دروس الماضي وطريق طهران للتفاوض مع واشنطن
أكد المرشد
الأعلى آية الله "على خامنئي" لرئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي"
في طهران أن بلاده "لن تتفاوض تحت الضغط"، وأعقب اجتماعه مع آبي أعمال تخريبية
جديدة ضد ناقلات النفط في خليج عمان ، مما أثار مخاوف من وجود أزمة جديدة
على خلفية اندلاع الصراع في الشرق الأوسط. على الرغم من عدم معرفة مرتكب الجريمة
إلا هناك حملة من الاتهامات الموجهة للجمهورية الإسلامية من قبل الولايات المتحدة
الأمريكية و حلفاءها في الخليج، ومع ذلك مازال هناك إمكانية للمفاوضات شريطة أن
يقوم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بتخفيف الضغوط المفروضة على طهران،
فضلاً عن تقديم محفزات موثوق بها لصفقة جديدة.
أولاً- موجات من الضغوط المتبادلة
أشار سنا
طوسي – الباحث المشارك بالمجلس القومي الأمريكي الإيراني (NIAC)- إلي أنه
تم فرض الكثير من الضغوط الأمريكية على طهران بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق
النووي في عام 2018، و ظهر ذلك من موجات العقوبات الاقتصادية الثلاثة والتي استهدف
أخرها قطاع النفط، مما أدى إلي تصفير صادراته.
ومن
اللافت للانتباه أن هناك حالة من الاتحاد الكبيرة بين المسئولين الإيرانيين بكافة
فصائلهم السياسية حول عدم الرغبة في التفاوض مع واشنطن إلا بشروط معينة. ولكن يُرجع
طوسي ذلك إلي أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتعلم من الدروس السابقة و سيما مع
إيران؛ حيث استطاعت طهران التكيف مع العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها منذ عهد
الرئيس السابق "هاشمى رفسنجانى" في عام 1995 ، وأظهرت طهران قدرة فائقة
على التكيف معها، بل و استطاعت على إثرها تصنيع بعض المنتجات التقنية مثل الأجهزة
المنزلية. و يرى الكاتب أن واشنطن استنفذت كل الأدوات المالية و السياسية العقابية،
تاركة القليل من الخيارات بغرض تكثيف الضغوط، بدلاً عن الخيار العسكري.
ومن
الجدير بالذكر، أن طهران بدأت مؤخراً في استخدام نفوذها الخاص من خلال اسلوبها
المتبع في حرب العصابات، و هو الأمر الذي لا يروق الولايات المتحدة الأمريكية. و
على الجانب الأخر، أشار بعض المسئولين الإيرانيين إلي أن السلوك المعتدل لواشنطن و
تخفيف الضغوط على الجمهورية الإسلامية من شأنه أن يؤدى إلي تسهيل طريق المفاوضات.
و
عليه، يجب أن يتحلى "ترامب" بالكياسة و الصبر لأن إيران تلعب دورها جيداً و تدرك ان حملة
التهديدات المتصاعدة من شأنها أن تؤدى إلي تقليل فرص انتخابه مرة أخري، على
الناحية الأخرى، ينطوي طريق الدبلوماسية على مخاطر ضئيلة ومن شأنه أن يؤدى إلي
انفراج أيضاً.
و اتضح
أن طهران سوف تواجه حملة الضغط الأمريكية بأخرى مقابلة لأنها تعي جيداً أن هذه
الطريقة هي التي ستقوى موقفها في حالة حدوث تفاوض، كما أن الولايات المتحدة
الأمريكية غير راغبة في الدخول في حرب مفتوحة في الشرق الأوسط، على خلفية المشكلات
الداخلية التي ماتزال تعانى منها إثر التدخل الأمريكي في العراق لعام 2003 و
الانخراط الكبير في الشرق الأوسط بعد أحداث الربيع العربي في عام 2011، سيما و أن
الرئيس "ترامب" هو صاحب استراتيجية الخروج التدريجي من المنطقة، بسبب
رغبته في التفرغ للحفاظ على الولايات المتحدة الأمريكية كقوى عظمى في ظل المنافسة
الاقتصادية الكبيرة مع الصين و دول النمور الأسيوية.
فحتى وقت
قريب، كان تتبع طهران سياسة " الصبر الاستراتيجي" بما يتضمن الالتزام
ببنود الصفقة النووية و البقاء داخلها حتى يترك "ترامب" منصبه في أقرب
انتخابات أمريكية قادمة، و لكن بعد فشل الدول الأوروبية في تخفيف الضغوط الأمريكية على طهران و التي
وصل أخرها إلي تصفير صادرات النفط التي تعد بمثابة مصدر أساسي من مصادر الدخل
القومي و نجاح واشنطن في تكثيف الضغوط من خلال تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة
إرهابية، وفرض عقوبات جديدة على قطاع البتروكيماويات الإيراني بغرض ردء الثغرات
التي كان تستطيع من خلالها الجمهورية الإسلامية في الماضي الالتفاف على العقوبات
الأمريكية، اتضح أن سياسة الصبر الاستراتيجي غير مجدية.
وعليه،
بدأت طهران في تبنى مستويات عالية من الاستعداد العسكري، و الانخراط في أنشطة
تخريبية في المنطقة سيما فيما يتعلق بالبنية التحتية للنفط في المضايق الإقليمية،
فضلاً عن اعلان نيتها في عدم الالتزام ببنود الاتفاق النووي و العودة مرة أخرى إلي
تخصيب اليورانيوم بما يمكنها من صنع القنبلة النووية.
ثانياً- فرص تفاوضية ضائعة
يجادل
طوسي بأنه كانت هناك الكثير من الفرض الضائعة خلال الأزمة النووية بين طهران
وواشنطن؛ ففي مارس 2005، وبعد عامين من المفاوضات بين أوروبا والحكومة الإصلاحية للرئيس
"محمد خاتمي" قدمت إيران اقتراحًا رائعًا مثل خطة العمل المشتركة الشاملة،
ولكن رفضته أوروبا بأمر من إدارة "جورج دبليو بوش" في ذلك الوقت، التي اتخذت
الموقف الأقصى المتمثل في رفض قبول أي تخصيب لليورانيوم على الأراضي الإيرانية،
بما يشير إلي أنه بالإمكان تسوية الملف النووي الإيراني بالكامل في عام 2005.
كما كانت
هناك فرصة أخرى لعقد اتفاق نووي في عهد الرئيس الأسبق "أحمدي نجاد"؛ حيث
جاء ذلك في شكل اقتراح روسي يحدد سلسلة من الخطوات المتبادلة التي يمكن أن تؤدي إلى
تسوية تشبه JCPOA، بينما رحب أحمدي نجاد بالاقتراح، أعلنت وزيرة
الخارجية "هيلاري كلينتون" أن الولايات المتحدة ملتزمة بما يسمى سياسة
"المسار المزدوج للضغط والتفاوض" ، وسعت إلى فرض عقوبات جديدة من الأمم المتحدة.
ومن الجدير
بالذكر، أن حملة الضغوط التي قامت بها إدارة "أوباما" كانت تتسم بأوسع العقوبات
التي فرضت على إيران. وعلى عكس ترامب اليوم، حظي أوباما بدعم أوروبا و العديد من قرارات
مجلس الأمن الدولي؛ حيث أدت العقوبات التي فرضها على إيران إلى قطع معظم سبل التجارة
الدولية، وخنق صادراتها النفطية، وأغرقت الاقتصاد الإيراني في ركود عميق. كما كان
يهدد أوباما باستمرار بأن "جميع الخيارات مطروحة" ونشرت إدارته أول أسلحة
إلكترونية في العالم لتخريب البرنامج النووي الإيراني.
بحلول عام
2012، اعتقد العديد من المراقبين أن الولايات المتحدة وإيران كانتا على أعتاب الحرب،
مع صدور عدة تقارير تفيد بأن البيت الأبيض أرسل حاملة طائرات إلى المنطقة واستعد بطائرات
هجومية. كما أخبر المسؤولون الأمريكيون وسائل الإعلام أنه لم يكن من المتوقع التوصل إلى اتفاق مع إيران في هذه المرحلة لأنه
تم فرض أقصى قدر من الضغوط عليها في ذلك الوقت.
لكن في
مواجهة العقوبات و الضغوط الأمريكية المتصاعدة، زادت إيران من سبل المواجهة من خلال
زيادة حجم ونطاق برنامجها النووي؛ فخلال الفترة من 2005 إلى 2013، زادت إيران عدد مواقع
تخصيب اليورانيوم من واحد إلى اثنين، وعدد أجهزة الطرد المركزي العاملة من 164 إلى
9500 ، ومخزوناتها من اليورانيوم منخفض التخصيب من حوالي 100 كيلوجرام إلى أكثر من
10000. كما طورت نماذج للطرد المركزي لجعلها أكثر
تطوراً وبدأت في تخصيب اليورانيوم إلى 20%، جمعت منها مخزونًا يبلغ 185 كيلوجرامًا.
بحلول عام 2013، بات مقدار الوقت اللازم لتجميع كمية المواد الانشطارية اللازمة لسلاح
نووي واحد، يصل إلى ثلاثة أشهر.
وعليه،
يشير الكاتب إلي أنه أحد الأخطاء التي
كانت شائعة في فترة "أوباما" أن العقوبات جلبت إيران إلى طاولة المفاوضات
أو كانت العامل الرئيسي المؤدي إلى خطة العمل المشتركة الشاملة، ولكن أصبحت الصفقة
ممكنة فقط بعد أن أبلغت طهران الولايات المتحدة عن تغير في خطها الأساسي، بما
يتمثل في عدم الرغبة في استكمال التخصيب مما أدى إلى عدم وجود أسلحة نووية خلال محادثات
عمان في مارس 2013. ولذا، تفاوضت إيران والولايات المتحدة خلال العامين اللاحقين إلي
أن تم التوصل إلى خطة العمل المشتركة الشاملة المعروفة بـ JCPOA.
ثالثاً- دروس هامة من تجارب سابقة
يؤكد الكاتب
على أن الجولات السابقة من المفاوضات النووية مع إيران تتضمن العديد من الدروس المهمة
للحوار الأمريكي الإيراني في المستقبل؛ بالنسبة لإدارة ترامب، يجب أن يكون الدرس الرئيسي
هو أنها لا تستطيع الاعتماد على القوة القسرية للعقوبات، حيث تدل فترة الأزمة النووية
على أن إيران قادرة على تحمل قدرًا كبيرًا من الضغط الاقتصادي لتأمين ما تعتبره مصالحها
الأساسية.
وينطبق الشيء نفسه اليوم مع حملة "الضغط الأقصى"
التي قام بها "ترامب"؛ فلم تستسلم طهران لمطالب وزير الخارجية "مايك
بومبيو" البالغة 12 مطلب، وها هي تواجه الضغوط بضغوط مواجهة.
فبينما تتحرك
إيران للانسحاب التدريجي من حدود خطة العمل المشتركة الشاملة، فإنها تخلق مُصرة
على إبقاء نافذة المفاوضات مفتوحة إذا أبدت الإدارة الأمريكية اهتمامًا جادًا. في حين
أن خطر الحرب الحقيقي موجود طالما أن الصقور المناهضين لإيران مثل "جون بولتون"
داخل البيت الأبيض.
لكن يبدو
أن "ترامب" نفسه قد غير أسلوبه في التعامل مع إيران؛ فخلال زيارة رئيس
الوزراء الياباني" شينزو آبي" إلي طهران أعلن الرئيس الأمريكي أن واشنطن
لا تبحث عن تغيير النظام، وعليه أقر "آية الله خامنئي" لأول مرة منذ سنوات
أن إيران لا ترغب في صنع السلاح النووي.
في النهاية، يؤكد طوسي أنه من أجل التوصل إلى اتفاق جديد، يجب أن يكون الرئيس "ترامب" مستعدًا لتخفيف الضغوط حتى يتلقى تنازلات واقعية من قبل طهران، من المرجح أن يتم التوصل إلى اتفاق جديد يعيد فرض قيود على الأنشطة النووية على المدى القصير. الأمر الذي من شأنه أن يُعزز فرص إعادة انتخاب "ترامب" و ينقذ الشعب الإيراني من التدهور الاقتصادي الموجودة داخل الجمهورية الإسلامية إذا اتبعت الإدارة الأمريكية الدبلوماسية القائمة على التعلم من دروس الماضي بدلاً من التمسك بضغوط بلا أهدف.
Sina
Toossi, Iran's Path to Negotiations with Trump's America ,
National Interest, 17/6/2019, available at: