تحد ملح واستجابة محدودة .. النزوح البيئي في الاتحاد الأوروبي
أضحى تغير المناخ اليوم حقيقة لا مفر منها وكذلك التدهور
البيئي الذي يأتي مصاحبًا له. في كثير من الأحيان تدمر الكوارث الناجمة عنهما بالكامل
المدن والقرى تاركة الآلاف من الناس بدون مأوى، بما يدفعهم إلى البحث عن ملجأ في
مناطق أخرى غير منكوبة بالكوارث داخل نفس إقليم دولتهم أو خارجه في الدول
المجاورة. ومن هنا صيغ مصطلح "النازحون البيئيون" ليعبر عن هذه الفئة من
الناس تمييزًا لهم عن باقي الأنواع من النازحين.
على مدار السنوات العشر الأخيرة تضاعف عدد الكوارث البيئية في جميع دول العالم، نتج عنه زيادة أعداد النازحين البيئيين بما فاق أعداد نازحي الصراعات والحروب الأهلية (كما هو موضح في شكل 1). ولم تنج أوروبا كغيرها من القارات من التأثر بظاهرة تغير المناخ الناتج عن الاحتباس الحراري، فأضحت تعاني باستمرار من درجات الحرارة المرتفعة بشكل غير مسبوق، وزيادة وتواتر الجفاف في بعض المناطق، تقلص الأنهار الجليدية، ذوبان الجليد.... وبالتبعية زيادة أعداد النازحين البيئيين.
واقع
تغير المناخ في أوروبا
يؤثر تغير المناخ على الظروف البيئية الأساسية مثل أنماط
هطول الأمطار ودرجات الحرارة. وهي تساهم في زيادة تواتر حدوث الجفاف والكوارث الطبيعية
الأخرى. وعلى المدى الطويل، من المحتمل أن تقوض هذه الظروف المتغيرة سبل المعيشة. وفي
الآونة الأخيرة عانت أوروبا من هذه الظاهرة خاصة ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير
مسبوق، والتي سيتم التركيز عليها في التناول كأبرز ملمح لتغير المناخ في أوروبا.
بالنسبة للعقد من عام 2009 إلى عام 2018 ، كان متوسط درجة الحرارة السنوية على مناطق اليابسة الأوروبية أعلى من 1.6 درجة مئوية إلى 1.7 درجة مئوية مقارنة بفترة ما قبل الصناعة؛ هذه الزيادة أكبر من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية. هذا يجعله أحر عقد على الإطلاق في أوروبا (كما هو موضح في شكل 2). كانت أحر سنوات السنوات في أوروبا منذ بدء سجلات الآلات هي 2014 و 2015 و 2018 مع وجود حالات شاذة أعلى بنحو درجتين مئويتين خلال فترة ما قبل الصناعة. كان صيف 2018 الأكثر دفئًا على الإطلاق.
بناءً على مجموعة البيانات E-OBS، ارتفعت درجة حرارة أوروبا كلها بشكل كبير بين عامي 1960 و 2018. لوحظ ارتفاع درجات الحرارة بشكل خاص على شبه الجزيرة الأيبيرية، عبر أوروبا الوسطى والشمالية الشرقية، خاصة في المناطق الجبلية وفي جنوب الدول الاسكندنافية ( كما هو موضح في شكل 3). فقد ارتفعت درجات الحرارة في فصل الشتاء إلى أقصى حد في شمال أوروبا، بينما ارتفعت درجات الحرارة في فصل الصيف في جنوب أوروبا أكثر من درجات الحرارة السنوية.(3)
ومن المتوقع أن تستمر درجات الحرارة في جميع أنحاء أوروبا في الزيادة طوال هذا القرن، حيث تشير التوقعات من مبادرة EURO-CORDEX إلى أن مناطق الأراضي الأوروبية سوف ترتفع في المتوسط بشكل أسرع من مناطق الأراضي العالمية. وفقًا لمتوسط مجموعة النماذج المتعددة، ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة الأراضي الأوروبية في حدود 1 إلى 4.5 درجة مئوية وفقًا لسيناريو RCP4.5، وفي حدود 2.5 إلى 5.5 درجة مئوية وفقًا لسيناريو RCP8.5 خلال القرن الحادي والعشرين ( 2071-2100 مقارنة مع 1971-2000) (كما هو موضح في شكل 4). من المتوقع أن يكون أشد الاحترار ارتفاعًا في شمال شرق أوروبا والدول الاسكندنافية في فصل الشتاء وجنوبي أوروبا في فصل الصيف.
النازحون
البيئيون...خطر قادم
مع تفاقم أزمة تغير المناخ تزداد التحديات الاقتصادية
والسياسية والاجتماعية، والتي منها –ليس على سبيل الحصر- تحدى زيادة أعداد النازحين
البيئيين. ويُعرفوا بأنهم الأشخاص الذين أجبروا على ترك أماكن معيشتهم بشكل مؤقت
أو دائم بسبب اضطراب بيئي ملحوظ (طبيعي و/أو تسبب فيه بشر) يُعرض وجودهم للخطر أو
يؤثر بشكل خطير على جودة حياتهم. ويُقصد بالاضطراب البيئي التغيرات الفيزيائية أو
الكيميائية أو البيولوجية في النظام الإيكولوجي التي تجعله بشكل مؤقت أو دائم غير
مناسب لحياة البشر.(6) وعلى
ذلك، يتميز النازحون البيئيون بأنهم لا يُهاجرون بسبب اضطهاد عرقي أو ديني أو
مذهبي، أو الجنسية، أو الرأي السياسي، أو بسبب دوافع اقتصادية، أو بسبب عنف أو
صراعات، فسبب هجرتهم هو تدهور بيئي لأراضيهم.
وهناك سببان رئيسيان وراء أن الأشخاص المتأثرين بالتدهور
البيئي يغادرون أماكن إقامتهم، إما لأن طرق هروبهم الوحيدة تقودهم لهذه الطريقة أو
لأنهم يأملون في الحصول على حماية أو مساعدة أفضل في الدولة المجاورة داخل الاتحاد
الأوروبي. ويمكن أن يكون النزوح مؤقتًا في كثير من الحالات. ومع ذلك، في حالات الكوارث
البيئية الشديدة، يكون النزوح دائم، حيث يتم تدمير البيئة بشكل كبير، بحيث أصبحت غير
صالحة للسكن.
وتجدر الإشارة إلى أنه في حالة المتناولة –الاتحاد
الأوروبي- يتم توصيف هؤلاء الأشخاص بالنازحين وليس لاجئين نظرًا لأن الاتحاد
الأوروبي كتلة واحدة، يكفل حرية التنقل للأفراد من دولة لأخرى داخل نفس الاتحاد
على خلاف الدول البسيطة، ففي تلك الحالة سيتم وصفهم بنازحين طالما كان التنقل داخل
نفس إقليم الدولة، أما إذا تنقلوا إلى دولة أخرى سيتم اعتبارهم لاجئين بيئيين وليس
نازحين.
مثلها من باقي المناطق فاقت أعداد النازحين البيئيين في
أوروبا أعداد نازحي الصراعات. فقد ارتبطت ثلاثة أرباع النزوح المسجل في أوروبا في
عام 2017 بالكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ، ففي فرنسا –وهي الأعلى
أوروبيًا من حيث أعداد النازحين البيئيين- نزح 22000 شخصًا، وفي البرتغال بلغ
عددهم 6800 نازحًا، وفي المملكة المتحدة 6200 نازحًا، و3500 في ألبانيا، 2100 في
إيطاليا، 2100 في إسبانيا. وقد أجبرت المخاطر البيئية في جزيرة كورسيكا الفرنسية
10000 شخصًا على مغادرة منازلهم. ومن المحتمل أن تكون هذه الأرقام أقل من الواقع
نظرًا لعدم التبليغ عن كافة أعداد النازحين البيئيين في كل المناطق. (7)
سياسات
محدودة ..وسبل المواجهة
يلعب تغير المناخ دورًا متزايد الأهمية في المناقشات الأمنية.
فعلى الرغم من اختلاف المحللون بشأن مدى خطورة الآثار الأمنية لتغير
المناخ، هناك إجماع متزايد على أنها يجب أن تؤخذ على محمل الجد. ومن تلك الآثار
أنه يزيد أعداد النازحين، واللاجئين كما يزيد الصراعات بين الدول والحروب الأهلية
داخل الدولة وذلك وفقًا لمقولات نظرية الأمن البيئي، بالإضافة إلى زيادة هشاشة
الدولة، وتعطيل النظام التجاري، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، بما جعل عديد من
الخبراء يعتقدون أن تغير المناخ سيصبح تحديًا أمنيًا أكثر خطورة من أي قضية أخرى.
وقد كان الاتحاد الأوروبي من أوائل المنظمات التي حددت تغير
المناخ كمهدد للأمن الإقليمي. فقد وضع تدريجيًا مجموعة من المبادرات السياسية تهدف إلى
دمج العوامل ذات الصلة بالمناخ في سياساته الخارجية والأمنية. بالإضافة إلى هذه التطورات
في السياسة الأمنية، أجرى الاتحاد الأوروبي تغييرات على سياسات المناخ والطاقة. ففي
يناير 2014، على سبيل المثال لا الحصر، اقترحت المفوضية الأوروبية إرشادات سياسة الطاقة
بحلول عام 2030 والتي ركزت على هدف واحد ملزم تمثل في خفض انبعاثات الكربون بنسبة 40 %. كما يدفع
الاتحاد الأوروبي إلى إبرام اتفاق دولي طموح للمناخ ينفذ بعد انتهاء صلاحية بروتوكول
كيوتو في عام 2020. (8)
وعلى الرغم من إقرار قادة دول الاتحاد الأوروبي بخطورة
تغير المناخ، وتحقيقهم تقدمًا ملحوظًا في معالجة التداعيات الأمنية الناجمة عنه، إلا
أن هذه الجهود المبذولة مازالت غير متناسبة مع حجم التهديدات المحتملة المقبلة.
كما أن سياسات مواجهة النزوح البيئي مازالت غائبة عنهم، فجُل خطابات القادة
الأوروبيين تتحدث عن النزوح والهجرة التقليدية من الشرق الأوسط إلى أوروبا رغم أن
أزمة النزوح البيئي هي داخلية وليست دخيلة على الاتحاد الأوروبي كالهجرة. وليس أدل
على ذلك القصور في المعالجة من انتقاد البرلمان الأوروبي مؤسسات الاتحاد الأوروبي
لفشلها في وضع خطط للطوارئ لمواجهة النزوح البيئي. بجانب ذلك لم تدرج تلك المؤسسات
النزوح في تقييماتها لمخاطر المناخ بسبب عدم اليقين بشأن حجمه وطبيعته.
ولمواجهة هذه الأزمة يجب على القادة الأوروبيين التركيز على تدفقات النازحين البيئيين داخل أوروبا وليس فقط على الهجرة إليها نظرًا لأنها أكثر خطورة عليها. فيجب عليهم وضع استراتيجية تستجيب وتستعد لمواجهة عدم الاستقرار الجيوسياسي الناجم عن زيادة أعداد النازحين البيئيين. كما يجب على الاتحاد الأوروبي دمج هذه الأزمة في المبادرات المصممة للتنبؤ بها ومنعها، بما في ذلك عن طريق تحسين الإدارة في الدول التي تعاني من عدم فعالية آليات مواجهة الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، ونقص الموارد اللازمة. يضاف لذلك ضرورة تطوير منهجية للاقتصاديات الخضراء، فيجب على الاتحاد الأوروبي الموازنة بين التزامه بالتجارة الحرة ورغبته في الوصول إلى الموارد والطاقة المتجددة. ودمج مخاوف تغير المناخ في السياسته الخارجية؛ حيث يتعين على الاتحاد الأوروبي دمج اعتبارات أمن المناخ في جميع جوانب سياساته الخارجية لتجاوز التركيز الحالي على إدارة أزمة المناخ على المدى القصير.
الهوامش
(1) "Total annual new
displacements since 2003 (Conflict and violence) and 2008 (Disasters)", IDMC,
N.D, available at: http://www.internal-displacement.org/database/displacement-data.
(2) "European
average temperatures over land areas relative to the pre-industrial period", European environment agency, 18
May 2019, available at: https://bit.ly/2kcJb9l.
(3) "Global
and European temperature", European environment agency, 10 July
2019, available at: https://bit.ly/2lOmmZN.
(4) "Trends in
annual temperature across Europe between 1960 and 2018",
European environment agency, 29 May 2019, available at: https://www.eea.europa.eu/data-and-maps/figures/decadal-average-trends-in-mean-9.
(5) "Global
and European temperature", Ibid.
(6) Masa Kovic,
"environmental refugees: does international law fail to offer them legal
protection?", Master thesis, University of Toronto, Faculty of Law,
2008.
(7) "Disaster
Displacement: A global review, 2008-2018", IDMC, May 2019,
available at: http://www.internal-displacement.org/research-areas/displacement-in-a-changing-climate.
(8) Richard Youngs, "Climate Change and EU Security Policy: An Unmet Challenge", Carnegie Europe, 21 May 2014, available at: https://bit.ly/2kEu1cW.