استمرار الضغوط .. مسارات الردع للسياسات التركية في ليبيا
برزت العديد من الآليات التي من شأنها محاصرة التدخل
التركي في الأزمة الليبية أو في منطقة شرق المتوسط، خاصة بعدما أعلنت أنقرة
استعدادها للتواجد الميداني من خلال قوات عسكرية نظامية أو من خلال الجماعات
المسلحة التابعة لها من مناطق النزاعات في سوريا والعراق، جاء ذلك بعدما أعلن
المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن عدد من العناصر المسلحة التي نقلتها تركيا إلى
ليبيا وصل حد 300 عنصر مسلح، فيما يتلقى الكثير منهم التدريب قبل الذهاب لطرابلس
في المعسكرات التركية في منطقة عفرين السورية. وبالتوازي مع ذلك أعلنت تركيا تعجيل
موعد انعقاد البرلمان لمناقشة تفويض إرسال جنود إلى ليبيا، في 2 يناير 2020 بدلًا من
الموعد السابق الذي حدده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في يومي 8 و9 من نفس الشهر،
ولعل هذه الإجراءات أنتجت بيئة إقليمية
ودولية ضاغطة على التحركات التركية بما يفرض على أنقرة العديد من القيود.
مجابهة
شاملة
أعلنت العديد من الدول معارضتها للسلوك التركي التصعيدي
سواء فيما يتعلق بالتدخل على خط الأزمة الليبية أو في منطقة شرق المتوسط حيث الموارد
الاقتصادية الكبيرة والتي تتشارك فيها عدة دول إقليمية ودولية، ولعل هذا الأمر
تجلى بصورة واضحة من جانب العديد من الفاعليين سواء على المستوى السياسي أو
الاقتصادي أو العسكري وفيما يلي أبرز تلك الأدوات:
1) المستوى السياسي
تباينت التداعيات السياسية بين الدعوة إلى التنسيق
المتبادل بين دول المنطقة فيما يتعلق بالجانب الليبي أو فيما يتعلق بتسوية الأزمة المتعلقة
بترسيم الحدود الحدود البحرية بين دول منطقة شرق المتوسط، ولعل أبرز تلك الدعوات
تمثلت في مسار برلين السياسي الذي تدعمه فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا لتسوية
الأوضاع الداخلية الليبية، أو فيما يتعلق بمنطقة شرق المتوسط، وفي نهج سياسي تصعيدي
مغاير أعلنت اليونان في 5 ديسمبر 2019،
طرد السفير الليبي على خلفية الاتفاق بين حكومة الوفاق وتركيا، وفي نفس السياق؛ قام
وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بإجراء مشاورات حول كيفية الحد من التأثيرات السلبية
للاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية؛ خاصة في ظل الاهتمام الأوروبي بتحقيق الاستقرار
في هذه المنطقة، فيما يتعلق بتأمين احتياجاتها من الطاقة بعيدًا عن الجانب الروسي الذي
تشهد العلاقات معه توترات عدة؛ خاصة أن بنود الاتفاق تسمح لتركيا بالوجود في مناطق
تخضع للسيادة اليونانية والقبرصية، والتي تشهد نزاعًا طويل الأمد حول حقوق التنقيب
عن النفط والغاز شرقي البحر المتوسط.
وفي نفس الإطار عُقدت قمة ثلاثية بين رؤساء مصر واليونان
وقبرص في 8 أكتوبر 2019، تم التباحث فيها سبل تعزيز العلاقات بينهم والتأكيد على حقوق
الثلاث بلدان الأساسية في حماية ثرواتها النفطية، ودعم جهود قبرص للتوصل إلى حل للقضية
القبرصية على أساس قرارات مجلس الأمن. وأعلنت الدول الثلاث مواجهتها للأعمال الغير
مشروعة التي تقوم بها تركيا داخل منطقة شرق المتوسط وخاصة في المنطقة الاقتصادية الخالصة
(الجرف القاري) لقبرص.
بجانب ذلك أعلنت جامعة الدول العربية اجتماعًا طارئًا في 31 ديسمبر 2019، على مستوى المندوبين بناء على
طلب مصر لبحث التدخل التركي في أزمة ليبيا؛ حيث تقدمت القاهرة بمذكرة رسمية للجامعة
لعقد الاجتماع من أجل مناقشة تطورات الأوضاع في ليبيا، والتي تنذر بتهديد استقرار المنطقة،
داعية لاتخاذ موقف عربي في هذا الشأن.
ومن قبل بادرت مصر بتحقيق التقارب مع دول منطقة شرق
المتوسط من خلال استحداث منتدى غاز شرق المتوسط مقره العاصمة المصرية القاهرة، والذي
يمثل الآلية السياسية للدول المتوسطية لتحقيق تعاون فيما يتعلق بالتنسيق المتبادل بينهم
خاصة مع وجود احتياطات كبيرة من الغاز في هذا الإقليم تقدر بنحو 122 تريليون قدم مكعب
من الغاز الطبيعي، ويتضمن المنتدى الدول بالإضافة إلى مصر هي: إيطاليا، واليونان، وقبرص،
والأردن، وإسرائيل، وفلسطين، على أن تكون العضوية مفتوحة لمن يرغب بذلك.
على المستوى الداخلي تشهد تركيا حالة من المعارضة
الداخلية ممثلة في حزب الشعب الجمهوري الذي يعارض بصورة كبيرة إرسال جنود أتراك
إلى ليبيا خاصة في ظل العديد من الأزمات الداخلية السياسية التي تشهدها تركيا، ومن
ثم تزداد الضغوط على المستويين الداخلي والخارجي سواء على مستوى التحركات الفردية
للدول أو من جانب المعارضة أو من خلال التنسيق الجماعي لدول منطقة شرق المتوسط.
2) المستوى العسكري
شهدت منطقة شرق المتوسط العديد من المناورات العسكرية
التي من شأنها مواجهة الأخطار المتنامية في شرق المتوسط حيث شاركت
مصر في نوفمبر 2017 بمناورات عسكرية مشتركة مع اليونان في جزيرة رودس اليونانية منزوعة
السلاح لقربها من الأراضي التركية، كما شاركت اليونان في مناورات النجم الساطع عامي
2017 و2018 بعد إعادة إحياءها مرة أخرى في قاعدة محمد نجيب العسكرية المصرية، ويأتي
هذا التدريب الأخير كامتداد لتنامي علاقات الشراكة والتعاون العسكري بين القوات المسلحة
المصرية والدول الشقيقة والصديقة، وإظهار ما وصلت إليه القوات المشاركة من القدرة القتالية
العالية والمستوى الراقي من التدريب لمواجهة التحديات المتنامية بمنطقة البحر المتوسط،
وفي 3 نوفمبر 2019 أعلنت مصر عن انطلاق مناورات
عسكرية بحرية وجوية بالاشتراك مع اليونان وقبرص في البحر المتوسط، لمواجهة أي تهديدات
محتملة، وذلك وسط التوتر بينهم وبين تركيا حول التنقيب عن الغاز والنفط في المتوسط. وتتم
فعاليات التدريب البحري الجوي المشترك "ميدوزا - 9" بمشاركة عناصر من القوات
البحرية والقوات الجوية والقوات الخاصة المصرية واليونانية والقبرصية، والتي تستمر
لعدة أيام بمسرح عمليات البحر المتوسط بدولة اليونان.
في نفس
الإطار تباحثت مصر مع إيطاليا أبرز المستجدات العسكرية في منطقة شرق المتوسط فى إطار التشاور المتواصل بين مصر وإيطاليا حول ليبيا؛
حيث أجرى سامح شكرى وزير الخارجية المصرية، اتصالًا هاتفيًا مع "لويجى دى مايو"
وزير الخارجية والتعاون الدولى الإيطالي والتوافق على ضرورة العمل على تكثيف الجهود
فى سبيل استعادة الأمن والاستقرار فى ليبيا، مع رفض التدخلات العسكرية الأجنبية فى
الساحة الليبية، والتى من شأنها عرقلة مسار التوصل لتسوية سياسية شاملة تتناول معالجة
كافة جوانب الأزمة الليبية، وفى إطار مسار برلين السياسى، كما أكد الرئيسان الفرنسي
إيمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي على أن مذكرة التفاهم بين تركيا وحكومة
الوفاق الليبية تعارض القانون الدولي.
بالنسبة للموقف الروسي وفيما يتعلق بالاتفاق التركي مع حكومة
الوفاق الليبية دعا الرئيس فلاديمير بوتين إلى وقف الأعمال العسكرية في ليبيا، والتوصل
إلى حل يسمح بتوزيع صلاحيات الحكم بين الأطراف الليبية، وقال بوتين: إن روسيا على اتصال
مع جميع الفرقاء الليبيين، بما في ذلك رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، وقائد
الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، مشيرًا الى مشاورات تجريها موسكو مع تركيا ودول أوروبية
أخرى بهذا الإطار؛ خاصة بعد زيادة احتمال نقل تركيا قوات عسكرية إلى ليبيا وفق الاتفاق
الأمني.
على الجانب الآخر، أعلنت الولايات المتحدة من خلال
الكونجرس في 17 ديسمبر 2019 رفع الحظر العسكري المفروض على قبرص والمفروض عليها منذ
عقود، في خطوة تنطوي على تحدٍّ لتركيا عبر السعي لتعزيز العلاقات الأمريكية مع الجزيرة
المتوسطية، وسط التوتر المتصاعد بين أنقرة وواشنطن.
3) المستوى الاقتصادي
بالتزامن مع الأدوات السياسية والعسكرية برزت العديد من
الآليات الاقتصادية التي من شأنها مواجهة التحركات التركية ولعل العقوبات
الأمريكية كانت أبرز تلك الأدوات الضاغطة على تركيا؛ حيث فرضت الولايات عقوبات
اقتصادية على تركيا على خلفية إقامة الغاز الروسي، السيل الشمالي 2 أو نورد ستريم،
والسيل التركي أو ترك ستريم، وفي كل الأحوال تجد تركيا نفسها الآن في مأزق، ففي
حال رضوخها من أجل تجنب العقوبات الأمريكية عليها، فستغضب الحكومة التركية القيادة
في موسكو، ويمكن للحكومة الروسية فرض عقوبات اقتصادية أيضًا كما فعلت في عام 2015
بعد إسقاط طائرة مقاتلة روسية في المجال الجوي التركي، وبالتالي فإن الخيارات
التركية في أي جانب سوف تتسبب في كلتا الحالتين في التوتر مع إحدى القوتين
العظميين.
على مستوى الاتحاد الأوروبي يستهدف الاتحاد الخروج بجملة
من الإجراءات التي لم تعد فقط العقوبات السياسية آلية وحيدة على ردع ومواجهة السلوك
التركي؛ خاصة أن هناك تشابكًا أيضًا بين الجانبين على الكثير من الملفات الخلافية،
كما هو الحال في أزمة اللاجئين أو أزمة العائدون من داعش، واللتان تستخدمهما تركيا
في الضغط على دول الاتحاد؛ حيث وقع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي 11 نوفمبر
2019 على الإطار القانوني الذي يسمح بفرض عقوبات على تركيا على خلفية أنشطة التنقيب
عن الغاز التي تقوم بها قبالة سواحل قبرص. ويهدف القرار لمعاقبة أنقرة على انتهاك المنطقة
الاقتصادية البحرية القبرصية بالحفر قبالة الجزيرة المقسمة، وتعكس هذه الخطوة تدهور
علاقات الاتحاد الأوروبي مع تركيا، كما أنها تأتي بعد قرار منفصل بوقف مبيعات السلاح
الجديدة من حكومات الاتحاد الأوروبي لأنقرة بسبب توغلها في 9 أكتوبر 2019 في شمال شرق سوريا حيث استهدفت المقاتلين الأكراد.
تداعيات
رادعة
من المحتمل أن تتسبب الآليات السياسية والاقتصادية
والعسكرية التي تواجهها تركيا إلى الحيلولة دون التمادي في انتهاج سياسات تصعيدية سواء
فيما يتعلق باعتزامها إرسال قوات عسكرية إلى الجانب الليبي أو فيما يتعلق بنشاطها
غير المشروع في التنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، ومن ثم فإن هذه الأدوات
المتنوعة والتي تتشابك فيها العديد من الدول الإقليمية والدولية تشكل موقف مناهض
لهذه السياسات.
الجدير بالذكر إن هناك جانب مهم في فهم طبيعة الضغوط التي تتعرض لها أنقرة خاصة على مستوى الضغوط الداخلية فيما يتعلق بالمستويين السياسي والاقتصادي؛ حيث تتزايد الضغوط من جانب المعارضة التي تتماشى بصورة كلية مع التوجهات الإقليمية والدولية التي ترفض التحركات التركية الخارجية خاصة من جانب حزبي الشعب الجمهوري والجيد، وأعلن رئيس حزب الشعب الجمهوري وزعيم المعارضة التركية، كمال قليجدار أوغلو، شدد على رفضه إرسال قوات تركية إلى ليبيا، مشيرًا إلى أن نواب حزبه سيقفون ضد تمرير مذكرة إرسال قوات إلى ليبيا خاصة وأن رؤية الحزب تتجه نحو أن هذا التحرك من شأنه أن يفاقم الصراع في ليبيا، وتأسيسًا على ذلك فإن توازي الضغوط الداخلية والخارجية من شأنه أن يمثل مسار ضغط وردع للسلوك التركي الخارجي في ليبيا.
1) هل سترسل تركيا قواتها إلى ليبيا؟
قراءة في الخيارات التركية، على الرابط: https://cutt.us/juXm3
2) تركيا تُعجل موعد انعقاد
البرلمان للتصديق على إرسال جنود إلى ليبيا.، على الرابط: https://cutt.us/pLWeu
3) الجامعة العربية تبحث الثلاثاء
تدخل تركيا في ليبيا، على الرابط: https://cutt.us/iFMyZ
4) وزير الخارجية سامح شكري
يجري اتصالا هاتفيا مع نظيره الإيطالي حول ليبيا، على الرابط:
http://gate.ahram.org.eg/News/2343333.aspx
5) قائمة عقوبات أوروبية على تركيا لتنقيبها في المياه القبرصية، على الرابط: https://cutt.us/hvQOM