المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ما الذي ينتظر الهند في ولاية مودي الثانية؟

الأحد 02/يونيو/2019 - 05:45 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
غدي حسن قنديل

في 23 مايو 2019، فاز حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات العامة في الهند بفارق كبير مثير للصدمة، سمح لرئيس الوزراء الهندي الحالي "ناريندرا مودي" بفترة ثانية حصل فيها علي 302 مقعدًا من بين 542 مقعدًا في البرلمان الهندي، وهو ما يفوق بكثير الـ 272 اللازمة لتشكيل الحكومة، بينما فاز حزب المؤتمر الذي يعد أكبر حزب معارض يهيمن عليه سلالة "غاندي" بـ 52 مقعدًا فقط.

     وشهدت الانتخابات الهندية العامة مشاركة ما يزيد عن 60 % من إجمالي الناخبين الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التي تألفت من سبع مراحل, واستمرت العملية الانتخابية ستة أسابيع من 11 أبريل الماضي إلى 19 مايو الجاري.

     غير أنه علي مدار السنوات الخمس الماضية لولاية مودي الأولى، تعرضت حكومته لانتقادات متكررة؛ فلقد تضرر الاقتصاد الوطني الهندي، وزادت نسبة البطالة، وانتهك الأمن القومي، ووجهت تهم للحكومة بالفساد المالي، وبلغ العنف الطائفي ذروته. ولكن رغم ذلك، عاد حزب بهاراتيا جاناتا أقوى من أي وقت مضى, وحقق أول أغلبية مباشرة حاسمة يحققها حزب واحد منذ عام 1984.(1)


     وهذا ما يثير تساؤلات عدة مع الإعلان عن نتائج الانتخابات التي جاءت على عكس المتوقع في ظل مسؤولية سياسات مودي عن تراجع الهند اقتصاديًا ومجتمعيًا، ومن أبرز تلك التساؤلات؛ لماذا صوت الملايين من الهنود لولاية ثانية لمودي جعلت البلاد أسوأ مما كانت عليه في عام 2014؟ وما مستقبل الهند في ظل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا؟

أولاً- كيف فاز مودي في الوصول للسلطة من جديد؟

استطاع مودي الوصول للسلطة مرة أخرى عبر عدد من الآليات:

1ـ الاستقطاب الديني

    مثل الاستقطاب الديني صميم الحملة الانتخابية لحزب بهاراتيا جاناتا، ظهر هذا في الخطب التي ألقاها أكبر قادة الحزب والتي تعهد فيها بتعديل قوانين الجنسية لصالح اللاجئين الهندوس والبوذيين والسيخ، وضد المهاجرين المسلمين الذين يعيشون في الهند بشكل غير قانوني, وعلى عكس بقية المرشحين الآخرين فإن مودي لم يسع أبدا لاستقطاب المسلمين الذين يبلغ عددهم أكثر من 176 مليون نسمة، فقد راح حزب بهاراتيا جاناتا يراهن على العصبية الدينية الهندوسية من خلال الترويج لفكرة الهند كأمة هندوسية.

     ويرجع هذا الاستقطاب الديني لتمثيل الهندوس ما يقرب من 80 % من الناخبين في الهند، وإذا أمكن إقناعهم بترك هوياتهم المتعددة الأخرى جانباً والتصويت لصالح مودي, عندها يمكن للحزب البقاء في السلطة لمدة أطول. فجعل حزب بهاراتيا جاناتا القومية مرادفا للتوحيد الهندوسي وسعى إلى ربط أكبر أقلية دينية في البلاد وهي المسلمين الذين يشكلون حوالي 14 % من الناخبين بأكبر عدو إقليمي له وهو باكستان.

     فركزت حملة مودي على الشعارات الدينية والإثنية المتشددة؛ لتكثيف قاعدتهم الهندوسية، حيث ألقوا خطابات ضد التهديدات التي تشكّلها باكستان؛ عسكريًا بأغلبيتها المسلمة، واجتماعيًا بالمهاجرين المسلمين عبر الحدود من بنجلاديش, وبهذا نجح رئيس الوزراء الهندي في توظيف التوتر مع باكستان لصالحه، مستغلًا رغبة الشعب الهندي في الاستقرار والقلق من إحداث أي تصعيد بين الدولتين.

2ـ أطروحة القائد القوي

     يبدو أن صيغة حزب بهاراتيا جاناتا للتركيز على الأمن القومي وسياسات الهوية، إلى جانب توجيه جاذبية مودي وسلطاته الخطابية الواضحة، طغت على أي رؤية متنافسة. في ظل استقطاب جيل جديد من الشباب على الرغم من أن فرصهم تراجعت في ظل حكمه. فقرابة 18 مليون هندي تتراوح أعمارهم بين 18 و 23 صوتوا لأول مرة في هذه الانتخابات. فانجذب الكثير منهم إلى صورة مودي الرجل القوي, وقدرته على تحمل المخاطر ومهاجمة خصومه، وسحق معارضيه.

     فرغم الأوضاع المتردية في الهند يظل "ناريندرا مودي" يتمتع بشعبية كبيرة على الرغم من خطوات حكومته. ولا يزال ينظر إليه على أنه لديه رؤية فعالة لمستقبل الهند حتى من قِبل المعارضين للأوضاع الاقتصادية في عهده, والذين يجادلون بأن أعضاء حزبه لا يستمعون إليه، وأنه يقف ضد 70 عامًا من سوء الحكم، وأن أفكاره ستؤتي ثمارها في المستقبل البعيد.(2)

3ـ التسويق السياسي

     لقد أثبتت الانتخابات الهندية الأخيرة مدى قوة الأداة الدعائية في التأثير على إرادة الناخبين, فلا يزال معظم الهنود يحصلون على أخبارهم من التلفزيون، الذي يدعم حزب بهاراتيا جاناتا القنوات الرئيسية فيه بصورة علنية, فضلا عن تجنيد الحزب لمحرري الإنترنت في جميع أنحاء الهند لتوزيع رسائله بين مستخدمي الإنترنت البالغ عددهم 500 مليون, فلقد عمل أكثر من مليون شخص للحزب خلال الحملة الانتخابية التي استمرت لأشهر، وشجعوا عملها على منصات التواصل الاجتماعي, بينما فشل حزب المؤتمر في عملية التسويق وبيع نجاحاته وإخفاء إخفاقاته.

     وفي هذا السياق, استفاد مودي بشكل كبير من الدعايات حول توفير المراحيض والحسابات البنكية والقروض الرخيصة والإسكان والكهرباء وجرار الغاز للفقراء, كما أسهمت التبرعات الكبيرة من أكبر الشركات الهندية بأن ينفق أكثر من أي حزب آخر في حملته لإعادة انتخابه، كما صور الإعلام التابع لتلك الشركات مودي على أنه القائد الوحيد القادر علي حماية الهند.

     كما حافظ رئيس الوزراء وحزبه علي شعبيتهم وزيادتها من خلال استهداف فقراء الريف, فما يقرب من 70 % من الهنود ما زالوا يعيشون في قرى، فلا يمكن لحكومة مودي أن تحصل على السلطة دون دعم الريف, ونجحت في هذا من خلال تقديم الغاز المجاني، ودعم الإسكان العالي، والخدمات الأساسية، والتأمين الصحي لتلك المناطق.

4ـ وعود جديدة

     تمكن الهنود من رؤية وعود مختلفة في حملة مودي لعام 2019, فلم يعد المرشح الذي يمثل التغيير, فبعد أن بلغت البطالة أعلى مستوى لها منذ 45 عامًا في ظل حزب بهاراتيا جاناتا، وبدأ النمو الاقتصادي في التباطؤ, كان على مودي تقديم نفسة بصورة جديدة فلقد وصف نفسه بأنه حارس لأمن الهند والقادر علي حماية إرث الأمة الهندية، فنقل بعناية تركيز رسالته من الإصلاح والتغير كما كانت في عام 2014 إلى التركيز على الأمن القومي والهوية.

     فتم دعوة جميع الهندوس المزارعين المتعثرين والشباب العاطلين عن العمل ورجال الأعمال المتشككين في السياسات الاقتصادية لحزب بهاراتيا جاناتا إلى نسيان ظروفهم والتصويت لصالح أمتهم ليسهموا في بناء تاريخ جديد للهند من خلال مودي, وأدت كل هذه العوامل إلى نجاح الحملة الانتخابية للحزب وفرض تحديات أكبر أمام الولاية الثانية لمودي.(3)

ثانياً- مستقبل الهند في ولاية مودي الجديدة

هناك عدد من الملفات والتحديات التي تفرض نفسها مع ولاية مودي الجديدة، ويتمثل أهمها في :

1ـ المواجهة بين الهند وباكستان

     فقبل أسابيع من الانتخابات الوطنية في الهند، تعرضت قافلة شبه عسكرية في كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية لسيارة محملة بالمتفجرات في 14 فبراير 2019, ما تسبب في قتل 40 جنديًا هنديًا في واحدة من أسوأ الهجمات الإرهابية على الأراضي الهندية منذ سنوات. ما أدي إلى فرض مودي عقوبات جوية على الحدود مع باكستان للمرة الأولى التي تعبر فيها المقاتلات الهندية خط السيطرة, الذي يقسم كشمير منذ عام 1971, لكن رغم هذا, أبدت إسلام آباد من خلال رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" استعدادا لبدء محادثات سلام مع نيودلهي حول الوضع في كشمير بعد فوز مودي بولاية جديدة. (4)

2ـ مصير غامض للمسلمين

     الجانب المقلق الثاني في الانتخابات الهندية لعام 2019 هو كيف أحاطت الأحزاب السياسية بأغلبية الأصوات الهندوسية على حساب أكبر مجموعة أقلية في الهند, فالبرلمان المنتهية ولايته يضم 24 نائبًا مسلمًا فقط من أصل 545 نائبًا، وهو أدنى عدد نواب مسلمين منذ الاستقلال. فالكتل السياسية الرئيسية في الهند لا تسمح للمسلمين بالارتقاء في صفوفها, ما يثير القلق حول مستقبل الديموقراطية في الهند.

     فحملة هذا العام تضع الهند في اختبار لمعرفة ما إذا كان للهند مستقبل كجمهورية علمانية تعددية, خصوصا بعد إشارة رئيس حزب بهاراتيا جاناتا "آميت شاه" إلى المهاجرين المسلمين الذين يعيشون في الهند بشكل غير قانوني باسم "النمل الأبيض" في الحملة الانتخابية.

فقد أنشأ حزب بهاراتيا جاناتا سجلا وطنيا للمواطنين، بقاعدة بيانات تستثني 4 ملايين شخص في ولاية آسام الشرقية، معظمهم من المسلمين. وعد شاه بأن يقوم الحزب بتنفيذ قاعدة بيانات مماثلة في جميع أنحاء البلاد، لفرض عملية تطهير جماعي للمسلمين الذين هاجروا بشكل غير قانوني من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان.

3ـ ضربة قاصمة للمعارضة:

     أسفرت نتائج الانتخابات عن خسارة كبيرة لكتلة المعارضة ممثلة في حزبها الرئيسي المؤتمر الذي يتزعمه "راهول غاندي" وريث عائلة نهرو غاندي وحفيد ونجل ثلاثة رؤساء وزراء، إذ لم يحصلوا سوى على 52 مقعدا فقط، رغم أنها أحسن نسبيا مما كانت عليه في 2014 حين حصل على 44 مقعدًا, فيواجه الحزب استنكارًا حول مستقبله في السياسة الوطنية الهندية، فلم تكن هناك مبررات للهزيمة في 14 ولاية، حتى رئيس الحزب خسر في دائرة انتخابية حجزتها عائلته لعقود.

    بينما عزز إعادة انتخاب مودي رئيسا للوزراء تصاعد التيار الشعبوي اليميني في العالم، الذي نجح في السنوات الأخيرة في تحقيق عدة نجاحات في مناطق عدة، من الولايات المتحدة إلى البرازيل وإيطاليا، هذا التيار الذي يتبنى مواقف صارمة تجاه الهجرة ويميل في كثير من سياساته إلى العنصرية الدينية والعرقية, فيخشى الليبراليون في الهند أن تؤدي فترة الولاية الثانية لـ"مودي" إلى حدوث تحول حاسم ضد التقاليد العلمانية في البلاد.(5)

 

4ـ تصادم للشراكات الاستراتيجية:

     لقد أهدرت الهند والصين فرصة فريدة لتحويل العلاقات جذريًا وتطوير نموذج جديد في ولاية مودي الأولي التي شابتها المواجهات الحدودية المتكررة، لذا تمثل عودة "مودي" فرصة أخرى لتحسين العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، يجب إنتهازها.

     كما أعطي هذا الفوز فرصة لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين الهند والولايات المتحدة، فقد قطعت الولايات المتحدة والهند خطوات كبيرة معًا تشمل توسيع التعاون الثنائي في مجال الدفاع والتدريبات العسكرية المشتركة، والصفقة النووية المدنية التاريخية وتعيين الهند كشريك رئيسي في الدفاع, فترامب يسعي لقوة الشراكة الأمريكية الهندية كخطوة دبلوماسية لإبقاء الصين تحت السيطرة في آسيا وسط توترات تجارية أمريكية-صينية مستمرة.

     غير أن تلك النزاعات التجارية يمكن أن تلقي بظلالها على العلاقات الأمريكية الهندية، ولا سيما أن ترامب فرض حظرًا على شراء الهند للنفط الإيراني والفنزويلي. ولكن مودي يدرك أن المصالح الوطنية للهند مرتبطة بشكل وثيق بالولايات المتحدة في ملفات مثل توسع الصين في آسيا وانتشار الإرهاب من خلال الحركات المسلحة في جنوب آسيا. (6)

خاتمة

     وإجمالاً لما سبق يمكن القول أنه من المحتمل أن يكون المشهد الهندي بعد الانتخابات أكثر تعقيدًا، رغم أن الخطر الذي تواجهه الهند هو نفسه، حيث ما زال هناك استمرار في الاعتداء علي الحريات وتنامي للفتنة الدينية وتدهور في العلاقات الخارجية التي ميزت ولاية مودي الأولى. ولكن النتيجة الأكثر خطرا تتمثل في العودة إلى السياسة الفوضوية التي سيطرت طوال الثلاثين عامًا الماضية، قبل فوز "مودي" في 2014.

     لذا يتعين على رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" أن يتبنى خطابًا سياسيًا متوازنًا, ويسعى لمعالجة التحديات الجديدة التي تواجه الدولة الهندية ما قد يعطيه فرصة تاريخية من أجل رسم مستقبل أفضل للهند. فقد لا تشكل هذه التغييرات شكل السنوات الخمس المقبلة من ولاية مودي فحسب، بل طبيعة السياسة الهندية أيضًا تجاه العالم لعقود.

الهوامش

1)           Sumit Ganguly, "The Modi Mystery", foreign policy, 25/5/2019, Available at:

 https://foreignpolicy.com/2019/05/25/the-modi-mystery/

2)           Snigdha Poonam, "Modi’s Message Was Simple: Hindus First", foreign policy, 24/5/2019, Available at:

https://foreignpolicy.com/2019/05/24/modis-message-was-simple-hindus-first/

3)      وفاء فاروق, انتخابات الهند: سباق الخبرة والطموح, جريدة البيان,27/4/2019, متاح علي الرابط التالي:

 https://www.albayan.ae/one-world/political-issues/2019-04-27-1.3545680

4)           Audrey Wilson, "Modi Wins Big—What’s Next?", foreign policy, 24/5/2019, Available at:

https://foreignpolicy.com/2019/05/24/modi-wins-big-whats-next/

5)           [1] Vikas Pandey, "Has Narendra Modi ended dynastic politics in India?", BBC News, 27/5/2019, Available at:

 https://www.bbc.com/news/world-asia-india-48385611

Milan Vaishnav, "If its economy stupid why did Modi win", Washington Post, 25/5/2019,  Available at: https://www.washingtonpost.com/opinions/2019/05/25/if-its-economy-stupid-why-did-modi-win/?utm_term=.8a0cc3f3b166

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟