المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

الهوية العربية والشخصيات الإقليمية

الخميس 16/يونيو/2016 - 11:09 م

فى بحوثنا عن الهوية العربية التى نشرناها من قبل تساءلنا ما الذى يميز الشخصية الرئيسية عن الأنساق الفرعية؟

طبقا للمقولة الثالثة فى نظريتنا المقترحة تتميز الشخصيات الإقليمية المختلفة فى الوطن العربى بحكم تفرد التاريخ الاجتماعى لكل شخصية إقليمية مما يكسبها سمات فريدة قد لا توجد فى شخصيات إقليمية أخرى. ومما يؤكد صحة هذه المقولة اتجاه المفكرين والباحثين العرب الذين درسوا بعض الشخصيات الإقليمية المحددة كالشخصية المصرية والشخصية التونسية إلى التأكيد عليها فى دراساتهم، كل ذلك مع الحرص على ربط الشخصية الإقليمية المحددة بالنسق الرئيسى أو بعبارة أخرى بالشخصية العربية.

 

سنعرض من هذه الزاوية لثلاث دراسات عن الشخصيات العراقية والمصرية والتونسية.

 

فى كتاب الدكتور على الوردى دراسة فى طبيعة المجتمع العراقى: محاولة تمهيدية لدراسة المجتمع العربى الأكبر فى ضوء علم الاجتماع الحديث (بغداد، 1965) نراه فى مقدمة الكتاب يعرض لبعض أوجه الانتقادات التى وجهت إلى دراساته، ومن بينها أنه كان أولى به أن يدرس المجتمع العربى أولاً، لأن المجتمع العراقى ليس سوى جزء من الوطن العربى الأكبر.

 

ويرد الدكتور الوردى على منتقديه مقرراً، أنى أخالفهم فى هذا الرأى مخالفة كبيرة. أود أن أسألهم هنا: كيف يمكن دراسة المجتمع الكبير من غير دراسة الأجزاء الصغيرة منه كل على حدة.. لا شك فى وجود صفات عامة يشترك فيها العرب فى جميع أقطارهم. ولكننا مع ذلك يجب أن نعترف بوجود صفات يختلفون فيها أيضاً.

 

وإذا انتقلنا إلى كتاب محمد العزب موسى «وحدة تاريخ مصر» بيروت، 1972 لوجدناه بعد أن يخصص الجزء الأول من كتابه للحديث عن الاستمرارية والانقطاع فى التاريخ المصرى، يخص الجزء الثانى للحديث عن عروبة مصر.

 

يقرر المؤلف فى تصديره للقسم الثانى من كتابه، إذا كنا قد خلصنا فى القسم الأول من هذا الكتاب إلى وجود اتصال بين مراحل التاريخ المصرى رغم انقطاعه الظاهرى، وإلى تقرير وحدة هذا التاريخ من أقدم العصور إلى الآن، فإن القول بذلك، لا يمكن أن يستقيم نهائيا إلا إذا فهمنا تلك الظاهرة العميقة المعقدة فى تاريخ مصر ألا وهى انتقالها بحكم الضرورة التاريخية وطبيعة الأشياء إلى حوزة العروبة والإسلام. وهنا نلحظ أيضا الحرص على الربط بين الشخصية المصرية والشخصية العربية.

 

وأخيراً نجد أفكارا بالغة الوضوح حول تفرد الشخصية التونسية فى كتاب البشير بين سلامة «الشخصية التونسية: خصائصها ومقوماتها» تونس، 1974، ويدير المؤلف مناقشة ذكية حول أهمية دراسة الشخصيات الإقليمية فى الوطن العربى، لأن ذلك يمكن أن يؤدى ــ فى التحليل النهائى ــ إلى الوحدة العربية ذاتها، عن طريق معرفة السمات الفريدة فى كل شخصية إقليمية. بل إن المؤلف ليتقدم خطوات أبعد من ذلك لكى يدلل على أن هناك أمة تونسية متميزة عن الأمة العربية. ويصل إلى هذه النتيجة بإثارة سؤال مبدئى: ما هى الأمة؟ ويجيب: «أنه لا يمكن لشعب أن يصبح أمة إلا إذا أظهر بصورة مستمرة حية، إرادة جماعية للعيش، عيشة مشتركة، وإذا عرف كيف يكون لنفسه الهياكل اللازمة لوجوده كأمة قائمة الذات، وكذلك إذا هو أمكن له أن تكون له نوع من الثقافة ونوع من القدرة على أن يحكم نفسه بنفسه ويدير شئونه».

 

هذه مجرد أمثلة محدودة من الدراسات التى عنيت بدراسة بعض الشخصيات الإقليمية العربية، والتى تركز جميعاً كقاعدة عامة ــ على التاريخ الاجتماعى الفريد لكل شخصية إقليمية، باعتبار أن هذا هو الذى يبرر تميزها عن غيرها من الشخصيات الإقليمية الأخرى من ناحية، وعن الشخصية العربية باعتبارها النسق الرئيسى من ناحية أخرى.

 

ويضيق المقام عن التحليل النقدى لمناهج هذه الدراسات الإقليمية وللأخطاء الشائعة التى عادة ما تقع فيها. ولعل أخطر هذه الأخطاء قاطبة التركيز على التاريخ الإقليمى دون ما محاولة لربطه بالتاريخ القومى العام، مما يفتح الباب فى كثير من الأحيان على عديد من الثغرات.

 

ولو أخذنا التاريخ المصرى- على سبيل المثال - لاكتشفنا خطورة هذا المنهج. فالتاريخ المصرى يتسم بعمق المجال التاريخى، وبالتنوع الشديد، وبالحلقات الممتدة. ولا يمكن فهم هذا التاريخ بغير الوعى بأنه يتضمن ثلاث حلقات رئيسية هى: الفرعونية، والقبطية، والعربية الإسلامية.

 

ولعل مما يكشف عن الانتقال الكيفى فى تاريخ مصر من القبطية إلى العربية الإسلامية المقال الذى كتبه المؤرخ المصرى «جمال الدين الشيال» فى مجلة «الثقافة» القاهرية فى الأربعينيات وعنوانه «تكون الشعب المصرى الجديد بعد الفتح الإسلامى».

 

وفى هذا المقال المهم يرصد «الشيال» التغيرات الجوهرية التى لحقت بالشعب المصرى، نتيجة انصهاره مع القبائل العربية الواحدة، مما حدا به إلى أن يتحدث عن شعب مصرى جديد، لغة ودينا وأشخاصا.

 

ومن ناحية ثانية نجد من الأخطاء الشائعة فى الدراسات الإقليمية التى ألمحنا إليها، ظاهرة «التمركز حول الذات» التى تجعل الباحث يتحدث عن إقليمه - فى بعض الأحيان- بطريقة يبدو فيها الإعجاب الشديد بالسمات الفردية لبلده، والتى من الصعب توافرها فى بلد آخر! ويكون هذا عادة إخفاء شعوريا أو لا شعوريا لحس إقليمى تعصبى ضارب فى وجدان الباحث، ولعل ما يكشف عن هذه الظاهرة السلبية تحليل مضمون الكتابات السياسية العربية فى أوقات الأزمات والخلافات بين بلد عربى وبلد آخر. فى كثير من الأحيان نجد مبالغة واضحة فى إظهار عظمة وتفرد بلد عربى معين والتهوين من قدر بلد عربى آخر.. انظر على سبيل المثال المناقشة التى دارت فى مصر فى أواخر السبعينيات حول «حياد مصر وعروبة مصر» نجد «توفيق الحكيم» فى مقال عنوانه «الحياد المطلوب» نشر فى جريدة الأخبار القاهرية فى 18 مارس 1978 يركز فيها على مصرية مصر وينفى انتماءها العربى.

 

ما سبق كانت أمثلة على قصور الاتجاهات الإقليمية، وجهل أصحابها أو تجاهلهم لحقائق الجغرافيا والتاريخ!

 

وبعد، أن التحدى الحقيقى أمام الأمة العربية سيكون هو كيف يمكن إقامة تأليف حى خلاق بين الأنساق الفرعية والنسق الرئيسى، بين الشخصيات الفرعية على اختلافها وبين الشخصية العربية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟