المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

توترات متجددة .. غاز شرق المتوسط والمواجهة المصرية لتركيا

السبت 25/مايو/2019 - 06:12 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مصطفى صلاح

تستحوذ منطقة شرق المتوسط على أهمية كبيرة بعد اكتشاف العديد من مصادر الغاز الطبيعي هناك، وباتت أكثر عرضة للصراع الجيوسياسي الإقليمي والعالمي، وأضحت الكشوفات الجديدة للغاز مصدرًا للنزاع الإقليمي على هذه الثروات باعتبارها عامل تهديد للاستقرار بدلًا من أن تتحول إلى عنصر استقرار في المنطقة مما ينذر بتحفيز الصراعات، وتجددها كالصراع التركي المصري.

وتتخذ منطقة حوض شرق المتوسط أهميتها كونها تتضمن أكبر احتياطات كبرى من الغاز الطبيعي، ووفق تقديرات المسوح الجيولوجية الأمريكية، فإن هذه المنطقة تحتوي على 340 تريليون قدم مكعب من الغاز، وفي نفس السياق، وبالتوازي مع هذه الاكتشافات النفطية تتزايد التعقيدات السياسية بالدول المعنية وما يتعلق من خلافات ومشاكل حول الحدود البحرية لكل دولة، وبالتالي حصة كل دولة من هذه الاكتشافات، وما قد تمثله من تحول فرص التعاون الاقتصادي والسياسي إلي تهديدات عسكرية.

توترات مصرية - تركية

تصاعدت التوترات المصرية – التركية في منطقة البحر المتوسط قبالة السواحل القبرصية؛ حيث حذرت القاهرة تركيا من استمرار عمليات التنقيب، ومن قبل حذرت مصر تركيا على لسان المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية "أحمد أبو زيد" في 7 فبراير 2018، من أي محاولة للمساس بسيادتها في المنطقة الاقتصادية الخالصة لها في شرق المتوسط، كما قامت القوات البحرية المصرية بالعديد من المناورات العسكرية لرفع الكفاءة القتالية وحماية المياه الإقليمية ضد أي أعمال عدائية خارجية، ولا ينفصل ذلك عن الجهود المبذولة لإنشاء تحالف مصري - يوناني مع قبرص بهدف استغلال غاز المتوسط في مواجهة تركيا، وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات المصرية – التركية تشهد مرحلة من التوترات غير المسبوقة بعد عزل الرئيس "محمد مرسي" من الحكم في 3 يوليو 2013، وفي نوفمبر 2014 عقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قمة مع رؤساء حكومتي قبرص واليونان، وتم التوقيع على الاتفاقية الإطارية المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بينهم دون تركيا، كما أعلنت مصر تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط بمشاركة 7 دول دون تركيا في 14 يناير 2019، لتحقيق التعاون وفقًا لمبادئ القانون الدولي في منطقة شرق المتوسط بين منتجي ‏الغاز الحاليين والمحتمل بين أطراف الاستهلاك والعبور في المنطقة، وذلك لتعميق التفاهم والوعي ‏المتبادل بالتحديات والمصالح المشتركة في مجال الطاقة بين دول شرق المتوسط، كما شدد الوزراء ‏على التزامهم بالعمل على تمهيد الطريق للتعاون المثمر في المجالين التقني والاقتصادي، بهدف ‏الاستغلال الكفء لإمكانات الغاز في المنطقة، ويأتي إنشاء المنتدى في إطار سعي مصر للتحول لمركز إقليمي للطاقة في المنطقة، ويبدو أن مصر تفوقت على تركيا في هذا المجال، إذ استطاعت أن تستقطب إليها دول غاز شرق المتوسط، كدولة عبور لأنابيب الغاز (ترانزيت)، وهذا ما كانت تسعى إليه أنقرة.

على الجانب التركي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه سيلجأ إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) لتأمين نشاطه في المنطقة، وأعلنت تركيا مؤخرًا تنفيذها أعمال تنقيب عن الغاز في مياه شرق المتوسط، مما أثار انتقادات شديدة من قبل اليونان والاتحاد الأوروبي ومصر، وأكد أردوغان أن بلاده مستمرة في التنقيب عن الغاز شرقي المتوسط رغم الانتقادات والتحذيرات التي وجهت إليه، مشيرا إلى أنّ السفن التركية تواصل أعمال التنقيب من أجل حقوق أشقائها بجمهورية قبرص التركية بصفتها دولة ضامنة، وذلك في ظل ما أعلنته تركيا برفضها اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين مصر وقبرص عام 2013، معلنة أنه لا يحق للحكومة القبرصية التوقيع على أي اتفاقيه في ظل التوتر التاريخي بينهم حول النزاع على جزيرة قبرص الشمالية في ظل تكريس انقسام شطري الجزيرة عام 1974.

وحذر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، شركات النفط والغاز الأجنبية من أي عمليات استكشاف وتنقيب قبالة الشواطئ القبرصية، مشددا على أن بلاده لن تسمح للمحاولات الرامية "لإقصائها عن البحار"، وجاء تحذير أردوغان خلال خطاب ألقاه خلال مشاركته في مراسم تسليم سفينة حربية "فرقاطة" تركية الصنع إلى قيادة القوات البحرية، وقال أردوغان إن بلاده لن تقبل بالمحاولات الرامية إلى "إقصاء تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية وسلب الموارد الطبيعية المتوفرة شرق المتوسط".

أسباب التنافس

يمكن إرجاء حالة التنافس والصراع بين مصر وتركيا إلى العديد من الأسباب سواء على مستوى العلاقات الثنائية فيما بينهما أو الظروف الإقليمية التي أدت إلى بلورة مثل هذه التوترات، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى بعض العوامل التي من شأنها بلورة الإطار العام للصراع الحالي في منطقة شرق المتوسط بين مصر وتركيا أهمها:

(1) معظم دول شرق البحر المتوسط لم تكن جاهزة تجاه البيئة القانونية المناسبة لاستثمار الثروات قبالة سواحلها. ومع بدء الاكتشافات قبل حوالي عقد من الزمان، دخلت دول المنطقة في سباق مع الوقت.

(2) إن الاتفاق على ترسيم الحدود وتحديد الحقول مع الدول المجاورة معلقًا، لكن مع الاكتشافات الضخمة، أصبحت المسألة مهمة للغاية، وباتت موازين القوى أكثر أهمية في المعادلة، إلا أنه وبالرغم من وجود العديد من الأسس القانونية الحاكمة لقانون البحار واتفاقيات ترسيم الحدود بين الدول، إلا أن ذلك لم يمنع من وجود طموحات إقليمية لبعض الدول التي تسعى وراء مكاسب سياسية واقتصادية.

(3) الدور التركي المعادي للعديد من دول المنطقة مثل اليونان وقبرص ومصر، وهذا المشهد التنافسي بات أكثر الشواهد تعبيرًا عن خريطة التحالفات الإقليمية الجديدة شرق المتوسط وصراع المراكز الإقليمية على هذه الثروة، خاصة على خلفية الادعاءات التركية بأنها ترى أن هذه الأعمال تنتهك الجرف القاري التركي، وأن هذه الاتفاقيات تتجاوز السيادة التركية.

(4) قد تتسبب حرب التصريحات بين مصر وتركيا إلى نشوء صدامات عسكرية محدودة، يمكن لها أن تتطور في هذا المناخ المأزوم، خاصة وأن هذا الملف ليس وحده المؤثر في طبيعة العلاقات المتوترة بالأساس من قبل.

ويمكن القول بأن سلوك تركيا التصعيدية تجاه اليونان وقبرص ومصر ومحاولة الاستهداف التي قامت بها السفن التركية لمنصة الحفر التابعة لشركة إينى في 11 فبراير 2018، يبعث على رغبة تركيا للعمل وفق خطة تقوم على مد خط أنابيب عبر قبرص للحصول على الغاز من حقل ليفياثان الإسرائيلي، خاصة في ظل تراجع مشروع السيل التركي الروسي لإيصال الغاز إلى أوروبا.

تعزيز القدرات الدفاعية

اتجهت مصر لشراء أسلحة من فرنسا وألمانيا وروسيا وأمريكا بـ 20 مليار دولار، لتدعيم الجيش المصري خاصة القوات البحرية والجوية، تحسبًا للمواجهة القادمة مع تركيا؛ حيث تم التعاقد مع فرنسا على شراء أربع فرقاطات من نوع جوييد، وفرقاطتين من نوع فرايم، خلافًا لحاملتي طائرات مستيرال لحمل طائرات هليكوبتر وقمر للاتصالات العسكرية، كما تم التعاقد على 4 غواصات من ألمانيا، و4 لنشات أمريكية سريعة من طراز إمباسدور، بخلاف صورايخ اس300 الروسية بنسختها (في ام) المتطورة. وفي مجال الطائرات تم شراء 24 طائرة رافال فرنسية و12 طائرة إف16 أمريكية و50 طائرة ميج 29 روسية بالإضافة إلى 50 طائرة عمودية من طراز كا 52 والتي تصلح للعمل على حاملتي الطائرات الفرنسية المستيرال، بالإضافة إلى افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية.

وشاركت مصر في نوفمبر 2017 في مناورات عسكرية مشتركة مع اليونان في جزيرة رودس اليونانية المنزوعة السلاح لقربها من الأراضي التركية، كما شاركت اليونان في مناورات النجم الساطع عامي 2017 و2018 بعد إعادة إحياءها مرة أخرى في قاعدة محمد نجيب العسكرية.

كما حذرت وزارة الخارجية المصرية تركيا من مغبة التنقيب عن الغاز في شرق قبرص دون الاستناد إلى اتفاق بين دول شرق المتوسط، معتبرة أن ذلك يهدد أمن واستقرار المنطقة، خاصة بعدما أعلنت أنقرة أنها ستنقب في المنطقة وقالت إن لقبرص التركية الحق في الغاز المكتشف وإنها ماضية في التنقيب عنه هذا العام، وفي نفس السياق يبدو الموقف المصري منسجمًا مع التحذيرات الأوروبية لتركيا، فالاتحاد لا يعترف بقبرص التركية كدولة مستقلة ولا يقبل بتركيا كمنقب للنفط على سواحلها.

الرفض الإقليمي والاستفادة المصرية

تزايدت حدة التوترات بين تركيا والعديد من الدول الإقليمية في منطقة شرق المتوسط، الأمر الذي انعكس على مستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة ومن أهم تلك التوترات:

- اليونان: في تصعيد جديد أعلن وزير الدفاع اليوناني "ديميتريس فيتساس" أن إذا ما حاولت تركيا توسيع حدودها البحرية، فإن اليونان لديها القدرة على الرد دبلوماسيًا وعسكريًا على هذا الإجراءات، وصرح وزير الخارجية اليوناني "نيكوس كوتزياس" أن اليونان لن تسمح لتركيا بأن تنتهك القانون الدولي كما تفعل في منطقة الشرق الأوسط.

- قبرص والاتحاد الأوروبي: في 10 فبراير 2018، اتهمت قبرص تركيا بتهديدها باستخدام القوة لمنع شركة "إيني" الإيطالية من التنقيب على الغاز في البحر المتوسط، وعلى خلفية هذا التصعيد صرحت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" نقلًا عن صحيفة "كاثرميني" اليونانية في 24 فبراير 2018، بأن ألمانيا تدعم حقوق أثينا ونيقوسيا في مواجهة الاستفزازات التركية، وتوج التصعيد الأوروبي عندما أشار قادة الاتحاد الأوروبي بإلغاء اجتماع مزمع مع الرئيس التركي "أردوغان" الموافق 26 مارس 2018، في بلغاريا، معربين تضامنهم مع قبرص واليونان.

تبع ذلك تصريح "دونالد توسك" رئيس المجلس الأوروبي بأن اليونان وقبرص لهما الحق السيادي في التنقيب على الموارد في شرق المتوسط، ودعا الاتحاد الأوروبي تركيا إلي البعد عن التهديدات والامتناع عن أي تصرفات قد تضر حسن الجوار، والجدير بالذكر أن هذه الاكتشافات تخدم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية التي مازالت تعتمد على الغاز القادم من روسيا والتي يفرض عليهما الأثنان عقوبات اقتصادية منذ أزمة القرم في أوكرانيا.

ويمكن لمصر الاستفادة من حالة الرفض الأوروبي للسياسات التركية حول تهديد أمن واستقرار منطقة شرق المتوسط، والتوترات مع الدول الواقعة في المنطقة خاصة قبرص واليونان لتحقيق تقارب معها لكي تصبح مصر مركز إقليمي للطاقة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟