المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمود جمال عبد العال
محمود جمال عبد العال

الانتخابات الرئاسية التونسية .. قراءة في المؤشرات، ودلالات التصويت

الإثنين 16/سبتمبر/2019 - 09:24 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

أظهرت المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات الرئاسية في تونس تحديات حقيقية أمام النخب الحزبية التي بدا فشلها واضحًا في تجربة رئاسيات 2019 رغم ما أٌتيح لهم من حرية حركة منذ 2011.

يٌركز هذا التقرير على تحليل تجربة الانتخابات الرئاسية التونسية من واقع النتائج الأولية غير الرسمية التي أُعلن عنها من حملات المرشحين نفسيهما، وكذلك من خلال مؤسستي "سيغما كونساي"، و"ايمرود" لاستطلاعات الرأي، ودراسة مدى انعكاس هذه النتائج على صيرورة التجربة التونسية بوجهٍ عام سيما في ضوء استعداد البلاد لإجراء انتخابات تشريعية مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019.

ملامح المشهد السياسي

شهدت العملية الانتخابية تسارعًا وتصارعًا بين الأحزاب والكتل السياسية للدفع بمرشحيها نحو خوض الانتخابات، وهو ما أبرز تفككًا وتشتيتًا انعكس على برامج المرشحين التي بدت خالية من مضمونها خاصة ما يتعلق بالحلول الاقتصادية؛ حيث يُمثل الاقتصاد عثرة أمام النخب التونسية خلال الفترة المقبلة لا سيما مع تراجع عوائد السياحة التي تأثرت بموجة الإرهاب التي تواجهها تونس منذ 2011، وتركيز الأحزاب والنخب السياسية على المنافسة، والمصالح الشخصية الضيقة بعيدًا عن مسائل العيش التي تٌعد أبرز القضايا المُلحة التي تشغل المواطن التونسي.

من ناحيةٍ أخرى، أبرزت نتائج المشاركة السياسية عن حالة من غياب الثقة، واللايقين السياسي بين النخب الحاكمة منذ عام 2011، والناخب التونسي العادي خاصة فئة الشباب التي تعاني من الفقر والبطالة منذ عهد "زين العابدين بن علي". وفي هذا الإطار، هوت نسبة المشاركة السياسية إلى 45.02% بعد أن تجاوزت  حد الـ 64% في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت عام 2014(1). ويُفسر المهتمون بالشأن التونسي تراجع نسب المشاركة إلى غياب الثقة وفقدان الأمل بالنخب السياسية التقليدية التي تكالبت على السلطة دون عملها على تقديم برامج اقتصادية تلمس معايش الناس اليومية، وهو ما قد يُفسر تقدم رجل الأعمال "نبيل القروي" في النتائج الأولية رغم خوضه العملية الانتخابية من داخل السجن بتهم تتعلق بالتهرب الضريبي. ويعني ذلك بصورة أو بأخرى حاجة التجربة التونسية إلى الاستقرار النسبي في السلطة لإنجاز الخطط الاقتصادية المعطلة نتيجة التفتت داخل البرلمان الذي يٌهيمن حقيقة على عملية صنع القرار في ضوء محورية موقع رئيس الوزراء الذي يُعينه الرئيس من الأغلبية النيابية.

خيارات التونسيين في جولة الإعادة

أبرزت النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس تأهل مرشحين رئاسيين من خارج الأُطر التقليدية سواءً الأحزاب أو مؤسسات الدولة الرسمية؛ وهم رجل الأعمال ومالك محطة نسمة الفضائية، نبيل القروي، وأستاذ القانون الدستوري في جامعة تونس، قيس سعيد. وتأتي هذه النتائج على عكس ما اتجهت له استطلاعات الرأي العام وتوقعات النخب التونسية التقليدية. وسنعمل فيما يلي على تسليط الضوء على القروي، وسعيد. تجدر الإشارة إلى أن المرشحين لم ينالا حظهما من الضوء الإعلامي المكثف في انتخابات الجولة الأولى وذلك للظروف المتعلقة برفض سعيد للأحزاب، وترشيد النفقات بحملته التي رفضت التمويل الخارجي، وظروف حبس القروي في قضايا متعلقة بغسيل الأموال والتهرب الضريبي إضافة (وهو السبب الأهم) إلى تركيز وسائل الإعلام على المرشحين التقليديين الذين أبرزت النتائج فشلهم في إقناع الشارع التونسي ببرامجهم وأحزابهم مثل مرشح حزب حركة النهضة الإسلامية، عبد الفتاح مورو، والرئيس الانتقالي الأسبق، المنصف المرزوقي، و "يوسف الشاهد" رئيس الوزراء الحالي، ووزير الدفاع المستقيل، عبد الكريم الزبيدي.

1.      قيس سعيد: لم تخرج ملفات التعريف الخاصة بالمرشح الرئاسي "قيس سعيد" الذي أعلنت مؤشرات النتائج الأولية تصدره قائمة المرشحين عن كونه أستاذًا للقانون الدستوري بالجامعة التونسية إضافة إلى لباقته في اللغة العربية، فهو لم يكن يومًا منخرطًا بمنظومة الحكم التونسية، ولكنه كان يبرز صوته عبر القنوات الفضائية كخبير ومحلل في القانون الدستوري. ويرى البعض أن زُهده وترفعه عن قبول التبرعات لحملته الانتخابية كان عامل قوة؛ حيث استعاض بذلك بالجولات الميدانية التي خاطب خلالها التونسيين مباشرة. ويرفض "سعيد" الانضمام لأي حزب سياسي معتبرًا أن إرادة الشعب هي الحاكمة، وهو ما يفسره تبني حملته الانتخابية شعار "الشعب يريد"(2).

2.      نبيل القروي: برز اسم "القروي" في السياسة التونسية من خلال إنشائه قناة نسمة التلفزيونية عام 2007. ولم يكن للقروي فاعلية سياسية تُذكر قبل 2011. واتجه بعد وفاة أخيه "خليل القروي" إلى العمل الخيري والإنساني؛ حيث أسس جمعية خيرية تحمل اسم أخيه، وهو ما يعتبره البعض أنه كان سببًا مباشرًا لقاعدته الجماهيرية التي اتكئ عليها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة(3). ورغم مشاركته في تأسيس حزب نداء تونس ولكنه اختلف مع الرئيس الراحل "السبسي" ليؤسس في يونيو/حزيران 2019 حزبه الجديد "قلب تونس". ورأى القروي أن ترشحه لرئاسة تونس نابع من احساسه وشعوره بالفقراء والمهمشين الذين تعامل معهم مباشرة من خلال عمله في جمعية "خليل تونس" التي اتاحت له التواصل والتقرب من هذه الطبقة التي تعاني الفقر والتهميش.

 وانطلاقًا من العمل الخيري ومساعدة الفقراء والمهمشين، بنى شعارات حملته لرئاسيات 2019. وحاربته حركة النهضة، ورئيس الوزراء "الشاهد"، واتهموه بأنه امتداد لنظام "بن علي"، وتم الزج به في السجن بناءً على مذكرات قضائية تتعلق بغسيل الأموال والتهرب الضريبي. ورغم كل هذه التضييقات حلَّ ثانيًا في النتائج الأولية للانتخابات، وهو ما عدَّه الشارع التونسي مفاجئة.

وضعت حالة "القروي" الدولة والقضاء التونسي في مأزق قانوني يتعلق باحتمالات الإفراج عنه لخوض الجولة الثانية من الرئاسة، أو الإبقاء عليه في السجن، والأكثر دهشة من ذلك ما ستقوم بهد الدولة التونسية في حال فوزه بجولة الإعادة وهو قيد الحبس، وهو ما يُمكن أن يُمثل فراغًا دستوريًا. وغطَّت قضية اعتقال القروي على سير حملته الانتخابية التي لم تخلوا من إبراز مظلمته بتقديمه كضحية لتحالف حزب حركة النهضة والمرشح الرئاسي ورئيس الحكومة "يوسف الشاهد".

الجولة الأولى للانتخابات .. مؤشرات ودلالات

سنحاول في هذا الجانب من التقرير الإشارة إلى أبرز الدلالات التي أفرزتها النتائج غير الرسمية للانتخابات الرئاسية في تونس ودراسة انعكاساتها المستقبلية على استقرار البلاد:

1.      تراجع الأحزاب، والنخب التقليدية: رغم نجاح تجربة تونس في تجاوز الاستقطابات السياسية والأيديولوجية من خلال التوافق الذي بدأه الرئيس الراحل "الباجي قائد السبسي" مع حركة النهضة الإسلامية، وتم على إثره إقرار الدستور الذي أٌجريت على أساسه الانتخابات الرئاسية والتشريعية فيما بعد، إلا أن النتائج الأولية تٌبرز العديد من التخوفات على مسألة الاستقرار في تونس خاصة في ضوء إحجام الشباب عن المشاركة فضلًا عن تراجع ثقة الناخب في الأحزاب والأطر السياسة التقليدية. وقد مثَّل فوز مرشحين خارج الأُطر الحزبية تحديًا للانتخابات التشريعية القادمة خاصة أن رئيس تونس القادم لا يمتلك ظهيرًا حزبيًا، فقيس سعيد يرفض الأحزاب، ويرى أنها ستندثر، والقروي رغم تمثيله لحزب "قلب تونس" إلا أنه حزب وليد تأسس ليدخل الانتخابات الرئاسية مستظلًا به بما يعني أنه فارغ من الكوادر والهياكل المؤهلة لخوض الانتخابات التشريعية.

2.      عزوف الشباب عن المشاركة: إضافةً إلى تراجع نسب المشاركة السياسية بمقدار  20% تقريبًا عن الانتخابات الرئاسية عام 2014 إلا أن هذه الانتخابات شهدت عزوفًا من فئة الشباب عن المشاركة، وهو ما يُفسر مناشدة رئيس الهيئة العليا للانتخابات "نبيل بفون" الشباب للنزول والمشاركة بإيجابية في صناعة مستقبلهم. وقال بفون: "تونس تستحق منا أن ينزل الشباب ويقوم بواجبه ويدلي بصوته". وتُعد البطالة وضعف الأداء الاقتصادي أبرز أسباب عزوف الشباب عن المشاركة؛ حيث تشير التقارير والمؤشرات إلى أن أكثر من ثلث الشباب ممن لهم حق التصويت يعانون من البطالة(4).

3.      ضعف صلاحيات رئيس الجمهورية: يُفسر تراجع نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية إلى إدراك التونسيين عدم أهمية المنصب؛ حيث ينص الدستور على سلطة رئيس الجمهورية في تسيير شؤون الدفاع والسياسة الخارجية والأمن الداخلي، فيما يسيطر رئيس الحكومة على بقية الاختصاصات مثل الاقتصاد والتعليم والصحة، وهي بالطبع ما يشغل الناخب. ووعد "عبد الكريم الزبيدي" المرشح الرئاسي الخاسر ووزير الدفاع المستقيل بتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية في التعديلات الدستورية التي وعد مؤيديه بالعمل على إجرائها لضمان توازن حقيقي في الصلاحيات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فيما ترفض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني هذا الاقتراح داعية إلى منح الفرصة كاملة لتطبيق الوثيقة الدستورية الحالية، وتقييمها لاحقًا (1).

                ختامًا؛ يعكس صعود سعيد والقروي بشكلٍ أو بآخر عن أزمة حقيقية تمر بها الأحزاب السياسية التي كانت بمثابة الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، ويُمكن أن يُعزى تراجع الأحزاب أيضًا إلى ضيق الناس من فكرة النمطية والالتزام الحزبي الشديد المفروض على خطاب المرشحين وتوجهاتهم بعكس المرشح المستقل، وذلك ما يتأكد بفوز الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الذي خرج بحملته الانتخابية عن أي التزامات متعلقة بدوائر صنع السياسة سواءً داخل الحزب الجمهوري أو الدولة ككل. ومن المتوقع أن تُلقي هذه النتائج بظلالها على أغلبية مجلس نواب الشعب القادم الذي سيعاني في تشكيلته من الهشاشة والتفتت، وهو ما يُمكن أن يعطل عمل رئيس الحكومة الذي يتحمل أعباء ومسؤوليات الوزارات الخدمية والاقتصادية.

الهوامش

1.       الانتخابات الرئاسية التونسية: أكثر من 3 ملايين ناخب أدلوا بأصواتهم ونسبة المشاركة بلغت 45,02%، فرانس 24 (16/9/2019)، الرابط: https://bit.ly/2lXbngF

2.       غامض بوجه خشبي.. من هو قيس سعيد المرشح لرئاسة تونس؟، مصراوي (15/9/2019)، الرابط: https://bit.ly/2lSMh2N

3.       نبيل القروي.. سجين خلف القضبان على أعتاب رئاسة تونس، المصري اليوم (16/9/2019)، الرابط: https://bit.ly/2kBX9St

4.       بعد مناشدة رئيس "الهيئة".. لماذا عزف الشباب عن الانتخابات التونسية؟، الوطن (16/9/2019)، الرابط: https://bit.ly/2mim9yr

5.       المرشح الرئاسي الزبيدي يتعهد بتعديل دستور تونس وإعادة العلاقات مع سوريا، رويترز (28/8/2019)، الرابط: https://bit.ly/2kzgROF

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟