هل يتحول إسلاميو اريتريا لخيار العلمانية أم هي خديعة تقف تركيا وراءها؟
كشفت التغيرات الأخيرة التي
أعلنها "الحزب الإسلامي الإريتري للعدالة التنمية" بشأن تحوله إلى الطرح
المدني وتغيير اسمه لـ "حزب الوطن الديمقراطي الإريتري"
"حادي" عن موجه من الجدل داخل الأوساط السياسية بشأن دوافع الحزب لهذا
الإجراء، ورغم مرور أشهر على هذا الإعلان إلا أن علامات الاستفهام لاتزال مثارة،
لاسيما في ظل الدعم التركي والقطري له على مدار السنوات الأخيرة، فهل هذه التغيرات
نابعة من قناعات داخلية للحزب أم أن انقسامات وتشرذمات قيادية أفضت لهذا التغيير.
خلفية تاريخية عن الحركة الإسلامية في اريتريا
بدأت
نواة تأسيس "حزب العدالة والتنمية الإريتري" عام 1988، تحت مسمى
"حركة الجهاد الإسلامي الإريتري" أثناء مقاومة الاحتلال الإثيوبي، لتشكل
هذه الخطوة نقلة نوعية في مسيرة العمل الإسلامي والوطني داخل اريتريا، كما يعتبر
بمثابة بداية لتوجه الحزب نحو حشد الصفوف واستقطاب المريدين.
وفي
أغسطس عام 1998عقب المؤتمر الثالث، تم تغيير اسم الحركة إلى "حركة الخلاص الإسلامي
الاريتري، في حين تم الاستقرار على مسمى "الحزب الإسلامي الإريتري للعدالة
والتنمية" عام 2004، وأكدت الوثيقة التأسيسية للحزب أنه يعتبر بمثابة امتداد
لمجاهدات المسلمين عبر الزمان.
في
المقابل هناك اتجاه آخر يرى أن التاريخ السياسي الاريتري لم يشهد سابقة حقيقة
وقوية لنشوء الأحزاب السياسية الدينية، حتى أن حزب "الرابطة الإسلامية"
الذي نشأ خلال أربعينات القرن الماضي لم يجسد الإسلام السياسي بالمعنى الحقيقي، بل
كانت الرابطة بمثابة حزب سياسي مستقل يتخذ من العبارات الدينية شعارًا له ليس أكثر.
أما
على المستوى الميداني لم يكن هناك أي علاقة بين أطروحاته وأطروحات الأحزاب
الإسلامية الحالية، لذا لا يمكن الجزم بوجود تجارب سياسية ذات مرجعية إسلامية
حقيقية متجذرة في اريتريا، ربما كانت تجارب في زي إسلامي إلا أن جوهرها وممارساتها
لم تعبر عن ذلك مطلقًا(1).
ماذا وراء المراجعات الفكرية للحزب؟
لم يكن المؤتمر السادس لـ
"حزب العدالة والتنمية الإريتري" الذي انعقد في سبتمبر 2019، المحاولة
الأولى لتغيير جلده، فقد أجرى الحزب خلال السنوات الماضية محاولات للاندماج والانخراط مع الأوضاع المحلية
والإقليمية والدولية إلا أنه لم يكشف مسبقًا عن نيته إجراء تعديلات ومراجعات فكرية
وأيديولوجية باستثناء إعلان تخليه عن الخيار العسكري بعد إعلانه في بداية
التسعينيات تحوله من حركة الجهاد الإسلامي الإريتري إلى الحزب الإسلامي الإريتري.
مما سبق نصبح أمام عدة
تساؤلات، فهل أجرى الحزب بالفعل مراجعات فكرية تستهدف الانفتاح على الآخر كما ورد
في نص بيانه السادس، لاسيما في ظل مجتمع يدين غالبيته بالإسلام والمسيحية، أم أن
محتوى البيان لا يعكس إلا تغيرات شكلية طفيفة للاستجابة إلى تغيرات محيطة بغية
تحقيق مصالح خاصة في نهاية المطاف.
ولابد
أن نأخذ في الاعتبار الدورين التركي والقطري فيما يحدث مؤخرًا من تطورات، فالجماعات
الإخوانية الاريترية تحاول إعادة تنظيم نفسها من جديد عبر دعم تركي وقطري بغية تنفيذ أهداف وأجندات بعينها داخل هذه
المنطقة، وهذا ما يفسره إعلان رابطة علماء اريتريا في ابريل 2019 بشأن افتتاح فرع لهم في تركيا، لتكشف
الرابطة عن وجهها الحقيقي وبشكل ضمني اتجاهها نحو توسيع نشاطاتها داخل وخارج
البلاد بدعم معارضيها من أجل زعزعة استقرارها وضرب التحولات التي تمت عقب عودة
العلاقات الإثيوبية الإريترية.
في
المقابل وجهت وزارة الإعلام الاريترية في
بيان لها اتهامها "لحزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، ومركز
الخدمات التشغيلية القطري، بدعمهم المعارضة الإريترية لتنفيذ أجندات تخريبية خاصة
بهم داخل البلاد، ومن الجدير بالذكر تشهد المحاولات العدائية التركية تصاعد كبير
بغية عرقلة محاولات السلام والتطورات الايجابية بمنطقة القرن الإفريقي(2).
وفي
سياق الحديث عن المحاولات العدائية داخل إريتريا، اتهمت حكومة اسمرا في مارس 2018
الحكومة القطرية بالسعي نحو تنفيذ خطط لتنظيم أنشطة سياسية وعسكرية ضد حكومة
الرئيس "أسياس أفورقي"، بينما كشفت تقارير تورط عناصر سلفية وإخوانية
إريترية بالتنسيق مع تنظيمات إرهابية في الصومال واليمن والمغرب للقيام بعمليات
تفخيخية بمنطقة القرن الإفريقي لإشعال التوترات والقضاء على أي محاولات لنشر
السلام بالمنطقة.
جدير
بالذكر أن التركيبة الإخوانية المتلقية لأجندات خارجية تتآلف من أكثر التنظيمات
الإرهابية تطرفًا وفتكًا كالجماعة السلفية الجهادية وتنظيم القاعدة وحركة الإصلاح،
في حين تسعى هذه الكيانات لإشعال الصراع الطائفي القبلي في القرن الأفريقي لضرب
أمنه واستقراره، تمهيدا لتسويق مشروعها.
ومن
أبرز الشخصيات التي تتشكل منها الرابطة، رئيس حزب المؤتمر الإسلامي والعضو الحالي
في مكتب التخطيط الاستراتيجي وجماعات المجاهدين، التي قامت بارتكاب جرائم ضد
المواطنين غرب البلاد خلال السنوات الماضية، كما ينضم للرابطة عدد من قيادات
وأعضاء حزب العدالة والتنمية الإريتري، وهو ما يثر علامات استفهام بشأن دوافع
التطورات الأيديولوجية الأخيرة بشأنه.
رؤى متعارضة
تعددت التحليلات بشأن الإجراء
الأخير للحزب الإسلامي الإريتري ما بين رؤى إيجابية متشوقة لتجربة سياسية جديدة
أكثر ثراء للحزب في ظل تجرده من الثوب المتشدد، وأخرى رؤى سلبية ترى أن توجه الحزب
الأخير مجرد إجراء صوري يستهدف تحقيق مصالح خاصة، إلا أنه في باطنه متمسك
بأيديولوجيته الدينية وما ورد في أدبياته السابقة.
التيار المتفائل
يرى هذا التيار أنه منذ تأسيس
الحركة الإسلامية الاريترية في سبعينيات القرن الماضي، كانت شديدة التأثر
والارتباط بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية والفكرية المحيطة، وهو ما يمكن ملاحظته
في أدبياتها ومواثيقها السياسية، ومن ناحية أخرى لا يمكن تجاهل وجود صلة وثيقة
بينها وبين الحركات المشابهة، ما يفسر جدوى تحررها واتجاهها نحو إحداث تغيرات خاصة
بها، لاسيما وأن تلك الارتباطات ترتكز على البعدين الفكري والأيديولوجي.
وبناءًا على ما سبق يمكن توضيح
ما جرى في المؤتمر السادس للحزب الإسلامي الإريتري للعدالة والتنمية، بأنه كان
بمثابة محاولة لوضع حل لمعضلتين تتمثل الأولى في محاولة فك الارتباط الأيديولوجي
من جهة، ومن جهة أخرى العمل على فصل المؤسسات الدعوية والثقافية والاجتماعية عن
العملية السياسية(3).
التيار المتشكك
يرى هذا التيار أن الحزب لم
يعلن صراحة تبنيه العلمانية،
فسيناريو الانقطاع والانعزال
تماما عن الولاء والبيعة أمر مستبعد، فالحزب يسعى لتحقيق أهداف معينة منها تحقيق
مزيد من الحشد عبر اختيار اسم عام وأشمل يقلل من حدة التناقض مع الطرف المغاير، وتجاوز
إشكالية الفرز السياسي التي يقوم بها المجتمع الدولي والإقليمي.
فكما نرى حاليا يشهد الوضع
الإريتري حالة من الزخم لاسيما مع استمرار السجال بين التيارين العلماني والذي
يدعو للفصل التام بين الدين والسياسة وتكمن مشكلة هذا التيار في الازدواجية بين
أفكاره المعلنة وممارسته الواقعية فنجد مثلا أن النظام السياسي الإريتري على مدار
ثلاثة عقود يكرس سيطرته ومركزيته على المؤسسات الدينية والعمل على تجريدها من كافة
صلاحياتها واستقلاليتها.
في المقابل يرفض التيار الآخر
المبادئ العلمانية، ويشمل هذا التيار كافة الحركات الإسلامية وبعض المؤسسات
الدينية بما فيها المسيحية، ويبدو أن المستجدات الدولية والإقليمية وكذلك المحلية
ليست لصالحه، وربما يفسر ذلك أسباب تخلي الحزب الوطني عن إفراطه في الجمود.
وهناك قراءة أخرى لا يمكن
تجاهلها بشأن التحول الأخير في الحزب، فربما يعبر هذا التحول عن ضرورة سياسية أكثر
من كونه تحول ممنهج، فبالرغم من ادعاءات قادة الحزب أن هذا التغير نتاج نقاشات
مطولة وقناعات داخلية إلا أنه بقراءات كتابات المنتميين للحزب نجد أنهم لازالوا
متمسكين بنفس مفرداتهم في خطاباتهم وأحاديثهم كإسلاميين(4).
فالحزب على مدار السنوات
الماضية عمل على تأهيل كوادره أكاديميًا على أساس ثابت وأيديولوجية إسلامية رصينة،
ومن ثم فإن التخلي عن الأيديولوجية يعني ضمنيًا انهيار الحزب ووفقًا لهذه الرؤية
فإن الإعلان عن تبديل أيديولوجية الحزب يحتمل معنيين؛ أولا في حالة الجدية فإن
عواقب ذلك ستكون انهيار الحزب تمامًا، والمعنى الآخر أن الحزب يدعى تبديل
الأيديولوجية بغية تحقيق أهداف معينة إلا أن جوهره يحتفظ بالمبادئ الدينية التي
بني عليها بالأساس.
لذلك
من المرجح أن الإجراء الأخير للحزب لا يعكس القناعات الداخلية له فمن الصعوبة
المطلقة أن يجري الحزب قطيعة فكرية حقيقية لاسيما وأن الانتماء للحزب مبني بالأساس
على مبدأي الولاء والبيعة، وهي السمات الأساسية التي تبنى عليها الأحزاب
العقائدية، ومن ثم ستكون أبرز عواقب إعلان تحول الحزب الأخير، عدم قدرته على استيعاب أشخاص جدد لم يخضعوا لتربية تنظيمية،
وحتى لو حدث ذلك؛ فإن المنتمين الجدد لن يشعروا بالانتماء العميق له، خاصة أن
الحزب يدّعي فتح أبوابه لجميع الإريتريين مسلمين ومسيحيين وهو أمر غير قابل
للتحقيق.
يعزز
من الدور التركي ما سبق واشرنا له من حيث فتح جميع الأبواب لاستقطاب المعارضة
الإسلامية الإريترية وفتح أبواب لها كما حدث في ابريل 2019، لنجد بذلك أن حزب
العدالة والتنمية التركي يحاول تكرار سيناريو جيبوتي مرة أخرى فبعد أن تمكن من
اختراق تلك الدولة عبر بوابة المساعدات الإنسانية والغذائية؛ لإحكام القبضة على
ثرواتها الطبيعية الهائلة، وعلى رأسها النفط والنحاس والذهب، يحاول تكرار
السيناريو ذاته في اريتريا إلا أن الحكومة في اسمرا أفشلت جل المخططات التركية.
وربما
هذا ما دفع أردوغان لتفعيل منهجية جديدة للتوغل داخل اريتريا عبر آليتين الأولى من
خلال استغلال الإريتريين المقيمين في تركيا، خصوصاً من يعتنقون أفكار جماعة
الإخوان المسلمين، لذلك قامت الحكومة التركية بتأسيس رابطة خاصة بهم تتخذ من مدينة
إسطنبول مقرًا لها، وارتكز هدفها الأساسي على الترويج لأفكار العثمانيين الجدد
كذلك شن هجوم على حكومة اسمرا عبر رفع شعارات دينية بغية حشد واستقطاب الفقراء،
والأفارقة المقيمين في تركيا، وفي الداخل الإريتري.
أما البعد
الثاني فيتمثل في إجراء عدة تغيرات هيكلية لدى الأحزاب الإسلامية كما حدث مع حزب
العدالة والتنمية الإريتري لفتح الأبواب وتهيئة الأجواء لمزيد من التغلغل التركي
عبر تلك البوابة.
المراجع
1ـ هل تحوّل إسلاميو إريتريا نحو المدنية؟، موقع حفريات، بتاريخ 24/2/2020،
متاح على الرابط:
2ـ محمد مصطفى، حزب “حادي”.. هل
يدشن مرحلة جديدة في إريتريا ضد نظام أفورقي؟، موقع سودان بوست، بتاريخ29/10/2019،
متاح على الرابط:
https://www.sudanpost.info/zzzz-199/
3ـ "علماء إريتريا"..
ذراع إخوانية للإرهاب التركي القطري بالقرن الأفريقي، موقع العين الإخبارية،
بتاريخ 5/4/2019، متاح على الرابط:
https://al-ain.com/article/brotherly-turkish-qatari-terrorism-africa
4ـ د.حامد محمد حالفه يكتب : من
وحي المؤتمر السادس للحزب الأرتري المعلم ” حادي “… تاتي ، تاتي ..خطوات متدرجة
نحو الحزب الوظيفي الرشيد، وكالة زاجل الإرترية للأخبار, بتاريخ 31/10/2019، متاح
على الرابط: