المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

قراءة في الأزمة المتصاعدة بين الهند وباكستان

السبت 02/مارس/2019 - 05:23 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمود جمال عبد العال

هرع العالم إلى التصعيد المفاجئ الذي شهده خط المراقبة الفاصل بين الهند وباكستان؛ حيث لم تواجه هذه المنطقة أي تصعيد عسكري منذ عام 1971. وقد جاء التصعيد الأخير إبان حملة عسكرية بدأها الجيش الهندي إثر تعرض أحد وحداته لهجومٍ مسلح من عناصر جماعة "جيش محمد" الباكستانية. أودت الهجمة العسكرية بحياة 40 فردًا من قوات الجيش المرابطة في كشمير. يُذكر أن الوجود الهندي في منطقة كشمير يشهد تمردًا منذ ما يقارب ثلاثة عقود.

وعليه سيتناول التقرير الأزمة الهندية الباكستانية ليس فقط في إطار التصعيد العسكري الذي شهدته الحدود الهندية الباكستانية، ولكن أيضًا في سياق آثار الأزمة وتداعياتها الإقليمية والدولية لا سيما أن إسلام أباد، ونيودلهي أعضاءً فاعلين في النادي النووي.

التصعيد العسكري

                تعرضت الحدود الباكستانية الهندية إلى تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق منذ فترة طويلة، وبالتحديد في إقليم كشمير المتنازع عليه بين الجارتين النوويتين؛ إذ أعلن الجيش الهندي انه أسقط مقاتلة باكستانية تجاوزت خط الحدود المشتركة بين البلدين، فيما أقرَّت إسلام أباد أن دفاعاتها الجوية قامت بإسقاط مقاتلتين هنديتين تجاوزتا مجالها الجوي. واعتبر "راجيش كومار" المتحدث الرسمي باسم الخارجية الهندية أن الطائرة الباكستانية التي أعلنت نيودلهي عن إسقاطها كانت تشارك في عملية عسكرية لضرب منشآت عسكرية على الجانب الهندي. في السياق ذاته، أعلنت إسلام أباد عن أسرها لأحد الطيارين الهنود، وطالبت الحكومة الهندية من جهتها بفك أسره قبل الحديث عن أي تهدئة وحوار بين الجانبين (1). وهو ما استجابت له إسلام أباد؛ حيث سلَّمت الطيار الهندي اليوم 1 مارس/ آذار 2019، وهو ما اعتبره المحللين الاستراتيجيين بداية لتجاوز أي تصعيد قادم بين الجانبين خاصة أن العالم كتم أنفاسه في هذه الأزمة نتيجة توازن الرعب بين القوتين الإقليميتين.

المواقف الدولية من التصعيد

توافقت القوى الدولية والإقليمية حول تجنب التصعيد بين الجانبين، والتزام أقصى درجات ضبط النفس، حفاظًا على الاستقرار في المنطقة. وقد تجلى ذلك كما هو موضح في الشكل التالي:

قراءة في الأزمة المتصاعدة

محفزات تجنب التصعيد

هرعت القوى العالمية لخفض التوتر بين الجانبين، وذلك لتجنب أي تصعيد عسكري قد يصل لصراعٍ نووي في المنطقة. ويبدو من تطورات الأزمة نفسها أن الجانبين مستعدين للحوار والسلام وتجاوز التصعيد العسكري، وهو ما بدا في مواقفهما الرسمية؛ حيث دعا "عمران خان" رئيس وزراء باكستان للتهدئة طالبًا الوساطة من قوى إقليمية ودولية كتركيا وروسيا. وتتهم الهند الجيش الباكستاني بدعم الجماعات الإسلامية المتشددة لاستخدامهم كأداة لتأجيج الوضع داخل إقليم كشمير الهندي (2). ومن جانبها، تعهدت نيودلهي بضبط النفس، وتجنب أن تخرج الأمور عن السيطرة بسبب سوء الحسابات.

وسنحاول فيما يلي الإجابة على التساؤل المرتبط بضرورة خفض التوتر، وتجاوز التصعيد العسكري بين الهند وباكستان. وتتصل إجابة هذا السؤال بالأساس بمسألة تجنب أي تحريك للقوة الخشنة بين أعضاء النادي النووي إضافة إلى محاولة تجنيب الاقتصاد العالمي أي انتكاسات لا سيما أن الهند وباكستان يمثلان 20% تقريبًا من سكان العالم (3).

1-     تجنب الحرب النووية: يعتبر المتابعون لتطور العلاقات بين الهند وباكستان أن أي تصعيد عسكري بين الدولتين يجب أن يُنظر له على أنه حرب شاملة محتملة. وسنتطرق في هذه النظرة إلى الخلافات الدينية والأيديولوجية والديموغرافية العميقة بين الدولتين. ويعتبرون أن عدم التوازن في القوة العسكرية التقليدية بينهما بمثابة عامل خطير لنشوب حرب نووية؛ حيث تتمتع الهند بميزة نسبية في حال نشوب حرب تقليدية بين الطرفين، وذلك سواءً كان في عدد الجنود وعتادهم. وتعتبر التحليلات العسكرية أن أي حرب تقليدية بين الطرفين ستعتبرها إسلام أباد حرب وجود بالنسبة لها، مما قد يؤدي إلى استخدامها السلاح النووي في حال وجدت نفسها على حافة هزيمة عسكرية حاسمة. وستند هذا التحليل على رؤية أحد الدبلوماسيين الباكستانيين الذي اعتبر أن الأسلحة النووية لبلاده موجودة لموازنة تحرك الهند في حال بدأت هجومًا عسكريًا تقليديًا. ويُمكن أن نعتبر ذلك تفسيرًا للتحركات الدولية والإقليمية مؤخرًا لرأب الصدع، وتخفيف حدة التوتر بين الجانبين. وبعيدًا عن ذلك، تُبرز الأحداث السياسية والتاريخية أن الهند وباكستان تعملان وفق مصالحهما الاقتصادية، وأن استخدامهم للأسلحة النووية لن يتجاوز فكرة الردع النووي (أي التلويح باستخدام القوة ضد الطرف الآخر دون استعمالها، وذلك لمنع هذا الطرف من القيام بعمل يهدد مصالح الطرف الرادع) (4).

2-     حركة الاقتصاد العالمي: في ظل العولمة الاقتصادية، ونمو حركة التجارة العالمية، يُمكن أن تجاوزت تأثيرات أي حرب محتملة بين الهند وباكستان حدودهما الجغرافية؛ حيث أثرت الأزمة الأخيرة سلبيًا على حركة الاقتصاد العالمي لا سيما ما يتصل بحركة التجارة والأفراد والبورصات العالمية. تعطلت الكثير من خطوط الطيران الرئيسة في أوربا، ومنطقة الخليج العربي، ومنطقة جنوب شرق آسيا فور إعلان إدارة الطيران المدني الباكستاني عن إغلاق مجالها الجوي. وشهدت مطارات أوربا الرئيسة كميونيخ، وشارل ديجول، وبروكسل، وفينا، وستوكهولم، وكوبنهاجن فوضى بسبب قرار تعليق الطيران في المنطقة. ويأتي دخول الشيخ "محمد بن زايد" على خط الأزمة لخفض التوتر بين الجانبين دليلًا على تأثر الاقتصاد الخليجي في مرحلة ما بعد النفط الذي تستثمر فيه قطر، والإمارات منذ فترة طويلة؛ حيث ناشد "بن زايد" من خلال اتصالاته بأطراف الأزمة، وتغريدات على حسابه على تويتر باللغة الأردية والعربية الطرفين باتباع سياسة التسامح وتجنيب بلادهما الدخول في صراعات غير محسوبة، وهو ما يعني أن منطقة الخليج ستتأثر تأثرًا كبيرًا في حال نشوب أي صراعٍ في محيطها الآسيوي (5).

3-     المصلحة الاقتصادية الباكستانية: بدا من تصريحات رئيس وزراء باكستان الأولية عمله على تجنب الدخول في أي حروب تستنزف اقتصاد بلاده خاصة أن باكستان تحاول جاهدة منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة في توسيع تحالفاتها العالمية والإقليمية لتجاوز أزمتها المالية. وتعهدت الصين لإسلام أباد بأكثر من 60 مليار دولار في شكل قروض واستثمارات في مجالات الطرق والموانئ ومحطات الطاقة والمجمعات الصناعية لبناء مشروع الصين الطموح المعروف بمسمى "الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني". كما أن باكستان تجري مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض إنقاذ قيمته 8 مليار دولار. ومن المؤكد أن أي تصعيد عسكري مع الهند سيجعل الأمور الاقتصادية أكثر سوءًا خاصة أنه سيؤثر على النمو الاقتصادي نتيجة هروب الاستثمار الأجنبي فضلًا عن فشل استمرار المحادثات مع صندوق النقد الدولي. لذلك، اعتبر الخبراء الاقتصاديين منذ اللحظة الأولى للتصعيد أن أي توتر بين الجانبين سيؤثر سلبًا على خطط الحكومة الباكستانية الاقتصادية.

ختامًا؛ تعد الهند وباكستان من أهم القوى الإقليمية الآسيوية الأكثر تنافسًا في العالم، بالتزامن مع تنامي مقدراتهم العسكرية الأمر الذي ينعكس بشكل عميق على الاستقرار الإقليمي، وهو ما تجلى في التصعيد الأخير. ولكن من غير المتوقع أن يصل إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة والدخول في حرب بين الجانبين لأن تكلفة المواجهة أكبر من أن يتحملها الجانبين. كما أن ميزان القوى لصالح الهند الي تعد تحتل المركز الرابع بين أقوى جيوش العالم، مقابل باكستان التي تحتل المرتبة الثالثة عشر .

الهوامش

1-     الهند تطالب باكستان بإطلاق سراح الطيار المحتجز لديها وسط تصاعد أزمة كشمير، BBCعربي، على الرابط: http://www.bbc.com/arabic/world-47397189

2-     الهند وباكستان تصعدان "حرب التصريحات" بعد تفجير كشمير، رويترز، على الرابط: https://goo.gl/WMPyrc

3-     India Population 2019, Most Populated States, Accessed at: http://www.indiapopulation2019.in/

4-     سجاد أشرف، العلاقات الهندية الباكستانية الأسس المشتركة ونقاط الخلاف، سلسلة محاضرات الإمارات، ص 32-33، متاح على الرابط: http://edl.libraries.ae/system/files/eb631.pdf

5-     أزمة الهند وباكستان تعلق رحلات وآلاف المسافرين عالقون حول العالم، وكالة فرانس برس، على الرابط: https://www.afp.com/ar/news-hub

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟