أزمات متلاحقة ...محددات التصعيد الأمريكى الإيرانى في الشرق الأوسط
تزايدت
حدة التوتر بين الولايات المتحدة المتحدة الأمريكية وإيران في المنطقة منذ فترة
ليست بالقصيرة، ولكن كانت حادثة اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس التابع للحرس
اللثورى الإيراني في يناير 2020 بمثابة
القشة التي قسمت ظهر البعير، والتي ظهرت على إثرها كثير من التدعيات السلبية لهذا
الحدث، وهو الأمر الذي تمثل في إصرار طهران على الإنتقام لسليمانى والقيام بهجمات
متتالية على المصالح الأمريكية في المنطقة ولاسيما في العراق معقل النفوذ الأمريكى
في الشرق الأوسط.
كما يوجد
عدد من القضايا الخلافية بين الطرفين والتى تتمثل في الإتفاق النووى الذي خرجت منه
الولايات المتحدة الأمريكية في مايو لعام 2018؛ حيث يعد أحد أبرز القضايا العالقة
والتى يمكن القول أنها بمثابة الدافع لكل ما وصلت إليه العلاقات بين البلدين من
تصعيد خلال الفترة الحالية، وهو الأمر الذي أدى لوجود عدد من التصريحات المتراشقة
بين وزيرى خارجية الدولتين على خلفية سوء الإدارة وانعدام الشفافية المرتبط بأزمة
تفشي فيروس (كوفيد 19 ) المعروف بكورونا في إيران، ورفض واشنطن لرفع العقوبات عنها.
أولاً- الاتفاق النووى...بين
الترغيب والترهيب
على
الرغم من أن طهران مازالت ملتزمة بخطة العمل المشتركة الشاملة التى عقدتها مع دول
(5+1) في عام 2015؛ إلا أن هناك حالة من التصعيد المتبادل بين طهران من جانب
والولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها من جانب أخر ، لاسيما بعد خروج هذه الأخيرة
منه في عام 2018 . وعليه، توالت الإنتهاكات الإيرانية فيما بعد، الأمر الذي تمثل
في تجاوز الحد الأدنى المنصوص عليه ضمن الاتفاق النووى لتخزين اليورانيوم المخصب، استئناف
العمل داخل منشأة فوردو ، فضلاً عن تشغيل أجهزة طرد مركزى متقدمة.
وعليه،
حدثت موجة غير مسبوقة من التصعيد المتبادل بين الطرفين تمثلت في تقديم الولايات
المتحدة الأمريكية لحوالى 12 شرطًا لطهران إذا ارادت عقد اتفاق نووى جديد؛ تمثل
أبرزها في التوقف عن دعم الميليشيات التابعة لها في المنطقة، الامتناع عن تهديد
مصالح واشنطن وحلفاءها، فضلاً عن تقديم تقرير مفصل للوكالة الدولية لطاقة عن
الذرية عن أبعاد البرنامج النووى الحالى(1). يتوازى ذلك، مع اقتراح
الدول الأوروبية استخدام ألية فض النزاع؛ حيث اعلنت الدول الأوروبية الأطراف في
الاتفاق النووى (المانيا، بريطانيا وفرنسا)، خلال بيان مشترك في 14 يناير2020 العمل على تفعيل
الألية التى ينص عليها الاتفاق النووى بهدف إلزام طهران بالعودة إلى احترام تعهداتها.
وتتمثل أبرز التداعيات السلبية التى يمكن أن تنتج عن تفعيل هذه الألية في إمكانية
فرض عقوبات على طهران من جانب الأمم المتحدة(2).
ثانيًا- التوتر في العراق
واليمن...بين مساندة الحلفاء والدفاع عن المصالح
قامت
الولايات المتحدة الأمريكية في 12 مارس 2020 بشن هجمات انتقامية على مواقع لتخزين الأسلحة
تستخدمها جماعة كتائب حزب التابعة لطهران في العراق، على خلفية قيام هذه الجماعة
بهجوم صاروخي كبير على قاعدة التاجى الأمريكية بالعراق في اليوم السابق، الأمر
الذي أسفر عن مقتل جنديين أميركيين وعسكري بريطاني. وتأتى هذه الهجمات على خلفية،
حالة التصعيد المستمرة بين الطرفين الأمريكى والإيرانى في المنطقة، خاصًة بعد
حادثة اغتيال سليمانى والتهديدات التى صرح بها المسؤولون الإيرانيون في ذلك الوقت
باستمرار الانتقام لسليمانى لسنوات عدة قادمة(3).
وردت
الولايات المتحدة الأمريكية على التهديدات، مؤكدة أنها لن تتسامح مع أي هجمات على على شعبها، مصالحها أو مصالح
حلفاءها، فضلاً عن رغبتها في الخروج من العراق، ويمكن الاستشهاد بحديث قائد المنطقة
المركزية الجنرال كينيث ماكنزي في 14 مارس 2020، عندما قال في ذلك:" لن نترك
العراق، إن الأكراد يريدوننا أن نبقى، والسنّة أيضاً ونصف الشيعة". الأمر
الذي يمكن القول أنه يأتى في إطار الاستراتجية الأمريكية الجديدة التى ترغب واشنطن
باتباعها في التعامل مع إيران في المنطقة، وهى فرض السيطرة من جانبها باعتبارها
الطرف الأقوى(4).
أما
فيما يتعلق باليمن، وفي إطار رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في دعم جهود حليفتها
المملكة العربية السعودية، أعلنت واشنطن رغبتها في تنفيذ اتفاق الرياض الذي وقعته السلطات
السعودية في 5 نوفمبر 2019 بين التحالف الدولى لدعم الشرعية والمجلس الانتقالى الذي
تدعمه أبوظبي، على خلفية أحداث العنف الأخيرة المتصاعدة في الجوف وما يمكن أن يحدث
في مدينة مأرب فيما بعد.
ويأتى
ذلك، بعد إصدار مكتب حقوق الإنسان بصنعاء في 15 مارس 2020، تقريره الحقوقي حول انتهاكات
ميليشيا الحوثي فيما يتعلق بحقوق المدنيين والممتلكات العامة والخاصة، ورصد التقرير أكثر من 18 ألف جريمة ارتكبتها ميليشيا الحوثي في
صنعاء خلال عام واحد، الأمر الذي شمل حالات قتل خارج القانون وإخفاء قسري وتعذيب ونهب
ممتلكات وغيرها. لذا، ترغب الولايات المتحدة الأمريكية من خلال هذه الجهود الحد من
نفوذ جماعة الحوثي التابعة لإيران في اليمن(5).
ثالثًا- كورونا ...بين سوء الإدارة وغياب
الشفافية
تزايدت
حدة التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بعد تفشي فيروس (كوفيد19)،
الأمر الذي خلف عدد كبير من الإصابات والضحايا؛ حيث
نددت واشنطن على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو بسوء إدارة السلطات الإيرانية
للأزمة، فضلاً عن تأخرها في إتخاذ بعض التدابير الاحترازية التي من شأنها الحد من
تفشي الفيروس. وهو الأمر الذي ردت عليه طهران بأنها تواجه حربًا بيولوجية من قبل
الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما علق عليه قائد الحرس الثورى الإيراني حسين
سلامى، قائلاً:" إننا نواجه اليوم حربا بيولوجية، إلا إن البلاد تقاوم، إن
العدو مازال يؤكد على الضغوط الاقتصادية والحرب النفسية، ويستغل أي فرصة للتضييق على
شعبنا، فالعدو بصدد استغلال التطورات الاقليمية لصالحه، ولكن بعد استشهاد الحاج قاسم
تغيرت الظروف الاقليمية بشكل خارج عن تصور العدو، فمن أجل أن نتغلب على العدو علينا
أن نصبح أقوياء، ومن أجل تجاوز هذه الظروف علينا أن نتغلب على الأعداء(6).
فعلى الرغم من رفض طهران العرض الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لها بتقديم بعض المساعدات التى من شأنها مساعدتها على تخطى أزمة فيروس كورونا، ولكنها طالبت واشنطن في مرحلة لاحقة بتخفيف بعض العقوبات الاقتصادية، أو إزالة بعض منها وهو الأمر الذي تلقته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرفض القاطع، وبررت واشنطن ذلك، بأنه لايمكن الوثوق بالنظام في توجيه أي أموال قد يحصل عليها من وراء تخفيف العقوبات إلى النشاط الإنساني. ولكن المؤكد أن النخبة ستقوم باستخدامها لصالح تمويل الجماعات التابعة لها في المنطقة. وهو الأمر الذي رد عليه الرئيس الإيرانى حسن روحانى، قائلاً:" أمريكا مسؤولة عن جزء من البطالة وصعوبة الحياة وعدم الاستثمار في إيران، ومسؤولة عن نقص بعض الأدوية في إيران .. أمريكا تتحمل مسؤولية جرائمها في إيران وهي ترتكب أكبر الجرائم في المنطقة .. أمريكا تمنع عنا مياه النبع وتعرض علينا كأسا من الماء العكر .. لا نريد كأس الماء العكر الذي تعرضه أمريكا، كما أن إرهابها بات واضحًا للعالم، لذا، فإن إدعاءها بالرغبة في مساعدتنا بات إحدى الأكاذيب الكبري في التاريخ"(7).
الهوامش
1.
هشام رشاد، اتفاق إيران النووي في 2019.. انتهاكات ومآلات
متوقعة، العين الإخبارية، 25/12/2020، متاح على الرابط التالي:
https://al-ain.com/article/iran-nuclear-enrichment-reactor-enrichment.
2.
الأوربيون يفعلون آلية فض
النزاع النووي مع إيران، وكالة الأنباء الألمانية (دويتشة فله)، 14/1/2020،
متاح على الرابط التالd:
3.
ردًا على هجوم قاعدة
التاجي.. أمريكا تضرب كتائب حزب الله في
العراق، مصراوى، 13/3/2020، متاح على الرابط التالي:
4.
واشنطن: لن نترك العراق..
وترمب أعطى الأوامر، العربية.نت، 14/3/2020، متاح على الرابط التالي:
5.
صنعاء.. 18 ألف انتهاك
حوثي في عام واحد، العربية.نت، 15/3/2020، متاح على الرابط التالي:
6. - قائد الحرس الثوري: فيروس
كورونا قد يكون هجوم بيولوجي يستهدف إيران والصين، cnn بالعربية، 6/3/2020، متاح على الرابط
التالي:
7.
روحاني: على أمريكا رفع العقوبات
إذا كانت تريد مساعدة إيران في مواجهة كورونا، روسيا اليوم، 23/3/2020،
متاح على الرابط التالي: