إغلاق المجال العام... وتأثير حظر الانترنت على الاقتصاد الإيرانى
لطالما
سعت الحكومات الاستبدادية لاستخدام الانترنت كسلاح لسحق المعارضة؛ حيث صدرت عدة تقارير
عن إغلاق الإنترنت في هونغ كونغ، العراق و
كشمير التي تسيطر عليها الهند ، و استمرت الخدمة محظورة لأكثر من 3 شهور. كما تعد
إيران من أكثر الدول التي تتبع هذا النهج في المنطقة، و كانت و مازالت تسير عليه
أبان فترات الاحتجاجات الكبيرة وحملات المعارضة التي اندلعت داخل الجمهورية
الإسلامية؛ الأمر الذي اتضح خلال تظاهرات عام 2009 و أواخر ديسمبر لعام 2017.
وتتمثل أبرز دوافع حظر الإنترنت
في إيران في قطع كل سبل الاتصال على المتظاهرين، بل ومنعهم من توثيق فترات
الاحتجاج من حيث حدتها و سيما سياسات الحكومة القمعية تجاه المتظاهرين التي تتمثل
في السجن و الاعتقال، فضلاً عن اطلاق الرصاص الحي في بعض الأحيان. و كان لقطع
الانترنت في إيران لمدة تزيد على خمس أيام تداعيات لا بأس بها على الاقتصاد و حياة
المواطن الإيرانى بشكل عام.
أولاً- حظر
الانترنت و المجال العام على المستوي النظري
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من أهم الأدوات للعديد
من مواطني العالم للتعبير عن أنفسهم والتواصل بحرية وتبادل واستقبال المعلومات والآراء
و الأخبار، حتى في البلدان التي قد تكون فيها حرية التعبير حقًا مرفوضًا، لقد وفرت
إمكانية الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي وتوسعتها منبرا لمزيد من حرية التعبير
من أي وقت مضى.
و
في هذا السياق، أكدت ريبيكا ماكينون؛ مؤلفة أمريكية، وواحدة من الأكاديميين
المهتمين بحرية الانترنت علي ظهور مفهوم "الاستبداد الشبكي"، الذي يتضمن
عدم وجود القدر الكافي من الضمانات للحريات و الحقوق، وعلى الرغم من ذلك و لكن
مازال المواطن العادي يشعر بحرية أكبر عبر الواقع الافتراضي أكثر من الواقع
الحقيقي. وترغب الدول الاستبدادية دائمًا في استخدام المواطن للإنترنت في كل ما
يبتعد عن الأمور السياسية و مناقشة الشئون العامة، لذا، فهي دائمًا ما تفرض قيود
رقابية على خدمة الإنترنت، الأمر الذي يتعارض بطبيعة الحال مع فتح المجال العام و
المساعدة على خوض عمليات التحول الديمقراطي التي غالبًا ما تدعى الدول الدخول فيها
واقتراب تجاوزها. ولكن يجادل البعض الأخر، بأن التطور التكنولوجي الذي أسهم في
وجود الإنترنت من شأنه أن يساعد على خلق مساحة أكبر لتكوين رأى للمواطنين في بعض
القضايا العامة بفضل سرعة انتشارها بما يساعد في الحفاظ على مساحة لا بأس بها
لاستمرار وجود قدر من الحرية يعمل على نشاط حركة المجال العام(1).
ثانياً- احتجاجات الوقود و حظر الانترنت في إيران
لم تكن هذه المرة الأولى التي تقوم فيها طهران بحظر
الانترنت في أوقات الاحتجاجات بل أن الأمر متبع منذ احتجاجات عام 2009 و ديسمبر لعام 2017 و
غالباً ما تركز الحكومة على حظر الوصول إلي وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذى
تمثل في حظر تطبيق فيس بوك، تليجرام و توتير أبان أحداث الثورة الخضراء في عام
2009؛ حيث تبين أن هذه الوسائل التكنولوجية من شأنها تحفيز التعبئة و إثارة دوافع المشاركة وإزالة الحواجز
أمام الانخراط في الاحتجاجات.
كما يمكن أن توفر
وسائل التواصل الاجتماعي الفرصة للمتعاطفين فيما يتعلق باكتساب المعلومات والأخبار
حول أهداف وغايات التظاهرات بطريقة بسيطة وأكثر أمنا. بالإضافة إلى قدرة مواقع التواصل
الاجتماعي على إبلاغ الناس حول موقع وتاريخ ووقت المظاهرات أو أي أنشطة أخرى متعلقة
بالحركة، الأمر الذي يمكنه التأثير على ميل الأشخاص إلى المشاركة في المزيد من الأنشطة
المتعلقة بالاحتجاجات من خلال مشاركة الصور
أو مقاطع الفيديو(2).
أما فيما يتعلق باحتجاجات عام 2017 و أوائل عام 2018 أدركت
الحكومة الإيرانية أن الإنترنت هو مفتاح التواصل بين الناس ليس فقط داخل البلاد، ولكن
أيضا خارجها، لذلك اعتمدت اتخاذه سلاحًا لإخماد
الاحتجاجات، فبمجرد أن أوقفت السلطات "تليجرام" انتهت الاحتجاجات على خلفية عدم تمكن المواطنين من التواصل فيما بينهم،
أو بمعنى أخر كان له دور كبير في تراجع العملية الاحتجاجية.
ولكن أشار عدد من التقارير إلي أن ما قامت به الحكومة
الإيرانية أبان احتجاجات نوفمبر لعام 2019 كان مختلفًا ألبته عن ما تم قبل ذلك،
فيما يتعلق بحظر الانترنت؛ حيث أنها لم تعتمد على حظر أحد وسائل التواصل الاجتماعي
أو حتى جميعها و لكن تم قطع الانترنت بصورة شبه تامة، الأمر الذي وصفه دوغ مادوري،
مدير تحليل الإنترنت في شركة أوراكل، بأنه حدث غير عادي قائلا: “إن الحادث الأخير غير
عادي، ففي الماضي كانت إيران تعمد إلى إبطاء الإنترنت من خلال خلق اختناقات في عرض
النطاق الترددي أو حجب بعض المواقع الفردية مثل فيسبوك وتوتير، أما هذا التعتيم الحالي
فهو أكثر تقدما"(3).
ثالثاً- ما هو تأثير حظر الإنترنت على الاقتصاد و الحياة
العامة في إيران؟
أدي انقطاع خدمة الإنترنت الذي استمر لمدة خمسة أيام بالعديد
من الإيرانيين إلي خروج الحياة اليومية عن مسارها الطبيعي، الأمر الذي تمثل في اضطرابات واسعة فيما
يتعلق بالخدمات بما في ذلك الرعاية الصحية، المعاملات المالية و حتى اختبارات القبول
في الجامعات الأجنبية. كما أثر انقطاع الانترنت على الاقتصاد الإيرانى من حيث توقف
المعاملات التجارية و سيما فيما يتعلق بالشركات الصغيرة التي كادت أن تعلن افلاسها
إذ لم يتم استعادة خدمات الاتصالات العادية بعد هذه الأيام الخمسة؛ الأمر الذي
اتضح في تصريح "نازانين دانشفار" الرئيس التنفيذي للموقع Takhfifan ، Hamshahri ، قائلاً "لقد فقدنا 80 % من مبيعاتنا ،و إذا لم تتم استعادة الاتصال
بالإنترنت فسوف نضطر إلى إغلاق أعمالنا".
يتوازى ذلك، مع تضرر الصناعات التي تعتمد على الشركاء والموردين
الأجانب بشدة بسبب انقطاع الإنترنت، الأمر الذي اتضح في تصريحات موظفة إيرانية تعمل في شركة محلية للسيارات في
قولها "اعتدنا على الدردشة مع شركائنا الصينيين باستمرار عبر WeChat و لكن لكوننا معزولين عن الإنترنت، فقد تعطلت عملياتنا ". في
الوقت الذي يقدر فيه الرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية، محسن جلال بور، أن انقطاع
التيار الكهربائي كلف الاقتصاد الإيراني 1.5 مليار دولار، وقال في ذلك لموقع خبر
أونلاين "لقد مَنعنا إغلاق الإنترنت من التواصل مع شركائنا الأجانب، لأنه ببساطة
لم نتمكن من الرد على رسائل البريد الإلكتروني؛ حيث بات استخدام خدمات الهاتف والفاكس
للاتصالات التجارية أمرًا من الماضي".
كما أدى انقطاع الانترنت إلي تعطيل الحياة اليومية بالنسبة للمواطن الإيرانى العادي؛ حيث لم يتمكن الأشخاص أيضًا من الوصول إلى تطبيقات التنقل مثل خرائط Google و Waze ، وكذلك منصات الوسائط الاجتماعية ومواقع الأخبار. كما عطل انقطاع خدمة الانترنت التعاون بين العلماء الإيرانيين وأقرانهم الأجانب باستخدام Gmail و Skype. إضافة إلي ذلك، لم يتمكن الطلاب الإيرانيين الراغبين في الحصول على درجة الماجستير و الدكتوراه من الخارج من استكمال اوراق تقدمهم، ولكن بدأ الطلاب الإيرانيون في الولايات المتحدة والدول الأوروبية في تقديم التماس إلى مكاتب القبول بالجامعات لتمديد مواعيد التقديم للمواطنين الذين يعيشون في إيران تضامنًا مع أبناء بلدهم، و كان لذلك تأثير إيجابي؛ حيث استجابت عدة مؤسسات للدعوة وقامت بمد مواعيدها النهائية(4).
الهوامش
1.
Jenny Power,
Social media censorship and the public sphere:
Testing Habermas’ ideas on the public sphere on social media in China, Lund
University, 2016, pp.4-15.
2.
Somayeh Moghanizadeh, The role of social
media in Iran's Green Movement , Master Thesis, University of
Gothenburg, Department of Applied Information Technology , May 2013, pp. 27-28.
2.
3. قطع الإنترنت في إيران.. خبير: هذه المرة يبدو مختلفا،
20/11/2019، الحرة، متاح على الرابط التالي https://www.alhurra.com .
4. Khosro Kalbasi, Iranians endure internet shutdown with despair and disarray, Atlantic Council, 25/11/2019, available at https://cutt.ly/Te1FilR .