المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
هاجر جمال
هاجر جمال

أثر تغير القيادة السياسية في مصر على العلاقات المصرية الفلسطينية

الأربعاء 26/أغسطس/2020 - 04:18 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

المقدمة

                تعد القيادة السياسية من أهم محددات السياسة الخارجية للدولة، فالقائد السياسي هو رأس الدولة والمسئول عن صنع سياستها الخارجية وعلاقتها بالدول الأخرى، لذا فتغير هذه القيادة يؤدي في أغلب الأحيان إلي حدوث تغيير في سياسة الدولة الخارجية وعلاقتها بالدول الأخرى، كما أن تغير نظرة ورؤي القائد السياسي من وقت لآخر للأحداث والمصالح تجعله يغير من سياسته وبالتالي علاقته بالدول الأخرى.

                حيث تتطرق الدراسة إلي بحث أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية (2011-2019)، حيث تشكل مصر حاضنة سياسية واستراتيجية وعمقاً اجتماعياً وعضوياً يربط بين الشعبين المصري والفلسطيني، وهي علاقة لا تحددها الفترة التاريخية الحالية، بل هي عمق وامتداد تاريخي يمتد لآلاف السنين، ودائماً ارتبطت الأوضاع السياسية في فلسطين ضعفاً أو قوة بالأوضاع السياسية في مصر.

                فتعتبر فلسطين هي بوابة مصر الشرقية ودرعها الاستراتيجيعليامتداد مراحل التاريخ المتعاقبة، فالدولتان يجمعهم مصير مشترك عزز قيمة الانتماء العربي الواحد. ومن ناحية أخري فأن مصر لها ثقل وتأثير عربي وإقليمي ودولي، وهو واحد من أهم أبواب الشرعية في المنطقة، إضافة إلي كونها-بمنطق الجغرافيا- ممراً إجبارياً لقطاع غزة إلي العالم الخارجي، في الوقت الذي يتعرض فيه قطاع غزة لحصار إسرائيلي.

                اهتمام مصر بالقضية الفلسطينية منذ القدم وحتي الآن مرده حرصها ورغبتها في المحافظة علي أمنها القومي،وكذلك في إبراز دورها الاقليمي والدولي في آن واحد معاً. فالضرورات الداخلية الشعبية والخارجية حتمت علي القيادات السياسية المصرية المتعاقبة أن تلعب دوراً نشطاً ورئيسياً بخصوص القضية الفلسطينية.

                فالعلاقات المصرية الفلسطينية مرت بمراحل متذبذبة ما بين تعاون وصل إلي حد التطابق شبه الكامل في المواقف وبين تصارع وصل أحياناً إلي حد القطيعة أو الحرب الكلامية، فأن الوضع الراهن قابل للتطور، سواء في اتجاه مزيد من التعاون أو في اتجاه ارتداد معاكس(1).

                إن العلاقة بين مصر وفلسطين علاقة تاريخ مشترك لم تؤثر فيه، ولا يمكن أن تؤثر فيه كل  محاولات الفصل بينهما، إلا أن الوضع الداخلي المصري غير المستقر علي كافة الاصعدة أمنياً واقتصادياً وسياسياً والمتمثل في التغير المتعاقب في القيادة السياسية المصرية من الممكن أن يكون له دور يؤثر علي العلاقات المصرية الفلسطينية.

فقد شهدت مصر العديد من المتغيرات علي الساحة الداخلية تمثلت في تغير القيادة السياسية وأثر ذلك التغير في القيادة السياسيةفي مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية، انطلاقاً من حراك ٢٥ يناير 2011، والذي أوجد منظوراً جديداً للسياسة المصرية الداخلية والخارجية، وأدي حراك يناير إلي رحيل النظام القديم والذي كان متمثلاً في حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، وفتح الباب لتشكل نظام جديد(2).

                كما شهدت الساحة المصرية خلال حراك 30 يونيو 2013 تغيراً استراتيجياً تمثل بإقصاء محمد مرسي في 3 يوليو 2013، وانتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً جديداً لمصر في 3 يونيو 2014، وبالتالي فأن ذلك التغير المتعاقب والمستمر في القيادة السياسية في مصر قد أدخل النظام الجديد  في حالة من الانشغال والانهماك بالشئون الداخلية لمصر في هذه الفترة مما تسبب في توتر العلاقات بين مصر وفلسطين.

                وفي النهاية، فأن فهمنا لمستقبل العلاقات بين مصر والسلطة الفلسطينية يتوقف علي مدي قدرتنا علي تحديد العوامل المؤثرة في هذه العلاقات وتحليلها، وهذه العوامل يمكن حصرها في ثلاثة: أسلوب إدارة الصراع مع إسرائيل، الدور الإقليمي، الطبيعة الخاصة والسمات المميزة للسلطة الفلسطينية والسلطة في مصر.فالسلطة المصرية بحاجة إلي بلورة موقفها والتعامل مع الشعب الفلسطيني علي أنه شعب تم احتلال ارضه منذ قدم السنين، وأن أي حل قادم يجب أن يكون هدفه إنهاء الاحتلال وليس إدارته أو تحسين صورته، وأن الدور المطلوب من مصر كبير لأنها قادرة علي الضغط علي إسرائيل إلي الدخول في مفاوضات ذات معني وأهمية تؤدي في النهاية إلي تحرير الشعب الفلسطيني، وإعادة الهدوء في المنطقة.

مشكلة الدراسة

                تكمن مشكلة الدراسة في مناقشة أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة من 2011-2019، حيث تعتبر العلاقات المصرية الفلسطينية من العلاقات المهمة والمتداخلة في الوطن العربي، حيثترتبط البلدان (مصر وفلسطين) بحدود جغرافية مشتركة الأمر الذي له تداعياته المستمرة علي العلاقات بين البلدين، فقطاع غزة يقع علي الحدود المصرية، وعلي مر التاريخ مرت مصر بتغيرات متعددة كان لها تداعيات علي فلسطين بشكل عام وعلي غزة بشكل خاص بحكم الجغرافيا، ومؤخراً من عام 2011 وحتي الآن مر النظام السياسي المصري بعدد من التغيرات في القيادة السياسية والأحداث والتي كان لها أثر مباشر علي العلاقات المصرية الفلسطينية.

وينبثق عن المشكلة سؤال رئيسي هو:-

                كيف أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة ما بين 2011-2019 ؟

ويتفرع عن هذا التساؤل الرئيسي مجموعة من الأسئلة الفرعية وهي:-

1-ما هي طبيعة العلاقات المصرية الفلسطينية تاريخياً؟وما هي مظاهر اهتمام القيادات السياسية في مصر بالقضية الفلسطينية؟

2- ما هي محددات العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة 2011-2019؟

3- كيف انعكس حراك يناير 2011 علي القضية الفلسطينية؟ وما أثر تولي المجلس العسكري القيادة السياسية في مصر بعد الثورة علي العلاقات المصرية الفلسطينية؟

4- إلي أي مدي لعبت خلفية القائد السياسي دور في تشكيل رؤيته السياسية تجاه القضية الفلسطينية؟

6- ما هو مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية في ضوء المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية؟

أهداف الدراسة:

1-معرفة مراحل التطور التاريخي للعلاقات المصرية الفلسطينية.

2- بيان مدي الاهتمام التاريخي بالقضية الفلسطينية من قبل القيادات المصرية.

3- توضيح محددات العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة 2011-2019.

3-التعرف علي أثر ثورة 25 يناير 2011 علي العلاقات المصرية الفلسطينية، ومعرفةأثر تولي المجلس العسكري القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية.

4- توضيح رؤية القيادة المصرية الجديدة والمتمثلة في محمد مرسي اتجاها لقضية الفلسطينية، ومعرفة إذا كان تعامل مع القضية بمنطق "الدولة" أم "الجماعة".

5- إلقاء الضوء علي مدي اهتمام القيادة السياسية الجديدة ذات الخلفية العسكرية والمتمثلة في الرئيس (عبد الفتاح السيسي) بالقضية الفلسطينية.

6-رصد وتحليل مواقف القيادة السياسية في مصر في  الفترة ما بين 2011-2019 تجاه الوضع الفلسطيني الداخلي، وخصوصا علاقة مصر بقطاع غزة.

7- استشراف مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية في ضوء المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.

8- الخروج بمجموعة من التوصيات العملية ووضعها أمام القيادة والشعب الفلسطيني عموماً، لعلها تكون مرشداً للخروج من حالة الارباك التي تعيشها المنطقة العربية ومعها القضية الفلسطينية.

 

أهمية الدراسة:

تتمثل أهمية هذه الدراسة فيما يلي:

١-الأهمية النظرية أو العلمية:-

1)تعد هذه الدراسة من الدراسة المهمة في مجال البحث العلمي حول العلاقات بين بلدين ذات ثقل علي المستوي العربي والإقليمي.

2)تعمل هذه الدراسة علي إثراء المكتبات بشكل عام ومكتبة العلاقات الدولية بشكل خاص بدراسة عملية حول أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة (20١١-٢٠١٩).

3)إمكانية استفادة الباحثالعربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص في مجال العلاقات الدولية وذلك من خلال هذه الدراسة.

٢- الأهمية العملية أو التطبيقية:-

1) تقدم الدراسة نموذج عملي للعلاقات الثنائية بين مصر وفلسطين.

2) تعمل الدراسة علي توضيح الرؤي للمجتمع الفلسطيني والعربي عما يجري في مصر من التغير المستمر والمتعاقب للقيادة السياسية وتداعياته علي العلاقات المصرية والفلسطينية.

3) تهدف الدراسة إلي تقديم معلومات جديدة لصناع القرار والمهتمين بالشئون السياسية وتهدف أيضاً إلي فهم طبيعة العلاقات المصرية الفلسطينية.

4) وضع برنامج عملي بناء قائم علي استشراف أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية، وذلك لما يفيد القضية الفلسطينية بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص.

نطاق الدراسة:

1-النطاق الزماني:- يتحدد النطاق الزماني لهذه الدراسة في الفترة الممتدة من 2011-2019، حيث تميزت هذه الفترة بالعديد من التغيرات في القيادة السياسية في مصر والتي كان لها التأثير المباشر علي العلاقات المصرية الفلسطينية، مع المرور السريع علي المرحلة الماضية، وذلك لاستخلاص ثوابت السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية،  حيث أن العلاقات المصرية الفلسطينية لا تحددها الفترة التاريخية الحالية، بل هي عمق وامتداد تاريخييمتد لآلاف السنين، ودائما ارتبطت الأوضاع السياسية في فلسطين ضعفاً أو قوة بالوضع السياسي في مصر، ويرجع السبب في اختيار بداية تاريخ هذه الدراسة ونهايتها إلي الاعتبارات التالية:

أولاً: تم اختيار عام 2011 ليكون تاريخ بداية هذه الدراسة، وذلك لأنه مع بداية ذلك التاريخ  مصر العديد من التحولات والتغيرات الاستراتيجية في النظام السياسي المصري انطلاقاً من حراك يناير 2011، والذي أحدث تغيراً جذرياً وأوجد منظوراً جديداً للسياسة المصرية الداخلية والخارجية تجاهالقضية الفلسطينية ،حيث ان تلك السياسة تغيرت مع خلفية القائد السياسي تجاه القضية الفلسطينية مما كان له الأثر البالغ علي العلاقات المصرية الفلسطينية، حيث أنه كان من نتائج ثورة يناير رحيل النظام القديم وتشكل نظام جديد والمتمثل في (محمد مرسي) ، وكذلك مروراً بحراك 30 يونيو 2013 والذي تمثل بإقصاء محمد  مرسي وأتي بقيادة سياسية ذات خلفية عسكرية والمتمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي. ومن الواضح أن ذلك التغير في القيادة السياسية في مصر سيتبعه بالفعل تغير في العلاقات المصرية الفلسطينية خلال تلك الفترة من 2011-2019.

ثانياً: تم اختيار عام 2019 ليكون نهاية الدراسة، لأنه في ذلك العام انتقل الحديث عن ما يسمي صفقة القرن من المجالس المغلقة إلي العلن والتي تهدف إلي إنهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وإقامة دولة مستقلة لكلا الطرفين، وما يؤكد ذلك هو مؤتمر المنامة الذي انعقد في البحرين عام 2019 تحت مسمي "السلام من أجل الازدهار" وحضر ذلك المؤتمر العديد من دول العالم وكانت مصر من أبرز الحضور وذلك إسرائيل ولكن الجانب الفلسطيني رفض الحضور لأنه يري في تلك الصفقة انها علي حساب القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني، وفي مصلحة الجانب الإسرائيلي.

2- النطاق المكاني:- تدور أحداث هذه الدراسة في (مصر وفلسطين)، وذلك لكون مصر ذات ثقل وتأثير عربي وإقليمي ودولي، وهي واحدة من أهم أبواب الشرعية في المنطقة، حيث تشكل مصر حاضنة سياسية واستراتيجية وعمقاً اجتماعيا وعضوياً يربط بين الشعبين المصري والفلسطيني، إضافة إلي كون مصر بمنطق الجغرافيا ممراً إجبارياً لقطاع غزة الي العالم الخارجي، في الوقت الذي يتعرض فيه قطاع غزة لحصار إسرائيلي، فالدولتان يجمعهم مصير مشترك عزز قيمة الانتماء العربي الواحد.

3- النطاق الموضوعي:- تسلط الدراسة الضوء علي أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة (2011-2019).

مبررات اختيار الموضوع:

                إن اختيارنا لموضوع البحث لم يكن وليد الصدفة، بل كانت وراءه دوافع محددة أدت بنا لطرح هذا الموضوع ودراسته، وتنقسم تلك الدوافع إلي دوافع موضوعية، ودوافع ذاتية، وهي كما يلي:

أولاً- الدوافع الموضوعية:-

1-تم اختيار ذلك الموضوع وذلك لكونه من المواضيع الشائكة في العلاقات السياسية بين طرفي العلاقة المصري والفلسطيني بفعل الأحداث التي عاشتها القضية الفلسطينية ونظامها السياسي وكذلك النظام السياسي المصري وما شهده من تغيرات متعاقبة في القيادة السياسية والتي كان لها التأثير البالغ علي العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة من 2011-2019.

2- كون الموضوع يدخل ضمن الدراسات المهمة والتي يثار حولها الكثير من التساؤلات والإشكاليات التي تتطلب الإجابة عليها، وسوف يتم ذلك من خلال الدراسة والتي تهدف إلي بيان أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة 2011-2019.

3-  يهدف هذا الموضوع إلي معرفة مدي انعكاس خلفيةكل قائد سياسي تجاه القضية الفلسطينية.

4- يعتبر هذا الموضوع من المواضيع التاريخية  والعميقة وذات الثقل الكبير وذلك لتناوله لدولة كبيرة ولها حضورها كمصر وذلك في ظل وضع إقليمي أصبح يكتنفه الغموض بعد طول استقرار نسبي.

ثانياً: الدوافع الذاتية:-

1-تنبع من ميل شخصي إلي دراسة العلاقات المصرية الفلسطينية.

2- الرغبة كباحثة في معرفة أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة 2011-2019.

3- الميل إلي المساهمة في إثراء البحث العلمي بشكل عام ومجال العلاقات الدولية بشكل خاص بدراسة علمية حول أثر التغير في القيادة السياسية غي مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية.

متغيرات الدراسة :-

المتغير المستقل: التغير في القيادة السياسية في مصر.

المتغير التابع: العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة (20١١-٢٠١٩).

الإطار النظري

النظرية الواقعية:

                تندرج الدراسة تحت النظرية الواقعية وذلك لأن العالم الآن يعيش عصر الواقعية والحقائق والتفكير العقلاني، وبالتالي فأن اختيارنا للنظرية الواقعية في تطبيقها علي العلاقات بين الدول بشكل عام وموضوع الدراسة بشكل خاص لم يأت من فراغ ولكن ذلك يرجع إلي أن العلاقات بين الدول تحكمها القوة والمصلحة بالدرجة الأولى، ولكن ذلك لا يعني انعدام العلاقات التعاونيةوالاندماجية بين الدول، وذلك يتضح من خلال العلاقات المصرية الفلسطينية حيث تسعي كل دولة منهم كما تري النظرية الواقعية إلي تحقيق مصلحتها والحفاظ على قوتها في إطار الحفاظ علي مصلحة وقوة الدولة الأخرى.

منهج الدراسة:-

منهج صنع القرار:-

يشترط في المنهج المستخدم في الدراسة أن يكون مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بموضوع وأهداف الدراسة، وذلك لكي يستطيع الإجابة علي التساؤلات التي دارت في ذهن الباحث، وبالتالي سوف تعتمد هذه الدراسة علي منهج صنع القرار في تحليل وتفسير تغيرات القيادة السياسية في مصر، وتحديد أثرها علي العلاقات المصرية الفلسطينية، حيث ينظر إلي النظام السياسي من خلال منهج صنع القرار باعتباره ميكانزيم لصنع القرارات، فعملية صنع القرار وظيفة تعرفها كافة النظم السياسية: البسيطة والمركبة، الديمقراطية وغير الديمقراطية، التقليدية والحديثة:-

مقولات المنهج:-

1-السياسة في النهاية هي عملية صنع قرارات، وعملية صنع القرار هي من أهم جوانب الدراسة السياسية، ولا يزعم المنهج أنه يفسر جميع الظواهر السياسية، بل ما يعتقد أنه الجانب المحوري فيها، ويشير صنع القرار إلي التفاعل بين المشاركين في تقرير السياسات العامة، بعبارة أخري أنه يعني الاختيار من بين الحلول البديلة.

2-يزعم هذا المنهج أن الدولة هي الوحدة الأساسية في العلاقات الدولية، الا أن أفعالها يقوم من يتحدثون باسمها.

3-من الصعب تحديد صانعي القرار لانهم قد يكونون مسؤولين صغار الشأن في جهاز صنع القرار، أو أشخاص ليست لهم صفة رسمية مطلقاً.

تطبيق المنهج:-

جوهرمنهج صنع القرار هو صانع القرار وهي الدولة او من يمثلها من اشخاص ومؤسسات، فالمنهج يركز علي البيئة الداخلية والإطار السياسي الذي يتشكل معه عملية صنع القرار، ومن خلال هذا المنهج سيتم معرفة العوامل التي تؤثر علي صانعي القرار السياسي، وصناعة القرار السياسي بالدولة، ونتائج هذه القرارات علي الدولة، وهل هذه القرارات قرارات شخصية أم أنها لصالح أفراد المجتمع في كلتا الدولتين.

وبالتالي سيتم تطبيق هذا المنهج عنطريق معرفة صانعي القرار السياسي وعلاقتهمبتغيير النظم السياسية أو التداول علي السلطة، والسياق الذي أدي إلي اتخاذ هذه القرارات مع معرفة تبعات هذه القرارات علي العلاقات المصرية الفلسطينية.

الإطار المفاهيمي للدارسة:-

المفاهيم الأساسية: (القيادة السياسية- العلاقات الدولية- الاثر- التغير).

التعريف النظري للمفاهيم الأساسية:-

مفهوم القيادة السياسية:

                هي قدرة وفاعلية وبراعة القائد السياسي، بمعاونة النخبة السياسية في تحقيق أهداف المجتمع السياسي وترتيبها حسب أولوياتها، واختيار الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الأهداف، وبما يتفق مع القدرات الحقيقية للمجتمع، وتقدير أبعاد المواقف التي تواجه المجتمع واتخاذ القرارات اللازمة لمواجهة المشكلات والأزمات التي تفرزها هذه المواقف، ويتم ذلك كله في إطار تفاعل تحكمه القيم والمبادئ العليا للمجتمع.

مفهوم العلاقات الدولية:

                يتسع مفهوم العلاقات الدولية ليشمل كل صور العلاقات والتفاعلات والتبادلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، التي تتم عبر الحدود بين الدول.

التعريف الاجرائي للمفاهيم الأساسية:

                مفهوم القيادة السياسية: يمكن أن نتناول المؤشرات الاجرائية لمفهوم القيادة والتي تتمثل فيما يلي: (وجود قائد، وجود نخبة سياسية تؤيد القائد وتسانده، وجود أهداف لتحقيقها)ويكون هناك تفاعل بين تلك المكونات وذلك التفاعل ينطوي علي إمكانية التأثير المتبادل فيما بينها، والذي يعد سلوك القائد محصلة له.

مفهوم العلاقات الدولية: يمكن أن نتناول المؤشرات الاجرائيةلمفهوم العلاقات الدولية والتي تتمثل فيما يلي: (وجود دول، وجود تبادل بينهم، وجود أهداف لتحقيقها من التبادل(٣).

مصطلح التغير: يشير إلي الانتقال من حالة إلي حالة أخري انتقالاً يؤثر علي العملية التي تقوم بها البنية موضع التغيير، أو يوثر علي العملية والبنية معاً، وهذا التغير قد يكون سلبياً أو إيجابياً وذلك يرجع إلي النظام السياسي القائم الذي يضع قواعد وسياسات إحداث التغيير.

مصطلح الأثر: القدرة علي تحقيق نتائج مستهدفة وتتأثر هذه القدرة بمدي النجاح في اختيار واستخدام مزيد مناسب للمدخلات أو الموارد دون إهدار أو إسراف. ويمكن تعريف الأثر تعريفاً إجرائياً بانه: مجموعة عوامل متداخلة ومتشابكة للسياسة تستند علي أساسها التأثير بالمتغير الآخر.

المفاهيم المرتبطة: (النظام السياسي- التداول السلمي للسلطة- الدبلوماسية- السياسة الخارجية- السياسة الدولية- المجتمع الدولي-عملية صنع القرار السياسي).

النظام السياسي: هو نظام اجتماعي يقوم بعدة أدوار أو وظائف متعددة استنادا إليسلطة مخولة له، أو قوة يستند إليها، لإدارة موارد المجتمع وتحقيق الأمن الداخلي والخارجي، وتحقيق أكبر قدر من المصالح العامة، والعمل علي الحد من المشاكل الاجتماعية، ويعرفه " ديفيد إيستون " بأنه مجموعة الظواهر التي تكون نظاماً فرعياً من النظام الاجتماعي الرئيسي.

التداول السلمي للسلطة: هو آلية لصعود قوي سياسية من المعارضة إلي السلطة ونزول أخري من السلطة إلي المعارضة بطريقة سلمية وشرعية، وهو مبدأ ديمقراطي لا يمكن وفقاً له لأي حزب سياسي أن يبقي في السلطة إلي ما لا نهاية له،وفي حالة نزول قوي سياسية من السلطة  ويجب أن يعوض بتيار سياسي آخر بطريقة سلمية وشرعية ومقبولة في النظام السياسي.

الدبلوماسية: هي نظم ووسائل الاتصال بين الدول والأعضاء في الجامعة الدولية، وهي وسيلة إجراء المفاوضات بين الأمم لتوطيد العلاقات بين الدول، والمساعدة علي استمرار العلاقات بين الدول.

السياسة الخارجية: يعرفها الدكتور محمد السيد سليم بانها: برنامج العمل المعلن الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة من البدائل البرنامجية المتاحة من أجل تحقيق أهداف محددة في المحيط الخارجي.)٤).

                ويمكن تعريف مفهوم السياسة الخارجية تعريفاً إجرائياً من خلال تناول المؤشرات الاجرائية له كما يلي:( برنامج عمل علني، هدفي، رسمي، وحدوي، اختياري، خارجي).

السياسة الدولية: هي السياسات الخارجية التي تنتهجها القوي والأطراف الفاعلة في النظام الدولي، سواء ما تعلق من ذلك بمواقف التعاون أو الصراع أو التعامل الروتيني المنتظم من خلال قنوات الاتصال والتنسيق والتشاور والتفاوض بالوسائل والأدوات الدبلوماسية المتعارف عليها دولياً.

المجتمع الدولي: يشير مفهوم المجتمع الدولي إلي مجموع المجتمعات السياسية الفردية التي تسمي بالدول القومية، والتي تتكون كل واحدة منها من شعب وإقليم وحكومة واقتصاد في إطار شخصية لها ذاتيتها القومية المميزة (الثقافة القومية) التي تعمل علي توحيد هذا المجتمع في مواجهة غيره من المجتمعات القومية المنافسة. ويتحقق المجتمع الدولي عندما يتاح له أن يضم في عضويته هذه الدول القومية، وضمن هذه العضوية تحظي بعض الدول دون غيرها باعتراف دولي واسع بانها دول كبري ذات قوي ونفوذ ومكانة وتأثير.

عملية صنع القرار السياسي:

                يقصد بها الكيفية التي يمكن من خلالها التوصل إلي أفضل صيغة عمل من بين عدة بدائل متنافسة، وتشير الدراسات إلي عملية صنع القرار السياسي بانها؛ مزيج بين النفوذ والقوة، وبين الرشد والعقلانية في اطار قيم الجماعة، تتفاعل جميعاً لصياغة القرار كحل توفيقي بين جميع الاعتبارات؛ فالقرار عملية سياسية تعبر عن توزيع القوة والموارد السلطوية وتتضمن تمثيل المصالح، كما تهدف إلي تحقيق أفضل استغلال ممكن من الموارد المتاحة.

المفاهيم المختلطة: ( النخبة الاجتماعية- الزعامة الشعبية- التفاعلات الدولية).

النخبة الاجتماعية: هي الطبقة العليا في المجتمع ذات الاهتمام الاجتماعي الأعلى في مجتمعهم، وهم الذين قد يشكلون قادة الرأي العام والمؤثرين فيه، ويشكلون توجهات المجتمع.

الزعامة الشعبية: هو وجود قائد يعتد به المواطنون في أوقات النزاعات والصراعات، والشخص الذي يلقب بالزعيم يحظى بالتأييد الشعبي، ولكن ليس معترف به كقائد سياسي بشكل كامل من قبل المجتمع الدولي.

التفاعلات الدولية: ليست بالضرورة هي علاقات بين الدول، حيث أن التفاعلات الدولية هي تفاعل دولة اتجاه قضية دولية معينة سواء بالتصريحات أو بالدعم أو غيره من طرق تعبر عن حالتها ازاء هذه القضية.

الأدبيات السابقة:-

                يمكن تناول الأدبيات السابقة من خلال تقسيمها إلي محورين:

المحور الأول: الدراسات التي تتناول أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية.

المحور الثاني: الدراسات التي تتناول العلاقات المصرية الفلسطينية.

أولاً- الدراسات التي تتناول أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية:-

1-دراسة صابرين أبو شاويش(2016)/ أثر التحولات في النظام السياسي المصري علي العلاقات المصرية الفلسطينية:

هدفت الدراسة إلي بحث أثر التحولات في النظام السياسي المصري علي العلاقات المصرية الفلسطينية خلال الفترة (201١-٢٠١٥)، حيث تميزت هذه الفترة بالعديد من الأحداث  والمتغيرات، التي كان لها تأثير مباشر علي العلاقات المصرية الفلسطينية وخاصة قطاع غزة.

                وناقشت الدراسة مفهوم الحراك بشكل عام والحراك المصري بشكل خاص، بالإضافة إلي مناقشة التطور التاريخي للعلاقات المصرية الفلسطينية، وموقف مصر من القضية الفلسطينية منذ النكبة الفلسطينية وحتي تاريخ نهاية كتابة البحث.

                ناقشت الباحثة محددات العلاقة المصرية الفلسطينية التي أدت إلي ترابط الطرفين، بالإضافة إلي التركيز علي أثر الحراكات المصرية علي فلسطين بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص، وكذلك ركزت الباحثة خلال الدراسة علي عدة قضايا كانت محور السياسة الخارجية المصرية اتجاه قطاع غزة، كقضية الحصار، ومعبر رفح، والأنفاق، والانقسام، والمصالحة، وركزت الدراسة علي توضيح موقف مصر من الحرب علي قطاع غزة في حرب 2012-2014 ودور مصر الدبلوماسي في المفاوضات لإيقاف الحرب علي قطاع غزة.

2-دراسة هاني المصري(2014)/ انعكاسات ثورة مصر علي القضية الفلسطينية:

                هدفت الدراسة إلي البحث عن أثر الثورة المصرية علي القضية الفلسطينية وكان من أهم ما جاءت به هذه الدراسة بأن مصر ما بعد 25 يناير 2011، تختلف عن مصر قبل هذا التاريخ، لأن أي حاكم أو نظام سيحل مكان نظام مبارك، حتي لو استمر هذا النظام، سيأخذ في حسابه إرادة وقوة الشعب المصري، وهذا أمر لن يقتصر علي مصر.

                وتوصلت الدراسة إلي نتائج هامةوهي تتمثل في أهمية إدراك ما يجري في مصر، ومراقبة التفاعلات في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حيث أوضحت الدراسةأن اسرائيل كانت تحذر الإدارة الأمريكية وأوروبا من التضحية بنظام مبارك، وبدأت الحكومة الإسرائيلية تصيح وتردد صدي كلامها في البيت الأبيض، وتؤكد اسرائيل علي أهمية التمسك بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وعدم المساس بها، وأصبحت الرؤيا الأمريكية فيما يجري محكومة بمصلحة إسرائيل لا بتحقيق مصلحة وإرادة ومطالب الشعب المصري الثائر.

                وأكدت الدراسة بنتائجها أن الانعكاسات الأولي لما يجري في مصر علي فلسطين ستكون سلبية، لأن إسرائيل ستصر أكثر علي الحل الإسرائيلي للصراع وخصوصاً وفق شروطها الأمنية، بحجة أن إسرائيل واحة الاستقرار في  منطقة هشة وغير مستقرة.

                كما أوصت الدراسة بتوطيد العلاقات المصرية الفلسطينية بتوحيد الحكومة الفلسطينية، وإنهاء النزاعات الداخلية التي تسبب بها الانقسام، والرجوع إلي طاولة الحوار وخصوصاً أن الانقسام الفلسطيني يخدم إسرائيل.

٣-دراسة خليفة علي البكوش(1994)/ المتغير القيادي في مصر والصراع العربي الإسرائيلي في الفترة 1955-197٩:

                تحاول هذه الدراسة تغطية الجوانب المختلفة المتعلقة بظاهرةالقيادة السياسية المصرية وتأثيرها علي الصراع العربي الإسرائيلي علي مدي فترة زمنية 1955-1979 علي اعتبار أن عام 1979 هو العام الذي تم فيه توقيع معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية والتي مثلت تجسيدا فعليا وواضحا لإدراك وإدارة القيادة السياسية في مصر للصراع العربي الإسرائيلي، وقد أظهرت الدراسة إن خصوصية المجتمع العربي وطبيعة المواريث الثقافية والحضارية التي تبلورت خلال مراحل تاريخية طويلة قد أفرزت نمطا للعلاقة بين القائد وأتباعه الأمر الذي انعكس بدوره علي المدلول الخاص لظاهرة القيادة داخل هذه المجتمعات عنه في المجتمع الغربي من الناحية الوظيفية، حيث يتسع هامش حركتها في العالم العربي دون وجود قيود أو موانع قانونية ودستورية تحد من هذه الحركة وقد تأثرت القيادة السياسية في العالم العربي بعدة عوامل: جغرافية، ثقافية، تاريخية.

                وقد وضحت الدراسة أن النموذج الاستعماري خلق استعداداً لدي الذهنية العربية جعلها تقبل تقليص دور هام في المشاركة السياسية وقصر هذا الدور علي تأييد ومباركة قرارات وسياسيات القائدوتتمثل العلاقة ببنهم في علاقة أوامر وطاعة، وتعرضت الدراسة للبيئة النفسية والأبعاد الشخصية النموذجية للقيادة السياسية العربية، وتناولت اثنين من القيادات السياسية وهما ( الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس محمد أنور السادات) في فترة زمنية معينة وتناولت موقف كل منهم اتجاه القضية الفلسطينية، حيث وجدت الدراسة أن كل منهم كان له أدراكه الخاص وتصوره لطبيعة وتطور هذه القضية وبالتالي جاء سلوك وإدارة كل منهم يختلف عن الآخر.(٥).

ثانياً: الدراسات التي تتناول العلاقات المصرية الفلسطينية.

١-تقدير استراتيجي/ مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية بعد الانتخابات المصرية:

                هدفت الدراسة إلي التعرف علي مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية بعد الانتخابات المصرية في الفترة التي شهدت فيها الساحة المصرية خلال سنة 2013 تغيراً استراتيجياً تمثل بإقصاء محمد مرسي في 3 يوليو 2013.

                وتوصلت الدراسة إلي نتائج إزاء ما تقدم، فإن المؤشرات تشيرإلي أن النظام المصري الجديد يعاني حالة من الاستغراق في معضلاته الداخلية، لذا فأنه من غير المتوقع في هذه الفترة أن يعيد النظام الجديد لمصر دورها المعتاد في رعاية القضية الفلسطينية سواء في ترتيبات البيت الفلسطيني الداخلي أم في مسار التسوية السلمية.

                وإذا ما أصر علي استمرار خصومته مع حماس باعتبار انتمائها "للإسلام السياسي"، فقد يسهم في إضعاف حماس في القطاع، لكن ذلك سينعكس سلباً علي دوره الراعي في ترتيب البيت الفلسطيني. وعلي أي حال سيبقي التأثير المصري في تفاصيل القضية الفلسطينية في المدي القريب محدوداً، مع حرصه علي ألا يبتعد عن خدمة ملفاته الداخلية وتوجهات تحالفاته الإقليمية.(٦).

2-كتاب/ العلاقاتالمصرية – الفلسطينية: (رؤية تحليلية للدكتور حسن نافعة):

                يوضح الكاتب أن هناك أسباب تاريخية وحضارية وجغرافية كثيرة معروفة تدفع العلاقات المصرية - الفلسطينية دوماً في اتجاه التعاون. لكن الخطر الصهيوني المشترك وحد بين مصير البلدين تماماً. ومع ذلك، فقد أدي اختلاف وجهات نظر النخب الحاكمة بشأن أسلوب التعامل مع هذا الخطر إلي إحداث فجوة كبيرة أحياناً فيما يتعلق بالمصالح والأهداف المرحلية، وارتكب الكثير من الأخطاء هنا وهناك. فقد تصور البعض هنا، في مراحل معينة، ان مصر تستطيع أن تستغني عن العرب وأن تتحلل بالتالي من التزاماتها اتجاه القضية الفلسطينية، وكان ذلك من حقائق التاريخ، والجغرافيا أيضاً. وتصور البعض هناك، في مراح بز معينة أيضاً، أنه قادر علي قيادة العالم العربي من دون مصر وضد إرادتها، وكان ذلك وهماً ثوره التطرف الإيديولوجي ضد معطياتالواقع كافة. وتسببت الأخطاء هنا وهناك إلحاق أضرار فادحة، لا بالأخر فحسب وإنما بالذات أولاً.

                وها هي العلاقات المصرية – الفلسطينية تدور دورة كاملة، بعد أن تلاحمت في فترات الكفاح المسلح وتفرقت بها السبل في فترات التسوية، لتعود فتلتقي مجدداً حول أهداف أكثر واقعية. لكنها تجد نفسها مرة أخري في المربع رقم واحد، لأن هذه الأهداف المتواضعة تحتاج إلي عمل نضالي ضخم في ظل تحديات عاتية.  وما لم تتمكن النخبتان السياسيتان المصرية والفلسطينية من وضع تصور لعلاقة جديدة ترتبط برؤية وتصور للتحرك الاستراتيجي العربي في مواجهة محاولات الهيمنة الاسرائيلية، التي تبدو الآن سافرة وواضحة للجميع، فأن هذه العلاقات، التي تبدو في أفضل أوضاعها الآن، ستتعرض لانفجار، سواء تحت ضغط التحديات المحلية في كل من البلدين أو تحت ضغط التناقضات العربية- العربية التي لا تزال قائمة، او تحت ضغط نظام دولي لا يرحم الضعفاء.

3- دراسة إبراهيم أبراش/ العلاقات الفلسطينية المصرية تغير المنطلقات، وتعدد الأطراف الفاعلة:

                توضح هذه الدراسة أن العلاقات المصرية الفلسطينية تمر بمنعطف دقيق، وحتي في حالة عودة مصر لتأخذ موقعها القومي في ريادة الأمة العربية فأن مفهوم البعد القومي ودور مصر لن يكون كما كان سابقاً، حيث ستعطي مصر الأولوية لأمنها ومصالحهاالوطنية، التي لن تتحقق من خلال التصادم مع تل أبيب وواشنطن بل من خلال التقارب معهما.

                ومن جهة أخري ومع أن مصر ترعي ملف المصالحة الفلسطينية إلا أن قدرتها علي إنجازها باتت محدودة بسببترسخ واقع الانقسام وظهور جماعات مصالح راغبة في استمراره من جانب، ومن جانب أخر لأن إسرائيل لن تسمح بإعادة توحيد الضفة وغزة في إطار سلطة وحكومة واحدة، ومصر لا تستطيع إجبار إسرائيل علي تغيير موقفها، بالإضافة إلي ظهور قوي ومحاور عربية وإقليمية تنافس مصر علي الملف الفلسطيني وعلي ملف المصالحة.(٧).

التعقيب علي الدراسات السابقة:-

أوجه الاستفادة من الدراسات السابقة:

1-توضيح مشكلة البحث بشكل واضح.

2-توضيح أهمية وأهداف البحث.

3-تحديد المنهج الذي اتبع في البحث.

4-تحديد الفجوة البحثية بشكل جلي.

أوجه الاتفاق مع الدراسات السابقة:

اتفقت معظم الدراسات السابقة مع الدراسة الحالية في منهج الدراسة (منهج صنع القرار).

أوجه الاختلاف مع الدراسات السابقة:

1-اختلفت الدراسات السابقة عن الدراسة الحالية في عنوان الدراسة، حيث أن العنوان " أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية"حيث أن العنوان جديد ولم يتناوله أحد من الباحثين في دراسة مفصلة من قبل.

2-ما تنفرد به هذه الدراسة الحالية من حيث المشكلة البحثية، حيث تفحص أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة (20١١-٢٠١٩).

3-كما أن هذه الدراسة تناولت فترة زمنية جديدة لم تتناولها الدراسات السابقة، وهيالتغيرات في القيادة السياسية في مصر في الفترة (20١١-٢٠١٩).

4-فضلاً عن أن هذه الدراسة تطرح سيناريوهات تتوقع هذه العلاقة وذلك من خلال الفصل الخامس في الدراسة الذي يتحدث عن مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية في ضوء المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية.

تقسيم الدراسة:-

الفصل الأول: التطور التاريخي للعلاقات المصرية الفلسطينية

المبحث الأول: العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.(1954-1970)

المبحث الثاني: العلاقات المصرية الفلسطينية فيعهد الرئيس محمد أنور السادات.(1970-1981)

المبحث الثالث: العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك. (1981-2011)

الفصل الثاني: محددات وأهداف وأدوات صنع السياسة الخارجية للعلاقات المصرية الفلسطينية

المبحث الأول: المحددات الداخلية والخارجية للعلاقات المصرية الفلسطينية.

المبحث الثاني: أهداف وأدوات صنع السياسة الخارجية المصرية تجاه القضية الفلسطينية.

الفصل الثالث: أثر حراك 25 يناير علي العلاقات المصرية الفلسطينية.

المبحث الأول: انعكاسات الثورة المصرية (25 يناير 2011) علي القضية الفلسطينية.

المبحث الثاني: تطورات القضية الفلسطينية في فترة المجلس العسكري.

الفصل الرابع: العلاقات المصرية الفلسطينية فيعهد كلاً من (الإخوان المسلمين-الرئيس عبد الفتاح السيسي).

المبحث الأول: طبيعة العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد الإخوان المسلمين.

المبحث الثاني: طبيعة العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

الفصل الخامس: مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية في ضوء المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.

المبحث الأول: تداعيات التغيرات المحلية والإقليمية والدولية المستقبلية علي الموقف المصري من القضية الفلسطينية.

المبحث الثاني: السيناريوهات المستقبلية للعلاقات المصرية الفلسطينية.

الفصل الأول

التطور التاريخي للعلاقات المصرية الفلسطينية

تمهيد

                بين مصر و فلسطين تاريخ طويل مشترك لم تؤثر فيه، ولا يمكن أن تؤثر فيه كل محاولات الفصل بينهما، حيث أن فلسطين ارتبط تاريخها بتاريخ مصر أكثر من ارتباطها بتاريخ أي قطر من الأقطار التي تجاورها قديماً وربما حديثاً، وتزايدت العلاقات بين مصر وفلسطين منذ ذلك الوقت فكانت كل حروب مصر الدفاعية أو الهجومية في الشرق، تجري بشكل خاص فوق أرض فلسطين، ومن ثم استمرت علاقات الترابط و الالتحام بين مصر وفلسطين.

                وقد استمر دعم مصر للقضية الفلسطينية في عهد كل رئيس توالي علي حكم مصر،  حيث استمرت هذه العلاقات المتينة بين مصر وفلسطين في عهد الرئيس السابق جمال عبد الناصر والرئيس محمد أنور السادات وكذلك الرئيس محمد حسني مبارك، مما أكد علي أن العلاقة الاستراتيجية بين مصر وفلسطين وثيقة وممتدة يجمعها التاريخ والجغرافيا ومن خلال المصاهرة والنسب علي مر السنين والعصور فحقائق التاريخ والجغرافيا لا يختلف عليها أحد.

المبحث الأول: العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر (1954-1970):

                في 17 أبريل 1954 تولي الرئيس السابق جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء، وفي 24 يونيه 1956 انتخب جمال عبد الناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء الشعبي وفقاً لدستور 16 يناير 1956، وهو أول دستور لثورة 1952.

                وبعد ثورة 23 يوليو 1952، وبعد وصول جمال عبد الناصر لسدة الحكم في مصر، أجري عبد الناصر اتصالات سرية بغرض السلام مع اسرائيل في سنتي 1954-1955، لكنه صمم بعد ذلك علي أن السلام مع اسرائيل مستحيل، واعتبر أنها " دولة توسعية تنظر إلي العرب بازدراء".

                قد شهدت القضية الفلسطينية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، التي أولاها من الاهتمام الكثير، جولات من الانتصارات، جعلت من قضية فلسطين قضية العرب الأولي، فقد دعا الرئيس جمال عبد الناصر إلي عقد مؤتمر القمة العربية الاول عام 1964، وكلف مجلس الملوك والرؤساء العرب أحمد الشقيري بإقامة القواعد السليمة لإنشاء كيان فلسطيني، وذلك لتمكين الشعب الفلسطيني من تحرير وطنه وتقرير مصيره.

                وفي يوم 28 فبراير 1955، هاجمت القوات الإسرائيلية قطاع غزة، الذي كانت تسيطر عليه مصر في ذلك الوقت، وأعلنت إسرائيل أن هدفها من ذلك هو القضاء علي الغارات الفدائية الفلسطينية. وقد شعر عبد الناصر في ذلك الوقت أن الجيش المصري ليس علي استعداد للمواجهة ولم يرد جمال عبد الناصر عسكرياً على إسرائيل، وبذلك كان فشله في الرد علي العمل العسكري الإسرائيلي ضربة لشعبيته المتزايدة.

                قررت القيادة المصرية سحب الجيش المصري من سيناء، عشية اندلاع العدوان الثلاثي علي مصر أواخر 1956، لكن المقاومة استبسلت في التصدي للهجوم الاسرائيلي من موقعها في "جبل المنطار" أهم موقع عسكري في المدينة، حتي إعلان الاستسلام في يوم 2 نوفمبر 1956، القرار الذي أصدره اللواء محمد فؤاد ( الحاكم العام لقطاع غزة )، بعد سقوط رفح في اليوم السابق واكتمال محاصرة القطاع.

                كما كان لمصر بقيادة عبد الناصر دور كبير في توحيد الصف الفلسطيني من خلال اقتراح إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية والتي أعلن عن تأسيسها في عام 1964، كما ساندت مصر في القمة العربية الثانية التي عقدت في الإسكندرية في يوم الخميس من شهر نوفمبر عام 1964، وأصدر فيه قرار المنظمة بإنشاء جيش للتحرير الفلسطيني.

                وفي عام 1967 قام الجيش الإسرائيلي باحتلال الضفة الغربية من نهر الأردن التي كانت في ذلك الحين جزءاً من الأردن، كما احتل قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان السورية بالإضافة إلي مناطق أردنية أخري في الشمال، وعرفت هذه الحرب باسم حرب الأيام الستة ودخلت القاموس الفلسطيني باسم النكسة واحتلت إسرائيل سيناء.

                وفي نوفمبر 1967، قبل جمال عبد الناصر قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي دعا إلي انسحاب إسرائيل من الأراضي المكتسبة في الحرب، والتي تشمل إلي جانب شبه جزيرة سيناء قطاع غزة الذي كان تحت السيطرة المصرية قبل الحرب وهضبة الجولان السورية والهضبة الغربية التي كانت خاضعة للملكة الأردنية آنذاك، وكان قبول جمال عبد الناصر لقرار مجلس الأمن له تفسيرات مختلفة لدي مؤيديه وأنصاره عن معارضيه ومنتقديه، فقد ادعي أنصار جمال عبد الناصر أن تحركه وقبوله للقرار كان لكسب الوقت للاستعداد لمواجهة أخري مع أسرائيل، فيحينيعتقد منتقدوه أن قبوله للقرار يشير إلي تراجع اهتمامه بالاستقلال الفلسطيني.

                وفي يناير 1968، بدأ جمال عبد الناصر حرب الاستنزاف لاستعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل، وأمر بشن هجمات ضد مواقع إسرائيلية شرق قناة السويس ثم حاصر القناة، وفي شهر مارس من نفس العام عرض جمال عبد الناصر مساعدة علي حركة الفتح بالأسلحة والأموال بعد أدائهم ضد القوات الإسرائيلية في معركة الكرامة في ذلك الشهر.

                وفي نوفمبر وبوساطة الرئيس جمال عبد الناصر تم عقد اتفاق القاهرة 1969، بين منظمة التحرير الفلسطينية والجيش اللبناني والذي منح المقاتلين الفلسطينيين الحقفي استخدام الأراضي اللبنانية لمهاجمة إسرائيل، وذلك تدعيماً للثورة الفلسطينية ومساعدة الفلسطينيين فيالدفاع عن أرضهم وتحريرها من القوات الإسرائيلية.

وفي النهاية يتضح أن الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر استمر في الدفاع وتقديم الدعم للقضية الفلسطينية حتي وفاته في 28 سبتمبر 1970، تاركاً وراءه أفكار قومية تدعم القضية الفلسطينية في جميع أنحاء الوطن العربي، وخاصة بين الفلسطينيين.

المبحث الثاني: العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد الرئيس محمد أنور السادات (1970-1981):

                تولى الرئيس محمد أنور السادات زمام الحكم بتاريخ 15 أكتوبر 1970، واتسمت ادارة ملفات السياسة الخارجية خلال فترة حكمه بالسرية والفردية والتقلبات الفجائية، وكان للرئيس أنور السادات رؤية في حل القضية الفلسطينية، فلم تكن حرب أكتوبر بالنسبة للقضية الفلسطينية كما كانت بالنسبة لمجمل الأمة العربية، " فبدلاً من أن تشق طريق تحرير الأرض المحتلة، فإنها عززت النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، ويسرت مؤامرات تصفية المقاومة الفلسطينية، وبالمقابل فإن الحرب ونتائجها أثارت الوعي في نفوس الفلسطينيين وساعدت علي تكييف أهدافهم علي الحقائق، وعلي اتخاذ قرارات جريئة تضع حداً نهائياً لسياسة كل شيء(٨).

                وأكد الرئيس محمد أنور السادات في عام 1972 أن هدف ( العدو الإسرائيلي ) تمزيق الأمة العربية وحصار مصر وعزلها عن الوطن العربي، ومنع أي وحدة عربية، وعدم قيام اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة بين مصر وسوريا وليبيا، ومن ثم أكد الرئيس محمد أنور السادات أن إنجاز القومية العربية هو تحدياً لوجود إسرائيل.

                اجتمع الرئيس محمد أنور السادات مع وفد منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات في برج العرب، في مارس 1973، وأبلغهم في الاجتماع برغبته في محاربة اسرائيل قبل نهاية السنة، بالاشتراك مع سوريا وطلب من ياسر عرفات أن يكون أكبر عدد من الفدائيين ووحدات جيش التحرير الفلسطيني وذلك لتشترك في المعركة، وقد انعكس خيار التسوية السلمية الذي اتبعه محمد أنور السادات علي القضية الفلسطينية، فقد وافق السادات في الثالث عشر من ديسمبر عام 1973، علي طلب كيسنجر أثناء الاجتماع بالقاهرة، بعدم دعوة الفلسطينيين في مؤتمر السلام.

                أعلن الرئيس محمد أنور السادات التزام مصر بتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهي القدس وغزة والضفة الغربية وسيناء والجولان، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني.)٩).

                وقد أعلن الرئيس محمد أنور السادات عن رغبته في زيارة القدس، وفي المقابل أعلنت إسرائيل شروطها للسلام، وهي رفض الانسحاب إلي حدود عام 1967، ورفض إقامة دولة فلسطينية، وبرغم من ذلك قام الرئيس محمد أنور السادات بزيارة القدس في نوفمبر 1977، وهو ما يعني ضمنياً بالموافقة على الشروط الإسرائيلية، كما تعد الزيارة بحد ذاتها، اعترافاً مصرياً ضمنياً بوجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، ويعد ذلك أول شكل من أشكال التطبيع بين مصر وإسرائيل.

                في أواخر عام 1979م عقد اجتماع ثلاثي بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، علي مستوي وزارة الخارجية في منتجع كامب ديفيد، وتم التوقيع بمقتضاه علي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979م، وتعهدت خلاله إسرائيل بالدخول خلال شهر من توقيع الاتفاق في مفاوضات، تهدف من خلالها إلي إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهنا حرصت مصر علي أن تكون القدس مقر الحكم الذاتي الفلسطيني، وتجميد المستوطنات، والانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967م.

                إلا أن كامب ديفيد قد أدت إلي إضعاف القضية الفلسطينية، حيث أثرت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في موازين القوي في المنطقة لصالح إسرائيل، حيث فقدت مصر كنتيجة للاتفاقية دورها المركزي في العالم العربي، علي الصعيدين السياسي والعسكري، ونتيجة للاتفاقية فقدت القضية الفلسطينية في معركتها مع الاحتلال حليفاً قوياً له عمق استراتيجي لحركة التحرير الفلسطينية علي مدي عقود سابقة علي كامب ديفيد وهي مصر، فقد تعهد الرئيس المصري محمد أنور السادات بوقف الدعم لمنظمة التحرير الفلسطينية وتحجيم دورها في تحديد مستقبل القضية الفلسطينية.

                وقد أثارت اتفاقيات "كامب ديفيد" ردود فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية، ففي مصر استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته للاتفاقية وسماها مذبحة التنازلات، وكتب مقال كامل في كتابه "السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد" المنشور في بداية الثمانينات وقال فيه أن " ما قبل به السادات بعيد جداً عن السلام العادل"، وانتقد كل اتفاقيات كامب ديفيد لكونها لم تشير بصراحة إلي انسحاب إسرائيليمن قطاع غزة والضفة الغربية، بالإضافة إلي عدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

                وقد رأى العديد ممن عارضوا اتفاقية كامب ديفيد أن هذه الاتفاقية قد أضعفت مصر في مواجهة إسرائيل، وبالتالي أضرت بأمنها الوطني، ويستدل علي ذلك بالقيود التي تضمنتها المعاهدة علي حركة الجيش المصري في سيناء، وحجم ونوعية التسليح، وهناك من يري باستحالة الفصل بين الأمن الوطني المصري والأمن القومي العربي، لذلك فإن كامب ديفيد ألحقت ضرراً بالأمن المصري والأمن القومي بالتبعية، وأضعفت مصر والعرب معاً.

                وخلاصة القول، إن جغرافية مصر وموقعها قد فرض عليها سياسة خارجية، جعلتها تشمل في نظرتها لأمنها القومي إلي ما هو أبعد من حدودها القطرية، تحديداً إلي الشمال الشرقي ( حيث المشروع الصهيوني الرابض علي أرض فلسطين)، وأضافت القواسم الحضارية والديمغرافية بعداً آخر، وذلك يضاف لجملة مدركات النخبة الحاكمة؛ فكانت الحقبة الناصرية، التي شهدت المد القومي، ومعها شهدت الحروب العربية الإسرائيلية، لتؤكد موقع القضية الفلسطينية في أولوية صانع القرار المصري، واستمر الحال كذلك حتي جاءت اتفاقية كامب ديفيد، التي حولت مسار العلاقة مع إسرائيل، لتبدأ مرحلة جديدة من التصور المصري لحل الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، المستند علي مبدأ " السلام خيار استراتيجي" مما أدي لخروج مصر من دائرة الصراع، وتراجع دورها الإقليمي.

المبحث الثالث: العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك (1981-2011): )١٠).

                في 14 أكتوبر 1981، تولي محمد حسني مبارك رئاسة جمهورية مصر العربية، بعدما تم الاستفتاء عليه بعد ترشيح مجلس الشعب له في استفتاء شعبي، خلفاً للرئيس محمد أنور السادات الذي اغتيل في 6 أكتوبر 1981، أثناء العرض العسكري الذي قيم بمناسبة الاحتفال بذكري انتصارات أكتوبر 1973، وفي 26 يناير 1982م انتخب رئيساً للحزب الوطني الديمقراطي.)١١).

                ومن ثم فأن الرئيس السابق محمد حسني مبارك دخل عالم السياسة وخرج منها، دون إرادته في الحالتين؛ فقد تسبب اغتيال السادات في حادثة المنصة الشهيرة، في 6 أكتوبر 1981م، بتولية الحكم، كما تسببت أحداث الثورة 2011م، بتنحيه عن الحكم، وفي الحالتين ( التنصيب والتنحي) تقرر لمبارك ما يتعين عليه فعله، ولم يكن هو صاحب القرار، هذه المسيرة "القدرية" ربما تكون انعكست علي جانب من شخصيته، وعلي طريقة إدارته للسياسة العامة للبلاد خلال فترة حكمه الطويلة، وكذلك انعكس علي سياسة مصر تجاه الصراع العربي الإسرائيلي عموماً، والقضية الفلسطينية خصوصاً، التي شهدت لأول مرة اتفاق فلسطيني- إسرائيلي، توصل لإنشاء سلطة وطنية علي جزء من أرض فلسطين، فكأن لمصر الدور الرئيس في رعاية العملية السلمية في كافة مراحلها المختلفة.

                بدأت مصر في عهد الرئيس محمد حسني مبارك تعود تدريجياً لتولي دورها علي الساحة العربية، فرفعت المقاطعة العربية عنها، وافتتحت الجامعة العربية مقرها مرة ثانية في القاهرة، مما مكن مصر من العودة للتدخل في الشأن الفلسطيني بشكل مباشر، وخاصة بعد زيارة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات للقاهرة بعد حرب المخيمات عام 1983م، وعادت العلاقات الرسمية الفلسطينية المصرية إلي سابق عهدها.

                أمسك نظام مبارك بزمام ملفات فلسطينية هامة أبرزها: مسار التسوية والمفاوضات، والمصالحة، وتبادل الأسري، ولكن هذه الملفات كانت تدار بطريقة أمنية، وتحت إشراف المخابرات الحربية المصرية، فإن طبيعة علاقة النظام المصري في عهد الرئيس محمد حسني مبارك بالقضية الفلسطينية اتسمت بما يلي:

1/ الالتزام باتفاقية السلام بين مصر وكيان الاحتلال بقوة، وممارسة دور الوسيط بين الطرفين الصهيوني والفلسطيني، والقيام بتمرير وتسويق الرسائل الأمريكية والصهيونية، والتدخل لدي الأطراف الفلسطينية المختلفة من أجل غايات محددة أمريكياً وصهيونياً، فقد شاركت مصر في مؤتمر مدريد للسلام، وحضر مبارك حفل توقيع اتفاقية أوسلو، وضغط علي ياسر عرفات وألزمه بالتوقيع علي اتفاقية القاهرة وطابا مع الجانب الصهيوني في منتصف التسعينات.

2/ رعت مصر في عهد مبارك الكثير من الحوارات الفلسطينية، وشهدت القاهرة توقيع عدداً من الاتفاقيات الفلسطينية الداخلية، كان من أبرزها اتفاق القاهرة الذي وقعته الفصائل الفلسطينية في عام 2005 وقد شكل ذلك الاتفاق أرضية لتنظيم العلاقات الفلسطينية الداخلية التي كان أحد أهم مظاهرها إجراء الانتخابات البلدية والتشريعية.

3/ بعد إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية عام 2006م التي أسفرت عن فوز حركة حماس، التزمت مصر بسياسات الدول الغربية وبالأخص أمريكا وكيان الاحتلال، والتي فرضت الحصار علي الحكومة الفلسطينية التيشكلتها حماس. وكذاك فأن مصر لم تتعامل رسمياً مع الحكومة التي شكلتها حماس، ولم تستقبل رئيس وزرائها أو أي من وزرائها، وحدت من مرورهم عبر معبر رفح عندما كانوا يدعون للمشاركة في لقاءات ومؤتمرات وقمم تخص الشأن الفلسطيني، واحتجزت الحكومة المصرية بعض الوزراء والقيادات الذين حاولوا إدخال الأموال لقطاع غزة لتخفيف الحصار، وأحياناً كانت تصادر هذه الأموال.

4/ انتقدت مصر عملية أسر الجندي الصهيوني شاليط علي يد المقاومة الفلسطينية في منتصف عام 2006، ولم تحرك ساكناً عندما قصفت غزة وعندما اعتقل عدد كبير من نواب المجلس التشريعي المنتخب وعدد من الوزراء في الضفة، ودخلت مصر علي ملف التبادل كوسيط بين حماس وكيان الاحتلال، وبقي الملف يراوح مكانه طوال عهد مبارك، ومن بين الأسباب لذلك وعود عمر سليمان للصهاينة بالضغط علي حماس لتخفيف سقف مطالبها.

5/ بعد سيطرة حماس علي قطاع غزة في منتصف عام2007، أغلقت مصر سفارتها في غزة، وتغيرت طريقة تعامل نظام الرئيس مبارك مع فلسطيني غزة، فأغلق معبر رفح بالرغم من أن مصر لم تكن طرفاً في اتفاقية المعابر التي وقعت بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال والاتحاد الأوروبي، واعتقلت المخابرات المصرية عدداً من الفلسطينيين المشتبه بانتمائهم لحماس، وذلك في الوقت الذي واصلت فيه مصر علاقتها التجارية مع الصهاينة في مسألتي تصدير الغاز والتنقيب عن البترول.

6/ وفي الحرب الأخيرة التي شنت علي غزة نهاية عام 2008 وقفت مصر علي الحياد، وكانت ليفني وزيرة خارجية كيان الاحتلال قد أعلنت من القاهرة قبيل الحرب، أن الكيان نفذ صبره وأنه سيقوم بعمل ما ضد الصواريخ، وقد اعتبر ذلك الإعلان بنظر المراقبين موافقة مصرية علي الحرب، كما لم تبادر مصر لفتح معبر رفح أثناء الحرب، لتخفيف الضغط علي الفلسطينيين، وامتنعت عن حضور القمة العربية التي عقدت في الدوحة من أجل وقف الحرب علي غزة.

7/ رعت مصر حوارات المصالحة الفلسطينية علي مدار سنتين تقريباً من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، ولكنها لم تنجح في مساعيها بسبب دورها الذي اعتبر منحازاً ولم تقم بصياغة ما توصلت إليه حماس وفتح من تفاهمات بحيادية وبمصداقية.

8/ حاولت مصر التوسط من أجل عودة المفاوض الفلسطيني إلي طاولة التفاوض بعد توقفها بسبب استمرار الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية والقدس.

الفصل الثاني

محددات وأهداف وأدوات صنع السياسة الخارجية للعلاقات المصرية الفلسطينية

تمهيد

                ثمة ثوابت مستقرة في السياسة الخارجية المصرية لا تتغير، يفرضها التاريخ والجغرافيا والهوية، لها أهداف عامة مثل أولوية المصلحة والأمن القومي المصري وذلك علي اختلاف توجهات الحاكم أو الحزب الحاكم، وكذلك تحقيق الاستقلال الوطني المصري وتطويع السياسة الخارجية لما يحقق التنمية الداخلية، بالإضافة لوجود بعض القضايا ذات الثبات في أجندة قضايا السياسة الخارجية المصرية مثل القضية الفلسطينية وذلك لترسيخ دور مصر الإقليمي، وحشد الدعم لتحقيق أهداف السياسة الخارجية المصرية، فضلاً عن العمل علي تسوية الأزمات المختلفة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية)١٢).

                سوف يتناول هذا الفصل محددات وأهداف وأدوات صنع السياسة الخارجية للعلاقات المصرية الفلسطينية وسيعرض في هذا الفصل مبحثين الأول المحددات الداخلية والخارجية للعلاقات المصرية الفلسطينية، والمبحث الثاني أهداف وأدوات صنع السياسة الخارجية المصرية تجاه القضية الفلسطينية.

المبحث الأول: المحددات الداخلية والخارجية للعلاقات المصرية الفلسطينية

مقدمة

                مصر كدولة في النظام الإقليمي العربي والدولي تعرف دورها، وحدود هذا الدور هو انعكاس لمعطيات تاريخية وحضارية تمتد لآلاف السنين، وكذلك انعكاس لموقعها الجغرافي المحوري في قلب النظام الإقليمي العربي، وتجسيد لعناصر القوة الأخرى السكانية والسياسية والعلمية، وهذا الدور الريادي والقيادي المؤثر لم يفرض بالقوة، بل أن هدا الدور هو الذي فرض نفسه علي مصر، لذلك فأن للعلاقة بين مصر وفلسطين محددات رئيسية حسب طبيعة العلاقة بينهما لذلك في هذا الفصل سنعرض أهم المحددات الداخلية والخارجية المؤثرة بالعلاقات.

أولاً: المحددات الداخلية:-

1-المحدد الجغرافي:)١٣)

                تلعب الجغرافيا دوراً حيوياً في تشكيل السياسة الخارجية المصرية اتجاه غزة، فقطاع غزة يجاور سيناء علي امتداد (14كم).وتعد مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تجاور القطاع خلال إسرائيل. وألقي هذا بأعباء متعددة علي مصر باعتبارها جوار غزة المعني بها وبإنقاذها ومساعدتها في وقت الأزمات. ومن الناحية الديمغرافية فإن هناك اختلاطاً واسعاً بين سكان سيناء تحديداً وغزة، حيث يقيم فيها حوالي 25 ألف فلسطيني، كما أن الانقسام الفلسطيني أيضاً ألقي بظلاله علي سيناء إذ أدي ذلك الانقسام إلي نزوح عدد من ضباط حركة فتح لسيناء واستقرارهم في العريش.

2-المحددالاقتصادي:

                يتعلق مستقبل العلاقات الاقتصادية الفلسطينية المصرية ومدي إمكانية حدوث أي شكل من أشكال التكامل بمستوي اختلاف الهيكل الاقتصادي بين مصر وفلسطين، وكذلك الفارق الكبيربين البلدين في حجم المؤشرات الاقتصادية مثل التجارة الخارجية والناتج القومي وعدد السكان، لذلك يجب اتخاذ اجراءات أولية من تنسيق وترتيب في السياسات التجارية بين البلدين وتنمية هذه العلاقة وتنمية المبادلات التجارية بينهم، والعمل على إنشاء مشاريع اقتصادية مشتركة في المناطق الحدودية بين الدولتين، ومحاولةتنمية قطاع الصناعة عن طريق استيراد المواد الخام اللازمة للصناعات الفلسطينية من مصر.

                ففي بداية عام 2011 وهي الفترة الزمنية التي تبدأ منها الدراسة حدث تغير في المشهد السياسي في مصر حيث تم فتح معبر رفح بصورة أفضل بقليل من السابق، ومن ثم بدأت المطالبات بفتح معبر رفح أمام حركة التجارة واعتباره معبراً تجارياً وليس فقط لتنقل الأفراد.

                وكذلك خلال عام 2011-2012 أصبح هناك آفاق للانفتاح الاقتصادي في مصر لبناء علاقة اقتصادية قوية مع فلسطين، وذلك من خلال مشروع الربط الثماني للكهرباء عن طريق مصر، بالإضافة إلي تزويد مصر ببعض الاحتياجات اليومية لقطاع غزة وذلك لتوثيق العلاقات الاقتصادية مع غزة، وتوسيع قاعدة العلاقات الاقتصادية بين البلدين بطريقة مشروعة، وكذلك العمل في المرحلة المستقبلية لتكون مرحلة وحدة اقتصادية قوية بين البلدين.

وكذلك في شهر فبراير 2012، تم توقيع الخطوط العريضة لبروتوكول تعزيز الشراكة الاستثمارية بين البلدين بتوقيع اتفاق انشاء الشركة المصرية الفلسطينية في منطقة شمال سيناء برأس مال مشترك لمصر 51% ولفلسطين 41%.

3-المحدد الديموغرافي:

                جمهورية مصر العربية هي من الدول العربية الخمسة المضيفة للاجئين الفلسطينيين، إليجانب كل من الأردن وسوريا ولبنان والعراق، حيث تشير معظم الدراسات الموثقة إلي أن مصر استقبلت عام النكبة نحو ثمانية ألف وخمسمائة لاجئ فلسطيني، قدموا إليها من مناطق يافا واللد والرملة وقراها، وكانت مدينة بورسعيد أول موطئ قدم إليه اللاجئين الفلسطينيين صباح الأيام الأولي من النكبة، وتم منح غالبيتهم حق الإقامة في مصر، ثم سرعان ما قامت الحكومة المصرية مع بداية عام 1949 بنقل جزء كبير منهم إلي قطاع غزة، وإلي مخيم المغازي، حيث بقي القطاع تحت الإدارة المصرية.

                وكذلك تم تقدير أعداد اللاجئين الفلسطينيين في مصر مع بداية عام 2011 بحدود (84) ألف مواطن فلسطيني، منهم عدة آلاف يقيمون في مصر بغرض الدراسة وهم من أبناء قطاع غزة علي وجه التحديد، وبعضهم القليل من الضفة الغربية، حيث أن مصر منطقة استقطاب للعناصر الفلسطينية الشابة القادمة من قطاع غزة بغية التعليم.

4-المحددات السياسية الداخلية:-

1-الانقسام الفلسطيني:

                الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني هو المحدد الحيوي للقاهرة التي تري أن السبب الرئيسي لمشكلة القطاع لا تكمن في الحصار، بل في الانقسام الذي منع الفلسطينيين منبلورة استراتيجية ناجحة لمواجهة إسرائيل، وتري مصر أن استمرار الصراع يعمق الانفصال الجغرافي بين القطاع والضفة، ويدخل فلسطين في صراع المحاور المتنافسة في المنطقة، وبالتالي تري مصر أن الأولوية يجب أن تكون إعادة الوحدة داخل فلسطين.

                حيث أنه في مطلع 2006 تم تنظيم ثاني انتخابات تشريعية فلسطينية، وهي أول انتخابات تشارك فيها حماس التي حققت مفاجأةبحصد أغلبية المقاعد في المجلس التشريعي، ونشب خلاف بين الحكومة الفلسطينية برام الله وحركة حماس مما دعا لانقسام داخلي بعد التدخل العسكري بين الأجهزة الأمنية بقطاع غزة.

2-إشكالية علاقة حماس مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية

                لا شك أن تجربة صعود وسقوط جماعة الإخوان المسلمين قد أدي لتداعيات سلبية علي تعامل مصر مع حركة حماس. حيث كان هناك اتهامات مختلفة وجهت للحركة بالعمل علي الأراضي المصرية وتهريب أسلحة واقتحام السجون وغيرها، ومن ثم ترتب علي ذلك صدور قرار من محكمة الأمور المستعجلة المصرية بحظر حركة حماس وأنشطتها علي الأراضي المصرية وذلك في مارس 2014.

وفي الوقت الذي تجاهل فيه النظام المصري حماس كفصيل فلسطيني حاز علي الأغلبية في انتخابات عامة، فإنه تعامل (النظام المصري)  مع السلطة الفلسطينية بوصفها العنوان الرئيسي للقضية الفلسطينية، وذلك تماشياً مع موقف السلطة الفلسطينية وحركة فتح من النظام السياسي الحاكم والتطورات السياسية في مصر، وكذلك تماشياً مع متطلبات المحاور الاقليمية والدولية التي ترفض التعاطي مع حركة حماس.(١٤).

3-الحراك الشعبي المصري:

                إن الحراك الشعبي المصري الذي بدأت احداثه يوم 25 يناير 2011 من أهم المحددات السياسية الداخلية للعلاقات المصرية الفلسطينية، وكان ذلك الحراك تعبيراً عن اصرار المصريين علي استرداد كرامتهم الانسانية، ونيل حرياتهم الإنسانية، وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية، ولم يكن الحراك في الإساس موجهاً للتخلص من النظام الحاكم بواسطة حركات حزبية معرضة، انما هو حركة شعبية قامت بها مدن وقري مصر كلها، قادها جيل من شباب مصر المثقف، وقد أخرج ذلك الحراك مصر من حالة الانسداد في الأفق السياسي، وفتحت أبواب المشاركة السياسية أمام ملايين المصريين، وذلك لتدخل مصر مرحلة من التحول الديمقراطي القائم علي المشاركة، والمنافسة الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات الحرة النزيهة، وبالتالي فأن ذلك التطور في الحياة السياسية في مصر والذي نتج عن الحراك الشعبي المصري في يناير 2011 كان من أهم المحددات للعلاقات المصرية الفلسطينية بداية من فترة الدراسة عام 2011. (١٥).

ثانياً: المحددات الخارجية:-

1-القضية الفلسطينية:

                قضية فلسطين قضية عربية مصيرية، وهي جوهر الصراع مع العدو الصهيوني. وإن أبناء الأمة العربية وأقطارهاجميعاً معنيون بها وملزمون بالنضال من أجلها، وتقديم كل التضحيات المادية والمعنوية في سبيلها. وإن الضال من أجل استعادة الحقوق العربية في فلسطين والأراضي العربية المحتلة مسؤولية قومية عامة، وعلي جميع العرب المشاركة فيها، بما يملك من قدرات عسكرية واقتصادية وسياسية وغيرها. وأن الصراع مع العدو الصهيوني يتعدى إطار الصراع ضده من الأقطار التي احتلت أراضيها في 1967 إلي الأمة العربية كلها بما تشكله الصهيونية وكيانها إلي الأراضي المحتلة من خطر عسكري وسياسي واقتصادي وحضاري علي الأمة العربية كلها، وعلي مصالحها القومية الجوهرية، وعلي حضارتها ومصيرها، الأمر الذي يحمل كل أقطار الأمة العربية بصفة عامة ومصر خصوصاً مسؤولية المشاركة في الصراع بكلما تملكه من إمكانات. )١٦).

2-الولايات المتحدة الأمريكية:تعد إسرائيل حجز الزاوية فيالسياسية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك فأن علاقاتهم تتسم بطبيعة استراتيجية قوية ذلت خلفيات ثقافية وتاريخية، وذات أبعاد عسكرية وأمنية واقتصادية، وبناء علي ذلك فإن المحافظة على أمن إسرائيل وتفوقها العسكري، وتوفير الغطاء والحماية لاحتلالها لفلسطين، وممارساتها العدوانية اتجاه الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، يبقي معياراً رئيسياً من معايير السياسة الأمريكية. ويترتب علي ذلك أنه لا يمكن النظر للولايات المتحدة الأمريكية كوسيط نزيه محايد في عملية التسوية السلمية، ومن ناحية أخري فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تدير شبكة مصالحها في المنطقة العربية بما في ذلك إمدادات النفط، وتحاول عدم إخراج حلفائها العرب وأنظمتهم السياسية "المعتدلة" المتوافقة مع السياسة الأمريكية في المنطقة. ولأن القضية الفلسطينية تبقي عنصر التفجير الأكبر في المنطقة، فإن السياسة الأمريكية تسعي لإنهاء الملف الفلسطيني من خلال تحقيق أكبر قدر من التنازلات الفلسطينية العربية، والوصول إلي تسوية سلمية لا تتجاوز الخطوط الحمراء الإسرائيلية.)١٧).

                أما بالنسبة للعلاقات المصرية الأمريكية فقد شهدت تغيرات مهمة بعد ثورتي 25يناير و30 يونيو، نقلتها من النمط التقليدي الذي كانت فيه الولايات المتحدة الأمريكية المتغير المستقل، ومصر هي المتغير التابع، إلي نمط جديد من العلاقات، وذلك نتيجة لاستقلالية السياسة الخارجية المصرية وتعدد دوائرها، حيث لم تعد مقصورة فقط علي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، بل شملت أيضاً الدول الكبرى الأخرى في النظام الدولي كروسيا والصين، ولذلك فإن السياسة الأمريكية حاولت جاهدة تحقيق التوازن بين اعتبارات المصالح الاستراتيجية مع مصر، وهي الحفاظ علي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والمرور العسكري في قناة السويس، وحشد دعم مصر في الحرب علي الإرهاب، وبين اعتبارات مثالية وهي الاعتبارات المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي اعتادت الولايات المتحدة الأمريكية علي توظيفها كورقة للضغط علي النظام المصري لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، كما كان إبان عهد الرئيس محمد حسني مبارك.

3-الاحتلال الإسرائيلي:

                الاتفاقية التي عقدتها الحكومة المصرية مع العدو الصهيوني تنص علي إقامة علاقات دبلوماسية وثقافية وسياسية وغيرهامن العلاقات مع العدو الصهيوني، وذلك مما يخلق ظروفاً جديدة بالغة الخطورة في القطر العربي المصري تتنافي مع مبادئ القومية العربيةوتقاليدها وأسس المقاطعة العربية للعدو الصهيوني وتخلق احتمالية خطيرة لتسلل العدو الصهيوني بشتي الوسائل الأمنية والاقتصادية والثقافية وغيرها إلي الوطن العربي من خلال مصر.

                حيث أن اتفاقية كامب ديفيد وما يترتب عليها من التزامات مصرية اتجاه "إسرائيل" تفرض عليها عدم تغيب إسرائيل عن أي تفاهمات أو إجراءات قد تسهم في فك الحصار أو تخفيفه، والعكس صحيح، حيث وافقت إسرائيل علي زيادة القوات المصرية في سيناء وسمحت بوصول الدبابات المصرية إلي أقرب نقطة من الحدود مع قطاع غزة، وكذلك سمحت للطائرات المصرية العسكرية للتحليق فوق غزة.

                ليس بمقدور إسرائيل أن تتجاهل أن ظهور القوي الشعبية في المشهد السياسي العربيوالمصري قد يقضي إلي تبني سياسات متشددة اتجاه إسرائيل والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ومتعاطفة مع الحق الفلسطيني والقضية الفلسطينية، كما أنه ليس بمقدورها أن تتجاهل دخول الشعب والرأي العام العربي والمصري علي خط صنع السياسة الخارجية وإعادة هيكلتها ضد إسرائيل ولصالح الشعب الفلسطيني، ولا يعني ذلك أن الرأي العام يصنع السياسة الخارجية بل يعني أن السياسة الخارجية لمصر وغيرها من دول الثورات العربية لا يمكنها من الآن تجاهل مواقف واتجاهات الرأي العام لدي صنع السياسة الخارجية، ولا شك أنه من شأن دخول الشعوب والمجتمعات والرأي العام حقل السياسة أنيقضي إلي تبني سياسات ذات قبول شعبي وإلا انتهي الأمر برفضها.

المبحث الثاني: أهداف وأدوات صنع السياسة الخارجية المصرية تجاه القضية الفلسطينية:

مقدمة:

                تتمتع مصر بالتوازن في مكانتها وأنها تقوم بالدور القيادي في المنطقة العربية عموماً واتجاه القضية الفلسطينية بوجه خاص وذلكمن خلال مجموعة من الأدوات والتي تتمثل في الأداة الدبلوماسية والأداة العسكرية والأداة الاقتصادية والأداة الإعلامية وغيرها، وذلك من أجل تحقيق أهدافها المتعددة والتي تتمثل في تدعيم مكانة مصر والحفاظ علي مصلحتها الوطنية وكذلك الدفاع عن الشعوب العربية بوجه عام وخصوصاً الشعب الفلسطيني وحقه في الاستقلال وسوف نتناول في ذلك المبحث توضيح لتلك الأهداف والأدوات للسياسة الخارجية المصرية تجاه القضية الفلسطينية.

أولاً: الأهداف العامة للسياسة الخارجية المصرية العربية تتمثل في عدة أهداف وهي:-

1-تدعيم مكانة مصر كدولة متميزة في العالم العربي وذلك إلي أن تسترد مكانتها كاملة كدولة قائدة في العالم العربي.

2-دفع جهود تحقيق الاستقرار الإقليمي وتوفير مناخ ملائم لجهود التنمية في المنطقة.

3-زيادة معدلات التعاون ومستويات التنسيق بين الدول العربية عربياً ودولياً.

4-مواصلة السعي لتحقيق درجات متقدمة من التعاون والتكامل الاقتصادي العربي.

ثانياً: أهداف السياسة الخارجية المصرية اتجاه القضية الفلسطينية:

                كان الهدف الأساسي للسياسة الخارجية المصرية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر هو تحقيق الوحدة العربية، حيث أمن الرئيس جمال عبد الناصر أن مصر جزء من الأمة العربية، وربط بيم مصالح مصر ومصالح الأمة العربية، وأكد أن مصر دولة عربية ودورها هو السعي نحو تحقيق الوحدة العربية، لذلك عليها أن تلعب دوراً مهماً في الوطن العربي وكذلك التصدي للخطط الاستعمارية التي تسعي إلي إخراج مصر من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، وأبعادها عن القضية الفلسطينية وعن القيادة القومية للأمة العربية، وحصر نشاطها داخل حدود مصر القطرية، وهذا ما رفضه عبد الناصر.

                ويترتب علي ذلك أن اهتمام جمال عبد الناصر بالوطن العربي لم يكن للتحرر من الاستعمار فقط، وإنما أيضاً لتحقيق الوحدة العربية، وتحقيق الاستقلال لمصر والأمة العربية، وكان يري عبد الناصر أن الخطر الحقيقي الذي يحدق بالأمةالعربية هو الخطر الإسرائيلي وليس الخطر الشيوعي، ومن هنا لابد من إيجاد كيان عربي يضم الدول العربية وتكون له السيطرة الكاملة علي السياسة الداخلية والخارجية في المنطقة العربية.

                في حين كان الهدف الأساسي للسياسة الخارجية المصرية في عهد السادات يتمثل في خيار التسوية الذي اتبعه السادات من أجل حل القضية الفلسطينية، فقد وافق السادات في الثالث عشر من ديسمبر عام 1973 علي طلب كيسنجر أثناء الاجتماع بالقاهرة بعدم دعوة الفلسطينيين في مؤتمر السلام.)١٨).

                كذلك تعهد السادات بعد اتفاقية فك الاشتباك الثانية عام 1975 بمنع الفلسطينيين من استخدام الأراضي المصرية، من أجل القيام بأعمال معادية لإسرائيل.

                كما دعا السادات في خطاب له أمام المجلس الوطني الفلسطيني في الثاني عشر من مارس عام 1977م منظمة التحرير الفلسطينية إلي ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة للوصول إلي الدولة الفلسطينية، كما أكد علي دور التسوية السلمية في حل الصراع والتوصل إلي دولة فلسطينية، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي كان يعيشها الفلسطينيين في الضفة الغربية.

                بينما كانت أهداف السياسة الخارجية المصرية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك متمثلة في أهداف داخلية ومحلية وأهداف إقليمية وأهداف دولية، أولاً علي المستوي الداخلي أكد الرئيس محمدحسني مبارك علي تعميق الممارسة الديموقراطية، وتأكيد الوحدة الوطنية، واستكمال مسيرة السلام وتدعيمها، والحفاظ علي العهود والمواثيق الدولية، والمضي في سبيل التنمية بمعناها الشامل من اجتماعية واقتصادية وذلك لتحقيق الرخاء والخير للوطن والمواطن.

                ثانياً علي المستوي الإقليمي فإن أهداف دور مصر العربي يتحدد في الإسهام بفعالية في حماية الأمن القومي للأمة العربية، والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية الحيوية، وزيادة التعاون والترابط بين شعوبها، كما أن هذا الدور تحدده اعتبارات عملية، وإدراك واع لحركة التاريخ، ورؤية محددة للأهداف القومية، ورصيد حضاري ونضالي هائل، وعناصر قوة سياسية واقتصادية وثقافية وقدرة علي مواجهة التحديات.

                ثالثاً علي المستوي الدولي فقد واصل الرئيس مبارك تأكيده علي الرؤية المشتركة لتحقيق الأهداف وذلك من خلال: توسيع علاقات مصر مع العالم الخارجي، تعزيز دور المنظمات الدولية والإقليمية والدولية للاستفادة منها لدعم التوجهات الوطنية، بالإضافة إلى استعادة دورمصرالرائد في العالم العربي، ومن ثم صنع السلام العالمي والإقليمي، ودعم الحوار بين الأمم والحضارات والديانات والثقافات.

                إن الخبرة التاريخية تؤكد لنا أن قيام مصر بدورها الإقليمي خاصة في نطاق دائرته العربية المركزية من أجل تحقيق أهدافها كان دائماً ما ينعكس علي مصالح القوي الدولية الرئيسية، ويؤدي إلي صدام غير متكافئ بين مصر وهذه القوي عبر مراحل تاريخية متصلة، ومن ثم فقد أصبحت الإشكالية التي تواجه مصر في قيامها بدورها الإقليمي من أجل تحقيق أهدافها متمثلة تلك الإشكالية في "كيفية وصول مصر حقيقة إلي علاقة تتيح لها القيام بهذا الدور وتوجيهه دون أن تستفز القوي المهيمنة عالمياً إلي حد المواجهة المباشرة والصدام المسلح مع مصر".

ثالثاً: أدوات صنع السياسة الخارجية المصرية اتجاه القضية الفلسطينية:

(الأداة العسكرية، الأداة الاقتصادية، الأداة الدبلوماسية)

1-الأداة العسكرية:

                شكلت الأداة العسكرية دوراً مهماً في السياسة الخارجية المصرية، فقد رفضت الوجود الإسرائيلي في فلسطين منذ نشأتها، وشاركت في حرب عام 1967، وفي عهد عبدالناصر تطور دورها (الأداة العسكرية) وأصبحت مسؤولة عن حماية الأمة العربية والتصدي لإسرائيل، وتح8قيق الوحدة العربية، بينما شكلت حرب 1967 ضربة قاسية للأداة العسكرية المصرية،واقتصرت مسؤوليتها علي إزالة (الاحتلال الإسرائيلي) للأراضي المحتلة عام 1967، أما في عهد السادات فقد اقتصر دور الأداة العسكرية في حرب أكتوبر، ومن ثم فتح المجال أمام التسوية السياسية.

                وفي عهد الرئيس محمد حسني مبارك تميزت العلاقات بين السلطة التنفيذية والمؤسسة العسكرية بالانسجام التام، حيث تولي العديد من أفراد المؤسسة العسكرية مناصب مهمة ومميزة، كما تسلم مهمة بعض الملفات جهات أمنية، وتسلم ملف المصالحة الفلسطينية جهاز المخابرات العامة برئاسة اللواء عمر سليمان.

2-الأداة الاقتصادية:

                رفضت مصر ربط اقتصادها بفلك السياسة الاستعمارية، والرضوخ للمطالب الاستعمارية بتخلي مصر عن القضية الفلسطينية، حيث ربطت الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات الاقتصادية لمصر في بناء السد العالي بموقف مصر السياسي منالقضية الفلسطينية، واشترطت أمريكا موافقة تمويلها لمشروع السد بالإشراف علي الاقتصاد المصري، وتركيز جميع الموارد باتجاه بناء السد، ووقف بناء القدرات العسكرية المصرية، وعزل مصر عن الوطن العربي فرفض عبد الناصر ذلك.

                فقد رفضت مصر في عهد عبد الناصر التخلي عن القضية الفلسطينية مقابل المساعدات الخارجية، فخسرت التمويل الأمريكي والغربي لبناء السد العالي، نتيجة الشروط الأمريكية لعقد اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل، ومن ثم استمرت الأداة الاقتصادية المصرية في عهد عبد الناصر في سياستها القومية تجاه الوطن العربي، رافضة التخلي عن مصالح الوطن العربي يوجه عام وخصوصاً فلسطين.

                بينما في عهد السادات أصبحت مصر تحتل المرتبة الثانية في برنامج المعونات الخارجية بعد إسرائيل، وذلك لتشجيعها علي مواصلة عملية السلام، حيث أصبحت السياسة الاقتصادية المصرية تعتمد علي الولايات المتحدة الأمريكية.

                أما بالنسبة للرئيس محمد حسني مبارك فقد كان يشجع العمل التجاري والاقتصادي، وكان لحرب الخليج الثانية 1991 دور مهم، وذلك بعد وقوف مصر إلي جانب التحالف الدولي، إذ استفادت مصر بشكل كبير من دعم مالي من دول الخليج ودول التحالف، مما ساعدها علي التخلص علي جزء كبير من ديونها الخارجية والتي قدرت ب23,7 مليار دولار.

٣-الأداة الدبلوماسية:

                حاولت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الوصول إلي إقرار من عبد الناصر حول مستقبل العلاقة بين مصر و(إسرائيل) فكان رد عبد الناصر بأن القضية الفلسطينية ليست مسؤولية مصر وحدها، بل مسؤولية الأمة العربية كلها.

                فقد أعلن عبد الناصر رسمياً في عام 1968م اعترافه بحركة فتح ودعمها لمواجهة إسرائيل، كما حاول عبدالناصر تقوية نفوذ فلسطين السياسي وعلاقتها الدولية، وذلك من خلال إقناع الاتحاد السوفيتي بإقامة علاقات معها وتسليحها، كما سعي عبد الناصر آلي إيجاد علاقات ودية بين منظمة التحرير والأردن، وذلك لتجنب وقوع خلافات بين الطرفين، وفي نوفمبر 1968م ، أكد عبد الناصر وقوفه بجانب الفلسطينيين.

                وقد بدأ السادات حكمه بتقديم تنازلات لصالح إسرائيل، حيث اعترفت مصر في عهده بإسرائيل رسمياً وبشكل قانوني، وأقامت معها علاقات دبلوماسية، وذلك كما ورد في المادة الثالثة، الفقرة الثالثة من اتفاقية السلام بين الطرفين.

                أما بالنسبة للرئيس محمد حسني مبارك فقد عمل علي تحسين العلاقات الخارجية معالدول العربية، وذلك بعد توتر حدث بسبب توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد، وكانت الدبلوماسية المصرية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك متوازنة بشكل محكم، حيث وازنت الدبلوماسية المصرية في عهده بين استمرار احترامها لمعاهدة السلام مع إسرائيل وبين رفضها للمفهوم الإسرائيلي للحقوق الفلسطينية، وإدانتها الحازمة للسلوك الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.

تعقيب:

                من خلال ما تم مناقشته في هذا الفصل، يمكن أن نستنتج مجموعة من النتائج أهمها:

1/ هناك ثوابت مستقرة في السياسة الخارجية المصرية لا تتغير، يفرضها التاريخ والجغرافيا والهوية، وتحقيق الاستقلال الوطني المصري، بالإضافة لوجود بعض القضايا ذات الثبات في أجندة قضايا السياسة الخارجية المصرية مثل القضية الفلسطينية.

2/ إن عملية صنع السياسة الخارجية المصرية بحاجة للتطوير والتفعيل، بل إنها بحاجة للإنشاء والتأسيس وفقاً لرؤية واضحة محددة وخاصة بعد غياب دور السياسة الخارجية اتجاه القضية الفلسطينية وتغيرها حسب المراحل الانتقالية للحكم بمصر.

3/ مصر تشكل حاضنة سياسية واستراتيجية وعمقاً اجتماعيا وعضوياً يربط بين الشعبين المصري والفلسطيني، وهي علاقة لا تحددها الفترة التاريخية الحالية، بل هي عمق وامتداد تاريخي يمتد لآلاف السنين ودائما ارتبطت الأوضاع السياسية في فلسطين ضعفاً أو قوة بالوضع السياسي في مصر.

الفصل الثالث

أثر حراك 25 يناير 2011 علي العلاقات المصرية الفلسطينية

تمهيد

                بعد أن شهدت جمهورية مصر العربية حراك 25 يناير 2011، هذا الحراك الذي أدي إلي إسقاط نظام الحكم في مصر وما تلي هذا الأمر من انتقال السلطة إلي المجلس العسكري الذي قاد البلاد،وفي تلك الفترةاستطاعت العلاقات المصرية الفلسطينية أن تأخذ منحني جديداً ورغم التطورات التي شهدتها العلاقات المصرية الفلسطينية فقد بقيت هذه العلاقات التاريخية بين البلدين محافظة علي طابعها بعلاقات متميزة باعتبار مصر عامل مساعد وداعم للقضية الفلسطينية، وخاصة أن مصر قبل قيام حراك 25 يناير 2011 كانت تستضيف حوارات المصالحة الوطنية الفلسطينية من خلال الفصائل والحركات الفلسطينية التي قطعت جولات طويلة من الحوار برعاية مصرية، وقد سبق ذلك احتضان مصر لمؤتمر شرم الشيخ من أجل إعمار ما دمره الاحتلال في الحرب التي شنها علي قطاع غزة 2008-2009، هذا الأمر الذي رسخ العلاقات المصرية الفلسطينية.

                سوف نستعرض في ذلك الفصلأثر حراك يناير 2011 علي العلاقات المصرية الفلسطينية، وذلك من خلال مبحثين، يتناول المبحث الأول أبعاد وتداعيات الثورة المصرية (25 يناير 2011) علي القضية الفلسطينية، بينما يتناول المبحث الثاني تطورات القضية الفلسطينية في عهد المجلس العسكري.

المبحث الأول: انعكاسات الثورة المصرية (25 يناير 2011) علي القضية الفلسطينية

مقدمة:

                من المؤكد أن القضية الفلسطينية ستكون أول المتأثرين بالثورة المصرية (25 يناير 2011)، وبالسياسة الخارجية لمصر، والتي يتوقع أن تشهد تغييراً حقيقياً بعد الثورة، ولكن بشكل متدرج وبطئ نسبياً. وانطلاقاً من هذا التصور، فإنه يمكننا حصر تداعيات وأبعاد الثورة المصرية علي القضية الفلسطينية في عدد من الملفات والتي كان لمصر دوراً بارزاً فيها، وذلك علي النحو التالي:

1-انعكاسات الثورة المصرية علي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد):

                بعد انهيار نظام مبارك، حدثت تغيرات في السياسة الخارجية المصرية وتبع ذلك تغيرات في الوقائع السياسية والعسكرية علي أرض الواقع، ومن ثم انعكست علي القضية الفلسطينية، وقد لاحظنا ملامح ذلك التغير من خلال تصريح نبيل العربي:" نحن وقعنا المعاهدة مع إسرائيل ويجب الالتزام بها ولكن لابد من الحسم في بعض القضايا التي لم تلتزم بها إسرائيل والتي وردت في المعاهدة مثل البند الذي يقول: لابد من أن تلتزم إسرائيل بالسلام مع الدول الراغبة فيه، وذلك لم يحدث مع فلسطين التي وافقت علي السلام مع الجانب الإسرائيلي، ومن ثم مطلوب إنهاء النزاع بين فلسطين وإسرائيل وليس إدارة النزاع، وتركيز الجهود وفي أقرب فرصة لتسوية النزاع وذلك لصالح فلسطين وإسرائيل والعالم كله، ونحن لن نكون كنزاً استراتيجيا لإسرائيلكما كانوا يقولون علي عهد مبارك نحن سنلتزم فقط بالمعاهدات".

                وانطلاقاً من هذه التصريحات يتضح أن اتفاقية السلام المبرمة بين إسرائيل ومصر لن تبقي علي الشاكلة التي كانت عليها في السابق، إضافة إلي أن مصيرها لن ينتهي بسرعة مطلقة، لكنها ستشهد تلك الاتفاقية تغيراً ملحوظاً في الأيام المقبلة.

٢-انعكاسات الثورة المصرية علي المقاومة الفلسطينية:

                إن التغيرات التي شهدتها مصر في أيام الثورة أثرت إيجابياً علي المقاومة الفلسطينية، خاصة بعد صعود المعارضة الإسلامية، وهي قوي معروفة بدعمها للمقاومة الفلسطينية، ورفضها للمفاوضات وفق الصيغة التي كانت تتم عليها من قبل، حيث كانت هذه القوي المعارضة ترفض اتفاقية "كامبديفيد"، وكانت تدعم "ملف المقاومة" بشكل كبير، وكانت تهدف هذه القوي المعارضة التي خرجت في ثورة يناير 2011م إلي إخراج مصر من محور الاعتدال العربي إلي محور جديد قد يغير التوازنات في المنطقة لصالح المقاومة، والقضية الفلسطينية بشكل عام.

3-انعكاسات الثورة المصرية علي الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية:

                لقد أثرت الثورة المصرية يناير 2011م سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة علي الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية، باعتبار أن تغير الأوضاع في مصر هو الذي سيؤدي بالسلطة الفلسطينية إلي رفع سقفها التفاوضي مع الجانب الإسرائيلي، وطرح القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، بالإضافة إلي أنه في تلك الفترة (يناير 2011) ظهرت مؤشرات تؤحى بأن التغير في السياسة الخارجية  المصرية اتجاه القضية الفلسطينية سيشجع السلطة الفلسطينية علي تحديها وعدم انصياعها للضغوطات الموجهة ضدها من طرف القوي المعادية للفلسطينيين.

                وفي نفس السياق يمكن القول أن الثورة المصرية(يناير2011) حررت السلطتين "فتح وحماس" من الاشتراطات المصرية السابقة المتعلقة بعقد المصالحة بينهما، كما حررت الثورة أيضاً الحركاتوالفصائل الفلسطينية من علاقات الارتهان والاملاءات لبعض الأنظمة العربية والأجنبية، مما دفع ذلك وشجع الشعب الفلسطيني علي التحول من خيار التسوية في دولة علي جزء من فلسطين (الضفة والقطاع) نحو خيارات أخري بديلة من قبيل استعادة مشروع "الدولة الفلسطينية الموحدة وعاصمتها القدس الشريف" التي تتعايش فيها كل الديانات والقوميات في سلم وسلام.

                وقد قدمت الثورة المصرية (25 يناير 2011)بعض العبر والدروس للفلسطينيين والتي تتمثل في النقاط التالية:

1/ العمل علي تعزيز مفهوم النضال الشعبي من أجل التحرر والتغيير كسنوات الانتفاضة الأولي، 1987-1993.

2/ ضرورة تعزيز أسس النضال الوطني وترسيخ واقع التعددية والحياة الديمقراطية والعمل لإنهاء واقع الانقسام والتفرقة والتوقف عن استمرار الارتهان لعملية التسوية مع إسرائيل.

3/ الثورة المصرية يمكن أن تتيح للفلسطينيين التحول نحو خيار الدولة الواحدة " ثنائية القومية"  أو دولة يعيش فيها كل المواطنين فلسطينيين وإسرائيليينجنباً إلي جنب، خاصة وأن الثورات العربية أثبتت أنه ليس هناك ثمة مستحيل لتعايش القوميات والديانات المختلفة مع بعضها البعض داخل دولة واحدة.

4/ إن استعادة مصر لدورها الإقليمي والقومي في المنطقة سيمنع من تشجيع الانقسام والتفكك علي الساحة الفلسطينية ورفع الحصار عن قطاع غزة.

                ومن ثم نستنتج مما سبق أن الدولة المصرية رغم كل التحديات الداخلية التي مرت بها لم تتوقف مصر عن دعمها للقضية الفلسطينية، بل أن تعاطيها مع القضية الفلسطينية لن يكون كالسابق، ولن تخدم أهداف إسرائيل الاستراتيجية، بل قد تتحول للضغط عليها وتقزيم تحركاتها في المنطقة، الشيء الذي سيدفع بالبيت الفلسطيني إلي الترميم وتحقيق المصالحة، ورسم استراتيجية للمقاومة وتحرير الأرض، وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف.

المبحث الثاني: تطورات القضية الفلسطينية في عهد المجلس العسكري.

مقدمة:

                القضية الفلسطينية من أهم القضايا بالنسبة لمصر، نظراً لأهميتها للأمن القومي المصري، وتمكينها لمصر من ممارسة دورها الإقليمي، ومن ثم حاولت مصر أن تستعيد دورها الإقليمي من خلال القضية الفلسطينية، ولذلك تغيرت سياسة مصر تجاه القضية الفلسطينية بعد الثورة في عهد المجلس العسكري، حيث لعبت مصر في فترة المجلس العسكري دور كبير في القضية الفلسطينية رغم عدم الاستقرار السياسي في مصر، وسنتناول تطورات القضية الفلسطينية في فترة المجلس العسكري في مصر علي النحو التالي:

1/ المصالحة الفلسطينية:

                شكل الحياد المصري في مرحلة ما بعد سقوط نظام مبارك أحد أهم الأسباب الدافعة لإنضاج ملف المصالحة والتهيئة الواضحةللتوقيع علي الورقة المصرية، وبدأ الدور المصري الراعي لمسيرة المصالحة يستعيد مكانته، ويعيد إنتاج دوره تجاه القضية الفلسطينية وما تفرضه من أولوية تطبيق المصالحة بين الفلسطينيين.

                ففي 7/3/2011، قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتحويل ملف المصالحة من جهاز المخابرات المصرية إلي وزارة الخارجي، وأجري المجلس العسكري اتصالات مع نبيل العربي وزير الخارجية، وذلك لبحث سبل استئناف الجهودالمصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية، مع إمكانية إدخال تعديلات علي الورقة المصرية التي طالبت بها حماس، لا سيما وأن هناك ارتياحاً لسلوك الحركة (حماس)، فيما يتعلق بتأمين حدود قطاع غزة مع مصر وذلك خلال مرحلة الانفلات الأمني التي شهدتها مصر.

                وهكذا أشرف المصريون علي لقاءات متتابعة جادة بين حماس وفتح في نهاية مارس ، وإبريل 2011. وبالرغم من محاولة تركيا المشاركة في الوساطة بين فتح وحماس، إلا أن ملف المصالحة بقي في دائرة المعالجة المصرية الحصرية بقيادة المجلس العسكري، وتمت لحظة الإعلان المفاجئ عن توقيع اتفاق المصالحة بالأحرف الأولي بين الحركتين (فتح وحماس) في القاهرة في 27/4/2011م، ثم التوقيع الرسمي لذلك الاتفاق في 3/5/2011م، وتجدر الإشارة أن تطبيق أتفاق المصالحة عاني من التعثر، وقد تجلي ذلك في بروز العوائق التالية: الاعتقال السياسي، ملف الحكومة، البرنامج السياسي.

2/ اتفاق تبادل الأسري (شاليط):

                لقد استطاعت مصر في فترة المجلس العسكري لعب دور الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس وذلك من خلال علاقاتها الجيدة مع الطرفين، وقد تمكنت مصر من اتمام اتفاق تبادل الأسري في أكتوبر 2011م والذي تم فيه الإفراج عن 477 سجين فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي شاليط، حيث قامت مصر باستقبال شاليط والأسري الفلسطينيين وتسليم كل منهم إلي بلاده، ومن ثم يتضح أنه رغم انشغال مصر بالأحداث الداخلية بعد الثورة إلا أنها حاولت في فترة المجلس العسكري استعادة دورها الإقليمي واستعادة دور الوساطة من خلال التنسيق بين الطرفين، كما يتضح أن مصر قامت بذلك الدور لتعزيز موقف القيادة المصرية داخلياً من حيث تهدئة الشعب المصري الذي يضغط علي الإدارة المصرية لتعديل اتفاقية كامب ديفيد، وخارجياً فذلك الاتفاق ساعد علي تجاوز الأزمة في العلاقة مع إسرائيل، وتحقيق حرية أكبر في التعامل مع معبر رفح، وكذلك تزامن ذلك الاتفاق مع اعتذار إسرائيل لمصر عن قتل خمسة جنود مصريين علي الحدود وكذلك موافقة إسرائيل علي انتشار كتيبةمصرية في المنطقة في (سيناء).

3/ أحداث غزة:

                لقد قامت مصر في فترة المجلس العسكري بفتح معبر رفح لفك الحصار علي قطاع غزة، وأدانت مصر في تلك الفترة استمرار الاحتلال الإسرائيلي في بناء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية، وعندما قامت عملية فدائية في القدس وراح ضحيتها ثلاثون مصاب إسرائيلي، هددت إسرائيل بالتصعيد على قطاع غزة وقامت مصر بتصريح من وزير خارجيتها السابق نبيل العربي بتحذير إسرائيلمن وقوع هجوم إسرائيلي علي قطاع غزة، مما يدل علي تغير الموقف المصري في فترة المجلس العسكري من القضية الفلسطينية حيث أصبح دعماً للمقاومة الفلسطينية، وذلك لأول مرة تصرح مصر برد فعل قوي مثل هذا مع إسرائيل.

                وعندما قامت إسرائيل بالاعتداء علي قطاع غزة في أغسطس 2011م كرد فعل لعملية إيلات التي قام بها جماعات من غزة والتي أودت بحياة 8 إسرائيليين وجرح العشرات، فجاء الرد الإسرائيلي بالقصف علي قطاع غزة واستمرت إسرائيل في ذلك إلي أن تدخلت مصر لوقف ذلك، ونجحت مصر في تحذير إسرائيل من استمرار الغارات الجوية التي قد تؤدي إلي تدهور خطير في الأوضاع في الشرق الأوسط مما يؤثر علي مسار السلام، وكذلك رفضت مصر العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة سواء بالاجتياح البري أو الغارات الجوية وذلك نظراً لتأثير القطاع علي الأمن القومي المصري، ولأن اختراق القطاع (غزة) يمثل اختراق لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ولذلك أوقفت إسرائيل العدوان، ومن ثم يتضح أن العلاقات بين مصر وإسرائيل تتأثر بالقضية الفلسطينية، حيث أنه إذا قامت إسرائيل باحتلال قطاع غزة فأنها بذلك تخترق اتفاقية السلام بين البلدين.

تعقيب:

                من خلال ما تم مناقشته في هذا الفصل، يمكن أن نتوصلإلي مجموعة من النتائج أهمها:

1/ أن الحراك الشعبي في 25 يناير 2011 شكل نقطة تحول استراتيجية  أعطي حالة إسناد للقضية الفلسطينية وتحسن في العلاقات المصرية الفلسطينية.

2/ ومما سبق يتضح أن مصر لعبت دوراً كبيراً في القضية الفلسطينية في فترة المجلس العسكري رغم انشغالها بالأمور الداخلية، حيث كانت تريد مصر تعزيز موقفها داخلياً في وقت ازدادت المطالب فيه بالعمل على استعادة دور مصر الإقليمي، ومن ثم قامت مصر في فترة المجلس العسكري بجهود الوساطة لتوقيع وثيقة المصالحة الفلسطينية، ثم اتفاق تبادل الأسري، بالإضافة إلي رفضها حصار قطاع غزة وفتح معبر رفح، وقد نجحت مصر في وقف العدوان الإسرائيلي وعملية التصعيد علي غزة في عام 2011م، وذلك من خلال علاقاتها مع إسرائيل، وذلك لان اجتياح قطاع غزة هو خطر على الأمن القومي المصري ومن ثم يمس اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، ولذلك فأن القضية الفلسطينية تتأثر بالعلاقات بين مصر وإسرائيل.

الفصل الرابع

العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد كلاً من "الإخوان المسلمين"، والرئيس عبد الفتاح السيسي").

تمهيد:

لقد لعبت مصر دوراً هاماً في القضية الفلسطينية، كما أثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية، وهو ما جعل العلاقات بين البلدين تحظي بأهمية بالغة لكلاً من البلدين، وكذلك التوتر في هذه العلاقات سوف يلحق الضرر لكلا البلدين، وبمصالحهما، واستقرارهما.

لقد مثلت القضية الفلسطينية مصدر إلهام كبير لكل القيادات العربية بصفة عامة وذلك لأنها كانت قضية العرب الأولي، وكذلككانت مصدر إلهام كبير للقيادات المصرية بصفة خاصة، وذلك لأن فلسطين هي البوابة الشرقية لأمن واستقرار مصر، ودرعها الاستراتيجي علي امتداد مراحل التاريخ، فهي (فلسطين) مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما يحدث في مصر، فمصر هي السد القوي لفلسطين شعباً وقضية، بحكم الدين والعروبة، والمصير المشترك.

ومن ثم نستعرض في ذلك الفصل العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد كلاً من الإخوان المسلمين والرئيس عبد الفتاح السيسي، ونتناول في المبحث الأول العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد الإخوان المسلمين، ونتناول في المبحث الثاني العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

المبحث الأول: طبيعة العلاقات المصرية الفلسطينية في فترة حكم الإخوان

مقدمة: 

أولاً: سياسة الإخوان المسلمين تجاه القضية الفلسطينية وأثرها علي العلاقات المصرية الفلسطينية:

                شكل فوز الإخوان المسلمين بمقعد الرئاسة نقطة تحول فارقة في العلاقة بين حركة حماس وحكومتها في غزة ومصر، فبعد أن كانت قناة الاتصال الوحيدة بين حماس ومصر تنحصر في جهاز المخابرات العامة، الذي كان يرأسه نائب الرئيس المصري السابق عمر سليمان، فإن قنوات الاتصال حالياً باتت تديرها المستويات السياسية العليا في الجانبين.

                من الأسباب التي كانت لدي حماس تجعلها تتطلع إلي الفرصة التي يوفرها لها فوز محمد مرسي لإنجاح تجربة الحكم في غزة، من خلال الإجراءات التي من المتوقع أن يقدم عليها لصالح الفلسطينيين (كتحسين العمل علي معبر رفح وتخفيف مشكلة الوقود والكهرباء)  فإن هذا لا يعني أن مصر ممثلة في القيادة المصرية الجديدة "الإخوان المسلمين" ستكون مطلقة اليدين، بل يصعب أن يتشكل موقف مرسي اتجاه القضية الفلسطينية بشكل عام و(قطاع غزة بصفة خاصة) بمعزل عن مقتضيات العلاقات المصرية-الإسرائيلية، أو بعيداً عن تأثيرات السلوك الإسرائيلي اتجاه غزة، لاسيما في ظل تقديرات استراتيجية تري أن عمليات التصعيد أو التهدئة علي حدود القطاع مع إسرائيل ستخضع غالباً لاعتبارات تتعلق بتطور العلاقة بين "مصر الجديدة" وإسرائيل.

                وقد استقبل الإخوان المسلمين كلا من خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وإسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة في غزة، علاوة عن الاتصالات بين هنية ورئيس الحكومة المصرية هشام قنديل، ووزير الدفاع الجديد عبد الفتاح السيسي. وفي الوقت ذاته، أصبح هناك تواصل مباشر بين الوزراء فيحكومتي غزة والقاهرة، إذ قام عدد من وزراء غزة بزيارة مصر والتقوا نظراءهم المصريين، وتباحثوا حول سبل حل عدد من القضايا، منها قضية أزمة الكهرباء في غزة، وكان أهم تطور في العلاقة بين مصر وحركة حماس وحكومتها في غزة هو توصل الحكومتين لاتفاقيات بشأن قضايا حساسة، منها اتفاق تشكيل لجنة أمنية مشتركة لمراقبة الحدود وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الأمني.

                اتخذ الإخوان المسلمين موقفاً واضحاً ضد الحصار علي قطاع غزة، بعد فوزه برئاسة مصر في 25 يونيو 2012م، وفي ظل مطالبة الحكومة الفلسطينية بغزة وحركة حماس له برفع الحصار عن غزة، قال الإخوان المسلمين       في 30 سبتمبر 2012م في كلمة له أمام المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والذي عقد في العاصمة التركية انقرة "لا يمكن أن يقف المصريون عاجزون أمام حصار غزة، وأن المعابر مفتوحة لتقديم ما يحتاجه أهل غزة من غذاء ودواء وتعليم وتواصل بين العائلات، فالحدود والمعابر مفتوحة لنقوم بدورنا وواجبنا اتجاه أشقائنا في غزة".

ثانياً: الموقف المصري في عهد الإخوان المسلمين من العدوان علي قطاع غزة عام 2012م.

                أعلن الاحتلال الإسرائيلي حربه علي قطاع غزة التي أطلق عليها اسم عامود السحاب وذلك في 14 نوفمبر 2012م، حيث قامت إسرائيل باغتيال أبرز قادة القسام في قطاع غزة وهو الشهيد أحمد الجعبري، وردت عليها الفصائل الفلسطينية بعملية حجارة السجيل، والتي أشعلت علي أثرها حرب استمرت لثمانية أيام سقط فيها 191 شهيداً، 1430 إصابة، وكان هذا العدوان الإسرائيلي من الأحداث الخطيرة التي تعرضت لها القضية الفلسطينية بعد حراك 25 يناير 2011م الذي علي أثره صعدت الحكومة المصرية الجديدة برئاسة "الإخوان المسلمين"، فكان له موقفاً مميزاً في هذا العدوان منذ بدايته، حيث اتخذ قرارات واتصالات واجتماعات علي مختلف المستويات بغرض انهاء الحرب.

                لقد كان العدوان علي غزة اختباراً لكل دول الربيع العربي، لاسيما مصر، حيث أرادت تل أبيب احراجها، في ظل التعقيدات الداخلية والخارجية التي تواجهها مصر، فإما أن تتورط هذه الحكومة في مواجهة ما زالت غير مستعدة له، أو أن تكرر المواقف المعروفة التي كان يتخذها مبارك في مثل هذه الظروف، لكن أداء القيادة المصرية ممثلة في "محمد مرسي" نجح في ألا يقع في الفخ الذي نصبته له إسرائيل، فاختارت مصر لنفسها دور الوسيط الذي تعبره أفضل من دور المتواطئ، ولكن هذا الدور الذي قامت به مصر اعتبره الكثيرين دوراً لا يليق بها، وذلك لأنهم يأملون من مصر أن تكون في قيادة الصراعمع العدو لا وسيطاً معه.

                ونتيجة لهذا العدوان الإسرائيلي علي غزة، خرجت جموع الشعب المصري إلي الشوارع للتنديد بالعدوان، فلم يتوان الشعب المصري عن التضامن مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وطالب المتظاهرون في مصر حكومتهم بسحب السفير المصري وطرد السفير الإسرائيلي، ودعم الشعب الفلسطيني.

                بناء علي طلب المتظاهرون قامت الحكومة المصرية بإصدار قرار بسحب السفير المصري من إسرائيل، علي خلفية العدوان علي غزة، وكذلك قامت وزارة الخارجية المصرية باستدعاء السفير الإسرائيلي بالقاهرة وتسليمه رسالة احتجاج بشأن هذا العدوان والتأكيد على ضرورة وقفه فوراً، كما قامت الحكومة المصرية بتكليف رئيس الوزراء هشام قنديل بزيارة قطاع غزة علي رأس وفد كبير يضم وزراء وقيادات أمنية في زيارة استغرقت ثلاثة ساعات، أعلن خلالها تضامن بلاده مع الشعب الفلسطيني.

                ووصف مرسي العدوان بأنه "العدوان السافر ضد الإنسانية" وقال إن "القاهرة لن تترك غزة بمفردها، مصر اليوم ليست هي مصر الأمس، والعرب اليوم ليسوا عرب الأمس" وقال مرسي أن رئيس الوزراء المصري ذهب إلي قطاع غزة ليؤكد "أننا متضامنون مع أهل غزة ومعهم في خندق واحد، وأن ما يصيبهم يصيبنا، وأقول للمعتدي: أن الثمن باهظ لعدوانه وعليه أن يتحمل النتائج إذا أستمر العدوان".

                قامت السلطة المصرية بفتح معبر رفح، طيلة أيام العدوان علي قطاع غزة، وخلال الإجازات كان يبقي مفتوحاً، وكان يسمح لمن يريد الدخول لغزة بالدخول والخروج كذلك، ولا يمنع أحد من السفر رغم سوء الأوضاع وشدة القصف، وعدد المسافرين خلال هذه الفترة تجاوز ال1500 مسافر في اليوم الواحد، من مختلف الفئات.

                وقد دعت مصر لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن وعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب للتباحث بشأن الاعتداء علي الشعب الفلسطيني، حيث قرر ذلك الاجتماع الذي عقد بالقاهرة في 17 نوفمبر2012تشكيل وفد من وزراء الخارجية العرب لزيارة غزة ودعم الجهود المصرية للتوصل إلي هدنة بين حماس وإسرائيل علي المستوي الأمني، وقد توسط جهاز الاستخبارات المصري بين الأطراف المعنية لإبرام هدنة بين حماس وإسرائيل برعاية مصرية، والتي دخلت حيز النفاذ مساء يوم 21 نوفمبر 2012 أي بعد أسبوع من بدء العدوان.

                وقد انتهي العدوان أثر اتفاق أو تفاهمات للتهدئة رعته مصر، وتم إعلانه خلال مؤتمر صحفي مشترك جمع وزير الخارجية المصري ووزيرة الخارجية الأمريكية في القاهرة مساء 22 نوفمبر ونص علي ما يلي:

1/ تقوم إسرائيل بوقف كل الأعمال العدائية براً وبحراً وجواً ضد قطاع غزة بما في ذلك الاجتياحات وعمليات استهداف الأشخاص.

2/ تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل الأعمال العدائية من غزة اتجاه إسرائيل بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات من علي خط الحدود.

3/ فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم في المناطق الحدودية والتعامل مع إجراءات تنفيذ ذلك بعد 24 ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ.

4/ يتم تناول القضايا الأخرى إذا ما تم طلب ذلك.

                وقد اتفق الطرفان علي تحديد الوقت الذي يتم فيه دخول تفاهمات التهدئة إلي حيز التنفيذ، مع حصول مصر علي ضمانات من كل الأطراف بالالتزام بما تم الاتفاق عليه، والتزام كل طرف بعدم القيام بأفعال من شأنها خرق الاتفاق أو التفاهمات، وفي حالة وجود أي ملاحظات يتم الرجوع إلي مصر راعية التفاهمات لمتابعة ذلك.

المبحث الثاني: طبيعة العلاقات المصرية الفلسطينية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

مقدمة:

                منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية في السابع من يونيو 2014م استطاعت مصر بقيادته تحقيق نجاح ملموس في سياستها الخارجية في دوائرها المختلفة العربية والإسلامية والأفريقية والدولية، وقد استعادت مصر مكانتها ودورها المحوري لصالح شعبها والمنطقة والعالم، الأمر الذي حقق العديد من أهداف ومصالح مصر وأدي إلي تفهم ودعم المجتمع الدولي لجهود مصر في تحقيق الاستقرار والتنمية والتقدم.

                وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي علي موقف مصر الثابت وسعيها للتوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حق الفلسطينيين، وكذلك أكد علي أن القضية الفلسطينية تأتي دائماً على رأس أولويات مصر، وأن إيجاد حل لها سيعيد الاستقرار للمنطقة، وأكد الرئيس السيسي علي أن مصر ستواصل جهودها لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

أولاً: سياسة الرئيس عبد الفتاح السيسي تجاه القضية الفلسطينية وأثرها علي العلاقات المصرية الفلسطينية:

                تعتبر القضية الفلسطينية في مقدمة أولويات السياسة الخارجية المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك من منطلق أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للقاهرة من محور إسلامي وآخر عربي، ويتضح ذلك من خلال الانخراط المصري في صفوف القضية والتنويه بها في أروقة المنظمات الدولية والإقليمية، وذلك من أجل الوصول إلي حل سلمي للقضية الفلسطينية، يضمن الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في العودة وممارسة حقوقه الشرعية في الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

                بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة الجمهورية ظلت القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لمصر، والدليل علي ذلك أن مصر بذلت العديد من الجهود لوقف إطلاق النار وذلك لتجنب المزيد من العنف وحقن دماء المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الذين يدفعون ثمن مواجهات عسكرية لا ذنب لهم فيها، فضلاً عن الجهود الإنسانية التي قدمتها مصر من خلال فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمصابينالفلسطينيين، بالإضافة إلى تقديم المساعدات الغذائية والدوائية للشعب الفلسطيني.

                وقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي من خلال لقاءاته مع المسؤولين الفلسطينيين وعلي رأسهم محمود عباس، وكذلك أكد في كلمته بمحافظة أسيوط خلال افتتاحه أحد المشروعات في مايو 2016 علي عدة محاور:-

1/ أن مصر ستواصل مساعيها الدؤوبة من أجل إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف.

2/ التوصل لتسوية عادلة وشاملة من شأنه أن يدعم استقرار المنطقة ويساهم في الحد من الاضطراب الذي يشهده الشرق الأوسط.

3/ ضرورة الحفاظ علي الثوابت العربية الخاصة بالقضية الفلسطينية.

4/ تدعم الفلسطينيين في خطواتهم المقبلة سواء بالمشاركة في تنفيذ المبادرة الفرنسية، أو الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي.

                وقد واصلت مصر جهودها الحثيثة مع الأطراف الفلسطينية من أجل رأب الصدع وإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان دائماً ما يشهد الرئيس السيسي أن الوقت حان لمعالجة شاملة ونهائية لأقدم الجروح الغائرة في منطقتنا العربية وهي "القضية الفلسطينية"، وذلك من خلال تسوية عادلة تقوم علي الأسس والمرجعيات الدولية، وتنشئ الدولة الفلسطينية المستقلة علي حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف.

                وقد لعب الدور الدبلوماسي والمخابرات المصرية في فلسطين في أكتوبر 2017، دوراً حيوياً حيث تم الاتفاق حول تنازل منظمة حماس عن حكمها الإداري لقطاع غزة، وتكوين حكومة وفاق وطنية بقيادة حكومة رام الله تشمل جميع الأراضي الفلسطينية.

                وعلى صعيد المنظمات الدولية فقد دعت مصر في الدورات العادية للجمعية العامة للأمة المتحدة مراراً لفتح مسار التفاوض السلمي بين الجانب المصري والإسرائيلي، وحثت مصر الولايات المتحدة الأمريكية علي لعب دور أكثر حيادية في هذا الصراع، غير أن اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدسعاصمة للاحتلال الصهيوني في 6 ديسمبر 2017 وذلك جعل الدور الأمريكي ضعيفاً نسبياً فيما يخص المفاوضات بين رام الله وتل أبيب، وبناء على هذا الاعتراف قدمت مصر مشروع قرار لمجلس الأمن وذلك لنزع الشرعية عنأمريكا في إعلانها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ولكن تم إسقاط هذا القرار ب"فيتو" أمريكي.

                وكذلك تحت بند "الاتحاد من أجل السلام" طلبت مصر اجتماعا عاجلا للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك لبحث مشروع القرار والتصويت عليه، وذلك في 21 ديسمبر 2017، ودعم القرار 129 دولة فأسقط القرار الأمريكي الخاص بالقدس إذ بقي شفهياً لا غير.

ثانياً: المصالحة الفلسطينية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي:

                لقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي استمرار الجهود المصرية الرامية لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وذلك باعتبار تلك المصالحة الضمانة الأساسية للوحدة، وذلك بجانب العمل على تحسين الأوضاع المعيشية بقطاع غزة واستعادة الهدوء في قطاع غزة.

                وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي فيبيان له " أن الرئيس السيسي أكد خلال لقائه بزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط في القاهرة علي ثوابت الموقف المصري الداعم للشعب الفلسطيني في الحصول علي حقوقه المشروعة وذلكوفق الثوابت والمرجعيات الدولية ذات الصلة".

ثالثاً: دور مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي اتجاه العدوان علي قطاع غزة 2014:

                لقد أدانت مصر الاعتداءات الإسرائيلية الصارخة على قطاع غزة، والتي أدت إلي استشهاد وإصابة العشرات من الفلسطينيين، وقال السفير بدر عبد العاطي المتحدث باسم وزارة الخارجية، إن مصر تحذر من خطورة استمرار الأوضاع الراهنة وطالب بضرورة أن تعمل إسرائيل علي احتواء الموقف من خلال وقف كافة العمليات العسكرية، وبأن تتحلي بأقصى درجاتضبط النفس، وأن تتوقف إسرائيل عن إجراءات العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني.

                ونتيجة لذلك قررت السلطات المصرية فتح معبر رفح البري في 9 يوليو 2014م بشكل استثنائي لاستقبال الجرحى الفلسطينيينالقادمين من قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي، وذلك لعلاجهم في المستشفيات المصرية، وقد أشارت مصر في بيان لوزارة الخارجية عن رفضها للقصف الإسرائيلي علي قطاع غزة، ووصفت مصر ذلك العدوان الإسرائيلي علي غزة بأنه استخدام مفرط وغير مبرر للقوة العسكرية.

                ومن ثم خلال حرب 2014 علي قطاع غزة لم توقف مصر جهودها السياسية والدبلوماسية، وطرحت مصر مبادرة لتثبيت وقف إطلاق النار، ولكن رفضت الفصائل الفلسطينية "حركة حماس والجهاد الإسلامي" تلك المبادرة بدعوي أنها لا تلبي المطالب والشروط الفلسطينية، ورغم ذلك استمرت الجهود المصرية من أجل تجديد وقف إطلاق النار والتوصل إلي تهدئة جديدة، واستئناف المحادثات والتوصل لاتفاق.

الفصل الخامس

مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية في ضوء التغيرات المحلية والإقليمية والدولية

تمهيد

                لقد مرت العلاقات المصرية الفلسطينية بالعديد من التطورات والأحداث منها الأحداث الداخلية والإقليمية والدولية والتي أثرت بالعلاقات ومنها ما شكل مفترق طرق علي الساحة الدولية في ظل حالة من الجمود التي نشهدها، ورغم ذلك استطاعت القيادات المصرية والفلسطينية أن تحول العديد من المسارات وتحقق العديد من الإنجازات الدبلوماسية والسياسية لصالح الحق الفلسطيني وذلك رغم هول الأحداث وخاصة ما مر علي الساحة الفلسطينية من عدوان همجي علي قطاع غزة ومن ممارسات عدوانية وتجاوزات للقانون والأعراف والمواثيق الدولية من قبل الاحتلال الصهيوني، ورغم كل ذلك واصلت القياداتالمصرية الفلسطينية مسيرة التحدي والانتصار للتتويج المجهوداتبسلسلة من الاعترافات الدولية الأوروبية خاصة بالدولة الفلسطينية المستقلة.

المبحث الأول: تداعيات المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية المستقبليةعلي الموقف المصري من القضية الفلسطينية.

مقدمة:

                مصر تنظر إلى القضية الفلسطينية علي أنها قضية رئيسية ومهمة، وذلك باعتبار أن فلسطين تأتي في سياق غلاف الأمن القومي المصري، وباعتبار أن هناك امتدادات حضارية وجغرافية واجتماعية تربط بين الجانبين الفلسطيني والمصري، لذلك مهما وجدت من أحداث ومتغيرات سواء داخلية أو إقليمية أو دولية أو كان هناك شوائب تعكر صفو العلاقة ستبقي القضية الفلسطينية قضية رئيسية لمصر، ومن هنا تأتي العلاقات الفلسطينية المصرية في إطار حالة من الاستمرارية والتطور والرقي والتواصل، وذلك نتيجة وجود حالة من الإدراك من كلي الجانبين بأهمية دور كل طرف ومساندة كل طرف للآخر خاصة في ظل ما تواجهه المنطقة العربية من أحداث ومتغيرات متتالية ومتعاقبة، الأمر الذي ينبئ بمستقبل مميز للعلاقات المصرية الفلسطينية.

                بالنسبة المتغيرات الداخلية فإن أهم تحديات المشهد الفلسطيني تتمثل في قضية الانقسام الفلسطيني، حيث لم يتبقى أمام صانع القرار في الحقبة الراهنة سوء ورقة وحدة الصف الفلسطيني، ومن الواضح أن المعضلة أمام القوي التقليدية والقوي الدينية الجديدة في المنطقة العربية يتمثل في غياب هامش المناورة سواء في علاقاتهم بإسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه بسبب الهيمنة الصهيونية الأمريكية والغربية علي القوة والاقتصاد والإعلام، وبحكم ضعف الموقف الاقتصادي، سيكون من المستحيل قيام القوي العربية بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بحكم مصالحهم، وتفادياً للقيام بأي عمل أمريكي ضدهم، الأمر الذي سيفتح الأبواب علي مصراعيها أمام الأمريكان، وبالتالي سوف تزداد حالة الهيمنة والفقر داخل المجتمع الفلسطيني بالإضافة إلي التبعية الاقتصادية والسياسية للدول العربية وخضوعها لأمريكا وإسرائيل.

                وعلى الصعيد العربي استطاعت القضية الفلسطينية أن تسجل حضوراً لافتاً للأنظار وذلك من خلال مجموعة من القرارات التي اتخذت من قبل القادة والوزراء العرب سواء علي مستوي القمة أو علي مستوي المجلس الوزاري لوزراء الخارجية، أو علي مستوي المندوبين الدائمين لدي جامعة الدولة العربية والمجالس المتخصصة، كل هذا الأمر شكل حالة داعمة من المواقف العربية للموقف الفلسطيني،فكانت قمة الكويت تمثل قمة فلسطينية بالدرجة الأولى وذلك من خلال تصدرها لاجتماعات القادة العرب وحظيت فلسطين بحالة من الدعم غير المسبوق علي الصعيد السياسي وذلك رغم الأحداث الطارئة التي كانت تمر بها عدد من الدول العربية، وكذلك أكدت اجتماعات مجلس الوزراء العرب علي دعم الموقف الفلسطيني في كافة المحافل، ذلك بالإضافة إلى حالة التوافق والتشاور الدائم والمستمر بين القيادة الفلسطينية والقيادات العربية وما قامت به بعض الدول العربية وخاصة مصر، وذلك عندما وقفت بجانب الشعب الفلسطيني أثناء العدوان الغاشم علي قطاع غزة من قبل الاحتلال والجهد الذي بذل من قبل مصر قيادة وشعباً للوصول إلي حالة التهدئة ووقف الجريمة الصهيونية، بالإضافة إلى ما قدمته مصر من دعم للمتضررين من أبناء الشعب الفلسطيني.

                لا شك أن الوضع الفلسطيني مرتبط بالوضع الإقليمي، ولطالما كانت القضية الفلسطينية كلها مرتبطة بالتغيرات الإقليمية ومخرجاتها في المنطقة، وأن ما يسمي الربيع العربي همش القضية الفلسطينية، وانتزعها من صدارة المشهد السياسي العربي والإقليمي والدولي، خصوصاً في ظل تصدر الأزمة الصهيونية للمشهد، وأن الحراكات في المنطقة العربية انعكست سلباً على الساحة الفلسطينية، وخلقت حالة من الاستقطاب بين طرفي الانقسام السياسي الفلسطيني أي بين (فتح وحماس)، ولكن في ظل هذه الظروف لم تتوقف الجهود العربية للدفع بقضية المصالحة. ولعب عدد من الدول أدوار محددة في هذا الصدد كمصر والسعودية وقطر واليمن.

                ولقد كان التغير في مصر في ظل الحراكات المصرية إحدى هذه التغيرات البارزة، ولكن رغم هذه المتغيرات ستظل العلاقة بين مصر وفلسطين ثابتة مهما كان شكل التغير السياسي في مصر، وسواء استقرت مصر سياسياً أو دخلت في مرحلة من عدمالاستقرار والعنف الداخلي، فأن مصر ستظل مساندة للقضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني وقيادته دائماً، بالإضافةإلي مطالبة مصر بالحق الفلسطيني في الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية.

                ومن ناحية أخري وفيما يتعلق بالمتغيرات الدولية، فقد انعكستاستمرار السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل، وتراخي الضغط باتجاه مسار التسوية، علي ضعف الجهود العربية وبخاصة مصر في التوصل إلي حل عادل للقضية الفلسطينية، حيث تزال مؤسسات صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية تتحدث عن علاقة استراتيجية راسخة مع إسرائيل، وقد حاولت الإدارة الأمريكية الفصل ما بين التغيرات في العالم العربي وبين انعكاساتها الإيجابية المحتملة على الوضع الفلسطيني، بالإضافة لذلك حاولت الولايات المتحدة الأمريكية منع الأنظمة من القيام بأية إجراءات من شأنها تصعيد العداء مع إسرائيل، وأن تضعف أو تتعطل مسار المبادرات السياسية الأمريكية المتعلقة بفلسطين، وذلك باعتبارها بوابة النفوذ الإقليمي وتواجه تحولاً تاريخياً في موازين القوي الإقليمية، بسبب صعود قوي إقليمية، خاصة إيران وتركيا.

                ويترتب علي ذلك أن القضية الفلسطينية ستبقي غارقة في معضلتها سواء بسبب المتغيرات الإقليمية والدولية الجديدة أو بسبب الأوضاع الداخلية الفلسطينية، ومن ثم يجب علي الدول العربية قيادة وشعباً أن توحد جهودها من أجل الوصول إلي حل سلمي للقضية الفلسطينية.

                فالقضية الفلسطينية تعتبر جزءاً هاماً من حركات التحرر العربية والعالمية، وأن أي تغيير ديمقراطي حقيقي في المنطقة العربية سيؤثر حتماً على القضية الفلسطينية وذلك لأنها قضية عربية وعالمية وليست فلسطينية فحسب، وأن تحرير فلسطين يتطلب حشد طاقات الدول العربية شعوباً وقادة وذلك من أجل مواجهة الخطر الصهيوني، ومن ثم فأن فرصة الفلسطينيين لتعزيز الوحدة الوطنية في ظل واقع جديد ووضع جديد يتطلب استراتيجية جديدة علي ضوء المتغيرات العربية، وكذلك يتطلب ضرورة الحفاظ علي الكيان السياسي للشعب الفلسطيني الذي يجسد هويته وشخصيته الوطنية المستقلة وذلك بما يخدم القضية الفلسطينية.

المبحث الثاني: السيناريوهات المستقبلية للعلاقات المصرية الفلسطينية.

مقدمة:

                إن البحث في مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية هو محاولة لاستشراف السيناريوهات المحتملة، التي من الممكن أن يندرج ضمنها مسار تطور هذه العلاقات، خاصة مع التحولات السياسية في الواقع الفلسطيني، والتي أثرت تأثيراً كبيراً علي مستقبل العلاقات بين البلدين.

                إن استشراف مستقبل العلاقات بين البلدين لا يعني إصدار تنبؤات بقدر ما هو تحديد للمسار الذي يمكن أن تسير فيه العلاقات المصرية الفلسطينية وذلك بما يتلاءم مع الواقع، ولذلك نحاول في هذه الدراسة صياغة مجموعة من السيناريوهات المحتملة للعلاقات المصرية الفلسطينية.

السيناريو الأول: سيناريو الانفراج والتقارب في العلاقات المصرية الفلسطينية.

                يتمثل هذا السيناريو في أن العلاقات المصرية الفلسطينية ستشهد تحسناً ملحوظاً خاصة مع قطاع غزة، حيث ستشهد الفترة القادمة تحسناً في العلاقات بين البلدين، وسوف يقوم كل منهم بتهدئة الأمور فيما بينهم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، باختصار يعبر هذا السيناريو عن الأمل في انتهاء حالة التوتر، والاستقطاب بين الطرفين، وهو كذلك السيناريو المرغوب فيه والمفضل.

ويفترض هذا السيناريو ما يلي:

أولاً: بالنسبة لمصر:

1/ تعمل مصر علي استعادة موقعها العربي والريادي، وتنشيط دورها إقليمياً ودولياً، والتعامل مع القضايا العاجلة المرتبطة بالأمن القومي المصري، وذلك لأن فلسطين هي جزء من الأمن القومي المصري.

2/ تشعر مصر بالقلق من استمرار الانقسام الفلسطيني، ولذلك أصبح من الضروري العمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني.

3/ أنه لكي تنجح مصر بدورها في تسكين الأزمات التي تواجهها، والمتمثلة في الجماعات الجهادية المنتشرة في سيناء، عليها أن تغلق جميع منافذ الدعم المحتملة لهذه الجماعات، ولذلك تسعي مصر إلي تحسين علاقتها مع حركة حماس حتي لا تكون رافداً للدعم لهذه الجماعات.

4/ أن مصر لا تترك الأوضاع في غزة، حتي لا تنفجر هذه الأوضاع، ويكون هذا الانفجار اتجاهالأراضي المصرية مما يهدد الاستقرار في سيناء بشكل خطير جداً، وذلك مما يهدد السياسة المصرية التقليدية.

ثانياً: بالنسبة السلطة الفلسطينية:

1/ السلطة الفلسطينية تعرف تماماً محورية الدور المصري في نهوض المشروع الوطني الفلسطيني، ولذلك سعت السلطة الفلسطينية إلي العمل على عودة مصر إلي الاصطفاف بجانب الفلسطينيين لأن ذلك أصبح أمر لابد منه، مما يسهم ذلك في تجاوز التراجع في المشروع الوطني الفلسطيني.

2/ تدرك السلطة الفلسطينية أن الانقسام الفلسطيني كانت له أثار سلبية كبيرة عليها، وأن ذلك الانقسام أصبح ذريعة لإسرائيل للتهرب من المفاوضات بحجة عدم وجود شريك فلسطيني، وإن إنهاء الانقسام بات يمثل بالنسبة للسلطة الفلسطينية مطلباً هاماً وذلك لتجاوز الجمود في العملية السياسية.

3/ بدأت السلطة الفلسطينية تشعر بالاستياء المصري من استمرار حالة الانقسام فيها، وأدركت ضرورة الاقتراب من الموقف المصري الرافض للانقسام لضمان استعادة مصر لدورها، ولذلك يجب تقديم تنازلات للمصريين فيما يخص المصالحة مع حماس.

4/ أدركت السلطة الفلسطينية أن عودة سيادتها علي قطاع غزة بات مستحيل دون الوصول إلى تفاهمات مع حماس، وأن سياسة الإقصاء لن تجدي مع حركة حماس التي أصبحت تشكل لاعباً أساسياً في الساحة الفلسطينية.

ثالثاً: بالنسبة لحركة حماس:

1/ أدركت حماس أن الأوضاع داخل قطاع غزة أصبحت غير معقولة، وأن هناك حالة من الغضب والسخط لدي الشارع الفلسطيني، وذلك بسبب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

2/ حركة حماس تعرف تماماً أن المخرج الوحيد من حالة الحصار المفروض علي قطاع غزة هو عبر البوابة المصرية، لذلك من الضروري الوصول إلى مقاربات تنهي خلافات الحركة مع مصر، وذلك كمدخل لإنهاء الصراع.

3/ تدرك حماس أن مصر لن تغير من سياستها تجاه الحركة طالما بقيت الحركة علي نفس المواقف التي أدت إلي التوتر، ولذلك يجب علي حركة حماس أن تقدم تنازلات حقيقية وذلك من أجل أن تغير مصر سياستها أتجاه الحركة.

4/اقتنعت حماس بأهمية إنهاء الانقسام الفلسطيني، وضرورة عودة السلطة الفلسطينية إلي قطاع غزة.

ثانياً: سيناريو بقاء الوضع علي ما هو عليه في العلاقات المصرية الفلسطينية.

                يتمثل هذا السيناريو في أن العلاقات المصرية الفلسطينية خاصة مع قطاع غزة ستبقي كما هي، ولن تشهد تحسناً، وستبقي الأمور كما هي بين الجانبين، ويستند هذا الافتراض عليأن مصر لن تتجه نحو التصعيد مع حركة حماس، وذلك لأن الشعب المصري مازال وجدانه مرتبطاً بالقضية الفلسطينية، وأن أي تصعيد ضد حركة حماس وقطاع غزة سوف يهدد الأوضاع الداخلية المصرية، ومن ناحية ثانية فأن مصر لن تقوم بتحسين علاقتها مع حركة حماس وذلك لأنها ترتبط بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، فطالما بقيت حالة العداء بين النظام المصري وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، فأن ذلك سوف ينعكس بدوره علي العلاقات مع حماس.

                وباختصار فأن هذا السيناريو يعبر عن استمرار حالة التوتر والاستقطاب بين الطرفين، وهو سيناريو له ما يعززه في ظل الأوضاع الراهنة.

                ويفترض هذا السيناريو ما يلي:

أولاً: بالنسبة لمصر:

1/ تري مصر أن السلطة الفلسطينية فشلت في توفير الحد الأدنى من الاستقرار فيالساحة الفلسطينية، وذلك بسبب الخلافات بين فتح وحماس، حيث تمثل تلك الخلافات مصدر تهديد وازعاج للسياسة المصرية، وقد حاولت مصر لفترة طويلة التدخل لحل هذه الخلافات، ولكن جميع محاولاتها باءت بالفشل، ولذلك تري مصر أنه لا يوجد حل سوء ترك الأمور كما هي عليه، وذلك حتي تصل الأمور إلي اللحظة التي تشعر فيها الأطراف الفلسطينية أنها ليست قادرة على استمرار الأوضاع الحالية، وذلك مما يعطي مصر فرصة قوية للتدخل من أجل التوصل إلى حل للأزمة الفلسطينية.

2/ أن مصر رغم موقفها مع حركة حماس، ورغم تصاعد بعض الأصوات لها للقيام بعمل عسكري، ألا أنها ترفض التدخل المباشر في قطاع غزة، وذلك لاعتبارات سياسية واقتصادية وأمنية كثيرة، وكذلك بسبب الروابط التاريخية مع قطاع غزة.

3/ تري مصر أن السلطة الفلسطينية تعاني من الكثير من الأزمات، وذلك بسبب وجود خلافات حادة بين تياراتها وقيادتها، وهو ما سيجعل مصير أي دور تقوم به مصر هو الفشل.

ثانياً: بالنسبة للسلطة الفلسطينية:

1/ السلطة الفلسطينية في ظل الأزمة التي تعاني منها حركة حماس في قطاع غزة أصبحت غير معنية بالمضي في عملية المصالحة مع حماس، فهي تسعي فقط لتحسين عقد مصالحة وطنية لصالح السلطة.

2/ إنالسلطة الفلسطينية ستصبح غير راضية تماماً عن العلاقات بينها وبين مصر، ولذلك يمثل خيار بقاء الأمور علي حالها  هو الخيار الذي سوف يحكم العلاقات المصرية الفلسطينية.

ثالثاً: بالنسبة لحركة حماس:

1/ أدركت حماس أن أي اقتراب منمصر سيفرض عليها تقديم تنازلات ما زالت هي غير مستعدة لها. وبالتالي لن تتحسن العلاقات بين مصر وحركة حماس.

2/ تعلم حماس أنها وفتح خصمان سياسيان يسعي كل منهم لإزاحة الآخر عن المشهد السياسي، ففي الوقت الذي نجحت فيه حماس في الاستفراد بالحكم داخل قطاع غزة، نجحت حركة فتح في الاستفراد بالحكم في الضفة الغربية، وبالتالي في ظل هذه الخلافات لن تتحسن العلاقات المصرية الفلسطينية.

3/ سوفيتراجع دور مصر في الفترة الأخيرة في سعيها للتوصل إلي حل للقضية الفلسطينية، وذلك لأنها وجدت أن السلطة الفلسطينية عاجزة عن إقناع الناس بجدوي استمرار التنسيق، وفشل المفاوضات بسبب الخلافات الداخلية الفلسطينية، بالإضافة إلى أن إسرائيل ترفض في ظل الوضع الراهن تقديم أي شيء للفلسطينيين.

ثالثاً: سيناريو التوتر والمواجهة في العلاقات المصرية الفلسطينية.

                يمثل هذا السيناريو الجانب السلبي لمستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية، حيث يتمثل هذا السيناريو في أن العلاقات ستشهد مزيداً من التوتر، وقد تصل إلي حد المواجهة، وربما تقوم مصر باتخاذ إجراءات عقابية ضد حماس وقطاع غزة، وينطلق هذا السيناريو من احتمالات سوداوية تستند علي الافتراضات التالية:

أولاً: بالنسبة لمصر:

1/ تعتقد مصر بأن حماس تلعب دوراً خطيراً في الأوضاع الداخلية المصرية، وذلك من خلال أنها تقدم دعم للجماعات الجهادية في سيناء، أو إنها تمارس أعمال تهدد الأمن القومي المصري، وبالتالي لابد لمصر من أن تقوم بردع حماس لإسقاطها من حكم غزة.

2/ أن مصر أصبحت تري أن السلطة الفلسطينية ضعيفة للغاية، وذلك لأن الانقسام بين فتح وحماس، يشكل خطراً علي الأوضاع في المنطقة، وذلك سوف يدفع السياسة المصرية بالتخلي عن دعم القضية الفلسطينية.

ثانياً: بالنسبة للسلطة الفلسطينية:

1/ تري السلطة الفلسطينية أنه بعد سنوات من حكم حماس لقطاع غزة، وفشل جميع المحاولات لإسقاطها، فإن توتر العلاقات بين مصر وحماس،سيفرض معطيات جديدة لصالح إسقاط حكم حماس.

2/ السلطة الفلسطينية أصبحت تشعر بأن مسار التسوية السياسية أصبح مكلفاً للغاية، وهي وضعت جميع إمكاناتها لدعم هذا المسار، لكنها تشعر السلطة الفلسطينية أن عدم حدوث تطورات يجعل انخراط السلطة في العملية السياسية مع إسرائيل موضع انتقاد، بالإضافة إلى شعور السلطة الفلسطينية بأنها أصبحت وحيدة في مواجهة إسرائيل وذلك بسبب عدم وجود استقرار في العلاقات بينها وبين مصر.

ثالثاً: بالنسبة لحركة حماس:

1/ تري حماس أنها أصبحت مستهدفة بشكل كبير فلسطينياً وعربياً ودولياً، وذلك ليس بسبب حكمها لقطاع غزة وإنما بسبب تمسكها بخيار المقاومة لحل القضية الفلسطينية، ومن ثم يترتب علي ذلك بأن يحدث توتر في العلاقات المصرية الفلسطينية، وذلك لأن حماس سوف تلجأ إلي استخدام وسائل غير سلمية من أجل الحفاظ علي موقعها في السلطة، وذلك مما يهدد الأمن القومي المصري، وذلك لأن فلسطين هي جزء من الأمن القومي المصري.

2/ أن حماس قد تلجأ إلي قلب الأمور رأساً علي عقب، وذلك من خلال اللجوء إلي حرب جديدة مع إسرائيل، وذلك من أجل إعادة الأضواء نحو قطاع غزة، واجبار مصر والسلطة الفلسطينية علي التعاون مع حماس، وتمثل تلك اللحظة التي تستطيع حماس فيها انتزاع ما تريده.

تعقيب على السيناريوهات:

                لقد اتضح مما سبق أن العلاقات المصرية الفلسطينية معرضة لأكثر من سيناريو، ولترجيح أي سيناريو علي الآخر، وتحديد أيها أكثر قابلية للحدوث علي أرض الواقع في العلاقات المصرية الفلسطينية، يجب الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المؤثرات التي قد تفضل سيناريو علي الآخر، وتتمثل تلك المؤثرات في النقاط التالية:

1/ مدي قدرة الرأي العام المحلي، والأحزاب، والقوي الأخرى في الضغط والتأثير علي صانع القرار لدي كل طرف.

2/ دور إسرائيل وحساباتها في تطور أو تراجع العلاقات بين الطرفين.

3/ مدي امتلاك الأطراف الفاعلة في البلدين للرشد السياسي، والوعي بمخاطر كل سيناريو.

4/ حسابات الربح والخسارة لدي كل طرف.

5/ دور العوامل الخارجية في التأثير علي توجهات الأطراف المعنية في كلاً من مصر وفلسطين.

 

                واستناداً لهذه المؤثرات، وبعد عرض السيناريوهات المحتملة للعلاقات المصرية الفلسطينية توصلت الدراسة أن كل سيناريو له ما يعززه، وكذلك له ما يجعل منه أمراً مستحيلاً، ولكن توصلت الدراسة إلي أن السيناريو الأول الخاص بحدوث تقارب وانفراج في العلاقات المصرية الفلسطينية هو السيناريو الأكثر وجاهة ومعقولية، وذلك لأسباب كثيرة منها:

1/ أن العلاقات المصرية الفلسطينية هي علاقات تاريخية وقوية، وقد مرت بكثير من لحظات الخلاف والتوتر، ولكنها لم تصل أبداً إلي أبعد من كونها مجرد اختلاف في وجهات النظر، ولذلك فالروابط التاريخية والسياسية والقومية ستقف سداً منيعاً أمام استمرار التوتر أو تصعيده إلى حرب.

2/ السياسية المصرية منذ كامب ديفيد أصبحت تري في السلام خياراً استراتيجياً وذلك لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً.

3/ إن جميع الأطراف أصبحت متضررة من استمرار الوضع الحالي علي ما هو عليه، وذلك لأنه يشكل عبئاً علي الأطراف الرئيسية، وبالتالي فالتصعيد والتوجه نحو تأزيم الأوضاع ستكون له أثار سلبية علي كل الأطراف.

4/ إن مصر بحاجة ماسة إلي ترتيب أوضاعها الداخلية وذلك لمواجهة الأزمات التي تعاني منها، وخاصة الأوضاع المتدهورة في سيناء، وهو الأمر الذي يجعل من حل الخلافات مع حركة حماس ضرورة من ضرورات الأمن القومي المصري.

النتائج والتوصيات:

                في هذا الجزء الأخير من الدراسة، نلخص ما توصلنا له من نتائج البحث العلمي الخاص بأثر التغير في القيادة السياسية في مصر علي العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة (2011-2019)، وكذلك سنقترح بعض التوصيات المبنية علي النتائج التي توصلت إليها الدراسة.

النتائج

1/ إن مصر تشكل حاضنة سياسية واستراتيجية وعمقاً اجتماعياوعضوياً يربط بين الشعبين المصري والفلسطيني، وهي علاقة لا تحددها الفترة التاريخية الحالية، بل هي عمق وامتداد تاريخي يمتد لآلاف السنين، ودائماً ارتبطت الأوضاع السياسية في فلسطين ضعفاً أو قوة بالأوضاع السياسية في مصر.

2/ أثبتت الدراسة أنها هناك ثوابت مستقرة في السياسة الخارجية المصرية لا تتغير مع التغير السياسي بها، يفرضها التاريخ والجغرافيا والهوية، وتحقيق الاستقلال الوطنيالمصري، بالإضافة إلى وجود بعض القضايا ذات الثبات في أجندة قضايا السياسة الخارجية المصرية مثل القضية الفلسطينية.

3/ إن عملية صنع السياسة الخارجية المصرية بحاجة للتطوير والتفعيل، وبعضها الآخر بحاجة للإنشاء والتأسيس وفقاً لرؤية واضحة محددة، خاصة بعد غياب دور السياسة الخارجية اتجاه القضية الفلسطينية وتغيرها حسب المراحل الانتقالية في مصر.

4/ لقد أثبتت الدراسة أن مصر لعبت دوراً هاماً في القضية الفلسطينية، حيث ساهمت بدور كبير في الحركة الوطنية الفلسطينية، وكانت السياسة المصرية رديفاً ونصيراً للفلسطينيين، وذلك منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية والتي كانت بدعم مباشر من الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.

5/توصلت الدراسة إلي أن الدور المصري له أهمية كبيرة في استقرار الأوضاع الداخلية الفلسطينية، بالإضافة إلي مساهمة الدور المصري في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الفلسطينية المختلفة وذلك في حالات التصادم والاختلاف.

6/ لقد اتضح من خلال الدراسة وجود أثر جلي للحراك المصري علي بعض الملفات الداخلية الفلسطينيةكملف الحصار الذي تم تخفيفه علي قطاع غزة بشكل عام، وملف تبادل الأسري، ولكن الحراك المصري لم يؤتي ثماره في ملف المصالحة وإن نجحت في توقيع اتفاق المصالحة من قبل طرفي الانقسام علي الساحة الداخلية الفلسطينية وعقد سلسلة لقاءات بينهم.

7/ لقد أثبتت الدراسة أن العدوان الإسرائيلي المتكرر علي قطاع غزة لعب دوراً هاماً في التأثير علي العلاقات المصرية الفلسطينية، ما بين تبادل الاتهامات أو التعاون حسب النظام الحاكم في مصر.

8/لقد اكتشفت الدراسة أن ممارسة السلطة تختلف عن الوجود خارجها، وذلك لأن السلطة تكون مقيدة بالتزامات تجبرها علي التعامل بشكل قد يتعارض مع المنطلقات الفكرية والأيدولوجية، وهو ما فشلت حماس في التعامل معه، بالإضافة إلى مخالفتها لمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، حيث أنها تدخلت في الشئون الداخلية لمصر، وكانت تعمل حماس على دعم الجماعات الجهادية في سيناء، مما أدى ذلك إلى توتر العلاقات المصرية الفلسطينية.

9/ لقد أثبتت الدراسة أن العلاقات المصرية الفلسطينية مرت بفترات توتر، ولكنها عادت بحكم التاريخ والجغرافيا، حيث غلبت الروابط التاريخية والجغرافية والقومية بين البلدين على الاختلافات السياسية.

التوصيات

1/ ضرورة العمل علي تعزيز العلاقات المصرية الفلسطينية، وعدم تهميش أي من الأطراف الفلسطيني أو المصري، بالإضافة إلى تذليل كل العقبات الداخلية والخارجية المفروضة علي قطاع غزة، للقيام بدوره في حماية الحدود المصرية المشتركة وذلك للمحافظة على الأمن القومي المصري.

2/ إعادة العلاقة مع مصر إلي وضعها الطبيعي وفق السياق التاريخي المديد بينها وبين فلسطين، وذلك عنطريق أن تعمل الحكومة في رام الله وقطاع غزة علي إزالة جميع ما يعكر صفو هذه العلاقة مع مصر.

3/ الإبقاء علي العلاقة المشتركة بين مصر وفلسطين فوق كل الاعتبارات، هذا الارتباط بينهم سيساهم حتماً في انهاء الاحتلال.

4/ اشراك مصر في الملفات الفلسطينية الداخلية وذلك للتأكيد علي علاقة مصر بفلسطين، ودورها في تحقيق المصالح المشتركة.

5/ تعزيز الشفافية بين الجانبين المصري والفلسطيني علي كافة المستويات الرسمية والاعلامية.

6/ التأكيد علي الدور المصري لاستكمال المشروع الوطني الفلسطيني، بالإضافةإلي تفعيل دور المؤسسات الفلسطينية، وذلك لمواجهة التحديات وإعادة الوحدة الفلسطينية، ووحدة النظام السياسي الفلسطيني بما يخدم القضية الفلسطينية وملفاتها.

7/ التأكيد علي القضية الفلسطينية كقضية مركزية، بالإضافة إلى التأكيد علي قضية اللاجئين، والتأكيد علي حق عودتهم إلي ديارهم وقراهم التي هجروا منها منذ عام 1948م، وتعويضهم عن سنوات الحرمان والقهر.

8/ ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني فوراً وعودة الوحدة الوطنية داخل فلسطين التي باتت اليوم أحد أهم أحلام الشعب الفلسطيني، وذلك من أجل مواجهة التحديات والصعوبات والعراقيل التي تقف حائلاً أمام العلاقة المشتركة بين مصر وفلسطين.

9/ ضرورة وضع آلية عمل مشتركة تشعر من خلالها مصر حرص قطاع غزة علي الأمن القومي المصري، والذي من شأنه أن يشكل أساساً لانطلاق علاقة منظمة مع مصر تعود بالفائدة علي الجميع. 

المراجع

١-صابرين أبو شاويش،"أثر التحولات في النظام السياسي المصري علي العلاقات المصرية الفلسطينية في الفترة(٢٠١١-٢٠١٥)"، القدس، أكاديمية الإدارة والسياسة للدراسات العلمية، جامعة الأقصى، (٢٠١١).

٢-حسن نافعة، "العلاقات المصرية الفلسطينية"، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد ٨، العدد ٢٩، شتاء ١٩٩٧، ص٣٦.

٣-نورهان الشيخ، "مقدمة في العلاقات الدولية"، القاهرة، المكتب العربي للمعارف، ٢٠١٨.

٤-محمد السيد سليم، "تحليل السياسة الخارجية"، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، (١٩٩٨).

٥-خليفة علي البكوش، "المتغير القيادي في مصر والصراع العربي الإسرائيلي في الفترة (١٩٥٥-١٩٧٩)"، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، (١٩٩٤).

٦-تقدير استراتيجي(٢٠١٤): "مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينية بعد الانتخابات المصرية"،العدد (٦٨)، مركز الزيتونة للدراسات، بيروت، لبنان.

٧-إبراهيم أبراش، "العلاقات المصرية الفلسطينية تغير المنطلقات وتعدد الأطراف الفاعلة"، منظمة التحرير الفلسطينية.

٨-محمد حسنين هيكل، "قصة بداية عصر أنور السادات"، بيروت، لبنان، شركات المطبوعات للتوزيع والنشر، ط٢، ص٩٤، (١٩٩٠).

٩-حسني الدمراوي، "مصر والقضية الفلسطينية"، القاهرة، الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، (٢٠١٦).

١٠-محمد حسنين هيكل، "مبارك وزمانه: من المنصة إلي الميدان"، القاهرة، دار الشروق، (٢٠١٢).

١١-ظافر فواز يوسف جبر، "أثر ثورة ٢٥ يناير كانون الثاني المصرية علي القضية الفلسطينية"، جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين، (٢٠١٣).

١٢-إبراهيم محمد سيف، "سياسة مصر الخارجية والقضية الفلسطينية من الحكم الملكي إلي الربيع العربي في الفترة (١٩١٧-٢٠١٣)، معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية، جامعة بيرزيت، (٢٠١٥).

١٣-ألفت أحمد خشاب، "تاريخ تطور حدود مصر وتأثيرها علي الأمن القومي المصري، القاهرة، دار الشروق، ط١، (٢٠٠٨).

١٤-تقدير استراتيجي، " العلاقة مع المقاومة في قطاع غزة"، بيروت، لبنان، مركز الزيتونة للدراسات، (٢٠١٥).

١٥-كمال علي أحمد أبو شاويش، "ثورة ٢٥ يناير في مصر: أسبابها وتداعياتها وانعكاساتها المتوقعة علي القضية الفلسطينية"، غزة، جامعة الأزهر، كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، (٢٠١٣).

١٦-إبراهيم أبراش، "البعد القومي للقضية الفلسطينية"، أطروحة دكتوراه، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، (١٩٨٧).

١٧-عبد الحكيم عامر محمود، "الدور الأمريكي في الجروب العربية الإسرائيلية في الفترة(١٩٤٨-١٩٨٢)، الجامعة الإسلامية بغزة، فلسطين، كلية الآداب، قسم التاريخ والآثار، (٢٠١١).

١٨-خلة محمود، "مصر والصراع العربي الإسرائيلي في الفترة (١٩٦٧-١٩٧٩)، أطروحة دكتوراه غير منشورة، بيروت، قسم البحوث والدراسات التاريخية، مركز دراسات الوحدة العربية، (٢٠٠٦).

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟