانب حركات المقاومة في المنطقة خصوصاً في لبنان وفلسطين. ساهمت إيران في مرحلة الثمانينات في دعم سوريا خصوصاً على المستويات النفطية. ويتبادل البلدان المصالح والعلاقات التجارية والاقتصادية. وهي علاقات مستقرة إلى حد كبير. وقد باتت العلاقات السورية مع إيران اكثر رسوخاً بعد غياب الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينات الذي كان حليفاً لسوريا في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية 4.

تتعاون سوريا وإيران في مواجهة مشكلات وأزمات بلدان المنطقة وقضاياها. (المحكمة الدولية في لبنان، تشكيل الحكومة في العراق، المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، بالإضافة إلى الدعم الثابت لحركات المقاومة). لم يبدل التباين في وجهات النظر بين البلدين تجاه بعض القضايا من تحالفهم الاستراتيجي ومن ثبات هذا التحالف. وقد أصبح دور سوريا خصوصاً بعد تراجع دور مصر أكثر محورية في الشرق الأوسط بفضل هذا التحالف مع إيران وحركات المقاومة. وقد تعرضت سوريا لمحاولات اضعاف نظامها ولمحاولات فك تحالفها مع إيران وللحصار. ولكن ذلك كله فشل في تغيير ثوابت التحالفات السورية. علماً بأن سوريا لم تجعل علاقاتها مع إيران بديلاً لعلاقتها العربية. فقد حرصت دوماً على دورها في جامعة الدول العربية. كما حرصت على استعادة علاقتها مع المملكة السعودية. (مشروع التفاهم السوري – السعودي لحل أزمة القرار الظني ضد حزب الله) من دون ان يكون ذلك في الوقت نفسه على حساب علاقتها مع إيران. على الرغم من كل المحاولات الغربية وحتى العربية للفصل بين سوريا وإيران 5.

ومع حلول عام 2013 أصبح من الواضح أن الجيش السوري غير قادر على حسم هذه الحرب من دون مساعدة خارجية، وخلال سنوات عدة قدمت طهران دعماً هائلا لدمشق، مما كان له تداعيات سلبية، وتسبب في أزمة اقتصادية داخلية حادة، ناهيك بازدياد أعداد القتلى من الحرس الثوري وعناصر "حزب الله"، وهو ما يتطلب دفع تعويضات باهظة لأسر القتلى من الخزينة الإيرانية، وترافق ذلك مع العقوبات الأمريكية المشددة التي تعرضت لها ايران نتيجة الإصرار على البرنامج النووي، والتي زادت من التدهور الاقتصادي والاجتماعي وبخاصة بعد إيقاف الصادرات النفطية وتجميد أموال ايران في الخارج ونتيجة لتلك الأحداث احتج الشعب الإيراني على التدهور الاقتصادي، وعلى الرغم من أن الاستثمار في مشروع بقاء نظام دمشق هو استثمار خاسر، ومرهق اقتصادياً وعسكرياً الا أنه مربح سياسياً لأن سقوطه سيشكل تداعيات سلبية على التمدد الإيراني في لبنان والعراق والمنطقة، باعتبار دمشق هي البوابة الجيوسياسية، ولا ننسى أن الازمة السورية كانت أهم أوراق طهران في ابتزاز الغرب مقابل البرنامج النووي الإيراني. وفي السياق ذاته لعبت طهران على كل التناقضات، فهي لم تتخلَّ عن شعورها القومي المحلي، بل حاولت أن تنشر الثورة الشيعية في عالم عربي معظمه من السنة، إضافة لذلك اشترت السلاح من إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي، وفتحت قنوات على إدارة الرئيس رونالد ريغان، وتواطأت على الاحتلال الأميركي لأفغانستان عام 2001، وساهمت في سقوط العراق عام 2003 6.

ولم تقتصر علاقة إيران بسوريا على بسط نفوذها فقط إلى قلب الشرق الأوسط، بل التأثير في مجريات الصراع العربي- الاسرائيلي من خلال دعمها الواسع للمجموعتين الاسلاميتين المناوئتين لإسرائيل، وهما "حزب الله" في لبنان و"حماس" في الأراضي الفلسطينية. ومع تزايد الصراعات داخل سوريا وازدياد حالات الانشقاق في صفوف الجيش النظامي، والتفوق النسبي لبعض فصائل المعارضة، اضطرت طهران للضغط على "حزب الله" اللبناني للمشاركة في القتال، وإنقاذ نظام دمشق، وبرر كل من إيران و"حزب الله" دعمهما للأسد بحجة حماية المقامات الشيعية. وقد حرصت إيران أن يكون لها دور في عملية الانتقال السياسي في سوريا ومنع أي نظام معارض لطهران من أن يتولى مقاليد الحكم مستقبلاً في سوريا. كما أنها ترسل رسالة مفادها أن أي مبادرة لحل الأزمة السورية لا بد وأن تمر عبر طهران، وأن أي تجاهل لها سيؤدي لفشل تلك المبادرات، وأي عمل عسكري، غربي أو إقليمي، ضد النظام بدمشق سيواجه برد فعل عنيف من طهران، ذلك لأن سوريا هي جسر التمدد الإقليمي لإيران 7.

§       ثانياً العوامل المؤثرة على الدور الإيراني في سوريا:

مما لا شك فيه أن إيران تشعر بقلق بالغ إزاء الآثار الجيوسياسية في حال تغيير النظام في سورية، فالأغلبية الساحقة من السوريين هم من العرب السنة، والتخوف من سقوط نظام دمشق ووصول نظام سني طائفي معاد لإيران الشيعية، ومنحاز للقوى الإقليمية المعادية، وبخاصة المملكة العربية السعودية، كل هذه العوامل دفعت إيران لدعم نظام الأسد بقوة. وتدرك إيران أن الأولوية بالنسبة لموسكو كانت وستظل دائماً للعلاقة مع الغرب الذي تربطه شبكة من المصالح الجيو- استراتيجية والاقتصادية مع روسيا كما تدرك أدوار القوى المنافسة لها في علاقتها التشاركية مع روسيا في سوريا وهي (أمريكا – تركيا – إسرائيل) التي لعبت أدواراً مميزة في تقارب أو تباعد التحالف الروسي- الإيراني في سوريا 8 ، ونجم عنه مجموعة من العوامل المتداخلة تتمثل فيما يلي 9:

-          تأثير التدخل العسكري الروسي

-          اتفاقية الجنوب وإبعاد الميليشيات الإيرانية

-          تقليص الدور الإيراني في في الشمال السوري "غصن الزيتون"

-          الاحتجاجات الإيرانية في الداخل

-          الاستراتيجية الأمريكية اتجاه إيران.

1-    تأثير التدخل العسكري الروسي:

اتى التدخل العسكري الروسي بعد أن سبقه التدخل العسكري الإيراني ورغم ذلك بقيت العلاقة بين الطرفين متأرجحه ولم تتحول إلى شراكه استراتيجية ووضحت الخلافات بين الدولتين فيما يلي الجانب الروسي بمسار الحل السلمي جنباً إلى جنب مع مسار الحرب ضد الإرهاب، ثم أخذت معالم اختلاف المواقف تتبلور أكثر في مسائل كثيرة منها مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد. حيث ترى إيران في بقاء الأسد هدفاً أساسياً بينما ترى روسيا أهمية لبقاء الدولة السورية ومؤسساتها الشرعية، من دون أن يعني ذلك بقاء الأسد لفترة طويلة على رأس النظام، وسعيها إلى تحقيق مكاسب ميدانية وفرض سياسة الأمر الواقع بموجبها على كل من المعارضة السورية والمجتمع الدولي وأن يكون سقف الحل السياسي تشكيل حكومة وطنية يشارك فيها النظام والمعارضة، مع بقاء الأسد على رأس الدولة 10.

ومن معالم الأختلاف أيضاً عدم رضى إيران عن كل الأتفاقيات التي توصلت إليها روسيا بدءا من اتفاقية وقف الأعمال العدائية التي توصلت إليها بالتعاون مع واشنطن 2016 وصولاً إلى مفاوضات مناطق خفض التصعيد وكيف أقسم المندوب الإيراني في مؤتمر أستانة 6 بإنه لن يتم اتفاق إدلب وستعمل إيران على تخريبه، كما يشكل الموقف من السوريين الأكراد مسألة خلافية كبيرة بين موسكو وطهران. وتراقب عن قرب العلاقات بين الأكراد وكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية كونها لا تؤيد المشروع الكردي في الشمال السوري، وكان ذلك واضحاً من خلال موقفها الرافض لإعلان فيدرالية "أوج أفا"، في شمال سوريا 11.

وتعترض روسيا على قيام إيران بتنظيم عدة ميليشيات داعمة للنظام السوري وتدريبها وتسليحها لانها ترى ضرورة الحفاظ على الحكومة السورية المركزية، من خلال دعم الجيش السوري وتسليحه لضمان وحدة الدولة وعدم الوقوع في حالة الفوضى. لذلك عملت على تقليص دور الميليشيات الإيرانية من خلال تشكيل "الفيلق الخامس" والإشراف على تدريبه وتسليحه مروراً بترك ميليشياتها في معارك متعددة وخاصة على جبهات مدينة حلب بدون غطاء جوي لها من الحليف الروسي، إضافة إلى أن روسيا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية التي تعلن إيران عدائها لها ولذلك تعتمد روسيا سياسة متوازنة بين الطرفين12.

2-    اتفاقية الجنوب وإبعاد الميليشيات الإيرانية:

تمتلك إيران بعض الأوراق التي يمكن تحريكها والتأثير من خلالها كالميليشيات المسلحة المنتشرة على الأرض فبدأت بتشكيل مايعرف باللواء 313 التابع للحرس الثوري الإيراني بمحافظة درعا جنوب سوريا واتخذ مدينة ازرع في ريف درعا مقراً له، حيث يقوم بتجنيد الشباب السوريين وتسليمهم بطاقات تحمل شعار الحرس الثوري تضمن لهم المرور على حواجز النظام معتمدين على إغراء الشباب بالمبالغ المالية الكبيرة التي سيتقاضونها بعد انضمامهم، وإنشاء قاعدة عسكرية ضخمة دائمة جنوبي العاصمة السورية دمشق منطقة الكسوة (14 كم جنوبي دمشق) وعلى بعد نحو 50 كم من مرتفعات الجولان المحتلة المشمولة باتفاق الجنوب، للالتفاف على اتفاق خفض التصعيد في المنطقة الجنوبية، أو إطلاق إيران لصواريخ مضادة للطيران الإسرائيلي في 2018 في الوقت الذي تشن فيه الولايات المتحدة هجوماً إعلامياً وسياسيا ضد طهران، ويشير هذا إلى أن المشروع الإيراني في سوريا وصل إلى الحد المسموح به إقليمياً ودولياً حيث يقف الدور الإيراني على الساحة السورية عند نقطة الثبات.

3-    تقليص الدور الإيراني في الشمال السوري "غصن الزيتون":

 اعتبرت إيران نفسها الخاسر الأكبر من المعارك الجارية بمدينة عفرين السورية حيث أصبحت غائبة تماماً عن هذا الملف بسبب الوضع المختلف لتركيا وإيران في النظام الدولي والمعادلات الإقليمية، ولعدم دقة وشمولية الحسابات الإيرانية، في وقت وظفت فيه تركيا خطر الأكراد لتعزيز نفوذها الجيوسياسي في سوريا ليكون لمعركة عفرين عواقب وخيمة على العراق ولبنان وموقف إيران بالمنطقة، وتتحول تركيا بموجبها من الخاسر في المعادلات السورية إلى اللاعب الرئيسي فيها.

4-    الاحتجاجات الإيرانية في الداخل:

نتيجة للسياسات التدخلية لإيران في الدول المختلفة ونتيجة لذلك واجهت إيران أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية، عمقت الفجوة الموجودة أصلاً بين النظام السياسي والشعب، حيث عانى المواطن الإيراني من جرائها أزمات معيشية واقتصادية خانقة. هذه الأزمات اضطرت الشعب إلى الخروج والتظاهر ضد النظام السياسي وسياسته الخارجية التي جعلت لحلفاء "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، الاولوية على حساب مستوى  معيشة الشعب الإيراني ورفاهيته، فقد تبنت حزب الله في لبنان إضافة إلى تدخلاتها الخارجية التي لا تتوقف من سوريا إلى العراق إلى اليمن والبحرين، وتواجدها بقوة على الساحتين العراقية والسورية وتقديم نفسها إلى جانب القوى التي تواجه الإرهاب وذلك لاكتساب نفوذ إقليمي قوي إلا أن الاحتجاجات التي اندلعت في المدن الإيرانية بدأت بشعارات اقتصادية، ما بدأت أن تغيرت بسرعة لتستهدف زعيم الجمهورية الإسلامية ونظام ولاية الفقيه، معترضة على السياسة الخارجية التي تتسم بالتدخل والتوسع على اسس مذهبية مرددين شعارات "لا غزة ولا لبنان نحن بدنا إيران".

5-    الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران:

يعتبر تخوف إيران من التواجد العسكري الأمريكي المحيط بها من كل الاتجاهات هو الدافع وراء إعلان وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" أن روسيا يمكن أن تستخدم قواعد عسكرية إيرانية "لمكافحة الإرهاب في سوريا"، ولكن استخدمت الولايات المتحدة استراتيجية في عام 2018 تضمنت خطوات الحفاظ على وحدة سوريا ومكافحة الإرهاب وصد النفوذ الإيراني، وهذا ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكية تيلرسون مؤكداً على أن مصلحة واشنطن الحيوية تتمثل بالاحتفاظ بوجود عسكري ودبلوماسي في سوريا لإنهاء الصراع، وأن ابتعاد الولايات المتحدة عن سوريا سيتيح لإيران "فرصة ذهبية" لتقوية وضعها في سوريا التي أضحت برعاية إيران دولة مارقة 13. 

§       ثالثاً دوافع إيران للتمدد في سوريا:

أ‌.       الموقع الجيوسياسي لسوريا:

حيث يمثل الموقع الجغرافي لسوريا حلقة وصل بين العراق ولبنان في مشروع إيران الاستراتيجي "الهلال الشيعي" والذي يعني النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني على أهم المنافذ البحرية والبقع الجغرافية في المنطقة، وذلك للحفاظ على أمنها القومي عبر المناورة في حدود الدول الأخرى، وفي سبيل نقل غازها الطبيعي إلى أوروبا على صعيد استراتيجي. كما تحاذي سوريا إسرائيل، حيث يمكن لها بذلك أن تشكل خطراً على المصالح الإسرائيلية، كما تمتلك حدوداً مع لبنان ونفوذاً كبيراً فيه 14.

ب‌.   مصالح جيو اقتصادية:

وقعت إيران اتفاقية مع حكومة دمشق في مارس 2013، تنص على أن يشكل الموقع الجغرافي لسوريا ممراً اقتصادياً حيوياً استراتيجياً نحو السوق العالمية، كما يمكن لها من خلال السيطرة الملموسة على سوريا، تحقيق تحركات استباقية من شأنها تضييق الخناق الاقتصادي على تركيا، منافستها الإقليمية على الشرق الأوسط15.

  ج. استراتيجية "التعاون الأمني" الممزوجة باستراجية "الدفاع الهجومي":

المتتبع لتحركات إيران في سوريا والعراق وغيرهما يلاحظ أنها تتبع استراتيجية أمننة تسعى من خلالها لتحقيق محور يرفع من قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على نحو يزيد من قوتها الذاتية ويوفر لها حماية استراتيجية لأمنها القومي.

 ذ. مواتاه الظروف المحلية والإقليمية:

سعي روسيا إلى تأجيل خلافها الجيوسياسي والجيواقتصادي مع إيران، وتبني الإدارة الأمريكية سياسات انسحابية "انعزالية" من الشرق الأوسط لإيلاء الشأن الداخلي اهتماماً أكبر، والاستدارة نحو بحر الصين الجنوبي، حيث خيرات الطاقة الهائلة، لاسيما الغاز الطبيعي الأنظف والأفضل مقارنة بالنفط، والطرق الدولية المؤثرة في حركة التجارة الدولية للصين المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة، وغيرها، عوامل كثيرة لعبت دوراً هاماً في توفير بيئة مناسبة لبناء إيران نفوذها في سوريا.

 ه. المصالح الجانبية: حيث تسعى إيران لإظهار مدى قدرتها على تحقيق نفوذ إقليمي في المنطقة، وعرض ذاتها كبديل للغاز الروسي أمام الغرب الذي يبحث عن بديل، وبالتالي تحسين الوضع التفاوضي مع الغرب حول برنامجها النووي.

و. مصالح ناعمة:

مثل احتواء سوريا على الكثير من الأضرحة المقدسة بالنسبة لإيران انعكاساً جيداً لخدمة مصالحها التأثيرية الناعمة، فمن خلال هذا التحرك نحو سوريا، اثبتت أنها الدولة المخلصة للأفراد الذين تجمعهم معها روابط دينية. وهذا ما يصب إيجاباً في إثبات مرتكز نظامها المتمدد داخل العالم الإسلامي تحت أسم "ولاية الفقيه"16.

§       رابعاً انواع الدعم الذي قدمته إيران لسوريا:

فقد دعمت إيران النظام السوري مادياً، حيث ضخت عشرات المليارات من الدولارات، من أجل دعم وحماية النظام من السقوط، كما ضمنت استمرار النفط إلى سورية وبكميات كبيرة، ودعمته سياسياً، حيث سخرت إيران كل علاقاتها الديبلوماسية وإمكانياتها الإعلامية للدفاع عن النظام السوري، وترويجها أن ما يحدث هو مؤامرة تستهدف النظام الذي يتعرض لهجمات من جماعات إرهابية وتكفيرية، فيقول وزير الخارجية الإيراني:" لولا دعمنا للنظام السوري لوجدنا "داعش" يحكم دمشق"، علاوة على دعمه عسكرياً من خلال إمداد النظام بجميع أنواع الأسلحة، ناهيك بتواجد عناصر الحرس الثوري في شوارع دمشق، فوفقاً للتقارير فإيران هي من تقود المعارك وتوجه الجيش النظامي السوري. وقد نتج عن التدخل العسكري لـ"حزب الله" وإيران، جرائم ضد الإنسانية وفق تقرير لجنة التحقيق الدولية في سوريا، لا سيما في القصير، إضافة الى سياسة التهجير القسري للمدنيين التي اتبعت في كثير من البلدات السورية، وتحدث التقرير عن استخدام "حزب الله" صواريخ محمولة شديدة الانفجار تؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة وتحدث دماراً هائلاً في المباني. تلك الممارسات أدت الى ازدياد وتيرة الهجرة بسبب اعتماد النظام السوري وحلفاؤه (إيران و"حزب الله")، على سياسة العقاب الجماعي من دون التفرقة بين المسلحين والمدنيين17.

والمتتبع لحالة إيران يجد أنها لم تعد تخفي دعمها غير المحدود للنظام السوري من خلال المساعدات العسكرية المباشرة، فكل المعارك الكبرى التي يخوضها النظام السوري يخططها ويوجهها الحرس الثوري وقدر عدد القوات الإيرانية في سوريا نهاية عام 2016 بنحو 8 آلاف مقاتل من الحرث الثوري فقط يتوزعون في بؤر التوتر ومناطق النزاع خصوصاً في دمشق وريف دمشق واللاذقية، لكسب الحرب وميل المعادلة لصالح إيران-سوريا.

وقد تضاربت المعلومات فيما يتعلق بالدعم الإيراني المالي للنظام السوري والميليشيات فبينما قدر خبراء في مركز فارس للدراسات الشرق أوسطية قيمة المبالغ الإيرانية المدفوعة لنظام الأسد ونقداً وتسليحاً وتجهيزاً وتدريباً بـ 15 مليون دولار سنوياً، بالإضافة إلى ملياري دولار للميليشيات القادمة من العراق ولبنان وغيرهما، وقد قدرت صحيفة "ساينس مونيتور" الامريكية الدعم الإيراني المالي المقدم للنظام السوري بـ 35 مليار دولار سنوياً18.

وتعمل إيران على تحشيد الميليشيات مثل: مجموعة "زينبيون" وهم الشيعة الباكستانيون القانطون في إيران، وفرقة "فاطميون" وهم الشيعة الأفغان القانطون في إيران، بالإضافة إلى السماح لحزب الله اللبناني بالمشاركة القوية الفعالة بجانب قوات الأسد بكل بؤر الصراع مع المعارضه السورية أو المناطق الحيوية ضمن المخططات الإيرانية، إذ برز الدور الكبير لمليشيات حزب الله خلال معارك السيطرة على مدينة القصير، فالسيطرة على تلك المدينة مثلت مصلحة استراتيجية كبيرة لإيران، لأنها تربط بين دمشق وحمص والساحل السوري بمناطق نفوذ حزب الله بلبنان، ومن العراق حشدت إيران ميليشيات "حزب الله" العراقي و "عصائب أهل الحق" وفيلق ميليشيات "ابو الفضل العباس" و "ذو الفقار" وكتائب "سيد الشهداء" وسرايا خراساني وحركة النجباء، وتشكلوا من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني. وتشير التقديرات إلى أن عدد أعضاء الميليشيات التي دربتها إيران في ثلاثة معسكرات: "الإمام علي" شمال طهران، و"أمير المؤمنين"غرب طهران، و"مرصاد" شيراز الذي يعد من أهم مراكز تدريب المقاتلين الأجانب، نحو 40 ألف مقاتل غير عسكري، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن اعدادهم60 ألفاً، كما اعلنت في اغسطس 2016 عن تشكيل قوات عسكرية شيعية عابرة للحدود تحت عنوان "الجيش الشيعي الحر" بقيادة قاسم سليماني، مقرها سوريا ويتكون من: (فاطميون، زينبيون، حيدريون، ويضم شيعة العراق، وهناك لواء حزب الله) لاكتمال تنفيذ مخططاتها 19.

§       خامساً عناصر التمدد الإيراني في سوريا (سياسياً-اقتصادياً-عسكرياً)

1-     التمدد السياسي الإيراني في سوريا:

دعمت إيران الرئيس السوري بشار الأسد منذ الانتفاضات الاهليه الاولي في مارس 2011 ، والتي عرفها النظام الإيراني بأنها فتنه "مستوحاه من الخارج". ويمثل التعامل مع الازمه السورية أول مثال حقيقي للسياسة الخارجية الايرانيه التي يتم الاستعانة بها من قبل الحرس السياسي/ الحرس الثوري الإيراني، والتي تعتبر مشاركتها اختبارا رئيسيا لقدراتها، وقد حظي التدخل الإيراني في سوريا في البداية على معارضة من أن المشاركة المباشرة في سوريا قد تكون ضارة لرأس المال الإيراني المالي والإيديولوجي، ولكن تصدى لهذه المعارضه الحرس الثوري ومكتب المرشد الأعلى مبررين التدخل في سوريا تحت مسمى المقاومة والتي بموجبها تشكل سوريا الخط الامامي في مكافحه الإرهاب والجماعات التكفيرية مثل داعش 20.

وكانت المرحلة التالية هي توسيع النقاش، وتأطير الصراع في سوريا كجزء من النضال الأيديولوجي الأوسع (المدفوع جزئيا بالتوترات العرقية والطائفية) والتنافس الجيوسياسي (أو الهيكلي) علي السلطة مع المملكة العربية السعودية. حاولت إيران التغلب علي قلق الشعب الإيراني من تكلفه التدخل في سوريا في ظل معاناة الاقتصاد الإيراني، وأرسلت قائد فيليق القدس "قاسم سليماني" إلى سوريا، وقد مكن ذلك إيران من زيادة وجودها والاستثمار السياسي في سوريا مع التغلب على معارضيها المحليين.

كما تناقش إيران وتنسق جميع القضايا الاستراتيجية والعملياتية مع حكومة الأسد، ولكن ليس لها اي تاثير علي افراد الجيش السوري، بما في ذلك ترقيتهم أو تخفيض رتبتهم. ويبدو ان طهران قد رفضت ان يكون لها راي في هذه المسالة لتجنب تفاقم مخاوف بشان تدخلها المباشر من قبل جنرالات وقاده الجيش السوري، الذين اعترضوا علي دور إيران في إنشاء الجبهة الشعبية المسلحة. كما تنسق إيران إجراءاتها علي الأرض مع روسيا علي المستوي الوزاري والعملياتي، علي الرغم من ان التصور في طهران هو ان النظام السوري يعطي الاولويه لتبادل المعلومات مع موسكو. وقد أعلنت القيادة الايرانيه صراحة ان ليس هناك فرق بين استراتيجيتي موسكو وطهران فيما يتعلق بسوريا 21.

وحاولت إيران منذ 2014 تأييد التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية من خلال 4 نقاط تم تحديثها في أغسطس 2014، حيث دعت إيران إلى:

-          وقف فوري لإطلاق النار.

-          إصلاحات دستوريه لحماية الأقليات السورية.

-          انتخابات حره وخاضعه للاشراف الدولي.

-          تشكيل حكومة وحده وطنيه علي أساس مؤسسات دستوريه جديده.

وبينما أعلنت طهران علنا، منذ أواخر 2015، رغبتها في إيجاد حل دبلوماسي للازمه السورية، فقد حافظت أيضا علي وجود كثيف علي الاراضي السورية، وأوجدت إيران 3 نتائج يمكن من خلالها تقييم مدى نجاح سياستها داخل سوريا 22:

-       أولاً هزيمة داعش وجبهة النصرة: منذ ظهور داعش بشكل خاص صورت إيران مشاركتها في سوريا كجزء من جهد أوسع لمكافحه الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط وكذلك بالنسبة لجبهة النصرة وقد ركزت طهران جهودها العسكرية علي مهاجمتها حيث تري إيران ان توحيد المواقع التي تحتجزها داعش والنصرة يشكل تهديدا مباشرا للاستقرار في العراق التي هي إحدى مناطق النفوذ الإيراني 23.

-       ثانياً استعادة الوضع القائم سابقاً: يزعم المسؤولون الإيرانيون ان هدف إيران هو استعاده الوضع السابق في سوريا. وهذا يعني في المقام الأول ان "إيران لا تزال تدعم السلامة الاقليميه لسوريا"، وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف"، وتعتقد إيران انها لن تتمكن من تحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في الحفاظ علي السلامة الاقليميه السورية وأعاده تشكيل حكومة مركزيه، الجسر البري مع لبنان الذي يحتاجه من أجل تزويد حزب الله بالسلاح لمقاومته لإسرائيل. وتريد إيران أيضا ان تضمن عدم تحول سوريا إلى منصة يمكن منها مهاجمه الحركة الشيعية اللبنانية.

ويرتبط موقف إيران أيضا بالمخاوف من إقامه استقلال كردي في شمال سوريا. وفي حين ان إيران لا تعتبر الأكراد جماعه إرهابيه، الا انها لا تعتبرهم حليفا، نظرا لآراءهم بشان الأفاق المستقبلية لنظام الأسد. وفي هذا الصدد تري الجماعة الكردية في سوريا "قوه مفيده في الحرب ضد داعش" ، ولكنها لا تملك نفس المصالح الطويلة الأجل في سوريا". لذا انضمت إيران إلى تركيا في رفضها إعلان الإداره الكردية المحلية في شمال سوريا، ويبدو ان موقف إيران من الأكراد في سوريا واحتمال النزاع الفدرالي الذي نشب بعد الصراع في سوريا هو النقطة الرئيسية للخلاف مع روسيا. وقد وصفت موسكو بأنها "أكثر مناصره للأكراد ، دون النظر في العواقب" ، بينما تخشي طهران من ان المزيد من الحكم الذاتي للأكراد السوريين قد يؤدي إلى إنشاء دول كرديه مستقله في تركيا والعراق، وفي نهاية المطاف، إيران.

-       ثالثاً المحافظة علي مؤسسات الدولة: تهدف إيران إلى الحفاظ علي المؤسسات السورية، بما في ذلك الجيش وأجهزه الاستخبارات، لان انهيار النظام يمكن ان يسهل "صعود تحالف من الجماعات السنية المتطرفة المناهضة للشيعة والمناهضة لإيران والمناهضة لحزب الله". وفي نظر القيادة الايرانيه، لا يمكن تحقيق الاستقرار المؤسسي الا إذا بقي الأسد في السلطة، وتم تهدئه الحديث عن فض الاشتباك حتى يمكن ضمان نوع من الاستقرار للنظام 24.

وبينما تعمل إيران علي تحقيق نتيجتها المفضلة في سوريا، فانها تستعد أيضا لسيناريو لم يتم فيه استعاده الوضع السابق الذي كان قائما وانهيار النظام. وتحقيقا لهذه الغاية، تواصل طهران التركيز علي تعزيز "دولتها العميقة" في سوريا، ولا سيما في الجنوب، بهدف بسط سيطرتها علي المناطق ذات القيمة الاستراتيجية، والتي يغلب عليها الشيعة في سوريا، من خلال دعمها للجهات الفاعلة غير الحكومية، علي أمل ان سوف تكون قادره علي مواصله السعي لمصالحها الحيوية وممارسه الضغط علي الحكومة، أيا كان في السلطة. وهذه الاستراتيجية هي أحد أسباب التوتر بين إيران والجيش السوري. كما دفعت دول الخليج إلى تكثيف دعمها للجماعات السنية المتمردة. وعلى الرغم من الدعم الذي قدمته إيران لسوريا منذ بداية الحرب الأهلية السورية، وكون إيران أكثر حلفاء سوريا الدائمين فان العلاقة معقده، وترسم الدعم والتشكك من مختلف الأطياف السياسية في دمشق 25.

2-    التمدد الإيراني عسكرياً في سوريا:

زاد التعاون بين إيران وسوريا في العديد من المجالات حيث من الناحية العسكرية وقعت البلدان اتفاقية دفاع متبادل في يونيو 2006، واتفاقية تعاون عسكري إضافية في مارس 2007، (في وقت سابق في عام 2004 ، وقعت الدول على "تعاون استراتيجي") بشأن التعاون الأمني والعسكري ويشمل التعاون أيضًا مبيعات الصواريخ الإيرانية إلى سوريا، بالإضافة إلى التعاون الاستخباراتي المستمر مع طهران، حيث يزعم أنه يوفر المعدات والتدريب للعملاء السوريين26، وقد بررت إيران دورها العسكري في سوريا من خلال الاتفاقيات الأمنية والعسكرية المشتركة بينها بين طهران ودمشق، والذي يمكن إيجازه في المراحل التالية:

أ‌.       مرحلة الدعم التقني والتدريب وتقديم المشورة:

منذ الثورة السورية تدخلت إيران لتقديم دعم تقني ومشورة لسوريا حيث ارسلت مستشارين في المجال الإعلامي وزودت جهاز الإعلام العسكري التابع للنظام في الإدارة السياسية بتوجيهات ومحاضرات عن دور الإعلام وكيفية إدارته في الأزمات الداخلية للدول، أو تزويد الأجهزة الأمنية ببعض المعدات التقنية وتوزيعها على عناصر في جيش النظام. كما ألزمت المشورة الإيرانية قوات الاسد بضرورة ضمان أمن المناطق الحضرية الرئيسية من خلال نشر القناصة وتفريق المتظاهرين بالقوة وغير ذلك27 مرحلة الدعم الإعلامي كغطاء على الحضور العسكري:

تمتد هذه المرحلة خلال عام 2012، وتمثلت بالدعم الإعلامي الواسع وتجاهل الفعاليات الثورية والترويج لمقولات النظام حول نظرية المؤامرة وإثارة مخاوف الاقليات على مستقبلهم في سوريا والمنطقة وظهور الخطاب الطائفي وسياسة الحشد والتبرير بقوة للمواقف التي يمارسها "محور المقاومة والممانعة"، ليكشف بوضوح هذا المحور السياسي عن بعد مهم ألا وهو البعد المذهبي.

ويعكس هذا مدى الحضور الإيراني العسكري على الساحة السورية، وسيطرته على مواقع اتخاذ القرارات وتنفيذها كشفها رئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب الذي انشق في 2012 بقوله "سوريا محتلة من جانب النظام الإيراني، الشخص الي يدير البلاد ليس بشار الأسد ولكن قائد قوة القدس "قاسم سليماني"، واعتراف المستشار في "فيلق كربلاء" عين الله تبريزي التابع للحرس الثوري بمقتل ألف و200 عسكري تابع لقوات بلاده في سوريا منذ عام 2012، إضافة إلى الارتفاع في الدعم المادي والعسكري الإيراني رداً على تدفق الأسلحة والذخيرة الي يحصل عليه الثوار من دول أصدقاء للشعب السوري 28.

ج. الدعم العسكري العلني والحرب المقدسة بحجة حماية المراقد: تمتد هذه المرحلة من بداية عام 2013 وحتى بداية عام 2017 ، وظهرت خلالها نتائج التدخل العسكري الإيراني المبكر في سوريا المتمثل بإعادتها تنظيم شبيحة نظام الأسد المسلحين واللجان الشعبية في إطار ميليشيا تضم حوالي 100 إلى 150 ألف مقاتل تعرف باسم قوات الدفاع الوطني كل ذلك مرده تزايد الانشقاق وبروز التصدع في بنية التشكيلات العسكرية، ودفع هذا إيران إلى التدخل الميداني المباشر والموسع بشكل ممنهج بلغ أوجه ونقطة تحوله في 2013 عندما أصدر سليماني أمراً لميليشيا "حزب الله" بالتدخل في سوريا بمساعدة قوات النظام التي تحاصر مدينة القصير، لتكون أول مرة تدخل فيها الميليشيا في عملية واسعة علناً في سوريا، خسرت فيها المئات من المقاتلين، كما خسرت إيران ثمانية من قادتها التابعين لميليشيا فيليق القدس كانوا يديرون المعركة في القصير29.

شهدت هذه المرحلة تطورات دراماتيكية على الساحة السورية، أبرزها ظهور تنظيم الدولة داعش( ISI ) وسيطرته على مساحات واسعة في محافظات حلب وإدلب والرقة والحسكة ودير الزور بعد تحريرها عام 2012. وإرسال النظام الإيراني للميليشيات الشيعية التي يعتبر أولها وأشهرها لواء أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق إلى سوريا بسبب تزيين الدعاية الإيرانية الحرب السورية للشيعة في العراق وإيران وباكستان وأفغانستان على انها كفاح شيعي من أجل الدفاع عن الإيمان ومواقع آل البيت المقدسة في الشام وحمايتها، وهو ما اقره وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري مبيناً أن ذلك لا يتم من خلال سياسة حكومية عراقية، بل أن هؤلاء ينظرون إلى القتال في سوريا على إنه جهاد مقدس، وانهم تطوعوا للقتال لأسباب عقائدية ومالية وبتشجيع من إيران 30.

د. مرحلة الانحسار ومحاولة التجديد والحفاظ على الدور: تبدأ من مطلع عام 2017 وترافقت مع استلام الإدارة الأمريكية الجديدة التي تضع في أولويات برنامجها المتعلق بالشرق الأوسط تحجيم الدور الإيراني، ومع الحراك السياسي المتعلق بالثورة السورية سواء في (جنيف أو أستانة)، وقد أدت أتفاقيات خفض التصعيد إلى تهدئة الجبهات الداخلية والدفع بإيران وميليشياتها مع قوات النظام باتجاه البادية السورية وهو الأمر الذي كلفها خسائر مادية وبشرية كبيرة 31 .

الآثار الناجمة عن التدخل العسكري الإيراني:

رغم أن التدخل العسكري الإيراني ساهم في صمود نظام الأسد، وأدت الزيادة الكبيرة في القوات الإيرانية على الساحة السورية إلى تصاعد كبير في النهج الإيراني وتعظيم قدراته، وما يدلل على ذلك التصريحات المتكررة للمسؤولين الإيرانيين، منها ما أدلى به النائب في البرلمان الإيراني عن طهران "علي رضا زاكاني" في 2014: "لو تأخرنا في اتخاذ القرارات الحاسمة تجاه الأزمة السورية، ولم نتدخل عسكرياً لسقط النظام السوري من بداية انطلاق الثورة. ادى هذا الأمر عملياً إلى سيطرة إيران على القرار السياسي والعسكري لنظام الأسد كنتيجة مباشرة لارتباط استمراره بهذا التدخل، وهي تهدف من وراء ذلك لاستخدام الملف السوري الذي قد يستثنيها في حال وجد أي تنسيق إقليمي أو دولي حول مستقبل سوريا، دون أن تغفل عن تبادل الأدوار بينها وبين الروس من خلال الملفات المشتركة بينهما (بحر قزوين، والقوقاز، وأذربيجان وأرمينيا، إضافة إلى الملف النووي) 32.

3-    التمدد الإيراني اقتصاديا في سوريا:

تعد روسيا وإيران أكثر القوى الخارجية نفوذاً في تدعيم نظام بشار الأسد، ومن المتوقع أن تجني موسكو وطهران فوائد الانتعاش الاقتصادي السوري، حيث تسعى إيران للعمل مع شركاء محليين جدد - مواطنين سوريين متعاطفين مع أهداف إيران - مع الحفاظ على نفوذها على الأسد. من خلال هذا النهج التصاعدي ، تحاول إيران دمج حلفائها المحليين السوريين في وظائف الدولة بما في ذلك تلك التي تدير الأمن والحكم والاقتصاد. تحفز هذه الإستراتيجية وعي طهران بنفوذ روسيا الأكبر داخل مؤسسات الدولة السورية. من خلال مشاركتها في منافسة إقليمية مع ممالك الخليج العربي وتركيا، وترغب إيران في ممارسة نفوذ يتجاوز الجهات الفاعلة التقليدية على مستوى الدولة. حيث تدرك إيران أن ضمان ملاءمة ووضع الشركاء المحليين، سواء بمفردهم أو داخل مؤسسات الدولة، يشكل ضمانًا لمصالحها المستقبلية في سوريا 33.

والهدف من مشاركة طهران في الانتعاش الاقتصادي لسوريا هو تعويض طهران جزئياً عن دورها في دعم النظام والمحافظة جزئياً على نفوذها في فترة ما بعد الحرب، واثبتت الدراسات أن تكلفة تدخل روسيا الحاسم في سوريا أقل من تكلفة استثمارات إيران في بقاء الأسد. حيث لم تقدم موسكو الأسهم أو السلع إلى دمشق، في حين قدمت طهران مساهمات مالية واقتصادية كبيرة للنظام بالإضافة إلى مشاركتها المباشرة. وتقدر وزارة الخارجية الأمريكية أن إيران أنفق أكثر من 16 مليار دولار في سوريا منذ عام 2012. وفقًا لما قاله علي أكبر ولايتي، وهو مستشار كبير للمرشد الأعلى الإيراني في الشؤون الدولية، حيث توفر طهران 8 مليارات دولار سنويًا لدعم بقاء النظام السوري، والذي يبلغ 48 مليار دولار خلال نفس الفترة. على الرغم من وجود مصادر موثوقة محدودة حول التكلفة الحقيقية للتدخلات الروسية والإيرانية في سوريا، فمن الواضح أن مشاركة طهران أعمق من مشاركة موسكو، التي قدمت بشكل أساسي الدعم اللوجستي والجوي 34.

وقد قامت إيران بتجهيز وتمويل عشرات الآلاف من المقاتلين في سوريا، وأرسلت ذخيرة، وقدمت منتجات نفطية مكررة وفقدت جنودًا في ساحة المعركة 35 وبالتالي ، تتوقع القيادة الإيرانية تنازلات تجارية كبيرة في قطاعي الطاقة والاتصالات، رغم أن بعض وعود النظام السوري لم تتحقق حتى الآن. وتعتبر روسيا وإيران دعمهما للنظام وسيله لتحديد مجالات نفوذهما ومحاولة تأمين مصالحهما الطويلة الأجل في البلاد. ولكن هذه العلاقة المعقدة أصبحت متوترة بشكل متزايد فيما يتعلق بفرص التعمير والاستثمار. ويرجع ذلك أساسا إلى عاملين:

-          الطريقة التي يدير بها النظام السوري الانتعاش الاقتصادي وعمليه التعاقد.

-       عزوف الشركات في القطاعين الخاصين الروسي والإيراني عن الاستثمار في الاقتصاد السوري بسبب المخاطر الامنيه والمالية الكبيرة التي قد تواجهها.

وقعت الحكومة السورية والايرانيه في يناير 2017 مذكرات تفاهم شملت الحق في ألغام في حقل الشرقية بالقرب من تدمر للحصول علي الفوسفات. ولكن بعد سته أشهر، منحت الحكومة السورية Stroytransgaz  ، وهي شركه روسية خاصه، عقدا حصريا لاستخراج وبيع 2,200,000 طن من الفوسفات سنويا لمده 50 سنه من نفس المنجم ، مع تخصيص 30 % من إيرادات الدولة السورية. وهناك اتجاه متزايد للاتفاقات الايرانيه الاوليه مع النظام السوري التي لا تتجسد في عقود ملزمه. كما ان الصعوبات التي تواجهها إيران في سوريا هي أيضا بسبب العقوبات التي تشل اقتصادها، ومحاولات النظام السوري للعب مع إيران وروسيا ضد بعضهما البعض. وتعتبر روسيا وإيران دعمهما للنظام وسيله لتحديد مجالات نفوذهما ومحاولة تامين مصالحهما الطويلة الأجل في البلاد. ولكن هذه العلاقة المعقدة أصبحت متوترة بشكل متزايد فيما يتعلق بفرص التعمير والاستثمار36.

ويبدو ان إيران هي الجهة الفاعلة الاقليميه الأكثر مناعة ضد الإجراءات الروسية. إضافة إلى مجموعه معقده من المصالح المشتركة مع روسيا في القوقاز وبحر قزوين والخليج الفارسي وآسيا الوسطي، فإن طهران هي القوه الاقليميه الوحيدة الأخرى التي لها تاثير علي دمشق والتي يمكن ان تتطابق مع نفوذ موسكو37.

يشكل الاقتصادي السوري لطهران سوقاً مستهدفاً محتملاً للمنتجات الإيرانية  ومن شان الدور الهام في النهضة الاقتصادية في سوريا ان يسمح أيضا لإيران بتعزيز نفوذ حلفائها المحليين السوريين والحفاظ علي سيطرتها علي دمشق. ومنذ 2013 ، قدمت إيران لسوريا ثلاثه خطوط ائتمان لاستيراد الوقود والسلع الأخرى ، بقيمه تراكمية تجاوزت $6,600,000,000.  ولا تغطي هذه الخطوط الائتمانية تكاليف المعدات العسكرية والذخيرة ، والرواتب المدفوعة للمقاتلين الذين يدافعون عن النظام، أو الأموال الطارئة والتحويلات التي تحول دون الحصول علي الليرة السورية بكل حريه.

-       منهج طهران لترسيخ نفسها في الأقتصاد السوري: (لجأت طهران إلى اعتماد نهجين غير مباشرين لترسيخ نفسها في الاقتصاد السوري):

1-   وسعت إيران مشاريعها في أكثر المناطق النائية والمحرومة في البلاد، ولا سيما في الريف حول حلب ودير الزور. هذه المساهمات المالية تسمح لإيران بزيادة نفوذها من خلال بناء الدوائر الانتخابية في المجتمعات المهملة مع القليل من المنافسة من النظام أو روسيا.

2-   فرضت إيران قيودا علي تلك التي يمكنها الحصول علي تمويل من خطوط الائتمان التي تقدمها إلى الشركات الايرانيه في سوريا. وبالتالي يمكن لطهران ان تواصل تزويد النظام بشريان الحياة للسلع وإمدادات الطاقة، مع أعاده فرض دور الشركات التابعة لها في الاقتصاد السوري.

كما عقدت إيران صفقات مع زعماء قبليين محليين مثل نواف البشير من قبيله البيقاره لضمان مصالحها. وعلاوة علي ذلك، فقد رسخ نفوذها من خلال دعم سبل العيش المحلية، وذلك مثلا بتوفير وفره العلف الحيواني بأسعار منخفضه لتشجيع قطاع تربيه الماشية الحيوي. وقامت إيران أيضا ببناء مراكز طبية وإصلاح المدارس وتوفير الكهرباء لكسب السكان المحليين. وفي جنوب وشرق حلب، أنشأ "الحرس الثوري الإيراني" قوات الدفاع المحلية ذات النفوذ، كما شجعت إيران حلفائها المحليين السوريين علي التسلل إلى الاعمال التجارية المحلية والنقل وتجاره النفط. بالإضافة إلى ذلك شجعت إيران الشركاء المحليين علي الحصول علي الأراضي والعقارات في دمشق وحمص-وكلاهما وهي استراتيجية إيرانية لربط سوريا بلبنان. وتتنافس كل من طهران وموسكو علي أقامه تحالفات مع اللاعبين الرئيسيين في المجالات السياسية والاقتصادية السورية لتسهيل صفقاتهم التجارية والحفاظ علي مصالحهم. وبناء علي ذلك ، انشأ الجانبان مجالس اقتصاديه للاشراف علي مشاريعهما وتنظيم علاقات مع الشركاء السوريين لكل منهما. وقد حقق الروس نجاحا أكبر في هذا الصدد ، حيث تجاوز عددهم 101 عضوا في مجلسهم ، مقارنه بأقل من عشره علي المكافئ الإيراني38.

وتعمل إيران علي المستوي المحلي من خلال بناء شبكات تقوم علي الانتماءات الطائفية والثقافية والقبلية. من الناحية التاريخية، حققت طهران نجاحا نسبيا في اختراق المشهد القبلي، ولا سيما في حساكا وحلب. ويعزي هذا النجاح جزئيا إلى القبائل التي تحتاج إلى مساعده مالية والي شعورها بالتخلي عن النظام، الذي اعطي الاولويه لسكان الحضر في العقدين الماضيين. ويعتبر الاستثمار في مجال النفط السوري بالنسبة لإيران مهم جداً حيث إنه يسمح للمستثمرين الروس والإيرانيين بحصة في الجغرافيا الجيوسياسية39. كما وقعت دمشق عددا من مذكرات التفاهم مع إيران في سبتمبر 2017 و يناير  2018 واشتمل الاتفاق الإيراني علي أعاده تاهيل محطات الطاقة الحرارية في حلب واللاذقية وبانياس وتايم 40.

الخاتمة:

لقد أدى تضخم الدور الايراني في الأزمة السورية إلى تعثر العملية التفاوضية والتسوية السياسية برمتها، حيث استمرار العنف والعنف المضاد كان أهم أسباب فشل التسويات، كما كان سبباً في انتشار التطرف؛ بسبب نزوح المهاجرين، وتزايد نفوذ الجماعات الجهادية على الحدود، ونظراً الى عدم قدرة النظام السوري الحفاظ على سيادة الدولة والسيطرة على حدوده انتقل العنف الطائفي والفكر الجهادي إلى دول الجوار السوري، وتحولت الأزمة السورية من صراع داخلي إلى أزمة إقليمية معقدة، وعلى الرغم من استفادة النظام الإيراني سياسياً بسبب دعمه للنظام السوري إلا أنه تكبد خسائر فادحة نتيجة مقتل العديد من قوات الحرس الثوري الإيراني وكذلك تكلف إيران مبالغ مالية باهظة لتدعيم سوريا.

وخلال الفترة الراهنة تشهد إيران العديد من الأحتجاجات الشعبية نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار الوقود، وترى الباحثة أن التمدد الخارجي لإيران في سوريا وغيرها من دول المنطقة هو أحد أهم الأسباب الرئيسية في تلك الاحتجاجات، نظراً لأن النظام الإيراني يولي الأهتمام والميزانيات الكبرى للتمدد خارجياً وذلك في ظل تردى الأوضاع الاقتصادية في الداخل الإيراني نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من الولايات المتحدة الأمريكية.

كما إنه وعلى الرغم من عواقب تدخل ايران المكلف على سوريا بعد الحرب واضحة، إلا أن الحرس الثوري الإيراني أستفاد من خسائر النظام الثقيلة لرد قوات الأمن والوزارات في البلاد بأفرادها، حيث منذ سقوط حلب - رمزا لصعود إيران كقوة بارزة على أرض الواقع في سوريا - كان الحرس الثوري الإيراني وشركاته المسلحة منشغلين في محاولة للاستفادة من استثمارات طهران الكبيرة في نظام الأسد. ويشمل ذلك تنازلات كبيرة تضمن بشكل أساسي سيطرة طهران على الكثير من عمليات إعادة الإعمار السورية، بما في ذلك الاحتكارات القريبة من قطاعات الطاقة والتمويل والبناء والتعدين والاتصالات. كما تحاول طهران انتزاع حقوق القواعد الدائمة لقواتها البرية والبحرية والجوية.

وتدرك كلاً من سوريا وإيران أنه يمكن استخدامها "كورقة مساومة" إذا سعت الدولة الأخرى إلى إبرام صفقة مع الغرب، في حين أن مصالح البلدين قد تتباعد على المدى الطويل، فإن القيادة الحالية في كل من دمشق وطهران تؤكد أن التحالف سيستمر في الصمود خلال السنوات القليلة المقبلة، خاصة بالنظر إلى عداءهما المشترك تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى الرغم من أن الدولتين كانتا حليفتين منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، إلا أن تحالفهما تعزز بشكل ملحوظ خلال السنوات الثلاث الماضية حيث واجهت كل من سوريا وإيران عزلة متصاعدة من الغرب. يعارض البلدان بشدة دور الولايات المتحدة في العراق. كلاهما يدعم حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين. في الواقع ، إنهم مرتبطون بالعداء المشترك تجاه الولايات المتحدة ، ويسعون بدلاً من ذلك إلى تحديد نظام جديد للشرق الأوسط يرفض النفوذ الأمريكي في المنطقة.

 

قائمة المراجع:

1-            Firas Eliase, "The Future Of Iran's Influence in The Middle East", Hibrit Savaş Özel Sayısı. 1 (2). Ekim 2017, p102

2-     رستم محمود، "توسيع الهيمنة: الأستراتيجية الإيرانية لتكريس النفوذ في شرق الفرات بسوريا"، متاح على الرابط، https://futureuae.com/ar/Mainpage/item/4056 ، تاريخ الدخول 11/10/2019، ساعة الدخول 11 صباحاً

3-     المرجع السابق.

4-           Amir M. Haji-Yousefi, “Iran`s Policy in the Syrian Civil War”,( Tehran, I R Iran:  Shahid Behehsti University, August 2017 ), p20.  

5-     اشرف كشك، "توتر العلاقات الإيرانية – الخليجية الأسباب والتداعيات وآليات المواجهة"، دراسات استراتيجية، فبراير 2019، ص 14.

6-     --------، "مستقبل النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط في ظل العقوبات الأمريكية"، (رؤية تركية، السنة 8، العدد 2، مايو 2019)، متاح على الرابط، https://rouyaturkiyyah.com/research-articles-and-commentaries ، تاريخ الدخول 1/11/2019، ساعة الدخول 10 صباحاً.

7-     طلال عتريسي، "علاقات إيران مع دول المشرق العربي ودول الخليج"، (الدوحة، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، يناير 2011)، ص 3-4.

8-     المرجع السابق، ص 4.

9-     علاء عبد المجيد، "الدور الإيراني في الأزمة السورية"، متاح على الرابط http://al-seyassah.com/الدور-الإيراني-في-الأزمة-السورية/، تاريخ الدخول 29/10/2019، ساعة الدخول 11 صباحاً.

10-   Center for Strategic & International Studies, " War by Proxy: Iran’s Growing Footprint in the Middle East", March 11, 2019, available on: https://www.csis.org/war-by-proxy, at: 10 am.

11- محمد السعيد إدريس، "تحالف الضرورة بين إيران وروسيا... جدل التفاعل بين الفرص والتحديات"، متاح على الرابط، https://goo.gl/a3gnQW

12- رشيد حوراني، "انحدار السياسة الإيرانية في سوريا الأسباب والتداعيات"، المؤسسة السورية للدراسات وابحاث الرأي العام، 2018، ص 4.

13- رشيد حوراني، المرجع السابق، ص 5.

14- المرجع السابق.

15- المرجع السابق.

16-   Jonathan Gelbart, "The Iran-Syria Axis: A Critical Investigation", Stanford Journal Of  International Relations, Vol.X11, No.1,  2010, p 5.

17- جلال سلمي، "الدور الإيراني في سوريا التوظيف والسيناريوهات الممكنة"، (اسطنبول: جسور للدراسات، 2018)، ص 5.

18- المرجع السابق.

19- عبد الرؤوف مصطفى الغيمي، "مستقبل التوغل الإيراني في سوريا في ميزان نظرية الدور في العلاقات الدولية"، مركز البحوث والدراسات، اغسطس 2017، متاح على الرابط https://rasanah-iiis.org، تاريخ الدخول 1/11/2019، ساعة الدخول 10 صباحاً.

20- المرجع السابق.

21- زياد عواد، "ايران في دير الزور: الاستراتيجية والتمدد وفرص التغلغل"، متاح على الرابط،

، تاريخ الدخول 18/11/2019، ساعة الدخول 4 مساءhttp://medirections.com/index.php       

22-   Julien Barnes-Dacey and Daniel Levy, "THE REGIONAL STRUGGLE FOR SYRIA", (London: The European Council on Foreign Relations, July 2013), p25.

23-   Aniseh Bassiri Tabrizi and Raffaello Pantucci, "Understanding Iran’s Role in the Syrian Conflict", (London:  Royal United Services Institute for Defence and Security Studies, August 2016), p1.

24-   Ipid, p3.

25- ______، "الدور الإيراني في سوريا ضرورة استراتيجية"، متاح على الرابط، https://www.ida2at.com/the-iranian-role-in-syria-need-stra/ ، تاريخ الدخول 18/11/2019، ساعة الدخول 3 مساءً.

26- دينا محسن محمود، "الاتجاهات العامة للمصالح الإقليمية لإيران في المنطقة العربية دراسة مقارنة: سوريا واليمن"، متاح على الرابط https://democraticac.de/?p=34554 ، تاريخ الدخول 18/11/2019، ساعة الدخول 4 مساءً.

27-   Ambassador Eric Edelman and General Charles Wald, USAF, “Countering Iranian Expansion in Syria”, JINSA’s Gemunder Center Iran Task Force”. 2017, P6.

28-     Mona Yacoubian, “Syria’s Alliance with Iran”, UNITED STATES INSTITUTE OF PEACE, May 2007,available on:  www.usip.org , accessed on: 12/11/2019, at:10am.

29- طارق دياب، "الوجود الإيراني في سوريا اتفاقات ومسارات"، المعهد المصري للدراسات، 13 اغسطس 2018، ص 2.

30-   Will Fulton & others, "Iranian Strategy In Syria", institute for the study of war and Aei' Critical Threats project, 2013, p10.

31-   Ipid, 7.

32-   Bassel Heidar, “Iranian Military Presence in Syria”, 2018, available on: https://www.printfriendly.com/p/g/8V4FFk , accessed on 12/11/2019, at:10am.

33- رشيد حوراني، مرجع سبق ذكره، ص5.

34- ______، "التخل العسكري الإيراني في سوريا: الدوافع والتداعيات محلياً وإقليمياً ودولياً"، مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي، 2019، متاح على الرابط، https://www.mena-monitor.org/ar/articles/view/21826 ، تاريخ الدخول 18/11/2019، ساعة الدخول 3 مساءً.

35-   PAUL BUCALA, report: “IRAN’S NEW WAY OF WAR IN SYRIA”, Institute for the study of war, February 2017, p10.

36-   Sinan Hatahet, "Russia and Iran: Economic Influence in Syria", Middle East and North Programme, March 2019 , p2

37- احمد ثابت محمد وآخرون، "أثر المذهبية في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الشرق الأوسط: دراسة حالة العراق-سوريا-لبنان"، المركز الديمقراطي العربي، 16 يونيو 2017، متاح على الرابط، https://democraticac.de/?p=47176 ، تاريخ الدخول 25/10/2019، ساعة الدخول 10 صباحاً.

38- مايكل آيزنشتات، "التدخل العسكري الإيراني في سوريا: الآثار طويلة الأمد"، معهد واشنطن، 15 اكتوبر 2015، متاح على الرابط، https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/irans-military ، تاريخ الدخول 18/11/2019، ساعة الدخول 11 صباحاً.

39-   Ipid, p6.

40-   Sinan Hatahet, opcit, p15

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟