المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مصطفى صلاح
مصطفى صلاح

تحركات ضاغطة .. تركيا وسيناريوهات ما بعد معركة إدلب

السبت 31/أغسطس/2019 - 06:32 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

شهدت مدينة إدلب السورية تحركات عسكرية برية وجوية من جانب الجيش السوري، وإحراز  تقدم للقوات الحكومية وانسحاب فصائل من المعارضة المسلحة من بلدة خان شيخون، بالإضافة لذلك  أعلنت وزارة الدفاع التركية، في 19 أغسطس 2019، بأن رتل عسكري تابع لها يتكون من 25 من الآليات والمعدات والشاحنات دخل من معبر باب الهوى الحدودي إلى الأراضي السورية، تعرض لقصف جوي خلال توجهه إلى نقطة المراقبة التاسعة في إدلب، وذلك بعد ساعات من تحذير النظام السوري لنظيره التركي من دعم الإرهابيين مناطق ريف إدلب، وذلك غداة دخول قوات النظام السوري إلى خان شيخون للمرة الأولى منذ عام 2014، بعد معارك دموية عنيفة مع المعارضة المسلحة.

الجدير بالذكر أن منطقة إدلب تحولت إلى تجمع لجميع الفصائل والجماعات الإرهابية المسلحة بعدما تم تحرير العديد من المناطق في سوريا، وذلك بناء على اتفاقات بين الجانب التركي والروسي في سوتشي لإنشاء مناطق خفض التصعيد، ومنع دخول القوات السورية والروسية إلى هناك، كما تحاول تركيا اتخاذ سياسات عدة من أجل منع التدخل العسكري في المدينة، التي تنشر قواعدها العسكرية على مقربة منها، على نحو  يسمح لها بتوظيف العديد من الأوراق السياسية والعسكرية في الأزمة السورية.

التدخل العسكري التركي المباشر

تأتي أهمية التدخل العسكري السوري بمساعده الحليف الروسي كونه جاء بعد مؤتمر أستانا 13 في مطلع أغسطس 2019، والذي تم التباحث خلاله حول أهمية تسوية الأزمة السورية وصياغة دستور جديد للبلاد، والفصل في المنطقة الآمنة في إدلب، والتي تُعد تركيا أحد الدول الضامنة لتنفيذ هذه الاتفاقيات.

كما أن عملية التدخل العسكري السوري وحليفه الروسي يمكن أن يكون لها العديد من الانعكاسات خاصة على تركيا بعدما تراجعت الجماعات المسلحة المدعومة من جانبها، وسيطرة القوات الحكومية على العديد من المناطق في خان شيخون، في الاتجاه الذي يدفع بالتدخل العسكري التركي المباشر في منطقة إدلب.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن تركيا قامت بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية؛ المرة الأولى كانت عملية  "درع الفرات" التي انطلقت في أغسطس 2016 واستمرت حتى مارس 2017. والمرة الثانية كانت عملية "غصن الزيتون" التي انطلقت في الربع الأول من عام 2018. ومنذ ذلك الوقت تسيطر تركيا على ما يقارب 2% من الأراضي السورية.

ولعل هذه العملية العسكرية التي لاحت في الأفق من جانب أنقرة تأتي بالتزامن مع العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية التي من شأنها أن تؤطر بصورة كبيرة لشكل وتداعيات هذه العملية العسكرية هذه المرة، سواء على مستوى الداخل التركي أو الظروف الإقليمية والدولية الحالية، التي قد تتداخل بالمنح والمنع للتدخل العسري المباشر، ولعل أبرز تلك المحددات:

1) على المستوى الدولي والإقليمي لم تمنع الاعتراضات الدولية والإقليمية التحركات التركية العسكرية في منطقة الشمال السوري، وقامت باحتلال العديد من المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية (أكراد سوري)، ومن ثم لا يوجد قوة إقليمية أو دولية تستطيع أن تمنع تركيا بصورة كلية من تنفيذ تهديداتها بالتدخلات العسكرية المباشرة وإن كان من الممكن ضبط طبيعة هذه التدخلات بصورة غير مباشرة.

2) بعد خسارة أردوغان في الانتخابات البلدية في معاقل سياسية واقتصادية هامة يحتاج أردوغان إلى قضية يوحد به الشعب التركي ويحشده خلف سياسته، وفي هذا الإطار يسعى أردوغان إلى توظيف الملف الكردي خاصة وأن الفترة الأخيرة شهدت العلاقات بينهما توترات متصاعدة وذلك أن نفذت الدولة التركية عملية اغتيال لكادر كردي من حزب العمال الكردستاني المعارض في 27 يونيو 2019، والتي رد عليها حزب العمال بعملية انتقامية تمثلت باغتيال دبلوماسي تركي في شمال العراق في 21 يوليو 2019، والتي على خلفياتها اشتعلت من جديد وتيرة الأزمة الكردية في تركيا.

3) يمثل ملف اللاجئين أحد الأوراق ذات الأهمية الكبرى فيما يتعلق باتساع مساحة الضغط على النظام التركي لترحيلهم، ما ما يمكن لأردوغان أن يبرر حملته العسكرية داخليا بالسعي لتوفير مكان آمن لترحيل اللاجئين السوريين من تركيا إلى شمال شرق سوريا، أو في منطقة إدلب، ومن ثم الالتفاف على هذه الضغوط وتبرير موقفه.

ملفات متداخلة

وفق هذه المتغيرات فإن هناك العديد من السيناريوهات المحتملة حول مسألة الدخول العسكري المباشر لتركيا في إدلب أو في منطقة شمال سوريا حيث الأكراد، خاصة وأن هذا النوع من العمليات قد ينعكس في العديد من السيناريوهات المرتبطة بشكل خاص بحدود التدخل التركي العسكري في سوريا بصورته الشاملة سواء في منطقة إدلب أو في شمال وشمال شرق سوريا، وفيما يلي أبرز تلك الاحتمالات:

1) المواجهة العسكرية مع روسيا والقوات السورية

على الرغم من توقيع اتفاقيات بين روسيا وتركيا في سوتشي  سبتمبر 2018، بشأن مناطق خفض التصعيد في إدلب وتنسيق الجهود الثنائية في إدارة المنطقة من خلال نقاط المراقبة، إلا أن دخول القوات السورية ومعها الحليف الروسي إلى إدلب يمثل ارتداد عن هذه الاتفاقيات والتي تؤكد عزم سوريا وروسيا التخلص من المجموعات المسلحة المتواجدة في إدلب.

2) تقارب سوري كردي  في شرق الفرات

هناك العديد من الانعكاسات حول مستقبل التدخل العسكري التركي في شرق الفرات كامتداد لتحقيق نجاحات ميدانية في ظل تراجعها في منطقة إدلب، بحيث إذ لم تساند القوات الأمريكية قوات سوريا الديموقراطية في عملياتها ضد التدخل التركي، خاصة وأن هناك احتمالات بأن الهجوم الذي يشنّه الجيش السوري في إدلب مرتبط بالتقارب الأميركي-التركي في شرق البلاد، مما سيتوجب  الأكراد إلى الأسد لمساعدتهم في مواجهة الهجوم التركي، ما يعني تمكين نظام الأسد من استعادة السيطرة على مناطق سورية كان قد فقد السيطرة عليها منذ سنوات.

3) حدود المناورة الروسية

تدرك روسيا حركة تركيا المتناقضة الخارجية وخاصة تجاه علاقاتها مع الولايات المتحدة على الرغم من التقارب بينهما على خلفية صفقة منظومة الدفاع الجوي الروسية s- 400، بما يتعارض مع الرغبة الأميركية، ومن زاوية أخرى حاولت تركيا التقارب مع الولايات المتحدة عبر إنشاء مركز عمليات مشترك يتيح لهما تنسيق تحركاتهما في منطقة الشمال السوري، بعد إعلان تركيا الدخول العسكري في شرق الفرات في خطوة عارضتها الولايات المتحدة.

وتتزايد التخوفات الروسية من أن يتمكن الجانب التركي والأمريكي إلى التوصل لاتفاق نهائي حول الوضع في الشمال السوري، والذي قد يؤدي إلى استمرار النفوذ لفترة أطول، وما له من تداعيات سلبية على النفوذ الروسي، والنظام السوري، ولهذا السبب، أُريد من الهجوم الذي تشنه روسيا والنظام السوري في إدلب تغيير مجريات الأحداث في منطقة شرق الفرات على تركيا والولايات المتحدة، وفرض واقع جديد وحقيقة جديدة قد تفقد فيها تركيا جميع أرباحها المحتملة، وهذا الأمر دفعها إلى مراجعة سياستها في إدلب في اتجاه تكثيف المفاوضات مع روسيا، وهو ما تم بالفعل في زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى موسكو في 28 أغسطس 2019.

4) التراجع التركي

في حال الإصرار الروسي والسوري على التخلص من الجماعات المسلحة في إدلب، فسوف تتعرض تركيا إلى العديد من المخاطر، والانتكاسات السياسية والمتمثلة في ضرورة الانسحاب التركي من نقاط المراقبة الاثنى عشر التي تم نشرها بعد اتفاق سوتشي بين موسكو وأنقرة، ولكن مع تقدم القوات الحكومية نحو مركز إدلب، تضيق أمام موسكو وأنقرة فسحة إيجاد حلول وسط، خاصة أن الخط الرئيس للفصل، بين روسيا الداعمة للحكومة الشرعية السورية والموجودة على أراضيها على الأساس الشرعي نفسه، وتركيا، التي كانت وما زالت  في دور المعتدي الفعلي، أصبح أكثر وضوحًا، وأن مطامع تركيا للسيطرة على الأراضي السورية لن تلقى دعمًا حتى من قبل المعارضين الرئيسيين للأسد في العالم العربي. ولن تكتفي روسيا وإيران بمعارضة ذلك قولًا، إنما ستتخذ إجراءات ملموسة دفاعًا عن حق السوريين في استعادة أراضيهم.

ماذا بعد إدلب؟

لا شك أن معركة إدلب ودخول القوات السورية بمساعدة سلاح الجو الروسي أفرز وضع داخلي معقد، كونه مرتبط بالعديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين خاصة تركيا والولايات المتحدة، وإن كانت تركيا تستحوذ على النصيب الأكبر من حيث التداعيات السلبية سواء في إدلب أو في عموم سوريا وخاصة مناطق الشمال السوري التي تستهدفها تركيا لمواجهة المكون الكردي المنتشر هناك، وتأسيسًا على ذلك من المحتمل أن تشهد الفترة المقبلة إعادة النظر في الوضعية الجديدة التي تريد روسيا وسوريا لتسوية الأزمة الداخلية وفق متطلبات جديدة، وإن كان على تركيا انتهاج سياسات جديدة في ضوء تلك المتغيرات، والتي أصبحت تركيا متغير تابع الآن في المعادلة بعدما أصبح رهانها وقدرتها على التواجد لم تتحكم فيه بمفردها بل تداخلت فيه العديد من المتغيرات المستقلة مثل روسيا والولايات المتحدة.

وكما ذكرنا فإن معركة إدلب لا تنفصل عن التطورات في الشمال السوري، ومن المؤكد أن تركيا تبحث عن مشاركة تركية مع قوات أمريكية على الشريط الحدودي، دون إلحاق أذى بقوات سورية الديمقراطية والادارات الذاتية في المنطقة، خاصة وأن تركيا تحاول الوصول مع الولايات المتحدة إلى صيغة اتفاق بينهما حول المنطقة الآمنة، خاصة وأنه بحسب شروط الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين أنقرة وواشنطن، فإن السلطات ستستخدم مركز التنسيق الذي سيكون مقره في تركيا من أجل الإعداد لمنطقة آمنة في شمال سوريا، بهدف إنشاء منطقة عازلة بين الحدود التركية والمناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، القوات المدعومة من واشنطن والتي تصنفها أنقرة إرهابية.

المراجع

1) وجهة نظر: يجب أخذ تهديدات تركيا في سوريا على محمل الجد، على الرابط:                        https://cutt.us/coh9W

2) نظام الأسد بعد دخول قواته خان شيخون: تركيا في طريقها لنجدة الإرهابيين.. ونحملها مسؤولية التداعيات، على الرابط:

https://cutt.us/FytjY

3) جُحر أفاعٍ في شمال سورية، على الرابط:                                                                                      https://cutt.us/LV37M

4) الحرب السورية: هل تمسي خان شيخون ساحة للمواجهة بين تركيا والتحالف السوري الروسي؟، على الرابط:

https://cutt.us/mJUWa

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟