المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
ريم عبد المجيد
ريم عبد المجيد

قمة المناخ .. فرص متاحة وتحديات أكبر

الخميس 26/سبتمبر/2019 - 06:37 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

اجتمع قادة العالم هذا الأسبوع  سبتمبر 2019 لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية، التي افتتحت هذا العام وسط كثير من الصخب حول سير انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية في الطريق المؤدي إلى تغيرات مناخية كارثية في العقود المقبلة. فقام الأمين العام أنطونيو غوتيريس بعقد القمة الخاصة في 23 سبتمبر حول تغير المناخ بهدف الضغط على الدول لإيلاء مزيد من الاهتمام بهذه القضية.

وتعد قمة المناخ 2019 بمثابة انطلاقة لمفاوضات المناخ الدولية في عام 2020 كونه الموعد النهائي للدول لتقديم وعود بخفض الانبعاثات عملًا بنص اتفاق باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ، حيث إن الغرض الأساسي للقمة هو حشد الإرادة السياسية لتحقيق أهداف باريس.

سياق انعقاد القمة

جاءت القمة في ظل أحداث عنيفة شهدها العالم متنوعة اجتمعت تحت مظلة كوارث "تغير المناخ العالمي"، بما أدى إلى تزايد التوقعات قبل القمة بعدة أشهر، وبلغت ذروتها بملايين الأشخاص الذين شاركوا في احتجاجات المناخ في جميع أنحاء العالم يوم 20 سبتمبر. فقد شهد العالم في الآونة الأخيرة استمرار ارتفاع متوسط درجات الحرارة، بما تسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر، وتواتر العواصف العنيفة، والأعاصير، والجفاف الشديد، وبالتبعية استمرار تصاعد التكاليف الاقتصادية المرتبطة بهذه الكوارث بجانب الخسائر البشرية والمادية.

فيما يتعلق بكارثة الاحترار العالمي، فقد أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تقرير أصدرته في 22 سبتمبر –قبل قمة المناخ- أن الفترة من 2015 إلى 2019 تمثل الفترة الأشد حرًا  منذ بدء تدوين درجات الحرارة، وأشارت إلى أن متوسط درجة الحرارة قد ارتفع بمقدار 1.1 درجة مئوية منذ فترة ما قبل الصناعة (1) أي أنه زاد في عام واحد فقط بمقدار 0.1 درجة مئوية كما هو موضح بشكل (1)، حيث إنه في عام 2018  كان يبلغ درجتين فهرنهايت (أي ما يعادل 1 درجة مئوية سيليزية) بما يوضح أن المتوسط يزيد بشكل مطرد. وفي ذات الفترة ارتفعت معدلات  زيادة ثاني أكسيد الكربون بما يُقارب 20 % أعلى الخمس سنوات السابقة.

كما يشهد العالم ظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر، ففي الفترة من 2014 إلى 2019 بلغ معدل الارتفاع العالمي في مستوى سطح البحر 5 ملم في السنة، مقارنة ب 4 ملم في السنة في الفترة من 2007 إلى 2016، بما يعد أسرع معدل ارتفاع منذ عام 1993، ساهم في ذلك ذوبان الجليد من الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية بمرور الوقت. ففي الفترة من 2015 إلى 2018 كان متوسط مستوى الجليد البحري في القطب الشمالي أدنى متوسط منذ 1981.

قمة المناخ .. فرص

يُضاف لذلك نشوب حرائق في غابات الأمازون التي توصف بأنها رئة العالم، بمعدل أكبر عددًا وكثافةً من ذي قبل (كما هو موضح في شكل 2)، وقد لعب الجفاف دورًا كبيرًا في تفاقم هذه الحرائق –المستمرة حتى الآن-، بما جعل عام 2010 أكثر عام نشط فيه الحريق في منطقة الأمازون منذ 2010. وقد أثارت هذه الكارثة مخاوف دول العالم إلى حد وضعها على قمة أولويات مجموعة السبع في اللحظات الأخيرة، بجانب إيلاء كافة الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية المعنية بالغ الاهتمام بها سواء من خلال التمويل، أو الدعم، أو الدعوى لاتخاذ إجراءات فعالة لإنقاذها. ويجدر الإشارة إلى أن العالم قد شهد -بخلاف حرائق الأمازون، في صيف 2019 حرائق غير مسبوقة في الغابات بمنطقة القطب الشمالي. في شهر يونيو وحده تسببت هذه الحرائق في انبعاث 50 ميجا طن من ثاني أكسيد الكربون في الجو. (3)

قمة المناخ .. فرص

وقد شهدت المدن الكبرى في عدة دول خلال أسبوع المناخ الدولي (من 20 إلى 27 سبتمبر 2019)، إضرابات ومسيرات حاشدة قدرت بأكثر من 3600 مسيرة حول العالم، (5) بما جعلها أكبر تعبئة مناخية شهدها العالم، شارك فيها بشكل أساسي الشباب وانضم إليهم الشركات والنقابات العمالية بدعوى من منظمات بيئية عديدة، بهدف التصدي لمخاطر تغير المناخ والضغط على الحكومات المتباطئة في اتخاذ سياسيات تحد من آثار الكوارث البيئية.

قمة مخيبة للآمال:

في ظل السياق الذي انعقدت فيه القمة من كوارث مهددة للوجود الإنساني وليس أمنه فقط كان من المرتقب إبداء اهتمام بهذه القضية التي كانت محور جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام. كما كان من المتوقع أن تظهر حركة تحويلية في الاقتصاد بما يدعم أهداف اتفاقية باريس وهو ما حرص عليه الأمين العام. لكن حدث خلاف ذلك. فلم تسفر عن إلزام حقيقي للدول الكبرى بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة وهو ما جعلها مخيبة لآمال منظمات البيئة والناشطين في هذا المجال على الرغم من نجاحها في إقناع بعض الدول بالمساهمة ماديًا لإحياء صندوق المناخ الأخضر.

ففيما يتعلق بالولايات المتحدة، فقد قضى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضع دقائق فقط في القمة، كما أنه سخر من الناشطة البيئية غريت تونبرج، الداعية في خطابها الذي ألقته في القمة لبذل مزيد من الجهد لمكافحة تغير المناخ. (6) جدير بالذكر هنا أن الرئيس ترامب منذ بداية توليه منصبه وهو يؤكد على عدم اكتراثه بقضية المناخ إلى حد تعهده بإخراج الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ 2015، كما أنه في قمة مجموعة السبع التي عُقدت في أغسطس 2019، قد تغيب عن الجلسة الخاصة بالمناخ. وقد تحركت إدارته نحو السماح بانبعاثات أكبر من محطات الطاقة واستخدام النفط والغاز مخترقة اتفاق باريس.

أما الهند، فقد أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي في القمة أنه سيضاعف إنتاج الطاقة المتجددة في بلاده إلى 450 جيجاوات، لكنه لم يضع أي جدولًا زمنيًا محددًا أو التزامًا بخفض انبعاثات الكربون في الهند بموجب اتفاقية باريس.

ورغم تركيز الصين في حديثها، على استعراض السرعة التي عملت بها من أجل تحقيق الأهداف الرسمية المنصوص عليها في الاتفاقية، لكنها لم تشر بشكل دقيق إلى الكيفية التي ستطور بها خطتها المناخية. (7) يُضاف لذلك أن الصين تقوم ببناء محطات جديدة تعمل بالفحم خارج حدودها كجزء من مباردة الحزام والطريق وهو ما يؤكد عدم صدق إدعاءها بالالتزام بالاتفاقية.

أسباب الإخفاق:

لا يمكن لقمم المناخ التي تُعقد بشكل دوري أن تنقذ الأرض من مخاطر تغير المناخ العالمي المهددة لكافة جوانب الحياة الأمنية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، بحق لعدة أسباب:

أولًا: عدم اكتراث الاقتصادات الكبرى بالقضية: ففي الوقت الذي كان من المتوقع فيه أن تأتي الدول إلى القمة للإعلان عن أنها ستعزز جهودها في قضية تغير المناخ، فإن معظم الاقتصادات الكبرى تجاهلت ذلك. فعلى الرغم من أن الصين والولايات المتحدة والهند هم أكبر انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، وبالتالي فإن التزاماتهم باتفاق باريس ستحقق أكبر تأثير على منع حدوث أزمة مناخية. لكن هؤلاء الثلاثة لم يعطوا بعد تعهدات واضحة بزيادة العمل قبل الموعد النهائي لعام 2020 لتحديث خطط المناخ الوطنية.

ثانيًا: اعتقاد الدول بعدم جدوى الالتزام بقرارات وتوصيات القمم والاتفاقيات المتعلقة بالمناخ، ومن ثم لم تلتزم بها، فعلى الرغم من نص اتفاقية باريس للمناخ في المادة 2 والمادة 4، على ضرورة الحفاظ على زيادة متوسط درجة الحرارة العالمية بنهاية القرن الحالي في حدود أقل من درجتين مئويتين، ومواصلة الجهود الهادفة إلى عدم تجاوز هذه الزيادة حد درجة ونصف مئوية من خلال الحد من انبعاثات الغاز المسببة للاحتباس الحراري، إلا أن أغلب الدول لم تلتزم بذلك رغم توقيعها عليها، فجميع خطط العمل الحالية للدول لا تزال تحد من ظاهرة الاحتباس الحراري فقط ما بين 2.7 و 3.7 درجة مئوية.

ثالثًا: تسارع وتيرة ارتفاع درجات الحرارة بما فاق المعدل المنصوص عليه في اتفاق باريس؛ فكما تمت الإشارة، نص الاتفاق على هدف خفض زيادة متوسط درجة الحرارة في حدود أقل من درجتين مئويتين في حين أن درجات الحرارة العالمية قد ارتفعت بمعدل درجة مئوية عن ذي قبل، (شكل 1) بعبارة أخرى، كان على البشر لتجنب الآثار الكارثية لتغير المناخ أن يحدوا من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى درجتين مئويتين، أما الآن ينتظر العالم ارتفاع درجات الحرارة إلى حوالي 3.5 درجة مئوية، ومن ثم يصبح الهدف المنصوص عليه في الاتفاق غير كافي –حتى وإن حققته الحكومات-، وبحاجة إلى تعديل بما يتماشى مع معدل ارتفاع درجة الحرارة الجديد.

رابعًا: عدم الزامية اتفاق باريس، فقد ترك تحديد كيفية خفض انبعاثات الغازات الدفيئة المؤدي للاحتباس الحراري لكل دولة، دون النص على أية عقوبات حال عدم الالتزام به ومن ثم يسهل التنصل منه. وعليه؛ تظهر الحاجة إلى التباحث حول تعديل اتفاق باريس بإضافة بند إلزامية الاتفاق، ويعاقب من يخترقه.

الهوامش

(1)     " السنوات الخمس الأخيرة الأشد حرا منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في العالم"، فرانس 24، 22 سبتمبر 2019، متاح على الرابط التالي:

 https://bit.ly/2kNxsya

 (2) NOAA National Centers for Environmental information, "Climate at a Glance: Global Time Series", September 2019, available at:                                                        https://www.ncdc.noaa.gov/cag/.

(3) World Meterological Organization, “Global Climate in 2015-2019: Climate change accelerates”, 22 september 2019, available at:

https://public.wmo.int/en/media/press-release/global-climate-2015-2019-climate-change-accelerates.

 (4) “Uptick in Amazon Fire Activity in 2019", NASA Earth Observatory, 19 August 2019, available at: https://earthobservatory.nasa.gov/images/145498/uptick-in-amazon-fire-activity-in-2019.

(5) Zahra Hirji et al., “Millions Of Young People Around The World Are Leading Strikes To Call Attention To The Climate Crisis”, Buzzfee news, 20 september 2019, available at:

https://www.buzzfeednews.com/article/zahrahirji/climate-strike-greta-thunberg-fridays-for-future.

 (6) “Donald Trump mocks climate change activist Greta Thunberg, 16, after passionate speech to UN”, The telegraph, 24 September 2019, available at:

 https://www.telegraph.co.uk/news/2019/09/24/donald-trump-mocks-teen-climate-change-activist-greta-thunberg/.

 (7) Justine Calma, “At UN Climate Summit, a lot of talk about action”, The Verge, 23 September 2019, available at:

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟