المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

سباق التسلح .. تركيا بين اعتبارات المصلحة القومية والتزاماتها الخارجية

الثلاثاء 21/مايو/2019 - 06:21 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مصطفى صلاح

شكل الاهتمام التركي المتزايد بإتمام صفقة منظومة الصواريخ الروسية إس 400 للدفاع الجوي المضاد للطيران، الأمر الذي لا يمكن فصله عن التطورات الحالية التي تشهدها المنطقة والسياسات الإقليمية وعلاقات تركيا الخارجية وارتباطها بالمنظومة الأمنية لحلف شمال الأطلسي(الناتو)، كما أن هذه الصفقة تحمل دلالات كثيرة تتعدى حدود الغايات الدفاعية للصفقة التي تبلغ قيمتها 2.4 مليار دولار، ويبرهن على ذلك التمسك التركي بالحصول على المنظومة المتطورة من الصواريخ على الرغم من التحذيرات والتهديدات الأميركية لشريكتها في حلف شمال الأطلسي، وجميعها تجبر حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان على الاختيار بين المنظومة الروسية المضادة للصواريخ أو نظيرتها الأميركية صواريخ باتريوت أو طائرات إف 35 القتالية.

أزمة الحلفاء

كان لتداعيات الصفقة التركية الروسية العديد من العواقب على مستقبل العلاقات التركية مع دول حلف شمال الأطلسي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث صرحت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون أنه في حال إصرار تركيا على شراء المنظومة الروسية سيتم فرض عقوبات على أنقرة، وحرمانها من نظام باتريوت الصاروخي وطائرات إف-35.

ومن ثم أثارت هذه الصفقة العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات التركية مع الحلف الذي ينظر إلى روسيا على أنها عدوها المباشر، وأن تطوير العلاقات العسكرية التركية – الروسية سينعكس بصورة سلبية على التزامات أنقرة تجاه حلف الناتو، خاصة أنه ومنذ انضمامها إلى الحلف عام 1952،  فان تركيا تتزود بسلاح متطور من الولايات المتحدة، كما تقوم بتصنيع طائرات حربية بترخيص من البنتاجون.

ويرى الأميركيون في النظام الروسي تهديدًا مباشرًا لطائراتهم في تلك المنطقة. أما حلف الشمال الأطلسي (الناتو) فينظر إلى نظام الدفاع إس-400 الروسي على أنه لا يمكن دمجه في نظام الدفاع الجوي الخاص بالحلف الذي تعد تركيا ثاني قوة عسكرية فيه.

وتحتل تركيا مكانة متميزة بعد إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بالامدادات من الأسلحة الأمريكية المتطورة؛ حيث تستفيد من الدعم الأمريكي كما تستفيد من مخططات حلف الأطلسي حتى أنها تحولت من ضمن القوى العسكرية العشر الأوائل في العالم.(1)

الرؤية التركية

تمثل السياسة التسلحية الجديدة التي تتبناها تركيا انعكاسًا لحالة التوترات في العلاقات التركية – الأوروبية، وكذلك العلاقات التركية – الأمريكية، كما أن هذا التوجه لا ينفصل عن قيام الولايات المتحدة وألمانيا الأعضاء في حلف الناتو أغسطس 2015، بسحب بطاريات صواريخ باتريوت من تركيا، ومن ثم يمكن القول بأن الرؤية التركية جاءت نتيجة رد فعل على السياسات الأمريكية والأوروبية التي من شأنها الضغط على تركيا في العديد من الملفات الخارجية، وتسعى أنقرة من وراء هذا الأمر إلى توجيه رسائل عديدة لحلفائها قبل خصومها، هو أن تركيا تسعى إلى تحقيق مزيد من التأثير في السياسات الإقليمية والدولية مستغلة بذلك حالة الخلافات بين الأقطاب الدولية الكبرى لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة في تنفيذ أهدافها الإقليمية وتحقيق حماية لأمنها القومي، وبنت تركيا استراتجيتها العسكرية على مواجهة المخاطر الداخلية كالحركات الكردية المسلحة، ومواجهة الخطر الخارجي وهي الدول المحيطة بها وعلى رأسها سوريا والعراق وإيران وكذلك اليونان رغم انتماء البلدين الى الحلف الأطلسي.

ولعل المحرك والدافع المحوري للسياسة التركية الجديدة قائمة على اعتقاد بأن عضويتها في حلف الناتو لم تعد توفر لها الضمانات الكافية لحماية أمنها، كما لا تعفيها من السعي إلى توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها في ما يتعلق بامتلاك القدرات العسكرية التي تتيح لها حماية حدودها ضد أي تهديدات نوعية قد تواجهها في المستقبل.(2)

ولعل موقف حلف الناتو من الأزمة التركية – الروسية التي اندلعت مع روسيا بعد إسقاط أنقرة للمقاتلة الروسية في نوفمبر 2015، عزز اتجاه تركيا نحو إبرام تلك الصفقة وعدم تكرار الإجراء الذي اتخذته في الشهر ذاته بإلغاء صفقة منظومة الدفاع الصاروخي مع الصين بعد التحفظات التي أبداها الناتو في هذا الصدد، أي أن تركيا اتخذت من هذه الصفقة فرصة لعودة العلاقات مع روسيا خاصة وأن تركيا تشترك معها في العديد من القضايا الأمنية في المنطقة العربية خاصة الملف السوري.

إن امتلاك تركيا لمنظومة إس 400 الروسية، سيغنيها عن استخدام مقاتلات إف 16 الأميركية في الدفاع بالمجال الجوي التركي، وستخولها إمكانية الرد السريع على التهديدات الخارجية، وبفضل منظومة إس 400 لن تضطر أنقرة إلى إقلاع مقاتلاتها وتوجيهها إلى مسافات بعيدة لمواجهة الخطر القادم من الخارج، وبذلك تكون قد وفّرت تكاليف التحليق، كما أنّ المنظومة ستساهم في إطالة عمر المقاتلات التركية على اعتبار أنّ تلك المقاتلات لن تضطر إلى التحليق لأوقات طويلة من أجل حماية المجال الجوي، وترى أنقرة أنها باتت تقع في محيط إقليمي مأزوم يفرض عليها امتلاك قدرات عسكرية كافية لحماية أمنها ومصالحها، على عكس التصورات التي يتبناها حلفاؤها والتي تقوم على أن قدراتها الحالية تتيح لها القيام بذلك.

اعتراض الحلف

أعرب العديد من شركاء تركيا في حلف الناتو عن تخوفاتهم من السياسة التسليحية التركية التي من شأنها إدماج الأنظمة العسكرية الروسية لمناطق نفوذها ومصالحها، وطالب المتحدث باسم البنتاجون "جيف ديفيس" أنقرة بتقديم تفسيرات في شأن الصفقة، وقال "تركيا حليفنا ضمن حلف الناتو، ومن الأسس المبدئية في علاقاتنا مع جميع الحلفاء أننا نسعى إلى أن تتلاءم أسلحتنا مع بعضها". وتعد السياسة التركية الهادفة إلى اقتناء منظومة الصواريخ اس 400 الروسية مفاجأة عسكرية، خاصة وأن الترسانة العسكرية التركي غربية في تكوينها، كما أن تركيا كانت تعد روسيا عدوًا رئيسيًا لها، نظرًا لعضوية أنقرة في هذا الحلف.(3)

كما صرح جوني مايكل، المتحدث باسم وزارة الخارجية، لوكالة "VOA" الإخبارية "لدينا مخاوفنا التي نقلناها لأنقرة بشأن شرائها لصواريخ إس 400. وقال مايكل إن الولايات المتحدة تؤكد على أهمية الاستمرار في اتباع نظام الناتو في أي عمليات شراء كبرى لتعزيز نظام الدفاع. ويبدو الموقف التركي اليوم أكثر إصرارًا على امتلاك منظومة الدفاع الصاروخي إس 400 في ظل تمسك الولايات المتحدة بموقفها الداعم لقوات سوريا الديمقراطية ولا سيما في معركة الرقة التي استبعدت تركيا عن المشاركة فيها".

وصرح وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، في 4 أبريل 2019، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة بأن صفقة منظومة الدفاع الصاروخي الروسية "إس-400"، التي أثارت التوتر مع الولايات المتحدة باتت "محسومة" ولا يمكن إلغاؤها، وعلى الرغم من ذلك هناك معضلة تواجه تركيا فيما يتعلق بإمكانية التوفيق بين مصالحها القومية وسياستها الخارجية بعيدًا عن الحلف وبين الالتزامات المفروضة عليها من جانب الحلف، كما أن التصريحات التركية كانت غير واضحة في هذا الأمر فيما يتعلق بعلاقات تركيا مع روسيا لا يمكن أن تؤثر بصورة سلبية على الالتزامات التركية تجاه حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، إلا أن الولايات المتحدة مازالت تواصل مناقشاتها مع تركيا حول خططها حول شراء هذه الصفقة ومحاولة الوصول إلى حالة توافق في إطار المصالح العامة للحلف؛ وتعلل الولايات المتحدة بأن تركيا لن تقوم بالتضحية بعدد من الشركات التركية العاملة في تلك المنظومة التصنيعية المشتركة بين 14 دولة وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، في مقابل الحصول على منظومة "400 الروسية"، فالنظامان متضادان في سياساتهما، وأن خطط تركيا لشراء أنظمة إس 400 من روسيا ستسبب توترات مع الولايات المتحدة.(4)

ومن جهة أخرى فإن هناك فرضيات عدة حول هذا الأمر وهو أن أنقرة يمكن لها استبدال حلف الناتو وعلاقاتها مع الدول الغربية وقد تجمد مطلبها بالالتحاق بالاتحاد الأوروبي والتوجه الى دول البريكس وهي الصين وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا والهند، وبذلك تعد صفقة اس 400 ذات دلالة كبيرة، إما أنها مناورة تركية للضغط على الغرب لتفهم مطالبها السياسية في الاتحاد الأوروبي وتخوفتها من احتمال ظهور دولة كردية، أو بداية تحول في القرار الاستراتيجي التركي.

المراجع

1)      صفقة إس 400.. غايات تركية تتجاوز تطوير المنظومة الدفاعية، على الرابط:

 https://alarab.co.uk/%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9-%D8%A5%D8%B3-400-%D8%BA%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%88%D8%B2-%D8%AA%D8%B7%D9%88%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9

2)      تركيا: صفقة شراء "إس-400" من روسيا "محسومة" ولا يمكن إلغاؤها، على الرابط:

https://arabic.sputniknews.com/world/201904041040246833-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9-%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A5%D8%B3-400-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D8%AD%D8%B3%D9%88%D9%85%D8%A9/

3)      لماذا تخشى أميركا الـ "إس 400" الروسية في تركيا؟، على الرابط:

https://www.skynewsarabia.com/world/1234130-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%AA%D8%AE%D8%B4%D9%89-%D8%A7%D9%94%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%80-%D8%A7%D9%95%D8%B3-400-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7%D8%9F

4)      ماذا يعني توقيع تركيا صفقة صواريخ اس 400 مع روسيا؟!، على الرابط:

https://www.alalamtv.net/news/1887360/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%8A%D8%B9%D9%86%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%B9-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9-%D8%B5%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D8%B3-400-%D9%85%D8%B9-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%9F


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟