المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

الانتخابات البلدية التركية .. الدلالات الداخلية والانعكاسات الخارجية

الثلاثاء 02/أبريل/2019 - 06:12 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مصطفى صلاح

شهدت تركيا  في 31 مارس 2019، أول انتخابات بلدية بعد أن تم إقرار النظام الرئاسي وفق التعديلات الدستورية التي تم إقرارها في أبريل 2017، وتحظى الانتخابات البلدية بأهمية كبيرة خاصة بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ حيث أنها كانت البداية لصعوده السياسي ووصوله لرئاسة تركيا، يضاف لذلك بأن كافة الاستحقاقات الانتخابية في تركيا لا تعبر فقط عن عملية ديموقراطية أكثر من كونها تعبر عن مستقبل سياسي لحزب العدالة والتنمية الذي صعد للسلطة منذ عام 2002، وبالتالي فإن تلك الانتخابات السابقة وكذلك انتخابات البلدية المنعقدة مؤخرًا، تعد بمثابة استفتاء شعبي مصيري على المشهد السياسي التركي، سواء فيما يتعلق بالحراك السياسي الذي تتبناه المعارضة منذ إقرار النظام السياسي وفوز حزب العدالة والتنمية، وتفرده بالسيطرة على السلطة السياسية والعسكرية، أو فيما يتعلق بقدرة حزب العدالة والتنمية على إعادة التموضع من جديد مع تلك التغيرات السياسية الداخلية.

المشهد الانتخابي

تنافس في انتخابات البلدية 12 حزبًا، هم العدالة والتنمية، والشعب الجمهوري، والحركة القومية، والشعوب الديمقراطي، والسعادة، وتركيا المستقلة، والاتحاد الكبير، والديمقراطي، واليسار الديمقراطي، وإيي، والشيوعي التركي، والوطن.

وجاءت التحالفات الانتخابية على غرار الانتخابات البرلمانية والرئاسية في  يونيو 2018، في نمط تحالفاتها؛ حيث خاض حزب العدالة والتنمية الانتخابات بالتحالف مع حزب الحركة القومية، كما هو الحال في السابق، وتحالف الأمة بين حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وحزب الجيد (İP)، والحزب الديمقراطي الشعبي (HDP) وحزب السعادة (SP). بينما خاضت باقي الأحزاب المعركة الانتخابية بصورة منفردة، وبرغم فوز حزب العدالة والتنمية، إلا أنه فشل في السيطرة على العاصمة أنقرة للمرة الأولى منذ أن سيطر الحزب عليها عام 2001، عوضًا عن النتائج المتقاربة في مدينة إسطنبول بين مرشح الحزب الجمهوري إكرام إمام أوغلو ومرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدريم والتي تزداد الشكوك حول فوز مرشح الحزب الجمهوري أوغلو، تأتي هذه النتائج بعد أن  هيمن حزب العدالة والتنمية على المشهد السياسي التركي منذ وصوله إلى السلطة قبل 16 عامًا وحكم البلاد بسياسات تمكنه من استمرار السيطرة على النظام ، وفي نفس السياق نظم الحزب حملات انتخابية دون كلل على مدى شهرين قبل التصويت في الانتخابات المحلية التي وصفها أردوغان بأنه "مسألة مصيرية" بالنسبة لتركيا، أي للحزب. فيما تؤشر نتائج الانتخابات على أن حزب العدالة والتنمية الحاكم فقد السيطرة على العاصمة أنقرة مما قد يشكل ضربة انتخابية لأردوغان.(1)

وعند مقارنة نتائج الانتخابات تلك بنتائج الانتخابات المحلية في عام 2014، يتضح أن الحزب فقد 10 بلديات من أصل 50 كانت بحوزته (20بالمئة) من بينها العاصمة أنقرة ذات الرمزية السياسية، بعد أن أدارها طوال فترة حكمه، وثمة احتمال لفوز المعارضة كذلك برئاسة بلدية إسطنبول التي تُعتبر "تركيا المصغرة" وخزانها الانتخابي الأكبر والتي ترتبط رمزيًا بالحزب وأردوغان شخصيًا إلى حد كبير، إذ كانت الرصيد الأكبر له لدى الناخب التركي حين فاز برئاستها عام 1994.

بداية التراجع

يعد فوز المعارضة في المدن الكبرى بمثابة إعادة تصويت على سياسات حزب العدالة والتنمية، والتي شكلت الانتخابات جولة مصيرية للمعارضة في ظل محاولات أردوغان إعادة تشكيل الحياة السياسية التركية وفق أجندة الحزب، وترتكز أهمية الانتخابات المحلية الحالية كونها الورقة الأخيرة لتأميم السلطة للحزب الحاكم وأردوغان بعد السيطرة على البرلمان والرئاسة وبطبيعة الحال الوزارات.

كما أن ترسخ حالة الاستقطاب وسيطرة الأحزاب السياسية والتحالفات على المشهد السياسي التركي، إذ برز تَقدُّم العدالة والتنمية من جهة والشعب الجمهوري من الجهة الأخرى، في مقابل ضعف الأحزاب الصغيرة وغياب تامّ للمستقلّين، ومن الموكد أن تركيا ستشهد صراعًا داخليًا وانقسامًا حادًا في ظل تنامي المعارضة التركية لتوجهات أردوغان، وهو ما سينعكس بالضرورة على حالة الاستقطاب تجاه السياسات الداخلية والخارجية أيضًا، وأنه لن يكون من اليسير على أردوغان بصلاحياته الواسعة في التحكم في رسم خطوط التحركات التركية وفرض رؤيته ومشروعه السياسي في ظل ذلك الوضع.

وتأتي هذه الحالة من الاستقطابات في ظل السياسات التي يتبناها حزب العدالة والتنمية والتي أدخلت تركيا في نفق سياسي واقتصادي مظلم على خلفية تبني سياسات من شأنها تفكيك الديمقراطية وهدم حكم القانون، وتأميم الصحافة والإعلام، مما أظهر العديد من الأصوات المعارضة لتلك السياسات ونتيجة لذلك تقسيم البلاد إلى معسكرين .(2)

ومن الدلالات الأخرى على ذلك العديد من الرسائل المباشرة إلى حزب العدالة والتنمية، خاصة في ظل الخطاب التهديدي الذي بات الحاكم والمسيطر على فبعد أن كان الحزب يتبنى خطاب قائم على عرض الإنجازات الاقتصادية، تحول هذا الخطاب بصورة جذرية للتهديد من خطر الجماعات الإرهابية وتوظيفها في حشد الأصوات الانتخابية وبرغم كل ذلك لم يحظ الحزب بالكتلة التصويتية التي كان يحصل عليها من قبل؛

وبعدما تجمدت المشاريع التنموية على غرار تأجيل افتتاح مطار اسطنبول الجديد، الأضخم عالميًا، على وقع الركود الاقتصادي الكبير، بالتزامن مع حدوث رد مفجع على صعيد الديموقراطية وحقوق الإنسان، بدأت الاستراتيجية الانتخابية لحزب العدالة في التخلي عن تسويق واستعراض نجاحات حكوماته وإنجازات قيادته التنموية، لصالح اعتماد مقاربتين أساسيتين: أولاهما، أمنية تتمثل في استثمار فزاعة الإرهاب والتهديدات الداخلية والخارجية كما المؤامرات التي تتربص بالبلاد وتهدد أمنها القومي. وفي هذا السياق، جاءت السياسات والمغامرات العسكرية الخارجية، كالإصرار على التدخل العسكري المكلف اقتصاديًا واستراتيجيًا في سوريا والعراق، وثانيهما، دينية تتجلى في توظيف الدين لخدمة السياسة عبر استخدام المساجد في الدعاية الانتخابية، كما قامت الإستراتيجية الانتخابية لأردوغان على الاعتقاد بأن أواصر العلاقة الأيديولوجية بين حزبه والقواعد الاجتماعية في تلك المنطقة تتجاوز أي ظرف اقتصادي.(3)

 وعلى الرغم من ذلك جاءت نتائج الانتخابات المحلية بصفعة قوية لأردوغان وحزبه، وعقوبة له على استبداده وسياساته والأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها تركيا، فقبل أيام من موعد الانتخابات، هبطت قيمة الليرة التركية بمعدل ٣٪، لتصل الى حدود 5.8 ليرات، مقابل الدولار لتخسر نحو نصف ليرة كاملة من قيمتها في غضون ساعات. على الجانب الآخر؛ فإن فشل الأوضاع التركية الحالية، وفي الوقت ذاته تراجع مكانة تركيا خارجيًا، عملت المعارضة بدورها على ممارسة البناء على الخطوات التي اتبعتها في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، عندما سُمح بتشكيل تحالفات حزبية، ومنذ ذلك الوقت انخرطت أحزاب المعارضة في تحالفات قوية استطاعت تجاوز الفروق الأيديولوجية وتقديم خطاب سياسي مقنع للمواطن التركي في مواجهة حزب العدالة والتنمية.

الفوز القسري

إن الانتخابات المحلية في تركيا جاءت بالمجمل انتصارًا لحزب الشعوب HDP قياسًا للظروف الصعبة والاستثنائية التي مّرت بها في ظل حالة من السيطرة التامة السياسية والأمنية التي حاول حزب العدالة والتنمية فرضها لخدمة مصالحه، وفي هذا الشأن يمكن الإشارة إلى نتائج مناطق الأغلبية الكردية في البلاد، أي محافظات الشرق والجنوب الشرقي، إذ خسر حزب الشعوب الديمقراطي هناك بلديتين مهمتين هما شرناق وبيتليس (%20 من البلديات التي فاز بها سابقًا) لصالح حزب العدالة والتنمية في ظل جمود نسبة التصويت له في حدود %4، وهي نسبة أقل بكثير من حضوره السابق في عموم تركيا. وذلك في ظل الاضطهاد الذي يتعرض له المكون الكردي في تركيا في السنوات الماضية؛ حيث مورس بحقهم إرهاب الدولة، ومحاولة إبادة سياسية عبر عمليات الاغتيال واعتقال الآلاف من أنصار حزب الشعوب، بينهم مئات من كوادر الصف الأول، وتدمير مقراته، وسلب البلديات من ممثلي حزب الشعوب المنتخبين. (4)

يدلل على ذلك انتخابات الرئاسة قبل عام؛ حيث صوتت شرناخ لحزب الشعوب بنسبة ٧٢ بالمية، و لحزب العدالة والتنمية بنسبة ٢٢ بالمية، أي أنها قلعة انتخابية لحزب الشعوب دون منافس، فكيف أصبحت في الانتخابات المحلية بهذه النسبة؛ حيث حصد العدالة والتنمية ٦١%، والشعوب الديمقراطي٣٥%.

وبرغم كل تلك السياسات، إلا أنه للمرة الأولى مُنذ العام 2002، وعلى الرغم من التحالفات السياسية التي عقدها حزب العدالة والتنمية التُركي وزعيمه رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان مع أحزاب أخرى، وعلى الرغم من التعديلات في قانون الانتخابات، كي توافق مصلحته، تلقى أردوغان ضربة قوية في الانتخابات المحلية؛ حيث أظهرت تراجعًا في شعبية العدالة والتنمية وتنظيمه وتأثيره.

محاولات التوظيف الخارجي

لا يوجد أدنى شك في أن فوز أردوغان وحزبه لم يقتصر تبعاته على السياسة الداخلية فحسب، بل أنه سينعكس بالضرورة على العديد من الملفات الخارجية واستراتيجة تركيا وعلاقاتها مع الدول الأخرى، كما أن سيطرة المشروع السياسي الجديد لتركيا متمثلًا في أردوغان والذي أعلن عن ملامحه من قبل، سوف يظهر الآن وبشكل أكثر جرأة من ذي قبل، خاصة وأن الدعاية الانتخابية التي تم توظيفها باستخدام الملفات الخارجية والتهديدات التي تتعرض لها تركيا من دول الجوار الجغرافي خاصة سوريا والعراق لتحقيق كتلة تصويتية كبيرة.

وتأسيسًا على ذلك يمكن أن تكون نتائج الانتخابات المحلية بمثابة نقطة الرجوع عن السياسات الأخيرة التي تبناها حزب العدالة والتنمية لتحقيق أجندته الخاصة دون الاعتيار لباقي التوجهات السياسية التركية، كما أنها على الجانب الآخر يمكن أن تكون نقطة تحول بالنسبة للقوى المعارضة التي حاولت البناء على ما تم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية.

الهوامش

1)      الانتخابات المحلية في تركيا: فوز المعارضة في أنقرة وحزب ارودغان يطعن في نتائج إسطنبول، على الرابط:

http://www.bbc.com/arabic/middleeast-4776938

2)      أردوغان يخسر قلاعه الثلاث في الانتخابات البلدية، على الرابط:

http://cutt.us/zb1Mx

3) نتائج الانتخابات التركية.. بداية نهاية حقبة حزب أردوغان؟، على الرابط:

http://cutt.us/u9EIg

3)      نتائج الانتخابات التركية، على الرابط:

 https://www.yenisafak.com/ar/yerel-secim-2019/secim-sonuclari


إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟