المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

بوتين والمكاسب السياسية للمونديال

الخميس 05/يوليو/2018 - 01:26 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
هاني دانيال

نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التغلب على كثير من العراقيل التي وضعتها العواصم الغربية لإفشال تنظيم بلاده بطولة كأس العالم لكرة القدم، ثاني أهم بطولة رياضية على مستوى العالم بعد دورة الألعاب الأوليمبية، وحقق القيصر الروسي نجاحاً كبيراً لبلاده بعد أن حصل على العلامة الكاملة في جودة التنظيم، وإبهار العالم بدقة الاستعداد، وأناقة الحضور الجماهيري في المدرجات، بل وعدم تأثر فعاليات البطولة بمحاولات المقاطعة الدبلوماسية التي تبنتها لندن وعدد من العواصم الغربية.

فتور روسي بريطاني

الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" يحظر خلط الرياضة بالسياسة، لذا عمدت موسكو على تقديم الخدمات الضرورية لمنتخب انجلترا، على خلفية تدهور العلاقات بينهم بعد واقعة تسمم عميل المخابرات الروسية المزدوج سيرجي سكريبال وابنته يوليا في جنوب بريطانيا بغاز سام، وشارك المنتخب الإنجليزي في البطولة رغم عدم توافد أي مسئولين روس، خشية العقوبات الكبيرة في حال مشاركته،   كما غاب العديد من المشجعين الانجليز المعروف عنهم شغب الملاعب، وحضر القليل منهم للأراضي الروسية استجابة لتوصيات رئيس الوزراء البريطانية تريزا ماى، وهو ما تراه موسكو في صالحها، حيث قلل من نسبة الحوادث والاشتباك بين الجماهير، وهى الخطوة التي كان تعانى منها الدولة التي تستضيف هذه البطولة في السابق.

كما بلغ التجاهل الروسي للمنتخب الإنجليزي درجة مقاطعة القنوات المحلية لمبارياته. فالقنوات الروسية المتخصصة في الرياضة تبث كل مباريات المونديال، كذلك طمس التلفزيون الرسمي الروسي صورة مبنى السفارة البريطانية في العاصمة الروسية موسكو، في فيديو عن بطولة كأس العالم 2018.

نجاح سياسي وسياحي

النجاح الروسي لم يتوقف عند التنظيم الجيد، والتغلب على تراجع توافد عدد من الدبلوماسيين الأجانب لحضور المباريات كما حدث من قبل، وإنما توافد أكثر من مليون مشجع من مختلف دول العالم لمتابعة مباريات البطولة، والاستفادة من النظام الجديد الذى اتبعته اللجنة المنظمة والاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، حيث جرت العادة ان يتم استضافة مباريات كل مجموعة في مدينة واحدة، بينما في النظام الجديد، لكل مباراة مدينة مختلفة، وهو ما أدى إلى توافد الجماهير على 11 مدينة روسية جميلة، وخلق حالة من البهجة أمام شاشات الفضائيات.

وحسب الأرقام الرسمية سجلت البطولة حتى الآن حضور أكثر من مليون مشجع في مدرجات الملاعب التي تحتضن مباريات المونديال، بنسبة حضور بلغت 97 % من سعة الملاعب التي استضافت المباريات حتى الآن، كما بلغ حجم مبيعات تذاكر مونديال روسيا 2.6 مليون تذكرة، علما أن عملية بيع التذاكر مستمرة لغاية الـ15 من يوليو القادم موعد المباراة النهائية للبطولة.

وعلى شبكة الانترنت حظيت المباريات بنسبة   7.7 مليون مشاهد عبر شبكة الانترنت، وتم جمع البيانات من قبل "Conviva" شركة التحليلات التي تعمل مع العديد من ناشري البث المباشر في كأس العالم، بما في ذلك Fox Telemundo وNBC وHulu وSky، والتي أشارت إلى أنه في مونديال "جنوب إفريقيا 2010" كان هناك 1.5 مليون مشاهد عالمي لكأس العالم، ثم شاهد مونديال "البرازيل 2014" نحو 3.2 مليون، وهذا العام قفزت الأرقام إلى 7.7 مليون مشاهد، وهو أعلى من الأرقام التي حققتها بطولة "Super Bowl" هذا العام بواقع 5.5 مليون مشاهد.

كما تبارت الصحف الأجنبية والعربية في تغطية فعاليات البطولة، والقاء مزيد من الضوء حول تاريخ المدن المستضيفة، وخاصة من كان لها دور في الحرب العالمية الثانية، كذلك بث لقطات حية على شاشات الفضائيات من قلب هذه المدن، والعادات الشعبية للمواطنين، وساعد الروح الودية التى تمتع بها الروس في جذب كثير من المشجعين لنقل لزيارة المعالم السياحية والثقافية والتاريخية، ووفرت على الحكومة الروسية انفاق ملايين الدولارات من الدعاية لبلادهم بعد ان نجح المونديال في تقديم ما فشل فيه الآخرون.

كما توالت برقيات الشكر من مختلف الوفود الأجنبية للحكومة الروسية على حسن الاستقبال والتنظيم، وأبرزها برقية أميرة اليابان، وهو ما يعد نقطة جديدة يحرزها الرئيس الروسي لصالحه في مواجهة الهجمات الغربية التي شنتها لندن وواشنطن ضده.

أزمة الشيشان

ولم تتوقف المحاولات الغربية عن نقد سياسات بوتين، ومحاولة التأثير سلبا على مجريات البطولة، وما كاد المنتخب المصري يودع مدينة جروزنى بعد أن كان يقيم بها خلال مباريات البطولة، وقيام الرئيس الشيشانى  رمضان قاديروف بتكريم النجم المصري محمد صلاح ومنحه المواطنة الشرفية، حتى عادت الانتقادات من جديد، واتهام قاديروف  بدعم بوتين، وسط اتهامات بانتهاكات حقوق الانسان في الشيشان،.

وطالت الاتهامات أيضا دولة الامارات وزعمت الصحف الأجنبية وبعض المراكز البحثية أن التمويل الإماراتي لفندق الاقامة للمنتخب المصري له دلاله سياسية، مع الإشارة إلى أن هناك قنوات اتصال بين موسكو والقاهرة والتنسيق في مختلف الملفات المشتركة وخاصة ما يتعلق بالشرق الأوسط، والإشارة إلى تخصيص 30 مليار دولار لبناء أكبر محطة للطاقة النووية بالشرق الأوسط بتمويل ودعم روسي في مصر.

الإشكالية الأكبر هنا هو استخدام الغرب لورقة الشيشان في الهجوم على كأسٍ العالم من جانب، ومحمد صلاح النجم المصري والعربي الأشهر في كرة القدم، فالاتهامات مستمرة من قبل العواصم الغربية لموسكو بسبب ضلوعها في تنسيق مشترك مع الشيشان، وأن موسكو استخدمت الشيشان المسلمين كجزء من الشرطة العسكرية الروسية للحفاظ على القانون والنظام في المناطق التي تستعيدها قوات الحكومة السورية.

كما تستغل موسكو قاديروف في التواصل مع العالم العربي والإسلامي لتقليل من النفوذ الأمريكي على الشرق الأوسط، وخلق ظرة لروسيا باعتبارها القوة الوحيدة التي يمكن أن تتحدث مع الجميع في المنطقة دون إزعاج التوازن الجيوسياسي الدقيق في الشرق الأوسط.

نجومية صلاح والسياسة

نجحت شبكة CNN فى بث بلبلة داخل الأوساط المصرية وهز استقرار معسكر المنتخب المصري بعد نشر نبأ اعتزال صلاح اللعب الدولي نتيجة استغلاله سياسيا، وتأثير ذلك على نجوميته فى الدوري الإنجليزي بعد تكريمه من الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف وحصوله على المواطنة الشرفية، وهو ما أدى إلى حالة من الضجر فى الوسط المصري، وانتظار تفسيرات واضحة من الاتحاد المصري لكرة القدم، دون أن تستند لمصادر توضح فيها هذه الأنباء.

من جانبه أبدى محمد صلاح عدم رضاه لما يحدث مؤخرا واستغلاله بشكل سياسي ووضعه فى موقف محرج، وهو ما عبر عنه بشكل غير مباشر وكيل أعماله رامي عباس، الذى كشف فى تغريده عن أنه يتمني أن تمر هذه الأيام القليلة بخير على أن يتم النظر فيما بعد فى كيفية التعامل مع الأمر.

وفى سياق متصل رصدت شبكة Sky الإخبارية استغلال قاديروف لنجومية محمد صلاح، وقيامه بكتابة تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيها "شكرنا محمد صلاح على الاستقبال الجيد والمثير للدهشة ، والموقف الممتاز للفريق ، والظروف المعيشية الممتازة والتدريب، ونتمنى عودة مصر إلى الشيشان بعد نهائيات كأس العالم لكرة القدم لمباراة ودية ضد نادي أخمات جروزني"، وهو الذي سمي على اسم والده الذي اغتيل عام 2004، وتري الشبكة أن قاديروف يدعم سياسات الرئيس بوتين، إلا أنه فى الوقت نفسه يخضع لعقوبات تفرضها الولايات المتحدة التي تتهمه بانتهاك حقوق الإنسان، وسط اتهامات بملاحقة المعارضة وتعذيب المواطنين المدنيين وسوء ملف حقوق الإنسان فى الإقليم.

ويشتهر قاديروف باستغلال شعبية نجوم كرة القدم عالميا في تحقيق مصالح سياسية أمام مواطنيه، وسبق أن استدعى مارادونا ولويس فيجو وستيف ماكمانامان إلى جروزني عام 2011 من أجل إقامة لعبة عرض بمناسبة افتتاح ملعب جديد بـ 30 ألف مشجع، كما سبق وأن نشر البرازيلي رونالدينيو صورا لنفسه مع قاديروف خلال زيارة إلى جروزني ، وأثنى الملاكم فلويد مايويذر على قاديروف أثناء تصويرهما معا في العاصمة الشيشانية.

اتحاد الكرة المصري يرفض هذه الاتهامات وتسييس الأزمة، وأصدر بيانا يتبرأ فيه من كل هذه الاتهامات الغربية، مؤكدا أن الاتحاد الدولي يتحمل مسئولية ما حدث، وهو من وضع مدينة جروزنى ضمن المدن المستضيفة للمنتخبات المشاركة بالمونديال، إلا أن الهجمة الغربية الاعلامية بدأت في الانحصار بعد الحديث عن تفكير صلاح في اعتزال اللعب الدولي، وضيقه من الاستغلال السياسي الذى يتعرض له.

ماذا بعد؟

موسكو تسير بدرجة جيدة في إنجاح البطولة وتذليل أى عقبات ، وسط اصرار روسي على نجاح البطولة، في إطار استغلال بوتين لسلاح القوة الناعمة، فلا تخلو أي قناة بأي دولة أو صحيفة من أخبار البطولة، كما تتباري الصحف والمواقع الالكترونية على نشر لقطات مصورة وفيديو عن منافسات البطولة وكرنفال الجماهير الذى ملأ المدرجات بشكل جعل الجميع يتمنى زيارة روسيا في القريب، ليواصل بوتين تحقيق نجاحات رغم المحاولات الغربية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟