تداعيات الوباء .. كيف ستؤثر كورونا على النظام السياسي التركي؟
تشهد
تركيا على المستويين الداخلي والخارجي العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية
والعسكرية والتي كان لها التأثير على النظام السياسي التركي بصورة عامة وحزب
العدالة والتنمية بصورة خاصة، وبالإضافة إلى هذه العوامل فقد ظهرت تهديدات أخرى
جديدة تمتلك الكثير من التأثير على الأوضاع الداخلية والخارجية التركية كانتشار فيروس
كورونا المستجد في دول العالم ومن بينها تركيا، والذي تسبب في اتخاذ هذه الدول
للعديد من الإجراءات الاحترازية والتي اختلفت من دولة إلى أخرى وفق اعتباراتها
ومصالحها القومية، وبالنسبة لتركيا فإنها تشهد منذ 10 مارس 2020، تزايدًا في أعداد
الإصابات والوفيات والتي وصلت إلى 25 ألف إصابة وأكثر من 500 حالة وفاة.
ويجب
الإشارة هنا إلى التأثير الكبير لانتشار الفيروس في تركيا على مسار الأوضاع
الداخلية والخارجية المرتبطة بها بالصورة التي قد تمتد للتغيير في بنية النظام
السياسي ومستقبل حزب العدالة والتنمية الحاكم، وضمن نفس السياق فإن انتشار الفيروس
في تركيا يضيف أهمية متزايدة للكثير من هذه العوامل الراهنة التي تؤثر على مخرجات
العملية الداخلية والخارجية التركية والتي قد تتراوح تأثيراتها ما بين تراجع شعبية
الحزب الحاكم وما بين توظيف هذه القضية في تحقيق بعض النجاحات الداخلية والخارجية.
ملفات متشابكة
يرتبط
انتشار فيروس كورونا بالكثير من الأوضاع الداخلية والخارجية التركية والتي تكونت
ملامحها قبل انتشار هذا الوباء ومن ثم استمرت أهميتها بعد انتشاره، وهو ما يمكن أن
يؤثر على توجهات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على المستويين الداخلي
والخارجي، فقبل انتشار الفيروس في تركيا تعرضت لمجموعة من الأزمات الداخلية
والخارجية والتي تمثلت أهمها على النحو التالي:
1) تصاعد المعارضة
الداخلية للحزب
تشهد
تركيا داخليًا حراكًا من جانب الأحزاب المعارضة لمواجهة حزب العدالة والتنمية خاصة
من جانب حزبي الشعب الجهوري وحزب الشعوب الديموقراطي الذين تمكنوا من الحصول على
الكثير من المكاسب الداخلية في مواجهة حزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات
البلدية التي عُقدت في مارس 2019، بالإضافة إلى اعتزامهم تكوين تحالفات مع بعض
الأحزاب الجديدة في الضغط على سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن قبل
أظهرت نتائج الاستفتاء على الدستور في 17
أبريل 2017، تراجعًا في نسبة التأييد لأردوغان. والتي مررت التعديلات بفارق ضئيل
جدًا في نسبة التصويت؛ حيث بلغت نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية (51.4%)، وبين
المصوتين ضد التعديل في الاستفتاء (48.6%) وهو فارق ضئيل يؤشر على تراجع مكانة
الحزب في الشعبية الداخلية.
2) الانشقاقات الداخلية
في الحزب
شهدت
تركيا خلال المرحلة الماضية الكثير من التفاعلات الداخلية على مستوى الأحزاب
السياسية، خاصة مع إعلان كل من أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان تأسيسهما حزبين
جديدين -حزب المستقبل وحزب الديموقراطية والتقدم- لمواجهة حزب العدالة والتنمية
اللذان كانا من المؤسسين له، وتمثل هذه التحولات بداية للتأثير في الساحة السياسية
التركية في الانتخابات المقبلة بسبب التحركات المعلنة وغير المعلنة بين اطراف
سياسية فاعلة تسعى للدخول الى مسار المنافسة ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم
وقياداته،
3) الأزمات الاقتصادية
الداخلية
تعاني
تركيا من العجز في ميزان تجارتها الخارجية، بالإضافة إلى أن وارداتها أكبر من
صادراتها، وهو ما يصيب الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بالعجز الكبير، كما فقدت
الليرة التركية لما يقارب 20% من قيمتها، وزادت معدلات البطالة والتضخم الداخلي، ومن
ثم تم إرجاء استكمال كافة المشروعات الداخلية، وعلى الرغم من ارتفاع النمو
الاقتصادي التركي إلى مستويات غير مستدامة من خلال الإنفاق وسياسات الضرائب. إلا
أنه تم تعطيل السياسات الاقتصادية طويلة الأمد؛ حيث تم إيقاف العمل بسبب هذه
الأزمات.
4) العقوبات الدولية
تواجه
تركيا مجموعة من الضغوط الإقليمية والدولية في مواجهة تحركاتها الخارجية في الكثير
من المناطق في سوريا والعراق وفي ليبيا وكذلك في ملف الغاز في منطقة شرق المتوسط،
بالإضافة إلى توجهاتها الخارجية تجاه التعاون مع روسيا وهو ما دفع كل من الولايات
المتحدة والدول الأوروبية إلى فرض مزيد من العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية
عليها.
5) تفشي فيروس كورونا
في ظل
التوجهات التركية التي يتبناها حزب العدالة والتنمية والقائمة على الانخراط في
الكثير من ملفات وقضايا المنطقة فقد أولى الحزب في توجهاته إلى الصناعات العسكرية
وتحقيق أجندته الإقليمية دونما الاعتبار لباقي القطاعات ومن بينهم القطاع الصحي، والذي
أظهرت نتائج انتشار الفيروس تراجع الخدمات بداخله إذ تتسارع عدد الإصابات والوفيات.
تأثير ممتد
هناك
الكثير من المؤشرات التي تدل على إمكانية تأثير انتشار الفيروس على تركيا داخليًا
وخارجيًا والتي تتداخل فيما بينها لتشكل عامل مؤثر على بنية النظام التركي خاصة
أنها تأتي بالتوازي مع مجموعة الضغوط الداخلية والخارجية الغير مرتبطة بصورة
مباشرة بهذا الفيروس، وفيما يلي أهم هذه التأثيرات:
1) تراجع شعبية العدالة
والتنمية
يواجه
حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا مجموعة من الضغوط والتي من أهمها خسارة
الحزب للكثير من المدن الكبرى خاصة مدينتي أنقرة وإسطنبول في الانتخابات البلدية
الأخيرة والتي ساهمت بصورة كبيرة في التأثير على قدرة الحزب على الحفاظ على
شعبيته، بالإضافة لذلك الانشقاقات الداخلية في الحزب والتي حاول الرئيس التركي
مواجهة هذه التحركات من جانب المعارضة أو من جانب كل من أحمد داوود أوغلو وعلي
باباجان وتأسيسهما حزبين سياسيين جديدين من داخل حزب العدالة والتنمية، وهذه
العوامل من المؤكد أن تؤثر على مستقبل الحزب في الانتخابات المزمع انعقادها في عام
2023، ولعل هذه التوجهات الداخلية في ظل انتشار فيروس كورونا وتدني مستوى الرعاية
الصحية سوف يؤثر على شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم والتي يمكن أن تستثمرها
الأحزاب المعارضة في تعزيز شعبيتها بالنسبة للرأي العام التركي ويزيد من أهمية ذلك
أن المعارضة أصبحت أكثر قدرة على التأثير في الأوضاع الداخلية التركية، وهو ما ظهر
بصورة واضحة في التأثير على الانتخابات البلدية وكذلك نتائج الاستفتاء على
الدستور.
2) توظيف انتشار الفيروس
في ظل التدهور
الداخلي الذي تشهده تركيا وخاصة فيما يتعلق بملف اللاجئين، يمكن لتركيا توظيف هذا الملف
واستثماره في توجهاتها الخارجية في مواجهة ضغوط دول الاتحاد الأوروبي؛ حيث تحاول
تركيا تعزيز موقفها في مواجهة هذه الضغوط بسبب التخوفات الأوروبية بصورة خاصة
والدولية بصورة عامة من تفاقم أزمة اللاجئين وإمكانية انتقال وانتشار الفيروس في
مخيماتهم في ظل تدني مستوى الخدمات الطبية المقدمة لهم، ويزيد من قدرة تركيا على
استثمار هذا الأمر ما تشهده الدول الأوروبية وبخاصة الكبرى منها من تفشي وانتشار هذا
الفيروس في الحصول على مساعدات دولية يمكن أن تزيد من قدرتها على تجاوز أزماتها
الداخلية.
انعكاسات محتملة
من
المحتمل أن ينعكس انتشار فيروس
كورونا المستجد على المستويين الداخلي والخارجي للسياسة التركية، خاصة وأن هذه
التطورات الأخيرة المتعلقة بظهور هذا الفيروس تأتي بعد سلسلة من الفعاليات
الداخلية والخارجية المرتبطة بصورة مباشرة بالأوضاع التركية، وفيما يلي أبرز هذه
السيناريوهات:
1) استمرار الهيمنة
يمثل هذا
السيناريو امتدادًا لسيطرة حزب العدالة والتنمية الإسلامي على مفاصل الدولة
وتوجهاتها الداخلية والخارجية، خاصة بعد العديد من السياسات التي كانت وما زالت
تؤسس لمثل هذه السيطرة، وفي هذا الشأن، يذكر أن بعد ما سُمي بمحاولة الانقلاب
الفاشل في 15 يوليو 2016، والتي تبعها العديد من السياسات التأميمية والقبض
وانتهاك حقوق الإنسان، ومحاصرة المجال العام بما يعزز فرص توغل الحزب، وضمن نفس
السياق قد يستغل الحزب حالة انتشار فيروس كورونا لتعطيل كافة الاستحقاقات
الانتخابية وتوظيف ذلك في الحصول على دعم دولي في مواجهة أزمة اللاجئين وانتشار
الفيروس في هذه المناطق.
2) تحالف الأحزاب المعارضة
وفق هذا
السيناريو يمكن أن تقوم الأحزاب المعارضة والأحزاب الوليدة المنشقة عن حزب العدالة
والتنمية الحاكم بالتحالف ضد الرئيس التركي أردوغان وحليفه حزب الحركة القومية،
خاصة بعد نتائج الاستفتاء الأخير في 17 أبريل 2017، والذي شهد تراجع نسبة التأييد
لأردوغان. والتي مررت التعديلات بفارق ضئيل جدًا في نسبة التصويت، حيث بلغت نسبة
المؤيدين للتعديلات الدستورية (51.4%)، وبين المصوتين ضد التعديل في الاستفتاء
(48.6%)، ولعل الفارق الضئيل بين الأصوات المعارضة والمؤيدة للتعديلات الدستورية
كشف النقاب عن تراجع مكانة حزب العدالة والتنمية، وخسارته لأهم معقلين تصويتين هما
إسطنبول وأنقرة واللتان كانتا يصوتان لصالح الحزب من قبل.
وضمن هذا
السياق ما شهده حزب العدالة والتنمية من تراجع في الانتخابات البلدية الأخيرة التي
تم عقدها في مارس 2019، ويضيف من أهمية هذا التحالف أنه يمكن للأحزاب المعارضة
استثمار الضغوط الإقليمية والدولية على الحزب في تعزيز التأييد الشعبي لهذا الحراك
الداخلي بالإضافة إلى انتشار الفيروس في تركيا في ظل تدني مستوى الخدمات الصحية
والذي يمكن إرجاعه إلى تخصيص الموارد الاقتصادية للقطاعات العسكرية والدور الخارجي
دونما الاعتبار للمصالح الداخلية التركية.
ختامًا: من
المؤكد أن خريطة جديدة للتفاعلات ستظهر بصورة واضحة في تركيا خلال المرحلة القادمة
بسبب تأثير مجموعة من العوامل والتي من أهمها انتشار الفيروس المستجد وما له من
تداعيات قد تمتد إلى التغيير في هيكلية النظام السياسي وحدود دور المعارضة.
المراجع
1) بعد استقالة باباجان..
ما مستقبل حزب العدالة والتنمية التركي ووحدته؟، على الرابط: https://cutt.us/btMUY
2) تركيا في مواجهة
كورونا.. سجال متصاعد بين الحكومة والمعارضة، على الرابط: https://cutt.us/axYOW
3) بعد كورونا.. انتظروا دور تركيا في عالم جديد، على الرابط: https://www.turkpress.co/node/70240