زيارة بوتين للمملكة العربية السعودية وفرص الحراك في الملف الإيراني
حل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين” ضيفاً على
المملكة العربية السعودية في 14 أكتوبر الجاري، حيث تأتى هذه الزيارة في خضم
تطورات كبيرة تمر بها المنطقة تتمثل في التدخل التركي في سوريا، والتوتر مع إيران واستهداف
المنشآت النفطية السعودية، لكن تصدر المشهد السوري أولويات الزيارة والتي أقر
خلالها بضرورة خروج كل القوات الأجنبية منها.
وتباينت العلاقات الروسية الإيرانية تاريخياً بالتفاهم
والتعاون تارة والصراع تارة أخري في ظل أجواء شرق أوسطية شديدة الاضطراب، سيما بعد
عام 2011 العام الذي شهد عدد كبير من الانتفاضات في الشرق الأوسط. وعليه، كانت
فكرة الوساطة بين طهران والرياض من أهم المحاور المطروحة على أجندة زيارة الرئيس
بوتين للمنطقة العربية والتي شملت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات
العربية المتحدة بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان"
لطهران.
أولاً- أهداف الزيارة وأهميتها
تأتى زيارة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"
إلى المنطقة العربية وسيما كل من الرياض وأبو ظبي في ظل تطورات خطيرة تمر بها
المنطقة تتمحور حول التدخل التركي في سوريا والتوتر القائم بين السعودية وطهران
على خلفية اتهام إيران بالضلوع في حادث الهجوم على منشأتا نفط تابعة لشركة أرامكو
السعودية، مما تسبب في انخفاض حجم الإنتاج العالمي من النفط باعتبار المملكة
العربية السعودية من أكبر من منتجي النفط على مستوى العالم وبالتالي ارتفاع سعر
النفط في السوق العالمي.
كما تتطلع روسيا إلى تنشيط عملية التبادل التجاري والمشروعات
الاستثمارية بين كل من موسكو من جانب والرياض وأبو ظبي من جانب أخر؛ فعلى الرغم من
تراجع أسعار النفط الخام، وهبوط إيرادات الدول المنتجة للنفط، إلا أن الرئيس الروسي
يجد في الرياض وأبو ظبي قبلتين لتحفيز رؤوس الأموال الروسية. وتأتي هذه الزيارة في
ظل قيادة المملكة العربية السعودية لعملية توسع كبيرة في قطاعات الاقتصاد غير
النفطي يتمثل أبرزها في صناعات السيارات وأجزاء الطائرات، السياحة الترفيهية والبحرية،
ما يجعلها قبلة للاستثمارات العالمية(1).
كما يأتي التعاون بين موسكو والإمارات في كثير من
القطاعات الاقتصادية يتصدرها شراء الوقود النووي الروسي لاستثماره في برامج الطاقة
السلمية، في الوقت الذي شارفت الإمارات على الانتهاء من بناء مشروع براكة النووي الواقعة
في منطقة الظفرة في أبو ظبي، والمؤلفة من 4 محطات نووية؛ حيث يعتبر هذا المشروع
بمثابة أكبر موقع إنشائي لمحطات طاقة نووية في العالم، يجري خلاله بناء أربع محطات
متطابقة في آن واحد. وتهتم الإمارات أيضاً بنقل التقنيات والتكنولوجيا الروسية إلى
الإمارات العربية المتحدة(2).
ثانياً- جذور العلاقات الروسية الإيرانية
يكشف تاريخ العلاقات الروسية الإيرانية عن أن هذه
العلاقة كانت محصلة بعض العوامل التي تدفع إلي تحسين العلاقات والبعض الأخر الذي
يقود إلى العمل في الاتجاه المضاد الذي يعرقل تحسنها وتطورها؛ لكن الأمر الواضح
أنها كانت ومازالت محكومة بالسعي لتحقيق المصالح والمكاسب مدفوعة بردء المخاطر،
ولعل هذا ما يفسر حالة التأرجح الموجودة في مسار العلاقات بين طهران وموسكو. كما
يحتل إقليم الشرق الأوسط أهمية خاصة بالنسبة لكلا الدولتين، فالمنطقة بشكل عام
والخليج بشكل خاص لطالما كان محل طموح سوفياتي للوصول إلى المياه الدافئة، وكسب
المزيد من النفوذ على حساب الولايات المتحدة الأمريكية.
كما فرضت الأزمة السورية نوع من التحالف النسبي بين
موسكو وطهران؛ حيث سبقت طهران روسيا بالتدخل في الأزمة والوقوف إلى جانب الرئيس
السوري "بشار الأسد"، وتدخلت روسيا للدفاع عن مصالحها التي أدركت أنها
باتت مهددة. ولكن من المهم الإشارة إلى حدثين مهمين في مسار العلاقات الروسية
الإيرانية خلال الأزمة السورية، والتي تمثلت في؛ -
1- الخلافات
الإيرانية – الروسية حول مؤتمر فيينا: أعقبت هذه الخلافات مرحلة من التنسيق الروسي
الإيراني الذي بدأ في العراق ثم في روسيا بعد قرار القيادة الروسية بالتدخل
العسكري في سوريا؛ حيث كان هذا المؤتمر وما صدر عنه بمثابة صدمة في مسار العلاقات
بين موسكو وطهران بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا والذي عرف باسم "عاصفة
السوخوي" في 20 سبتمبر 2015. وعقد هذا المؤتمر في فيينا 30 أكتوبر 2015 والذي
قبلت موسكو بنود التسوية السياسية والتي تمثلت في وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة
موسعة يليها إجراء تعديلات دستورية أو صياغة دستور جديد للبلاد يعقبه إجراء
انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون 18 شهر دون الإشارة إلى مستقبل الرئيس السوري
على نحو ما ارادت طهران.
2- التصعيد
التركي الأمريكي ضد روسيا في سوريا وانعكاسه على العلاقة مع طهران: أثرت المواقف الدولية والإقليمية على مسار العلاقات
الروسية الإيرانية في سوريا والتي تأرجحت بين التنافس والتعاون؛ لكن تسببت بعض
العوامل الأخرى في لعب دور محوري فيما يتعلق بإعادة التوافق الروسي الإيراني مرة
أخرى بعد أحداث مؤتمر فيينا والتي تمثلت في إسقاط تركيا إحدى الطائرات الروسية في
الأجواء السورية، والضربات الأمريكية على وحدات الجيش السوري في دير الزور(3).
ثالثاً- الوساطة الروسية بين طهران والسعودية
كانت الوساطة بين المملكة العربية وإيران أهم محاور
زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكل من الرياض وأبو ظبي؛ حيث اعتبر الرئيس
الروسي أن كلا الطرفين لا يحتاج إلى وساطة أي طرف لحل الخلافات العالقة، حيث قال
بوتين في ذلك" دور الوسيط ليس محموداً، أعتقد أن شركاءنا في إيران أو في السعودية
ليسوا بحاجة إلى وساطة، بما أنه تربطنا علاقات جيدة مع جميع دول المنطقة، مع الإيرانيين
ومع العالم العربي، والسعودية والإمارات بالطبع، ولدينا علاقاتنا الإقليمية، يمكننا
نقل مواقف الدول بين طرف وآخر، لكنني أعرف شخصيا قادة هذه البلدان، فهم لا يحتاجون
للنصح والوساطة، يمكن التحدث معهم فقط من باب الصداقة، وكيفية صياغة بعض الأفكار لصديق،
وكونهم أذكياء، فإنهم سيصغون ويحللون ما ينقل لهم، وانطلاقا من ذلك يمكننا لعب دور
إيجابي"(4).
كما تزامنت هذه الزيارة مع رغبة عدة دول في المنطقة
للقيام بدور الوساطة بين البلدين وتمثل أبرزهم في الإمارات العربية المتحدة ودولة
الكويت، فضلا عن دولة باكستان التي قام رئيس وزرائها عمران خان بزيارة طهران في 13
أكتوبر لعام 2019 للقيام بهذا الدور،
والذي لاقت زيارته ترحيباً كبيراً من قبل المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم الرئيس
"حسن روحاني" والمرشد الأعلى "على خامنئي"؛ حيث عبرت طهران عن
رغبتها في حل الخلافات العالقة مع المملكة العربية السعودية و التي يتمثل أهمها في
الملف اليمني و النزاع القائم بين الرياض و جماعة الحوثي في اليمن.
تتمثل أبرز دوافع طهران في التفاوض مع المملكة العربية السعودية في الرغبة بتخفيف الضغط الدولي الناتج عن العقوبات الاقتصادية الأمريكية والرفض العالمي لدورها المزعزع للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث تعاني الجمهورية الإسلامية الإيرانية من تدهور الاقتصاد، ارتفاع نسب البطالة والتضخم وبالتالي انخفاض مستوي معيشة المواطن الإيراني. كما تحاول إيران من ناحية أخري، استمالة المجتمع الدولي على خلفية اتهامها بالهجوم على منشأتا نفط التابعة لشركة أرامكو السعودية ورفض الكثير من دول الاتحاد الأوروبي لتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة(5). من ناحية أخري، تحاول طهران استمالة دول المنطقة إلى جانبها والعمل على خروج القوات الأجنبية للملكة العربية السعودية وبعض الدول الأوروبية من منطقة الشرق الأوسط.
الهوامش
1. أحمد السيد، زيارة بوتين للسعودية ... التوقيت والملفات،
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 13/10/2019، متاح على الرابط
التالي:
https://www.ecsstudies.com/analytics/reports-a
2. تحفيز الاستثمار والتجارة يتصدران زيارة
"بوتين" إلى السعودية والإمارات، وكالة الأنباء التركية: الأناضول،
14/10/2019، متاح على الرابط التالي:
3. محمد السعيد إدريس، تحالف الضرورة بين إيران وروسيا: جدل
التفاعل بين الفرص والتحديات، مجلة الدراسات الإيرانية، السنة الأولي،
العدد الثالث، يونيو 2017، ص ص 1-37.
4. بوتين: إيران والسعودية ليسنا بحاجة إلى وساطة، روسيا
اليوم، 13/10/2019، متاح على الرابط التالي:
https://arabic.rt.com/middle_east/1051227.
5. مرفت
زكريا، مأزق اليمن ومحددات الحوار السعودي الإيراني، المركز العربي للبحوث
والدراسات، متاح على الرابط التالي: