هجوم أرامكو والبعد الجوسياسي لإيران
تمكنت جماعة الحوثيين المتحالفة مع
إيران من شن هجوم بطائرة مسيرة على مصفاة النفط الرئيسية بالمملكة العربية
السعودية في الخامس عشر من شهر سبتمبر 2019، وهو الهجوم الذي يشير إلى التطور في
قدرات الحركة العسكرية إذ نظرنا إلى مدى دقته وخسائره بفضل ما تحصلت علية الحركة من
الدولة الراعية لها.
والحوثيين كما هو معروف هم فصيل عسكري
متحالف مع إيران التى تقدم له كل صور واشكال الدعم سواء السياسي أو الاعلامي أو
العكسري، بل وصل حجم الدعم إلى حد اعتماد أحد افراد الجماعة كسفير رسمي للبلاد على
ارضيها وهو أمر نادر بالنسبة لشخص يمثل فصيل خارج الحكومة الرسمية، وهذا لان إيرن
تعتبر أن الحوثيين هم الفصيل الشرعي والممثل للشعب اليمني.
الدوافع :
إن الضغط الذي تعيش فيه إيران ، جعلها
تبحث عن مناطق للنفوذ خارجيًا عبر العراق وسوريا ولبنان وأجزاء من اليمن، فهى تري
أن ذلك يقوى من وضعها الدفاعي،وتاريخيًا توجهت إيران لتبني هذه الاستراتيجية بعد الحرب التي خاضتها
مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي والتي كلفتها الكثير من الضحايا، لذلك اتجهت
بعد هذه التجربة إلى السعي نحو بناء فصائل شيعية لتكون بمثابة أساس لنفوذها .
ولكن، قد يكون النفوئ الايراني كبيرًا،لكنه
ضعيف ايضا، فسيطرتهم على العراق ليست مطلقة، موقفهم من سوريا يتعرض للهجوم من قبل
إسرائيل، مع وجود عدم استقرار في علاقات
غير قوية مع تركيا، والنفوذ القوي لإيران يتواجد فقط في لبنان عبر حزب الله، إلا
أنه قائم على قوة دعم فصيل ضد الأخرين .
إيران لا تحكم مجال نفوذها
تنظر إيران إلى نفسها على أنها مركز
للاسلام الشيعي وتستخدم تلك الفكرة لتستمد بعض الدعم والسيطرة من الفصائل الشيعية
والتى هي نفسها على الجانب الاخر تقدم لها
الدعم من أجل الوصول إلى السلطة، إلا أن هذا الدعم يتوقف على فكرة خلق التوازنات في العلاقة مع هذه
الفصائل ، وتري إيران في الوقت نفسه أنه من الضروري ألا تجعل أن يكون هناك أي قوة
سنية أو ائتلاف معارض على حدودها الغربية، إذ أنها تري أن أمن الحدود الغربية جزء
لا يتجزأ من أمنها.
وفي ذات السياق، تتفاقم مشاكل إيران في
علاقاتها مع الولايات المتحدة، والتى تعادي إيران منذ الاطاحة بنظام الشاه،
فالولايات المتحدة تتبني سياسة تقوم على أساس منع أي قوة من السيطرة على المنطقة العربية ومنطقة الشرق
الاوسط بشكل عام، وذلك بسبب ما تمتلكه هذه المنطقة من ثروات نفطية ، إذ أن
الولايات المتحدة تسعى للتخلص من أى جهة تحاول أن تنافسها هناك.
وقد أدى ذلك إلى، التحول في سياسة
الولايات المتحدة الخارجية وأصبحت سياسة أكثر تشابكًا حتي تتمكن من التصدي للتوسع
الإيراني في محاولة منها لضم دول أخري تتخذ معها نفس هذا الاتجاه ، بل وتحاول أن
تستغل عدم الثقة الكبيرة من روسيا وتركيا تجاه إيران.
إلا أن كلًا منهما راضيًا عن الدور الذي تقوم به
إيران كدور وظيفي للصراع مع الولايات
المتحدة، وللتصدي لذلك قامت الولايات المتحدة بالسعي نحو أقامة تحالف من قبل
إسرائيل ودول سنية أخري مناهضة لإيران لضرب أى نفوذ إيراني في المنطقة، إلا أن هذا
التحالف يتسم بالضعف.
يشكل هذا التحالف تهديدا للمصالح
الإيرانية، إذ يهاجم الإسرائيليون القوات
الإيرانية في سوريا ويتبادلون التهديدات المتبادلة مع حزب الله، ويتعرض العراق
لضغوط خارجية محدودة ، وفي الوقت نفسه منقسم إلى درجة يصعب معها تحديد سيطرة أو انتشار
النفوذ الإيراني، و تدرك إيران أن وجودها هناك أى بـ(العراق) يتعرض لضغط شديد، و
أنه إذا انهار هذا المجال ، فإن حدودها الغربية ستتعرض للخطر.
وعلى الجانب الاخر ابعتدت الاستراتيجية
الامريكية عن التدخل العسكري على نطاق واسع، حيث تحولت اسراتيجيتها إلى عمليات
صغيرة تقوم على استهداف أى جماعة أو كيان يهدد مصالحها، واستخدمت مع إيران سياسات
أخري كالحرب الاقتصادية وهذه العقوبات أثرت بلا شك على الاقتصاد الايراني وهو ما
وضعها في معادلة صعبة خاصة مع وجود صعوبات في تصدير النفط الايراني.
الحتميات الإيرانية
اتبعت إيران سياسة الاستيلاء على نقالات النفط على أمل
خلق ذعر عالمي قد يدفع نحو تخفيف الضغوط عليها، وفي الوقت نفسه تدفع نحو اضعاف الحلف المناهض لها ، لذلك قررت الدخول في
صدام المملكة العربية السعودية التى يرتبط نظامها الاجتماعي بأموال مكتسبة من
مبيعات النفط، وبالتالي فأن استهداف هذا المورد يؤثر علي قوتها .
كان
الاستهداف لمصفاة النفط السعودية عملية مدروسة جيدًا عبر كافة المستويات حيث اثر
الهجوم علي إنتاج النفط ولو لفترة محدودة ، وفي الوقت ذاته تري إيران أن استهداف
منشأت النفط السعودية تعطي رسالة بأن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بشكل كبير
بتدفقات نفط الشرق الاوسط إليها، وتريد أن تبعث برسالة إلى حلفاء الولايات المتحدة
بأن إيران قادرة علي فعل أي شئ في الوقت الذي تريده وفي ظل الاتفاق المجمع من أن بأى لن تقم بأى عمل قد يؤثر علي امتددادت النفط.
تعتبر قضية تصدير النفط مشكلة إيران
الكبري، إذ منعت الولايات المتحدة إيران
من بيع نسبة كبيرة من إنتاجها كجزء من
حربها الاقتصادية ، وفي الوقت ذاته الهدف
من هذا الهجوم للحوثيين هو أن يكونوا حلفاء
الولايات المتحدة أكثر حزماً في
تحديد رغباتهم تجاه لإيران ليس فقط في
قضية النفط ولكن في أمور أخرى ، وقد يؤدى
هذا الهجوم إلى استفادة منتجي النفط
الآخرين ، وخاصة روسيا ، من خلال رفع الأسعار.
ولذلك، لا يمكن للولايات المتحدة تجاهل الهجوم على اساس
أنها أكبر قوة عسكرية في التحالف المناهض
لإيران ، وفي الوقت نفسه إذا استخدمت القوة
العسكرية ضدها، فإنها ستواجه رداً من
الإيرانيين ومقاومة من حلفائهان وإذا لم تضرب ، فإنها تضعف أسس التحالف المناهض
لإيران، وهو ما دفع وزير الخارجية الامريكي "مايك بومبيو" مؤخرًا
إلى الاشارة احتمالية أن تدخل الولايات المتحدة في مفاوضات
مع الايرانيين ، فمن الصعب أن ترد الولايات المتحدة على إيران دن أن يكون هناك رد
إيراني بمزيد من الهجمات على المملكة العربية السعودية، والامر يتوقف علي حجم
الضرر الواقع على المصفاة السعودية.
وختامًا، فأن الامر الواضح هو أن الإيرانيين يلعبون دورًا ضعيفًا قدر الإمكان، لهذا فأن القدرة الاستخباراتية لكل جانب هي من ستحسم التصدي للهجمات اللاحقة .
George Friedman,
The Geopolitics of Iran’s Refinery Attack, at:
https://geopoliticalfutures.com/the-geopolitics-of-irans-refinery-attack/