المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

بين التبعية والتوافق: العلاقات التركية القطرية

الخميس 23/أغسطس/2018 - 01:41 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مصطفى صلاح

تقارب جديد بين الدوحة وأنقره يلقي الضوء على طبيعة العلاقات بين البلدين، عبرت عنه زيارة حاكم قطر الأمير "تميم بن حمد آل ثاني" إلى تركيا في منتصف أغسطس 2018، وإعلانه عن منح تركيا 15 مليار دولار توجه بشكل مباشر للاستثمار في المشاريع التركية.

الملمح الأساسي في هذا الأمر، أن هذه الزيارة الأخيرة والاستثمارات الموجهة لدعم العملة التركية تأتي على خلفية توتر العلاقات التركية الأمريكية وفرض الأخيرة عقوبات اقتصادية وسياسية على أنقره، مما يسلط الضوء على طبيعة ونمط هذه العلاقات، التي وصفها السفير التركي في قطر "فكرت أوزر"، "بأن زيارة الأمير تميم بن حمد آل ثاني إلى تركيا، تأتي في إطار علاقات الصداقة بين البلدين، مشددًا على وقوف قطر وتركيا مع بعضهما في مختلف الظروف بما يدعم مسيرة التعاون والصداقة بين البلدين الشقيقين". فيما ذكرت الرئاسة التركية في بيان لها أن "أردوغان وآل ثاني" أجريا محادثات في المجمع الرئاسي بعاصمة تركيا أنقرة، موضحة أنهما "تبادلا الآراء حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية".

تقارب سياسي

كان للتدخل التركي من قبل في الأزمة الخليجية الأثر الأكبر في تحقيق التقارب التركي القطري بصورته الحالية، بعدما أعلنت الدول الأربع العربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، في يوم 5 يونيو 2017، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، على الجانب الآخر أعلنت تركيا مساندتها لقطر في مواجهة الحكومات العربية؛ حيث ساندت تركيا الدولة الغنية بالنفط في مواجهة هذه العقوبات التي شملت أيضًا اغلاق المجالات الجوية والبحرية أمام الطائرات القطرية.

كما أكد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، على دعم بلاده لقطر من الناحية العسكرية والاقتصادية، وعلى ذلك أرسلت تركيا سفينة محملة بالأغذية بعد نفاد البضائع من المحلات التجارية في الإمارة الصغيرة التي تستورد 80 بالمئة من احتياجاتها الغذائية. كما وافق البرلمان التركي على إرسال آلاف من الجنود إلى القاعدة التركية في قطر والمشاركة في تدريبات مع القوات القطرية، ولم تكن الموافقة على إرسال القوات التركية إلى قطر إلا بعد المقاطعة الخليجية مباشرة علمًا بأن نشر القوات جاء تنفيذًا لاتفاقية بين البلدين تم توقيعها عام 2014، في إشارة إلى التلويح بالقوة عبر نشر قوات عسكرية تركية داخل الأراضي القطرية، عوضًا عن استعداد القطاع الخاص التركي للمشاركة في تنفيذ مشاريع بطولة كأس العالم في كرة القدم في قطر 2022.(1)

الانقلاب في تركيا

سارعت الدوحة بمساندة أنقره بعد محاولة الانقلاب مباشرة، ففي الساعات الأولى من الانقلاب العسكري في تركيا؛ أصدرت قطر أول موقف عربي يندد بالانقلاب قبل التأكد من فشله. وفي اليوم نفسه تلقى الرئيس التركي أول اتصال هاتفي دولي من أمير قطر. وبعد أسبوعين من الانقلاب قام أول مسؤول دولي بزيارة إلى أنقرة لتأكيد وقوف بلاده إلى جانبها، كان وزير الخارجية القطري "محمد بن عبد الرحمن آل ثاني".

ويمكن الجزم بأن الموقف القطري سيكون أساسًا لتحالفات تركيا الجديدة في المنطقة، لا سيما في ظل تطابق المواقف في القضايا المتعلقة بالإقليم، بعد أن أشار "أردوغان" إلى أن أول موقف عملي كان من قبل قطر، التي تعتبر اليوم أقرب حليف لتركيا.

وفي هذا الشأن تشهد العلاقات التركية القطرية تطورًا في علاقاتهما السياسية والاقتصادية فضلاً عن توّج هذا التطور بتكريم السفير القطري، في أنقرة نهاية يوليو 2016؛ وذلك "امتنانًا على الموقف القطري تجاه تركيا، ونبل قطر في التعامل مع الأزمة التركية خلال فترة محاولة الانقلاب الفاشلة".وقام وزير الخارجية التركية، "مولود شاويش أوغلو"، بدعوة "سالم بن مبارك آل شافي"، سفير دولة قطر لدى تركيا، إلى مكتبه في وزارة الخارجية التركية؛ لتكريمه على موقفه وجهوده التي بذلها خلال الانقلاب الفاشل.(2)

مصالح اقتصادية

تشهد العلاقات الاقتصادية القطريّة – التركيّة نموًا مطردًا في السنوات القليلة الماضية. وبالرغم من التقدم السريع على صعيد زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين وزيادة الاستثمارات، الا أن حجم العلاقات الاقتصادية لا يزال أقل من المأمول.

ويحاول البلدان  منذ العام 2014، استثمار جهودهما المشتركة لرفع حجم التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات بما يتناسب مع العلاقات المتميزة بينهم سياسيًا، وقد جرت زيارات متبادلة لقيادات البلدين وللمسؤولين على اعلى مستوى (وزراء الاقتصاد والمالية لدى الطرفين) لتحقيق هذا الهدف، كما عملت العديد من الجهات لدى الطرفين بجهد ونشاط من اجل الدفع قُدُمًا بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارات المشتركة ومساعدة رجال الأعمال من الجانبين على استغلال الفرص التجارية والاستثمارية القائم.

وتبدي الحكومة التركيّة رغبتها مؤخرًا في التوصل الى اتفاقات بخصوص إمدادات الغاز المسال وهو مشروع ذو طابع استراتيجي، فكلا الدولتين لديهما امكانيات أفضل لتوسيع علاقاتهما الاقتصادية في مجالات مثل الطاقة والسياحة والعقارات والاغذية والزراعة بالإضافة إلى المقاولات وأنشطة البناء والمنتجات الكيماوية والبتروكيماوية.

عسكريًا بلغ مستوى التعاون بين البلدين أعلى مستوى له مع توقيع اتفاقية التعاون العسكري والصناعات الدفاعية عام 2014، والتي تنص على انشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي القطرية، كما نصت الاتفاقية أيضا على امكانية نشر متبادل لقوات تركية في قطر وقطرية في تركيا، وترتب عليها تأسيس قاعدة عسكرية تركية في قطر وهي الأولي من نوعها.(3)

الإخوان المسلمين العمود الأيديولوجي

يمثل الإخوان المسلمين العمود الفقري فكريًا لمحورية تلك العلاقة بين أنقره والدوحة؛ فالبلدان يتشاركان نفس الرؤية للدول الإسلامية في الشرق الأوسط؛ حيث دعمت أنقرة والدوحة "الإخوان المسلمون" الذين وجدوا في الربيع العربي فرصة للانقضاض على الأنظمة الحاكمة في المنطقة التي لطالما حظرت هذه الحركة. وقد دافع رجب طيب أردوغان علنًا عن هذه الحركة في فبراير 2017، مؤكدا أنها "ليست حركة مسلحة، ولكنها في الحقيقة تنظيم أيديولوجي". كما استقبلت تركيا وقطر على أراضيها كثيرًا من عناصر جماعة الإخوان الفارين من مصر، خاصة يوسف القرضاوي الذي ينظر له على أنه القائد الروحي لجماعة "الإخوان المسلمون".

وعند حدوث الأزمة الخليجية مع قطر أزداد قلق الجماعة من فقدان الملاذ الآمن في العاصمة القطرية الدوحة أو الخشية من تسليم قطر عددًا من عناصر "الإخوان المسلمون" البارزين للأجهزة الأمنية في بدانهم كـ"كباش فداء" في محاولة من الحكومة القطرية لاحتواء غضب مصر والسعودية والإمارات والبحرين وإنهاء المقاطعة التي فرضتها هذه الدول على الدوحة، إلا أنها سمحت بنقل عناصر الجماعة من قطر إلى تركيا، الملاذ الآمن لهم.

ويمثل الإخوان أحد الأوراق التي تستثمرها قطر وتركيا لصالحهما في البروز الإقليمي بهدف تحقيق التوازن مع القوى الإقليمية الرئيسية.

إن العلاقة بين تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين لا تقوم  فقط على الروابط القوية التي تجمع النخبة السياسية الحاكمة في تركيا مع مختلف جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان، وإنما تتأسس أيضا على ذلك النمط من الروابط التي تتجاوز الإطار السياسي إلى النسق الأيديولوجي الذي يجعل الجانبين ينتميان لتيار عقائدي واحد، وذلك منذ أن أقدم نجم الدين أربكان على تأسيس الجناح التركي لجماعة الإخوان.(4)

إجمالًا: تمثل العلاقات التركية القطرية طابع مميز من العلاقات القائم ليس فقط على المصالح السياسية والاقتصادية والعسكرية فحسب، بل إن الدولتين يجمعهما ترابط أيديولوجي داخلي وعلى مستوي التصورات الخارجية، إلا أن هذا التوافق بينهم يعكس ريادة تركيا في التوجهات العامة للعلاقات بينهم لما تمثله من وجهة نظر الدوحة بأن تركيا هي الدولة الإسلامية الوريثة للدولة العثمانية وما يتعلق برمزيتها الدينية، مما يسمح لأنقره مساحة توجيه الإمارة الصغيرة في المسار الذي يخدم مصالحها في الأساس وهو ما تؤشر عليه كافة المعطيات السابقة.

الهوامش:

(1) مصطفى صلاح، بعد عام من المقاطعة: الأزمة الخليجية وتداعيات التدخل التركي الإيراني، المركز العربي للبحوث والدراسات، بتاريخ 06/يونيو/2018 ، على الرابط: http://www.acrseg.org/40769

(2) هناء الكحلوت ، "معادلة المواقف" والانقلاب.. قطر حجر الأساس لتحالفات تركيا الجديدة"، الخليج أون لاين، بتاريخ 31-07-2016 ، على الرابط:

http://alkhaleejonline.net/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D9%81-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D8%AD%D8%AC%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%B3-%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9

(3) العلاقات الاقتصادية ، العلاقات القطرية – التركية، سفارة دولة قطر في أنقره، على الرابط:

https://ankara.embassy.qa/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D8%A9---%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9

(4) عنتر عبداللطيف، لهذه الأسباب تدعم قطر وتركيا الإخوان.. الدوحة تبحث عن دور للخليفة العثماني، صوت الأمة، بتاريخ 23 يونيو 2018 ، على الرابط:

http://www.soutalomma.com/Article/817720/%D9%84%D9%87%D8%B0%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%AD%D8%A9-%D8%AA%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%AF%D9%88%D8%B1

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟