المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ليبيا.. معركة خاصة بالسيطرة على شرق المتوسط

الخميس 19/نوفمبر/2020 - 02:46 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
ايملي حوكايم.. ترجمة: أحمد سامي عبدالفتاح

كيف أصبحت فرنسا وتركيا في مواجهة ساخنة في ليبيا؟ يشرح إميل حوكايم الدوافع المعقدة لهذين الحليفين في حلف شمال الأطلسي والعديد من اللاعبين الآخرين الذين حرضوا بعضهم البعض في هذه الحرب الأهلية المتصاعدة. بدت الحرب الأهلية في ليبيا، لفترة، مشكلة يمكن السيطرة عليها مقارنة بالصراعات القوية في سوريا واليمن. ولكن للأسف، لم يكن الأمر كذلك أبدا. لقد تحولت ليبيا إلى ساحة ساخنة لسياسات القوة المكثفة في البحر الأبيض المتوسط.

وقد أصبح الصراع بالفعل إقليميا وتدويلا كاملا؛ يشمل دولتين عضويتين بشكل دائم في مجلس الأمن، علاوة على دولة تمتلك العضوية الكاملة في حلف الناتو.

بدأت المرحلة الأخيرة من الصراع في ليبيا في عام 2014 حينما بدأت القوى العسكرية المحلية القتال من أجل السيطرة على السلطة السياسية والموارد النفطية. وتنافست الميليشيات الإسلامية، والقوى العسكرية المحتملين، والفصائل الجهادية، والقوات القبلية في لعبة معقدة. لم يكن القتال مكثفاً ومستمراً كما هو الحال في سوريا، حيث لم تكن الفصائل المختلفة مجهزة بقوة كما أن توفير الأسلحة الأجنبية كان محدودا. بيد أن الانقسامات كانت عميقة وشرسة.

وقد تغيرت هذه الرؤية العام الماضي، حيث امتدت الحرب تقريبا لكل مدينة كبيرة داخل ليبيا، وقد أدي هذا الأمر إلى تأجيج الاتجار والهجرة والإرهاب. وقد تمثل تغير قواعد اللعبة في صعود الجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي الذي تم تنصيبه في 2014 قبل أن يتعهد بقتال التنظيمات الإرهابية وتوحيد ليبيا.

فقد استولى حفتر أولاً على بنغازي وشرق ليبيا، ثم شعر بالزخم والشعور بالثقة في تحالفاته مع مصر والإمارات العربية المتحدة، ورفض التسوية السياسية،. وفي أبريل 2019، أطلق النار على طرابلس، العاصمة التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها الأمم المتحدة، فضلاً عن مجموعة من الميليشيات المحلية والإسلامية.

ومع ذلك، منذ أوائل عام 2020، تعرض المشير  خليفة حفتر لعدة هزائم. دخلت تركيا المعركة دعماً لحكومة الوفاق الوطني، فأوفدت مئات المستشارين والأصول البحرية وأنظمة الأسلحة المتطورة (لا سيما الطائرات بدون طيار)، فضلاً عن المرتزقة الذين ينتظمون في صفوف شركائها في الميليشيات في سوريا، الأمر الذي دفع القوات التابعة للمشير خليفة حفتر بالتراجع.

فالمليشيات المدعومة من تركيا تعد أكثر تأييدا لاستكمال القتال في سرت والجفرة، وتعد أكثر التنظيمات معارضة لوقف إطلاق النار. ويرجع ذلك للزخم الذي اكتسبته قوات الوفاق بعد السيطرة على العاصمة طرابلس المدن المحيطة بها.

المناورة التركية

بفضل تدخلها السريع المثير للجدل، برزت تركيا كوسيط رئيسي في ليبيا. وقد نجا شركاؤها المحليون من هجوم حفتر، قبل أن تبدأ قوات الوفاق في التحرك شرقا من أجل السيطرة على أكبر عدد ممكن من الأراضي.

وقد نتج قرار التدخل على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط عن مجموعة معقدة من الاعتبارات بالنسبة إلى أنقرة. كان من شأن الخسارة في ليبيا أن تعزز عزلة تركيا وتضمن أن طموحاتها للسيطرة على شرق المتوسط سوف ترتفع في الدخان. ومن المثير للاهتمام أن هناك تأييداً إجماعياً في تركيا للعبة القوة؛ فالإسلاميين والقوميين على حد سواء متفقون على أنه لا يمكن عزل تركيا في المنطقة، وكان النجاح العسكري في ليبيا له صدى في أنقرة.

إن التنافس بين تركيا (راعية المجرة الإخوانية، التي هي اليوم في المؤخرة في جميع أنحاء المنطقة) والمحور المناهض للإسلاميين المؤلف من مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، هو المحرك الرئيسي للتصعيد. ليبيا، الدولة الغنية بالنفط، هي آخر دولة عربية تتمتع فيها الجماعات التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين بسلطة كبيرة، مما يجبر القاهرة وأبو ظبي على الاستثمار بشكل كبير لإلحاق الهزيمة بهم. ويعد هذا الأمر دافعا مهما لأنقرة من التدخل بكل قوتها في ليبيا للإستثمار في تنظيم الإخوان.

بالنسبة لأردوغان، تعد تركيا محاصرة في شرق المتوسط، نظراً للتحالف الواسع الذي يجمع بين مصر واليونان وقبرص وإسرائيل، فضلاً عن روسيا وخارج المنطقة والإمارات العربية المتحدة وفرنسا. ويمكن أن تمنع تركيا من الخروج من مشاريع التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط ومشاريع خطوط الأنابيب. ولهذا السبب سعت أنقرة إلى إبرام اتفاقيات حدودية بحرية مثيرة للجدل مع حكومة الوفاق الوطني قبل تدخلها. وقد قدمت تركيا مطالبات عدائية بشأن المناطق البحرية المحيطة بقبرص واليونان، وهي مصدر للاحتكاك داخل حلف شمال الأطلسي.

الغضب الفرنسي 

ومن بين العديد من المنتقدين لتركيا، لم يكن أي منهم حادًا مثل إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي. اللغة القادمة من باريس قاسية ومباشرة. وقال ماكرون إن "تركيا تلعب لعبة خطيرة في ليبيا اليوم ... لن نتسامح مع الدور الذي تلعبه تركيا". وذهب إلى حد اتهام تركيا بـ "المسؤولية الجنائية" في ليبيا. كما انقض وزير الخارجية جان إيف لودريان على تركيا، طالباً أن "يفتح الاتحاد الأوروبي بسرعة كبيرة مناقشة شاملة، دون محرمات وسذاجة، حول آفاق علاقته المستقبلية مع أنقرة".

إن جذور التهيج الفرنسي قديمة، وذلك بسبب انعدام الثقة الاستراتيجية والمشاعر القوية المعادية لجمهورية تركيا بين النخب الفرنسية. وفي الآونة الأخيرة، أضاف الفرنسيون إلى قائمة مظالمهم التدخل التركي ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا (الذي عطل المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهي أولوية قصوى لباريس منذ هجمات داعش القاتلة في نوفمبر 2015)، والخوف الحالي من أن تسمح تركيا للاجئين السوريين وغيرهم بالعبور إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، وتوجيه تركيا للحركات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة.

ومع ذلك، فإن فرنسا تتحرك بعناية فائقة، رغم أن سياستها الأخيرة قد شهدت فشلا ذريعا في ليبيا بسبب التدخل التركي. وقد كانت باريس من أوائل الدول التي دعمت المشير خليفة حفتر على أمل أن يتمكن من تحقيق الاستقرار في البلاد ومنع صراعها من تأجيج نيران الجهاديين في منطقة الساحل، حيث تدخلت فرنسا عسكرياً منذ عام 2013. وبذلك، منحت باريس حفتر الاحترام السياسي وقدمت له الدعم حينما واحداً من العديد من المتنافسين.              

لكن سرعان ما وجد حفتر رعاة أفضل؛ فقد قدمت الإمارات ومصر، ومؤخراً روسيا، دعماً مادياً ومالياً أكثر مما قدمته فرنسا في أي وقت مضى. وبذلك، أصبحت فرنسا لاعبا ثانويا، ولم يعد بمقدورها التأثير في مخرجات الصراع العسكري والسياسي في ليبيا بقدر باقي الدول الرئيسية.

وقد لعبت حادثة تحرش فرقاطة تركية بآخري فرنسية ذعر باريس التي طالبت الناتو بالتحقيق في الأمر، محاولة بذلك دفع أوروبا للوقوف بوجه تركيا في ليبيا، إلا أن ذلك لم يتحقق.

ومن المتوقع أن تعمل تركيا على تصعيد الأمور من أجل السيطرة على سرت، لكنّ هذا لا يمنع أن تلعب الوساطات الدولية دورا في تسوية النزاع بشكل سلمي.

 

 

Emile Hokayem, Libya: a cauldron for Mediterranean Power Politics, at:

 https://www.iiss.org/blogs/analysis/2020/07/libya-mediterranean-power-politics?fbclid=IwAR2YvcClgruZL457qIj5E-nBsMmlGe6YSeDHpgK7vaWUYbYSyn8CUGKPoeo

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟